لجريدة عمان:
2025-06-02@04:34:13 GMT

أحرار نوفمبر.. سبعينيّة «أوراس»

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

عام1962م، كان الشاعر حميد بن عبد الله الجامعي المعروف بأبي سرور صاعدا فوق نخلة، فسمع خبر استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي، عندما أذاعته محطّة (بي بي سي)، فاهتزّ طربا، وغمره الحماس، وتملّكته فرحة عارمة، لم تمهله حتى نزوله ليكتبها على الورق، خوفا من النسيان، فما كان أمامه سوى أن يكتب قصيدته (مليون النصر) على ساعديه، ومما جاء فـيها:

لله قوم على حرب العدا ولدوا

فعانقوها لباسا وهي تستعر

مليون شهم من الأبطال قد قتلوا

فـي نيل حرية يا حبذا الوطر

خالوا الجزائر عطشى للدما شرفا

فأمطروها دما فاخضرت الجزر

سقوا عدوهم من سيفهم سقرا

حربا ضروسا وما أدراك ما سقر

وصارعوا طائرات الخصم حاضنة

شر القنابل يرميهم بها البطر

وفـي جلسة أدرتها فـي النادي الثقافـي عام 2013م، وكانت محاضرة للدكتور حوّاس بري عن الجزائر فـي الشعر العماني، تطرّق خلالها إلى نصوص لشعراء عمانيين كتبوا عن الثورة الجزائرية التي اعتبروها أنموذجا للثورات التحررية فـي العالم، ومن بينهم الشيخ عبدالله الخليلي والشيخ هلال السيابي السفـير الأسبق لسلطنة عمان فـي الجزائر، و «أبو سرور» المولود عام 1942 فـي سمائل والمتوفى فـي 21 سبتمبر 2014 م، وكان من ضمن الحضور، فاستأذن، ليعتلي المنصة، ويلقى القصيدة، وقبل ذلك تحدّث عن حبّه للجزائر، وهو حبّ من طرفـين، وحمل معه دليل محبّة الجزائر، عندما عرض رسالة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة التي شكره بها، تقديرا لقصيدته، ووصلته عن طريق السفارة الجزائرية بسلطنة عمان.

استحضرت هذا الحدث الذي يختصر الكثير من مشاعر محبّة العمانيين للشعب الجزائري، حين وصلتني دعوة من المؤسسة الجزائرية لايف ميديا للإنتاج لأحلّ ضيف شرف على برنامج (أحرار نوفمبر)، وكنت قد سبق لي زيارة هذا البلد العربي الشقيق عندما اختيرت الجزائر عاصمة للثقافة العربية عام 2007م، وشاركت فـي أمسية شعرية احتضنتها المكتبة الوطنية، وكان من أبرز فرسانها الشاعر الكبير الراحل عبدالرزّاق عبد الواحد. وكم كانت سعادتنا كبيرة، عندما زرنا بلد المليون شهيد، الذين سقطوا من أجل حريّة الجزائر من استعمار فرنسا لها الذي بدأ سنة 1830م، وانتهى بإعلان استقلال الجزائر فـي الخامس من يوليو 1962م.

وتحتفل الجزائر هذا العام، بمرور سبعين عاما على اندلاع الشرارة الأولى للثورة، فـي الأول من نوفمبر عام 1954م، ومن بين هذه الاحتفالات، برنامج تلفزيوني عنوانه (أحرار نوفمبر)، والبرنامج مسابقة شعرية باللغة العربية الفصحى، اعتزازا من صنّاع البرنامج باللغة العربية باعتبارها هوية وطنية وقومية، ويأتي البرنامج على غرار برامج شعرية يتبارى فـيها الشعراء بحضور لجنة تحكيم مشكّلة من شعراء وأكاديميين، ونقّاد، من بينها، (أمير الشعراء) الإماراتي، وبرنامج (المعلقة) السعودي، وغيرهما، ويقام برنامج(أحرار نوفمبر) بمناسبة عزيزة على قلب كل جزائري وعربي، وهي اندلاع الشرارة الأولى لثورة 1 نوفمبر 1954م التحررية، وتشترط المسابقة أن تكون القصائد المشاركة على نمط القصائد العمودية والتفعيلة فقط، وقد رصدت الجهة المنظّمة لها جوائز قيّمة، فالجائزة الأولى تبلغ مليوني دينار جزائري، والثانية مليون دينار جزائري، والثالثة نصف مليون، وتعلن الجوائز بعد سلسلة جولات وتصفـيات وخلال الجولات يلقي المشاركون نصوصهم أمام لجنة التحكيم المختارة من أسماء أدبية معروفة، وهي: د. عبدالله حمادي من الجزائر، والشاعر شوقي بزيع من لبنان وود. نايف الرشدان من المملكة العربية السعودية، ود. وليد الصراف من العراق ود. هدى عطية من مصر، وتطلب اللجنة من المشارك قراءة نص جديد وارتجال عدد من الأبيات حول موضوع تحدّده. وقد لفت نظري أنّ اللجنة اشترطت على النصوص المشاركة أن تتمحور حول الثورة، أو قضايا التحرّر بالعالم، وفـي ذلك إحياء للشعر المنتمي لواقع الإنسان وقضاياه، للحدّ من التوجّهات التي استهوت الكثير من الشعراء الشباب الذين لجأوا إلى تعمية نصوصهم، عبر بناء تشكيلات ذهنية ولغوية جعلت منها دورانا فـي متاهات مغلقة، تفتقر للصدق الفني وحرارة التجربة، ومثل هذه البرامج من شأنها أن تعيد الشعر للواقع والإنسان وقضاياه الكبرى، وبالطبع ينبغي أن تأتي بأبنية لغوية جديدة، وهذا ما ستقرّره لجنة التحكيم، والجمهور الذين سيصغون إلى إبداعات الشعراء وهي تستلهم بطولات رجال (أوراس) السلسلة الجبلية العالية، التي تُعدّ من أكبر السلاسل الجبلية الواقعة فـي شمال أفريقيا، وكانت حاضنة للمقاومة الشعبية التي وقفت بوجه الفرنسيين وقاتلتهم بضراوة، وساعدها على ذلك موقعها الجغرافـي وتضاريسها الوعرة التي أجبرت قوات الاحتلال على الهزيمة فـي يوم استقلال البلاد فـي 5 يوليو 1962م بفضل شجاعة (أحرار نوفمبر).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة الجزائر

إقرأ أيضاً:

رأي في الخلاف الجزائري الفرنسي

في خضم التوترات المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا، تبدو الحاجة ماسّة إلى وقفة تأمل عميقة، تقود إلى قرارات رشيدة تتجنب الانزلاق إلى مواجهات قد تضر بمصالح الشعبين أكثر مما تخدم القضايا الجوهرية. فبين الذاكرة الاستعمارية والملفات السياسية والاقتصادية المعقدة، تتشابك خيوط الأزمة بشكل يفرض على الجزائر اعتماد نهج أكثر عقلانية، يقوم على الدبلوماسية النشيطة من جهة، وعلى تدعيم الجبهة الداخلية من جهة أخرى.

‎لا يخفى على أحد أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية لطالما شهدت فصولاً من التوتر، تعود جذورها إلى التاريخ الاستعماري وما خلفه من جراح عميقة لم تندمل بعد. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار الروابط المتشابكة اقتصادياً وثقافياً وحتى اجتماعياً بين البلدين، خاصة في ظل وجود جالية جزائرية كبيرة في فرنسا. ولهذا، فإن أي تصعيد غير محسوب قد تكون له عواقب وخيمة، ليس فقط على العلاقات الرسمية، بل أيضاً على الأمن الاقتصادي والاجتماعي للجزائر.

‎إن من مصلحة الجزائر أن تتجنب الانجرار إلى مواقف انفعالية أو شعاراتية، قد تكسب تعاطفاً شعبياً آنياً، لكنها تهدد المصالح الاستراتيجية للدولة على المدى البعيد. وهنا تبرز أهمية تبني “دبلوماسية نشيطة”، لا تقتصر على إصدار البيانات أو ردود الأفعال، بل تعتمد على الفعل السياسي المدروس، والانخراط في مفاوضات متعددة المستويات، والسعي إلى بناء تحالفات دولية تحترم سيادة الجزائر وتدعم مصالحها.

‎غير أن نجاح الدبلوماسية الجزائرية في هذا السياق لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن وحدة وطنية صلبة. ولتحقيق هذه الوحدة، لا بد من توسيع مجال الحريات السياسية والإعلامية، بما يسمح بخلق مناخ داخلي قائم على الثقة بين المواطن والدولة. إن تعزيز حرية التعبير، وفتح المجال أمام النقاش السياسي المسؤول، وتمكين المجتمع المدني من أداء دوره، كلها عوامل تعزز اللحمة الوطنية وتحصن الجبهة الداخلية في وجه أي ضغوط خارجية.

‎الوطنية لا تُبنى بالشعارات وحدها، بل بالممارسات الديمقراطية الفعلية، وبالعدالة الاجتماعية، وباحترام حقوق الإنسان. في هذا السياق، فإن توسيع الحريات لا يُعدّ تهديداً للدولة، بل هو شرط من شروط قوتها. فالشعوب التي تشعر بأنها تُحترم وتُشارك في اتخاذ القرار، تكون أكثر استعداداً للدفاع عن الوطن في مواجهة التحديات الخارجية.

‎وفي ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة والعالم، تحتاج الجزائر إلى تصليب موقفها الدولي عبر الاعتماد على شرعية داخلية حقيقية، قائمة على التعددية والشفافية والمساءلة. أما الاستمرار في الاعتماد على خطاب المواجهة فقط، فيخاطر بعزل الجزائر دبلوماسياً، وتقديمها كدولة منغلقة تفتقر إلى أدوات التأثير الإيجابي في محيطها.

‎وفي السياق نفسه، إذا كانت الجزائر تطمح فعلاً إلى لعب دور فاعل ومؤثر في محيطها الإقليمي والدولي، فإن عليها أيضاً أن تعيد النظر بجدية في علاقاتها مع الجار المغربي. إن القطيعة القائمة حالياً لا تخدم مصلحة أي من الشعبين، بل تعمّق الانقسام وتفتح الأبواب أمام أطراف خارجية لاستثمار هذا الشرخ. لقد آن الأوان لطي صفحة الخلافات المفتعلة، وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية، الذي ينبغي أن تتخلى الجزائر عن التدخل فيه وتتركه بين يدي المؤسسات الدولية، بعيداً عن الحسابات الجيوسياسية الضيقة. فتح قنوات الحوار مع المغرب، والتوجه نحو التكامل المغاربي الحقيقي، لا يُعدّ ضعفاً بل هو مؤشر نضج سياسي ووعي بالمصالح المشتركة التي يتوق إليها شعبا البلدين منذ عقود. إن تجاوز منطق العداء وبناء الثقة المتبادلة هو السبيل الأمثل لتعزيز الاستقرار في المنطقة، ولتمكين الجزائر من توجيه جهودها نحو التنمية الداخلية والإصلاح الوطني بدل استنزافها في صراعات عبثية.

مقالات مشابهة

  • وكالة الأنباء السورية تبدأ بث أخبارها باللغة العبرية.. ما حقيقة الادعاء؟
  • البرلمان عاجز والساحة منقسمة: نوفمبر انتخابي بطعم الانقسام
  • موطني بين ضفتي الرافدين: لماذا يغني العراق بصوت شاعر غريب؟
  • فتح باب المشاركة في "المهرجان السينمائي الخليجي" بمسقط.. والانطلاق في 16 نوفمبر
  • نقيب الصحفيين: جزء من عملنا أن نكون أحرارًا في الشارع لا أن نعمل بتصريح أمني
  • رأي في الخلاف الجزائري الفرنسي
  • إن كان للسودان نيلان «الأبيض والأزرق»، فإنّ الشاعرة روضة الحاج نيلٌ إضافي ثالث
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: ماذا لو كنت مخطئاً
  • وليد علاء الدين: الشعراء أول مَن وضع أسس الذكاء الاصطناعي!
  • الجزائر تسارع الزمن لاستيراد أضاحي العيد