مفتي الجمهورية: الإسلام لا يخشى الذكاء الاصطناعي بل يرشده ويهذّب غاياته
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام يتخذ موقف الانفتاح الراشد والمنضبط من المستجدات العلمية، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الدين الإسلامي يحتفي بالعلم ما دام في خدمة الإنسان وعمارة الأرض، ويُعلي من شأن العقل الباحث والمفكر لا المنغلق والمتوقف عن الاجتهاد.
جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في احتفال جامعة المنصورة بعيد العلم السادس عشر، بحضور اللواء طارق مرزوق، محافظ الدقهلية، والأستاذ الدكتور شريف يوسف خاطر، رئيس الجامعة، وعدد من نواب الجامعة وعمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس والطلاب، في احتفالية علمية حملت رسائل فكرية عميقة تؤكد تكامل الدين والعلم في بناء الحضارة الإنسانية.
العلم في التصور الإسلامي عبادة وسلوك حضاري
استهل مفتي الجمهورية كلمته بالتأكيد على أن العلم في التصور الإسلامي ليس زينة دنيوية، بل عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، وسلوك يفتح آفاق الوعي والعمران.
وقال فضيلته:“الوحي الشريف ربط بين نور العلم ونور الهداية في قوله تعالى: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾، ليؤكد أن القراءة والعلم هما مفتاح النهضة، وأن الدين لا يقوم على الجمود، بل على الفهم الراشد والفكر المستنير.”
وأوضح أن الإسلام أراد لأمته أن تكون أمة العلم والعمران، مؤكدًا أن أي حضارة قامت على الجهل مصيرها الانهيار والزوال، بينما الحضارة التي تُبنى على العلم والإيمان تستمر وتثمر خيرًا للعالم كله.
العلم وسيلة للاستخلاف وبناء الحضارة
وبيّن فضيلته أن الله جعل العلم وسيلة لتحقيق الاستخلاف في الأرض، وأداة لإعمار الكون وإصلاح ما فسد، موضحًا أن الإنسان مستخلفٌ في هذا العالم تكريمًا وتكليفًا في الوقت نفسه.
وقال:“الاستخلاف ليس تشريفًا فقط بل مسؤولية، تقتضي أن يفقه الإنسان سنن الله في الخلق، ويحسن تسخير موارد الكون بما يحقق الخير للجميع، لأن العلم هو المفتاح الذي يمكِّن الإنسان من أداء هذه الأمانة على الوجه الأكمل.”
وأكد أن العلم لا ينفك عن الهداية الربانية، فهو محتاج إليها لتوجيه مساره وتهذيب غاياته، تمامًا كما تحتاج التكنولوجيا الحديثة إلى منظومة قيمية تحفظها من الانحراف والاستخدام الضار.
ردّ المفتي على دعاوى الفصل بين الدين والعلم
وانتقد مفتي الجمهورية الجدل المصطنع بين الدين والعلم، مؤكدًا أن ما يروّجه البعض من وجود قطيعة بينهما هو فكر دخيل لا يمت إلى الإسلام بصلة.
وأوضح أن القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تحض على التفكر والتدبر والتجربة، وهي ذاتها الأسس التي يقوم عليها المنهج العلمي الحديث، مضيفًا أن الإسلام سبق كل النظريات في التأكيد على أن “العلم سبيل الهداية والكرامة الإنسانية”.
وقال فضيلته:“شهد التاريخ الإسلامي عصورًا ازدهر فيها الدين والعلم معًا، فكانت الحضارة الإسلامية منارة للعالم، تجمع بين الطب والفلك والفلسفة والفقه واللغة في وحدة فكرية فريدة.”
تحذير من الفكر المتشدد والسطحي تجاه العلم الحديث
وحذّر الدكتور نظير عياد من التيارات المتشددة التي تنكر فضل العلوم الطبيعية والإنسانية، وتزعم أن العلم الحقيقي محصور في العقيدة والفقه فقط، مؤكدًا أن هذا الفكر المنغلق أنتج عقولًا تعادي التقدم وتناهض الإبداع.
وأوضح أن بعض الجماعات المتشددة تحاول استقطاب طلاب الجامعات العملية والإنسانية لإقناعهم بترك تخصصاتهم، أو دراسة الشريعة على أيدي غير المؤهلين، وهو أمر خطير يهدد مستقبل الأمة العلمي والمعرفي.
وقال مفتي الجمهورية بوضوح:“العلوم الإنسانية والطبيعية ليست ضد الدين، بل هي تجسيد عملي لقوله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾، فالعالم في المختبر قد يكون من أكثر الناس خشية لله.”
الإسلام والذكاء الاصطناعي
وفي محورٍ مهم من كلمته، تناول مفتي الجمهورية موقف الإسلام من الثورة العلمية المعاصرة في مجال الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن الإسلام لا يرفض المستجدات العلمية، بل يتعامل معها بمنهج الانفتاح الراشد المنضبط بالقيم الأخلاقية.
وأضاف:“الذكاء الاصطناعي منجز علمي عظيم، يجب توجيهه نحو خدمة الإنسان لا السيطرة عليه. والإسلام يحتفي بالعلم ما دام في خدمة الخير والإعمار، لا في نشر الفساد أو الظلم أو الاعتداء على كرامة البشر.”
وأشار إلى أن الأمة التي تطمح للريادة لا بد أن تجمع بين أصالة العلم وقوة العقل والانفتاح على العصر، فنهضتها تقوم على التوازن بين الوحي والعقل، لا على التصادم بينهما.
تكريم للعقل المبدع ومسؤولية وطنية
واختتم فضيلة المفتي كلمته بالتأكيد على أن يوم العلم ليس مناسبة رمزية بل محطة وطنية لتجديد العهد مع البحث والمعرفة، مؤكدًا أن العلم في جوهره رسالة سامية وعبادة وواجب وطني.
وقال:“في زمن تتقاطع فيه التحديات العلمية والأخلاقية، لا بد من إعداد جيل يؤمن بأن التقدم لا يناقض الإيمان، وأن الإبداع لا ينفصل عن الأخلاق، وأن عمارة الأرض لا تتحقق إلا بالعلم القائم على القيم الراسخة والإيمان العميق.”
وختم بالدعاء لمصر وشعبها وقيادتها بالتوفيق والسداد، وللعلماء بالمزيد من البذل والعطاء.
تكريم المفتي وإشادة جامعية
من جانبه، رحّب الأستاذ الدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة، بفضيلة المفتي، معربًا عن تقديره لجهوده في تجديد الخطاب الديني ونشر الوعي العلمي المستنير، مؤكدًا أن العلم رسالة لبناء الإنسان وصناعة مستقبل الوطن.
كما أشاد اللواء طارق مرزوق، محافظ الدقهلية، بفضيلة المفتي واصفًا إياه بـ"العالم المستنير الذي يجمع بين الفكر الأصيل ونور الإيمان".
وفي لفتة تقدير، أهدى رئيس الجامعة درع جامعة المنصورة إلى مفتي الجمهورية، تقديرًا لإسهاماته في خدمة العلم والدين والمجتمع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الإفتاء الذكاء الاصطناعي الدين الإسلامي جامعة المنصورة نظير عياد الذکاء الاصطناعی مفتی الجمهوریة الدین والعلم أن الإسلام مؤکد ا أن العلم فی أن العلم
إقرأ أيضاً:
مفتى الجمهورية يصل الدقهلية للمشاركة فى مؤتمر عيد العلم السادس عشر
وصل منذ قليل الدكتور نظير عياد مفتى الجمهورية، لديوان عام محافظة الدقهلية، وكان فى استقباله اللواء طارق مرزوق محافظ الإقليم والدكتور أحمد العدل نائب المحافظ، واللواء عماد عبد الله سكرتير عام المحافظة، وذلك فى إطار زيارة مفتى الجمهورية للمشاركة فى فعاليات مؤتمر عيد العلم السادس عشر بجامعة المنصورة.
ورحّب المحافظ بفضيلة المفتى، مؤكدًا اعتزاز المحافظة بمؤسساتها العلمية والدينية والوطنية، وأن اجتماع العلم بالقيم يرسّخ مسار الدولة نحو بناء الإنسان والإرتقاء بوعيه.
وقال مرزوق " الدقهلية تفتخر بعلمائها وبجامعة المنصوره الرائدة، ونعمل على توفير كل سُبل الدعم لبيئة بحثية تُنتج معرفة نافعة وحلولًا عملية تخدم المواطن الدقهلاوي وتعمل علي مشاكله في كافة القطاعات الخدمية ".
وأكد المحافظ على أن حضور فضيلة المفتى بين أساتذة وطلاب المنصورة يبعث برسالة قوية مفادها أن الأخلاق العلمية جزء لا يتجزأ من التميّز الأكاديمى.
كما أكد المحافظ أن مؤتمر عيد العلم أصبح يرسّخ مكانة المنصورة كعاصمة للعلم فى الدلتا، موجها الشكر لفضيلة المفتى على تشريفه للإحتفال، ولرئيس جامعة المنصورة على الجهد التنظيمى المميز الذى يعكس صورة حضارية لمحافظة الدقهلية.
ومن جانبه أكد مفتى الجمهورية أن دار الإفتاء المصرية أصبحت اليوم مؤسسة علمية رائدة تؤدى رسالتها الدينية والفكرية والتربوية من خلال مراكزها البحثية والرقمية مثل مركز سلام للدراسات ومرصد الفتاوى التكفيرية ومركز الإفتاء الإلكترونى الذى يتلقى آلاف الأسئلة يوميًا من داخل مصر وخارجها مشيرًا إلى أن رسالة الدار لم تعد مقتصرة على الفتوى فحسب بل أصبحت رسالة شاملة تشمل الإرشاد والتثقيف والإصلاح الأسرى والمجتمعى.
وأوضح المفتى أن مواجهة الفكر المتطرف وبناء الوعى الصحيح يمثلان محورًا أساسيًا فى عمل دار الإفتاء المصرية مؤكدًا أن الوعي لا يُبنى إلا على قاعدة علمية راسخة تدمج بين المعرفة الدينية والإنسانية وأن من أخطر ما يواجه المجتمع المعاصر الانسياق وراء المعلومات المضللة المنتشرة عبر الوسائط التكنولوجية دون تحقق أو تمحيص.
وخلال اللقاء أشار فضيلة مفتى الجمهورية إلى أن العلم الذى ينفصل عن الأخلاق لا فائدة فيه مستشهدًا بقول الله تعالى ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه فمن يهديه من بعد الله﴾ مؤكدًا أن العلم الحق هو الذى يقترن بالقيم والمبادئ السامية التى تحفظ للإنسان إنسانيته.
وحذر فضيلة المفتى من اتباع الآراء الشاذة أو الأقوال التي قيلت في سياقات تاريخية وظروف مغايرة لواقعنا المعاصر موضحًا أن التجديد في الخطاب الديني لا يعني التخلى عن الثوابت بل يعنى تقديم الدين بلغة تناسب عقول الناس وتستجيب لمتغيرات العصر.
وفى ختام اللقاء أكد فضيلة مفتى الجمهورية أن الخير متأصل فى الناس لكنه يحتاج إلى من يرشده ويوجهه مبينًا أن الالتزام الحقيقي بتعاليم الدين يثمر أفرادًا أسوياء صالحين لمجتمعهم وأنه لا يصح أن يُحكم على الدين من خلال سلوكيات بعض المنحرفين عنه.
وأشار فضيلة المفتى إلى أنه لا توجد مسألة من المسائل التى يطعن من خلالها المشككون فى الإسلام إلا وكانت موجودة قبل الإسلام غير أن الإسلام جاء فنظمها وضبطها بضوابط الأخلاق والرحمة والعدل مثل قضايا الرق والتعدد وغيرها.