«أبوالطيب المتنبى» شاعر جاء إلى مصر تقريباً عام 959 ميلادياً وقال فى أحد أشعاره «كم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكاء» والمتنبى عندما كان يمدح كان مديحه مدفوع الأجر والعطايا، فكان من مديحه أنه صور الأمير «سيف الدولة الحمدانى» بالأسد الغضنفر، وهو فى الحقيقة كان أمير مهزوم منكسر، حيث خسر حلب وهو أمير عليها، حيث انسحب عام 962 على يد القائد البيزنطى «نقفور» إلا أن المتنبى صوره ببطل المعارك وحول هزيمته إلى نصر، فكان المتنبى مثله مثل القنوات الفضائية التى تبيع الوهم للناس، وتصور الانكسارات نصراً، ولكن بالتأكيد كان للمتنبى براعته بجانب المديح فى الحكمة والوصف ، ليكون بيته الذى قاله على شعب مصر وصفاً دقيقاً لهم منذ زمن ما قاله حتى الآن، ولعلهم كانوا على هذه الشاكلة قبل المتنبى، فهم الذين يبكون إذا فرحوا ، بل يطلقون على هذا النحو من البكاء «البكاء السعيد» وعندما يضحكون يقولوا عبارتهم المشهورة والمعتادة «الله يجعله خير» أى يخافون من الضحك كنذير شؤم «والعياذ بالله» ويعتقد بعض المتفلسفين أن سبب ذلك راجع إلى أن الناس فى بلدنا عاشوا أيام حزينة أكثر من أيام الفرح، لذلك لا يفرحون عندما يكونوا سعداء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كلام فى الهوا المعارك القنوات الفضائية للناس
إقرأ أيضاً:
خطاب النصر
لطالما قيل لطبقة العمال من قبل الأغنياء وأصحاب النفوذ فى نيويورك إن السلطة ليست من حقهم.
أصابعهم المتورمة من رفع الصناديق فى المخازن، وكفوفهم المتشققة من مقابض دراجات التوصيل، ومفاصلهم المحترقة من لهب المطابخ، كل تلك الأيدى لم يُسمح لها يومًا بأن تمسك بالسلطة. ومع ذلك، أسقطنا سويًا سلالةً سياسيةً قديمة شكرًا لأولئك المنسيين فى دهاليز السياسة، الذين جعلوا من هذه الحركة قضيتهم الخاصة أيضًا شكرًا للجيل الجديد الذين رفضوا أن يصدقوا أن وعد المستقبل الأفضل أصبح من الماضى. وأنا أقف أمامكم، أتذكر كلمات جواهر لال نهرو «نادرًا ما تأتى لحظة فى التاريخ نخطو فيها من القديم إلى الجديد، حين تنتهى حقبة وتجد روح الأمة المقهورة صوتها»، «سننهى ثقافة الفساد التى سمحت للأثرياء أمثال ترامب بالتهرب الضريبى واستغلال الإعفاءات. قد يقولون إننى لست المرشح المثالى، أنا شاب رغم محاولاتى أن أبدو أكبر سنًا، أنا مسلم، أنا اشتراكى ديمقراطى، والأخطر أننى لا أعتذر عن أى من ذلك». قال أحد العظماء من أبناء نيويورك «تُخاض الحملات بلغة الشعر، لكن تُحكم المدن بلغة النثر »، وإن كان ذلك صحيحًا، فليكن نثرنا متناسقًا مع الشعر، ولنبنِ معًا مدينةً مشرقة للجميع. ستظل نيويورك مدينة المهاجرين بُنيت بهم، وتعمل بهم، واليوم تُقاد بأحدهم.
فن الخطابة هو رأس مال كل سياسى محترف، فهذه الموهبة الخاصة يتقنها القليل، لكن ممدانى أثبت جودة مذهلة جعلته من أولئك الذين يستطيعون إشعال حماس الجماهير والسيطرة على حواسهم ودغدغة مشاعرهم، فحظى خطاب النصر لأول عمدة مسلم وأول اشتراكى لقلعة الرأسمالية الأمريكية باهتمام كبير، فعمدة نيويورك شخصية ذات تأثير كبير خارج الولايات المتحدة الأمر الذى يجعل أى تغيير جذرى ذا صدى دولى لأن اقتصادها يتخطى دولًا من مجموعة العشرين مثل تركيا والسعوديه، لذا لم يكن مستغربًا تلك المتابعة العالمية غير المسبوقة، ففوز ممدانى ينظر إليه كعلامة على مرحلة سياسية جديدة، حيث برهنت قوة الحملة الشعبية وتحفيز الشباب والمهمشين من خلال وسائل التواصل الرقمى التى كشفت مدى هشاشة النخب التقليدية فقد شبه البعض بنفس كريزما وبلاغة تشرشل وأوباما، هذا الانتصار الاستثنائى التاريخى والذى لم تتوقعه أى من مراكز الأبحاث أو الاستطلاعات، لا سيما بعد ذلك الإقبال الانتخابى الهائل الذى تجاوز المليونين، وهو الأعلى منذ أكثر من خمسين عامًا، نجاح ممدانى يرجع إلى التركيز على هموم المواطنين الاقتصادية مما مكن حملته من اختراق جميع الحواجز الدينية والعرقية والديموجرافية، لذا لم يكن هذا الفوز الساحق صدفة أو مجرد خطاب شعبوى جذاب، بل جاء تتويجًا لجهد تنظيمى ضخم اعتمد على قوة البنية التحتية للحركة والتعبئة الشعبية خارج الصندوق، بالإضافة إلى لغته القريبة من لغة المواطن العادى فى طرح برنامجه الجرىء مما تسبب فى تحويل الانتخابات من نقاش حول الهويات والثقافات إلى نقاش صريح حول الطبقية والعدالة الاجتماعية. كانت رسالته بسيطة لكنها جريئة المشكلة ليست فى لون جلدك أو دينك، بل فى أن النظام النيوليبرالى القائم يسرق منك حقك فى حياة كريمة، توسع وزيادة التحرك الجماهيرى الموجه والمنظم سيغير مسار المنافسات السياسية الأمر الذى لا بد أن يؤثر، عاجلًا أم آجلًا، على طبيعة وشكل الانتخابات المقبلة سواء الكونجرس أو الرئاسة، معظم السياسيين فى حالة صدمة وإنكار لأسباب فوز ممدانى فهنالك دلالة عميقة كونها ليست هزيمة لأندرو كومو فقط، بل هزيمة مذلة لترامب لأن ممدانى الشخص والفكرة والطرح يمثل النقيض الكامل المجسد لكل سياسات وطروحات ترامب الذى تدخل فيها بتهديدات سافرة جاءت بنتائج عكسية يكتسب فوز ممدانى أهمية خاصة بسبب تأثيره المستقبلى على النظام السياسى الأمريكي.