رابعة العدوية وحكم الإخوان ومتلازمة البالون
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، والذي قامت خلال قوات الشرطة والجيش بمجازر ضد مدنيين سلميين معارضين لانقلاب الــ3 من يوليو 2013 في مصر، والذي تفاوتت أعداد من قضوا فيه بين 670 شهيدا بحسب وزارة الصحة و6000 بحسب المعارضة، والذي اعتقل على إثره الآلاف.. هو نتيجة لتجاذبات سياسية سبقت هذه الأحداث بعام، وتحديداً بعد انتخاب مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي وتوليه مقاليد البلاد، وإن كانت مقدماتها مرتبطة بثورة يناير، وهي الحقيقة التي فهمها لاحقاً من أيد المجزرة ومن قام بها، بعد أن تم إقصاؤه.
لقد كانت الفترة التي "لم يحكم" فيها الإخوان البلاد رغم سيطرتهم على المجالس النيابية والتنفيذية، فخّاً وقعوا فيه، نصبته لهم قوى يوليو بعسكرها ومدنييها والقوى الدولية، ونفّذته وموّلته القوى الإقليمية، لكنهم ومع تكرار التاريخ وإعادته لنفسه لم يتعلموا الدرس، وإن كان الفارق نوعيا بين ما حدث في 1954 وما حدث في 2013، مع غياب عوامل مؤثرة كثيرة في 1954 بالمقارنة مع 2013 وعلى رأسها الإعلام والقوى الإقليمية التي موّلت واستقطبت ودفعت أطرافا داخلية لإفشال التجربة، وفي ظل تحمّل المعارضة "المدنية"، كما تسمّي نفسها، مسئولية التمهيد لإفشال التجربة.
لكن أيضاً لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الأداء غير الناضج للإخوان في هذه الفترة، وتراخيهم رغم انكشاف نوايا الثورة المضادة متمثلة في قادة القوات المسلحة ودولة يوليو العميقة، في كثير من المواقف، بداية من الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري لتقييد الرئيس المنتخب، وقبلها حل مجلس الشعب، وصولاً إلى البيان الذي أصدره في عصر الأول من يوليو، وأمهل فيه القوى السياسية 48 ساعة لحل الأزمة والتهديد بأنه ما لم تنحل الأزمة فإنه سيعلن خارطة طريق يشرف على تنفيذها بنفسه، ليرد عليه الرئيس في خطاب مطول تضمن المقولة المشهورة "الجيش فيه رجالة زي الدهب".
تعرف أحمد من خلال زميله في الكلية، محمد، على الإخوان المسلمين، بعد أن صارحه عن الجماعة ونشاطاتها، وبعد عدة نشاطات دعاه لها مع الجماعة دون أن يكشف عن هوية من كان معهم من شباب في تلك الأنشطة. وافق أحمد أن ينضم للجماعة، ويشارك في أول معسكر لشباب الجماعة ليقيم معهم الليل ويتلقى الدروس الدينية ويمارس الأنشطة الرياضية التي كان من ضمنها مسابقة البالون، وهي مسابقة شرحها المشرف عن المعسكر، بعد أن وزع على كل واحد من الشباب بالونا ربطه في ساقه وعليه أن يحافظ عليها دون أن ينفجر، وبعد نزال مشوق حاول كل شاب أن يفجر بالون زميله ويحافظ على بالونه، وانتهى الأمر بفوز أحدهم، أعطى المشرف درساً وعبرة من هذه المسابقة، بأن الكل حاول تفجير بالون زميله لكنه لو لم يدخل في المعمعة ولم يحاول تفجير بالون زميله ما انفجر بالونه.
لم يكن الإخوان المسلمون يوماً ثوريين، رغم أن شبابهم كانوا أكثر حماساً في الثورة وأبلوا بلاءً حسناً في مواقف كثيرة اقتضت التضحية، لكن قياداتهم المتشبعة بفكرة الإصلاح والتغيير المتأني والبطيء للمجتمع تكبح جماح هذه الفكرة التي راجت في الوطن العربي بنظرية الأواني المستطرقة، ورغم ذلك استفادت من الثورة وانخرطت فيها بعد تردد على أمل الاستفادة منها وصولاً للمرحلة الرابعة من المراحل التصاعدية للتكوين، من بناء الفرد والأسرة والمجتمع ثم الدولة، وصولاً لأستاذية العالم.
والجماعة رغم وفرة العلماء فيها، لم تنتهج المنهج العلمي في المتابعة والمراقبة والتقييم وقياس الأداء، ما يعني أن الجماعة لم تعرف إن كانت استطاعت أن تتدرج بالفعل في مراحل التكوين وبَنَتْ الفرد ثم الأسرة بالفعل، وهل أصبح المجتمع قابلاً للتحول للدعوة ومن ثم أصبح لديهم حاضنة شعبية تؤهل لبناء الدولة.
إن نظرية الحاكم المتغلب التي يتكلم بها الجامية، والتي نؤيدها، إنما هي أمر واقع في التاريخ، من لدن حتشبسوت ثم بروتس مروراً بحروب الردة وواقعة التحكيم، وصولاً لآخر انقلاب في أفريقيا منذ أيام في النيجر. والتاريخ يؤكد أن الحكم لو لم تصاحبه قوة فلا مكان للحاكم، وكم من حاكم تقلد إرثاً أو صدفة، أطيح به لضعفة، وفقدانه مقومات الحكم المختصرة في القوة. فالعدل وإن كان أساس الملك فإن القوة هي مناط إنفاذ هذا العدل، وحتى يتم ذلك فعلى الإخوان أن يعدّلوا منهجهم ويتعلموا من تجاربهم ودروس التاريخ، أو أن تصنع الأمة لها تياراً ثالثاً يتخذ من العلم سبيلاً ومن القوة مركباً ومن العدل عباءة، لنخرج من ثنائية العسكر والإخوان بثوبها الحالي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر الإخوان الثورة مصر الإنقلاب الإخوان الثورة الحكم العسكري مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
عودة الإخوان غدا!!
ليس العنوان تعبيرا عن رغبة الإخوان المسلمين في مصر، ولا حلما يداعب خيالهم، بل هو منطوق الهوس الذي أصاب السلطة المصرية وأبواقها، فمن ينظر لهذه الوسائل المتعددة، سواء كانت مواقع كانت سابقا صحف، أو الفضائيات المملوكة للمخابرات، وإن كانت واجهتها شركة المتحدة، من يتابع على مدار يومين فائتين، ثم زادت المساحة يوم أمس، من يجمع هذه المواد الإعلامية، يشعر وكأن حدثا جللا سيحدث في مصر، وأن الإخوان رقم صعب فيه، وعامل كبير لحدوثه، وأنهم قادمون لا محالة إما لحكم مصر، أو لتقرير مصيرها، ولذا يتخوف النظام وأدواته من ذلك، فيعلن النفير العام عليهم.
كم الأكاذيب التي تحاك عن الرئيس محمد مرسي، وجماعة الإخوان، يجعلك تتساءل باستغراب: ماذا يجري في مصر يخيف هذا النظام، من شخص مات، منذ سنوات، وليس له عائلة تبحث عن إرثه الرئاسي، ولا جماعة تسعى لاسترداد ما فقدوه من الحكم.
كان الشعب المصري والناس خارج مصر مشغولين بالحرب الإيرانية الإسرائيلية، والمواقع والقنوات المصرية المملوكة للسلطة، لا حديث لها سوى الإخوان، وكم المؤامرات التي يحيكونها لتدخل مصر الحرب، أو لتجر لمعركة، من قافلة الصمود، حتى حرب إيران، وانتهت الحرب، وتم وقف إطلاق النار، ولا يزال الحديث مستمرا عن الإخوان وخطورتهم، رغم أنهم يرددون ليل نهار، أنهم قضوا على الإخوان في 30 يونيو، وأن الشعب طردهم بلا رجعة، فمال القوم وقد أصابهم وسواس قهري اسمه: الإخوان.في يوم واحد، تجد هذه الأكاذيب، الأولى: أن مرسي رفض أن يعزي في البابا شنودة حين توفي، وقد كان رئيسا لمصر، دلالة على أن مرسي وجماعته ضد الوحدة الوطنية، وهو ما جعل المسيحيين يحتشدون ضد حكم الإخوان، لتكتشف أن شنودة توفي قبل تولي مرسي بشهور، وأن مرسي نفسه قدم العزاء فيه بوصفه رئيسا لحزب الحرية والعدالة!!
وبجانب الخبر، خبر آخر، عن إهانة مرسي لشيخ الأزهر يوم تنصيب مرسي، وأن الطيب دخل فلم يجد له مكانا، ووجد مرشد الإخوان في أول صف، وبجواره القرضاوي، والتقى مرسي بالجماعة فرحا مسرورا بذلك، حتى يتربى، كما كتب الموقع الذي تديره المخابرات، وأن ذلك كان بهدف إجبار شيخ الأزهر على الاستقالة، ولكنه أبى، والتقى بالبابا تواضروس، لإنقاذ البلد من الإخوان، ليشارك في 30 يونيو!!
وخبر ثالث: جامعة مصرية تقوم بعرض فيديوهات تهاجم مرسي خلال دورات التربية العسكرية للطلاب، بقصد إقناعهم بأنه كان متواطئا مع إسرائيل، وأن جماعة الإخوان، نهبت وسرقت وخربت البلد، والسيسي أنقذها من أيديهم!!
هذا جانب قليل جدا مما تقوم به أبواق النظام الإعلامية في يوم واحد، فضلا عن برامج بالساعات مخصصة لنفس الغرض، شيطنة مرسي والإخوان، لا تذكر فيه حقيقة واحدة، سوى شخص اسمه مرسي، وجماعة اسمها الإخوان، لكن ما يتعلق بهما فلا علاقة له بتاريخ عاشه الناس، ولا بواقع يئن منه المواطن المصري يلعن فيه ليل نهار هذه السلطة، التي خرج كثير ممن شارك في 30 يونيو يضرب نفسه بالحذاء علنا، ويعلن ندمه الشديد على ما قدمت يداه بالتأييد والمشاركة.
كان الشعب المصري والناس خارج مصر مشغولين بالحرب الإيرانية الإسرائيلية، والمواقع والقنوات المصرية المملوكة للسلطة، لا حديث لها سوى الإخوان، وكم المؤامرات التي يحيكونها لتدخل مصر الحرب، أو لتجر لمعركة، من قافلة الصمود، حتى حرب إيران، وانتهت الحرب، وتم وقف إطلاق النار، ولا يزال الحديث مستمرا عن الإخوان وخطورتهم، رغم أنهم يرددون ليل نهار، أنهم قضوا على الإخوان في 30 يونيو، وأن الشعب طردهم بلا رجعة، فمال القوم وقد أصابهم وسواس قهري اسمه: الإخوان.
النظام أقام شرعيته محليا وإقليميا وعالميا على عداوة الإخوان، فأي تراخ أو تهاون أو مسالمة معهم، فهو يعتبر ذلك تآكلا لشرعيته، ونقصانا لها..لا يصلح معه علاج كيميائي، ولا قارئ يرقيهم بالقرآن عسى أن يخرج هذا الجني الإخواني الذي تلبس بالنظام وأدواته، ولا زار عند من يعتقدون فيه، فقد أصبح مرضا عضالا لا فكاك منه للسلطة أو أدواتها.
لو أن شخصا لا يعيش الأحداث التي عاشتها مصر والعالم العربي، ويدرك حقيقة وواقع جماعة الإخوان الحالي، من ضعف وانقسامات، ثم ترجمت له المواد الإعلامية للغته، لظن أن الإخوان حزب سياسي ينافس على السلطة، وأن وصوله إليها ليس وشيكا، بل بات محققا ومؤكدا، وأن الإخوان لا هم لها الآن سوى إعداد قوائم بمن يتولون المواقع والمناصب الرفيعة في مصر.
هذا الوسواس لدى النظام وأدواته، له سببان: الأول: ارتزاق، لأن النظام أقام شرعيته محليا وإقليميا وعالميا على عداوة الإخوان، فأي تراخ أو تهاون أو مسالمة معهم، فهو يعتبر ذلك تآكلا لشرعيته، ونقصانا لها، كما أن الأجهزة العاملة بهذا النظام بكل دوائرها، أصبح أيضا أكل عيشها، هو الحفاظ على هذا النظام، وبالتالي، دوام استمرار الحديث عن الإخوان بالافتراء والكذب، والتفكير اليومي في كل جديد يزيد من رقعة شيطنة الجماعة لدى المجتمع المحلي والإقليمي والدولي.
والسبب الثاني: هو أنه رغم غياب الإخوان وضعفهم، فلا يزالون هم الشريحة الباقية التي يمكن أن تنافس في غياب هذا النظام، أو عند حدوث أي انفراجة في المجال السياسي، والمجال العام، فالنظام بحماقة وهو يجرف السياسة في مصر، لم يترك فرصة لأي حزب يعارض ولو شكليا، على أي قاعدة من قواعد المعارضة، وبينما يجرف ويصحر الحياة السياسية، يظل الإخوان بكل ما فيهم من ضعف، هم الفئة الوحيدة التي يمكن أن تتحرك لو قررت، ويمكن أن يكون لها دور لو سمح، مهما كان حجم هذا الدور، وهو ما يجعل النظام لا يتعامل مع أي حدث يتعلق بأي حراك ولو في وسائل التواصل الاجتماعي، سوى أنه تهديد حقيقي، مهما كان حجم الدعوة، ومهما كان شكل الانتقاد والمعارضة، لأنه يرى حتى لو لم تكن الإخوان وراءها، ففي الغالب هي التيار المؤهل للاستفادة منها.
[email protected]