يمن مونيتور:
2025-06-03@16:07:00 GMT

في ذاكرة القلب: رحلة في حنايا المشاعر المختبئة

تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT

في ذاكرة القلب: رحلة في حنايا المشاعر المختبئة

لطالما كان الحب أحد أسرار الحياة الأكثر تعقيدًا وجمالاً، سرٌّ نحاول الإمساك به، والاحتفاظ به وكأننا نخشى أن يسلبه منا الزمن، فكيف نحميه؟ وكيف نستمر في حمايته من قسوة الأيام وأطماع الغرباء؟ هذا السؤال القديم الجديد يعيد تشكيل نفسه في كل قصة حب، وكأنه تَحدٍّ دائم بين الإنسان والزمن. ربما يكون الحل في إهمال مقصود، إهمال لا يطفئ نيران الحب بل يواريها عن الأنظار، يخبئها في زاوية مهملة من ذاكرة القلب، هناك، حيث لا تطالها أعين اللصوص، ولا تصل إليها يد الزمن العابثة.

في حياتنا اليومية، نلتقي بالكثيرين ممن يمرّون أمام أعيننا ويتركون أثرًا مختلفًا فينا، بعضهم يختفي دون أن يترك خلفه شيئاً يُذكر، والبعض الآخر يرسخ في ذاكرتنا كعلامة فارقة، وكأنهم لمسات فنية صغيرة تستقر في أعماق الذاكرة. هؤلاء لا يسهل نسيانهم، بل نخفيهم بعناية في زوايا القلب كي لا يفقدوا بريقهم. كما لو أننا نخبئ صورة قديمة عزيزة، نخشى أن يبهتها الزمن إن أخرجناها للعيان كثيرًا، لذلك نتركها بعناية وسط زحام الذكريات الأخرى، تظل كما هي دون أن تتعرض لندوب الحاضر أو عوالق الأيام.

الأمر يشبه معادلة صعبة، معادلة تحمي ما هو ثمين دون أن تُظهره. هذا الإخفاء، وإن بدا للبعض خيانة لجوهر الحب، هو في الحقيقة أكبر تعبير عن الوفاء، كأنك تزرع من تحب في عمق الذاكرة حيث لا تصل إليه عواصف الأيام. فالقلوب قد تتغير، وقد تُنسى بعض الأسماء، لكن هناك من يُحفرون بعمق، من يستوطنون الزوايا الأكثر هدوءاً وخفاءً، حيث لا تنال منهم الأيام ولا تفلح رياح النسيان في محوهم.

ولعلنا نستذكر بعض القصص الواقعية التي تشهد على هذا النوع من الإهمال العاطفي المقصود، تلك القصص التي نجدها في التاريخ والأدب، حيث نجد أشخاصًا اختاروا أن يبقوا في الظل، أن يحتفظوا بمن يحبون بعيدًا عن ضوء الشهرة والأعين الفضولية، وليبقوا في مأمن من متاهات الزمن وغبار الحياة اليومية. هذا الإهمال العاطفي كان الطريقة المثلى للاحتفاظ بما  وبمن هو ثمين، بعيدًا عن أعين الحاسدين أو شتات الأيام.

لكن أحياناً نشعر برغبة ملحة في أن نبوح بحبنا للعالم، نريد أن نشاركهم مشاعرنا لعلها تمنحنا شعورًا بالأمان، وفي الوقت نفسه ندرك أن هذا التباهي قد يكون سيفًا ذا حدين. فحين يُعرض الحب على الملأ، يُصبح هدفًا للتفسيرات وسوء الفهم، وقد يتعرض للعوامل الخارجية التي تفسده وتحوله من حب خالص إلى صورة مشوهة. لهذا يفضل كثيرون أن يحتفظوا بذكرياتهم عميقة في ثنايا أرواحهم، في في مكان لا يصل إليه سوى هم، حيث تبقى الذكرى طازجة ونقية، وكأن الزمن قد توقف عندها.

ولعلَّ هذا النهج في التعامل مع الحب يعكس نوعًا من الحكمة العاطفية. يقولون إن القلب يشبه الصندوق السري، حيث لا يُدخل فيه إلا ما هو جدير بالبقاء. هذه الذاكرة الخاصة تتيح لنا الاحتفاظ بتلك اللحظات الجميلة بعيدًا عن عثرات الحياة، عن تقلبات المشاعر وحتى عن أنفسنا عندما نقرر أحيانًا أن ننساها.

إن البثاء في “ثغرات الذاكرة” يصبح، عند بعض الناس، الوسيلة المثلى للعيش بسلام مع الأحبة الغائبين، مع الذين رحلوا، أو مع الذين يفضلون البقاء بعيدًا عن ساحة الحياة اليومية.

وليس الهدف من هذا الإهمال قتل الذكرى أو إخماد شعلتها، بل على العكس، هو طريقة للحفاظ عليها. ففي زوايا القلب، حيث لا يصل ضوء الشمس ولا يعبرها سوى القليل، تظل الذكرى حيّة ونقية. هناك حيث لا يجرؤ لصوص الزمن على الاقتراب، ولا يصل أي تفسد خارجي، بل يبقى الحب كما هو، كالوردة التي تحتفظ برائحتها العذبة دون أن تتعرض لظروف الهواء والرياح.

نعم.. ربما نحتاج جميعًا إلى مثل هذا الإهمال المقصود في حياتنا، أن نتعلم كيف نخفي أحبائنا في زوايا قلوبنا، أن نبقيهم بعيدين عن ضوضاء العالم وصخبه، فنحميهم من خطر النسيان، ونعطيهم فرصة للبقاء أبديين، خالدين. فكما أن هناك حُبًا يظهر ويُعلن على الملأ، هناك أيضًا حُب يُحجب ويُخبأ، لكنه مع ذلك لا يقل جمالًا أو صدقًا، بل ربما يفوقهما قوة ونقاءً.

المقال نقلا من موقع  ميدار.نت

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: كتابات بعید ا عن حیث لا دون أن

إقرأ أيضاً:

الانتظار بوصفه فكرة أو ذاكرة

قد يجد القارئ فـي قراءاته المتعددة موضوعات يعبّر عنها الكاتب بأسلوب أدبي يوظف من خلالها الفكرة التي يدعمها. يمكن أن يتمثل الموضوع فـي لحظة طارئة تسيطر على الكاتب لحظة الكتابة، أو فكرة يستعيدها عبر ذاكرة معينة. كثيرا ما نجد موضوعات تشغل الكُتّاب فـي كتاباتهم الإبداعية كالموت، والرحيل، والحب، والوداع، والحزن، وغيرها. ومن الموضوعات التي نلمسها عند غير كاتب موضوع «الانتظار»؛ إذ يخرج من كونه لحظة وقتية إلى تعبير فني، أو صورة مبتكرة، أو استعادة لذاكرة مرّت ببال الكاتب. ولو تتبعنا موضوع الانتظار فـي الكتابة الإبداعية لوجدناه موضوعاً شائقاً، متعددة طرق التعبير عنه؛ لذا سأقف فـي قراءتي هذه على نماذج (شعرية وسردية) من الأدب العماني.

ففـي قصيدته (انتظار) ضمن مجموعته (غيابات الجُب: 2000) يستخدم علي المخمري دلالات المخاطب الأنثى فـي تعبير يدل على أفعال المجيء، ودلالات الانتظار. ولعل دلالات الانتظار هنا تحمل بُعداً زمنياً متسعاً يقابله فعل الانتظار هذا؛ فالمخاطب هنا منذ لحظة المجيء لا يحمل سمة ظاهرة، ولا يعبّر عن كيان واضح إلا أنّ فعله يدلّل على معادل الحفر والنقش داخل منطقة الذاكرة.

تأتين من وقت كثيف بالأشياء

تهمزين أفلاك الأحلام الدائرة

لا أسماء لكِ ولا عناوين

تأتين كريح صلبة

تنحت فـي جدران قلوبنا

طرق معاول الفلاحين

فـي أرض متعبة

تأتين لتبحثي عن قصبة

فـي رأس رئة مفقودة.

يعد الانتظار عند المخمري تعبيراً داخلياً نبش الذاكرة واستقر بها؛ نجد دلالات الفعل «تأتين» المتكرر ثلاث مرات فـي النص تقابله الأفعال «تهمزين»، و«تنحت» و«تبحثي» التي تضمر تعبيراً عميقاً فـي الذات.

كذلك؛ فإن تزاحم اللحظة بالأشياء والأحلام يجعل المُنتظِرَ فـي دوامة الحيرة والشك دون «أسماء ولا عناوين»، و«كريح صلبة»، و«كطرق معاول الفلاحين فـي أرض متعبة»، فكلها إحالات على لحظات مفتوحة للحيرة. إنّ الانتظار غامض، والمُنتَظَرُ كسراب لا يمكن الحصول عليه، هكذا تبدو دلالات الانتظار فـي النص.

ويعيد المخمري رسم صورة (الانتظار) مرة أخرى فـي مجموعته (نفاث: 2013). إنها صورة متداخلة مع الأشياء، عميقة فـي تناولها، تتّحد الصور فـيها لتشكّل لحظة مرتقبة يحاول النص الإفصاح عنها:

هناكَ..

مكانٌ للانتظار

فـي زاويةٍ ما

لم تُوصِلني جميع الطرق إليه

يمكن القول: إن المخمري يُعدّد الصور، ثم يبعثرها باحثاً عن دلالات مؤقتة للصورة الرئيسة، فمكان الانتظار موجود، ولكنّ الطرق لا توصل إليه، هذا تعبير بسيط لمفهوم الانتظار، لكن الصور تتوالد بعد ذلك:

غَسَلتُ قَدَمِي بِطِينِ الأَسْمَاك

وواصلتُ المسير

التاريخ قمر صناعي

والخوف شَحَاذٌ فـي الطريق

بأكياسٍ مِنَ المَطرِ

عَبَرْتُ غَابات الحُب

هلّلتُ لقرونٍ أُنثوية

أَسْنَدْتُ رأسي لأكتاف الصورة

وَعَقَدْتُ مَعَ أَشْجَارِ الآسِ

مُعَاهَدَاتِ الضَّبَاب

لكن الأشباح

أَرْسَلت العاصفة.

توالد الصورة هنا لا يقتضي إلا لحظة مرتقبة يحاول الشاعر العثور عليها، ولعلها لحظة هلامية لم يصل إليها الشاعر بعد، وخاتمة النص تشير إلى ذلك:

الأجُوبَةُ تَتَقاطرُ دَماً

ومَا زَالَ الجِنْسُ البشري

يُصرُّ على الأسئلة.

ويستخدم صالح العامري ضمير المتكلم فـي نصه السردي (انتظار) ضمن مجموعته (منطاد دائخ: 2020) معبراً عن مدة زمنية تطول، مفتتحاً نصه بـ«عشرون عاماً، دون أن أكون موجوداً أبداً، علقني الغيب فـي جوفه. عشرون عاماً قاس بفرجاره الهندسي هطول قطرتين من بين تجاويف السحب المتراكمة الصخّابة فـي الأعالي، عشرون عاماً اضطلع كيهوذا بأن لا يرتعش ولا يتململ، وأن يصبر على شهوته الأنانية، منطوياً على أكاذيبه وخدعه التي سوف تنفجر -وا أسفاه- تحت طعنات الغواية التي لا تُحتمل، الغواية التي لا تكل ولا تحنث بوعدها على مرأى من النجوم، والحشرات الطنانة، والأعشاب السائبة التي لا تعرف لها بذور». هنا يشتغل العامري على لغته العميقة مولداً الخيالات التي يسوقها اللفظ، ومعبراً بلسان المتكلم عن الذات المنعتقة من ألم الانتظار الذي يفتح رؤية الآخر العميقة «كنت هناك فـي تلك السنين الخوالي، متعاطفاً مع العدم، مؤازراً عضد الغيب؛ كي يكون حروناً وجافلاً مثل طينتي العصية».

يحاول العامري أن يجعل من الانتظار لحظة غيبية، يتشكل منها النص السردي، وينفتح على المستقبل المنتظر؛ لذا نجد الأفعال تتوزع بين زمنين: الماضي والحاضر، وبينهما تطول المدة، وتظهر الذات منكسرة، محملة بتبعات الزمن الطويل، ومقيدة بدلالات الرموز البارزة فـي الكلام. نجد الدلالة الزمنية الحاضرة تغرق فـي اشتغالات اللغة، والخيال، والرمز معبّرة عن اللحظة الآنية المتشكل منها الحاضر: «أرخيت حبالي للغيب كي يسرف فـي الانتظار، وينحسر مد النبوءة. بالغت فـي أن أعلف النوق كي أغويها؛ لكي تتشرد فـي التيه والصحارى عوض أن تبرك فـي مناخاتها المزرية. نفخت فـي رحم القرية أن لا تلد أي حطام أو أية بذرة سقيمة مثلي. رجوتُ السماء أن تتمدر، والأرض أن تتعطش؛ كي تلد خلقاً آخر، وحدائق، وحيوانات، وحشرات لائقة منذورة للفرح.

لكن رجلاً قروياً وامرأة قروية لم يكن باستطاعتهما أن يسكتا عن شرّي وعن نشيدي، خصوصاً وأنّ البحر يركلهما كل مساء بموجاته الهائجة، وأنّ الصيف يلفهما فـي حُرَقِهِ وشهواته، وأن الغرائز العارية لا تقوى على القبر والدفن. ولهذا كان على الانتظار أن ينفجر، وعلى الصبر أن يندك كأي قلعة تافهة».

أما سعيد الحاتمي فـيقدّم قصته (انتظار) فـي مجموعته (عصفور أعزل يضع منقاره فـي وجه العالم: 2016) عن مكان محدد ولحظة محددة، يحاول معها صنع فكرة واقعية للحظة الانتظار؛ فالحشود التي اجتمعت فـي رأس الحد كانت تنتظر لحظة مختلفة على غير العادة. الوقت كان ممتداً منذ العصر. أناس تختلف طبائعهم وأمكنتهم جعل منهم الانتظار هدفاً لمشهد درامي متكامل استطاع السرد أن يصف النفسيات، ويوضح الهيئات:

«فـي رأس الحد كان البحر يؤرجح قمراً جذلاً بالقرب من الشاطئ.

الالتواءات الصخرية التي نبتت فـي الماء تلمع بهدوء. بشر قليلون توزّعوا على الرمل منذ العصر. الرجل الذي جاء من أدم فرش لأبنائه الثلاثة وأمهم بجانب السيارة التي أوقفها قريبا من المكان. زوجان هنديان قضيا نهارهما فـي الفندق الصغير الموجود فـي المحمية، وخرجا بعد أن غربت الشمس. ثمة عائلتان صغيرتان وصلتا للتو. بين فترة وأخرى ينظر أحد الموجودين إلى ساعته، ثم يتحدث مع حارس المحمية الذي يتردد على السياح القليلين. يظهر تعجبه ولكنه يطلب منهم الصبر والتريث.

كل الأعين مصوّبة على الشاطئ حيث تدفن سلحفاة صغيرة نفسها فـي الرمل، ولا تفكر فـي الخروج هذه الليلة. يوغل الوقت فـي الظلمة، ويبدأ الأطفال الذين وصلوا قبل المغرب فـي التململ. كان غيلما شابا لا يراه أحد يسبح فـي المياه الضحلة، وسئم هو الآخر من انتظار سلحفاة تعود من الشاطئ كي يرافقها إلى المحيط. حين بدأ القمر الذي كان يتأرجح على الشاطئ ينسحب إلى العمق قرر زوجان هنديان خمدت حماستهما أن يعودا إلى الفندق، ويكملا ما بدأه منتصف نهار هذا اليوم...».

تتكشف حالة الانتظار عن مشهد طبيعي لسلحفاة ترفض الخروج أمام الناس. إن لحظة الانتظار هنا تمتد وتُدخل السأم إلى النفوس، فـيما حارس المحمية يطلب منهم الصبر والتريث. لم يكن الانتظار إلا شغفاً ينشده المتجمهرون لرؤية بصرية، السلحفاة محور الانتظار، والتجمهر حدثٌ يتشكّل إثر واقعة ينتظرها الجميع. السارد يتلاعب بعنصر التشويق، ويشد القارئ إلى حكايته.

ماذا بقي؟ لحظة الانتظار تبخّرت، أصبحت سراباً، فالسلحفاة ذات تأثير كبير فـي صنع حدث الانتظار.

يمكن القول: إنّ حالة الانتظار تدفعنا أحيانا إلى التعبير عن الأشياء، ووصفها وصفاً متخيلاً يثير الحالة الشعرية عند القارئ، وهي تختلف باختلاف الأمكنة والهيئات والزمان، وهذا ما يجعل من هذه اللحظة فكرة يمكن أن يطاردها الكاتب، ويصنع منها إبداعاً مختلفاً.

مقالات مشابهة

  • الزراعة من الإهمال والتبعية إلى الاكتفاء .. استعادة السيادة الغذائية في قلب المشروع الوطني الجديد
  • ألعاب القوى اليمنية في زوايا الإهمال
  • متحدث منظومة النقل في الحج: رفع تقنية تبريد الطرق بالمشاعر المقدسة بنسبة 82% مقارنة بالعام الماضي
  • الانتظار بوصفه فكرة أو ذاكرة
  • لضيوف الرحمن.. أبرز المزايا التي توفرها خدمة "حج بلا حقيبة"
  • ???????? كابتن سوداني.. رحلة الخطوط الجوية القطرية التي ذهبت إلى باريس ونقلت نادي باريس سان جيرمان
  • نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجستية
  • نائب أمير مكة يستقبل وزير النقل
  • السعودية تُحدث نقلة نوعية بموسم الحج.. ساعات ذكية ومشروع رائد للترجمة بـ34 لغة
  • قسطرة القلب تصل إلى عرفات.. تشغيل الخدمة المتنقلة في موسم الحج