لجريدة عمان:
2025-06-21@14:56:04 GMT

من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه

تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT

يؤدي الإنسان الأعمال الصالحة في هذه الدنيا على أمل النجاة يوم القيامة والفوز بالنعيم الأبدي، ويجاهد نفسه للابتعاد عن المعاصي والآثام، ويتوب عنها ويستغفر الله طالبًا العفو والمغفرة. ومع ذلك، فإن بعض الذنوب لا ينال صاحبها الغفران إذا كانت متعلقة بحقوق الآخرين، حيث إن هذا الأمر يعد خطيرًا في الشريعة الإسلامية، وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد على ضرورة رد الحقوق إلى أهلها.

فقد قال النبي الكريم في شأن حقوق الناس: "أدوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة"، وقد يحقر الإنسان القليل من أموال الناس ومتاعهم ومتعلقاتهم، إلا أن ذلك القليل قد يكون سببا في دخوله النار.

وسبب تشديد الشريعة الإسلامية في هذا الجانب عائد إلى أمور كثيرة تتجاوز القيمة المادية لحقوق الناس إلى جوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، فتغول أموال الناس وأغراضهم وأمتعتهم بالباطل هو انتهاك لحرمة المسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه"، ثم أنه لو تأملنا المنافع وأعمال الخير التي تستمر بسبب حفظ الناس لأمانات بعضهم البعض وأغراضهم لوجدنا أن في ذلك نفعا يعم المجتمع ويصلح أمور الناس وأعمالهم.

فبعض المعاصي هي ذنوب حذر منها الشارع الحكيم لأنها تعد مخالفة لأوامره بالإضافة إلى أن هذه المعاصي تعتبر معاول هدم لكثير من القيم في المجتمع، فلو أتينا إلى مسألة التداين في الإسلام التي ذكرها الله في أطول آية في القرآن الكريم لما لها من الأهمية في أن تبقى هذه القيمة الأخلاقية والاقتصادية قائمة في المجتمع، تجعل الناس يستفيدون من هذه المعاملة في الخروج من الضوائق المالية وجلب المنافع الشخصية والأسرية وانعكاس ذلك كله على التكافل الاجتماعي، فأوصى القرآن الكريم بأن تتم كتابة الدين، وإحضار الشهود ليكونوا شهداء أمام الله وخلقه، إذا حدث خلاف بين الدائن والمدين، لكي لا تضيع الحقوق عند المطالبة بها أمام الجهات القضائية، ولو اتبع الناس توجيهات القرآن لما غاب عن أصحاب الحق حقوقهم.

وقد ذكر الله لنا أحوال بعض اليهود الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرنا من أن نحذو حذوهم وأن نتصف بصفاتهم الذميمة فقال تعالى: "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" فوصف بعضهم أنهم يستحلون أموال المسلمين ولو اتمنتهم بدينار لن يردوه إليك إلا بعد مطالبة وإلحاح شديدين أو أخذه منهم بالتقاضي، فعلى المسلم أن يكون من أهل الأمانة وأن يكون أداة بناء ونشر للخير في المجتمع، وأن لا يكون أداة هدم لهذه القيم في مجتمعه.

ومن المعلوم أن التداين هو مسؤولية دينية، فالمقترض وضع أمانته في الميزان، فإما أن يؤدي ذلك المبلغ الذي استأمنه صاحبه أن يرجعه إليه وقت السداد أو أن يخون أمانته بجحود ذلك المال وإنكاره، وربما التساهل في عدم تأديته بحجة أنه مال قليل، ولكن ذلك المال القليل سيدخله النار بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: " القليل من أموال الناس يورث النار".

والغريب في هذا العصر أن الناس أصبحوا يتساهلون في اقتراض الأموال من الناس ليس من أجل توفير احتياجات ضرورية في الحياة ولكن لأجل كماليات تدل على سوء تدبير للأموال وسعي لإتلاف حقوق الناس وأموالهم، ولو كانت قلوب الناس حية وأصحابها يخافون عقاب الله ويرجون ثوابه ونعيمه لسعوا إلى سداد تلك الحقوق، ولكن ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، ومن أضاع أمانات الناس وأضاع حقوق العباد كان لما سواها أضيع.

فالرسول الكريم يخبرنا في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة :"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" فمن أراد أن يعيد تلك الأموال إلى أصحابها وسعى إلى ذلك، كان الله نصيره ومعينه، ويسر له أحواله حتى يستطيع سداد تلك الديون، ولكن من أخذ أموال الناس وهو عازم على إتلاف ذلك المال وعدم إرجاعه، والمماطلة فيه، فإن الله توعده بالإتلاف، فيمحق بركة أمواله وأهله ويبتليه في نفسه، ويجد العار والعذاب الشديد يوم القيامة.

ومما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه ذكر رجلًا من بني إسرائيل، سأل بعضَ بني إسرائيل أن يُسْلِفَه ألفَ دينار، فقال: ائْتِنِي بالشهداء أُشْهِدُهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فَأْتِنِي بالكَفِيل، قال: كَفَى بالله كفيلًا، قال: صَدَقتَ، فَدَفَعَها إِليه إلى أجل مُسَمَّى، فخرج في البحر فقَضَى حَاجَتَه، ثُمَّ التَمَسَ مركَبًا يَرْكَبُها يَقْدَم عليه لِلأَجَل الذي أجَّله، فلم يجِد مركَبًا، فأَخَذَ خَشَبَة فَنَقَرَها، فَأَدْخَل فِيهَا أَلفَ دِينَار وصَحِيفَة مِنْه إلى صاحبه، ثم زَجَّجَ مَوضِعَها، ثمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البحر، فقال: اللَّهُمَّ إنَّك تعلم أنِّي كنتُ تَسَلَّفتُ فلانًا ألف دِينَار، فَسَأَلَنِي كفيلًا، فقلتُ: كفى بالله كفيلًا، فَرَضِيَ بك، وسأَلَنِي شهيدًا، فقلتُ: كفى بالله شهيدًا، فرضِي بك، وأنِّي جَهَدتُ أنْ أَجِدَ مَركَبا أَبعث إليه الذي لَه فَلَم أَقدِر، وإنِّي أسْتَوْدِعُكَها. فرمى بها في البحر حتَّى وَلَجِت فيه، ثم انْصَرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظُر لعلَّ مَركَبًا قد جاء بماله، فَإِذا بِالخَشَبَة التي فيها المال، فأَخَذَها لِأهله حَطَبًا، فلمَّا نَشَرَها وجَد المالَ والصحِيفة، ثمَّ قدِم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلتُ جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدتُ مركبا قبل الذي أتيتُ فيه، قال: هل كنتَ بعثتَ إليَّ بشيء؟ قال: أُخبِرك أنِّي لم أجِد مركبا قبل الذي جئتُ فيه، قال: فإنَّ الله قد أدَّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فانصرِف بالألف الدينار راشدًا".

فلننظر إلى البركة التي طرحها الله في هذا الرجل الذي أشهد الله على هذا التداين، كما جعل الله كفيلا له، وهو موقن بعون الله له، وأدائه عنه، حتى أنه بذل الأسباب ووكل رب الأرباب لأجل إيصال ذلك المال إلى الدائن في الوقت المتفق عليه، وذلك وفاء لله في شهادته وكفالته، فكان أن أوصل الله ذلك المال إلى صاحبه، بل قد كسب الدائن خيرا كثيرا ومالا وافرا، حتى أنه استطاع تجميع ألف أخرى حتى وجد مركبا فجاء إلى الدائن فأخبره أن الله أدى عنه.

من جهة أخرى على الدائن صاحب المال أن يمهل المقترض ولا يضيق عليه بالإلحاح الشديد، وليتفهم الظروف والضوائق المادية التي تجعل بعض الناس معدوم الحيلة في توفير ذلك المبلغ في الزمن المتفق عليه، فليحتسب الأجر في الإمهال والتأجيل، والتقسيط، والتخفيض إن أمكن، وليجعل عمله عبادة يتقرب بها إلى ربه، فالله تعالى يقول: "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم أموال الناس ذلک المال ى بالله ل الذی ة التی

إقرأ أيضاً:

لا يتواضع إلا من كان واثقا بنفسه.. ولا يتكبر إلا من كان عالما بنقصه

امتدت صداقتنا لنحو نصف قرن من الزمن. تعارفنا منذ أن كنا صغارا. كبرنا في الحياة كغيرنا من البشر. كل منا شق طريقه نحو غايته وأهدافه في الدنيا. سنوات من القطيعة قطعتها وسائل التواصل الاجتماعي لتعيد المياه إلى مجراها القديم، شيئا فشيئا جعلتنا متواصلين أكثر مما نلتقي.

أصبح مشرفا في عمله له مكانته المرموقة في الشركة التي يعمل بها منذ زمن. كان يحدثني عن فتات الأعمال التي يقوم بها في مجال عمله. لفترة ما ظننت بأنه أفضل إنسان على وجه الأرض علما وخلقا وتقبلا للحياة وللآخرين.

لكن في رمضان الماضي صدمني كثيرا عندما حدثني بأنه يرفض رفضا قاطعا أن يفطر مع العمال في الإفطار الذي تقيمه الشركة في كل عام كنوع من التضامن الاجتماعي. أسر لي بأنه يريد أن يجعل بينه وبين الذي يعملون معه ساترا يحجب عنه الالتقاء بالموظفين؛ حتى لا يسمع شكواهم فيضيق صدره أو كما يقول: «يصدع رأسه». وأردف قائلا: إنه قد اعتاد على الجلوس مع المسؤولين الكبار من الشركات الأخرى في مثل هذه المناسبات السنوية، وليس لديه الوقت ليجامل من هم أقل منه في مراتب العمل!

كان لي رأي آخر لم يعجبه قط؛ حدثته عن أهمية الالتقاء بالعمال والقرب منهم، ومساندتهم معنويا على أقل تقدير والاستماع إليهم؛ لأنهم مصدر مهم في الإنتاج في الشركة، فمن خلالهم تستطيع الشركة أن تنافس بقية الشركات الأخرى في سوق العمل، ولعل هذه المناسبة هي فرصة لمعرفة ما يسرونه في ضمائرهم من مشاعر متفاوتة ما بين «السلب والإيجاب»، إضافة إلى أن هذا الإفطار يعد تضامنا إنسانيا بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

لم يعجبه ما قلت، بل عاد ليؤكد على أن البشر ليسوا متساوين في المستويات، وأغرق نفسه في الحديث عن الهيبة، والمنزلة الوظيفية وغيرها. في البدء كنت أعتقد أنه يمزح أو يتصنع في قوله، لكن ما أن دخل في مناطق محظور الحديث عنها حتى وجدت أنه شخص آخر غير الذي كنت أعرفه منذ سنين طويلة.

العامل الذي لا ترتضي الجلوس معه على الطاولة نفسه هو إنسان قبل أي اعتبار آخر، والماديات هي أرزاق من الله، وما تنفر منه الآن قد يصل إليك إذا ما غضب الله عليك، وسلط عليك من أعمالك التي لا تحمد عقباها؛ فالمناصب والمراتب مآلها إلى الزوال، ويبقى الأثر الطيب حاضرا في نفوس من كنت معهم وغادرت مكانك بلا عودة.

وهذا القول يقودنا نحو الحديث عن أهمية التواضع في حياة الإنسان؛ فهناك نماذج مشرفة سواء من البسطاء أو لأثرياء في العالم لم تمنعهم مكانتهم وما ملكت أيديهم من الخير عن خدمة غيرهم من هم أقل «شأنا ومنزلة وحالا»، وكان تواضعهم سببا في نجاحاتهم في أعمالهم. لن نسمي أسماء نعرفها ورحلت، ولكن أثرها الطيب في نفوس الذين يعرفونهم أو ممن كانوا يعملون معهم هو كلمة السر في ذلك النجاح الباهر، والدعاء الصادق لهم بالعفو والمغفرة.

الله سبحانه وتعالى جعل هناك تفاوتا في المستويات، فهذا أمر واقعي وملموس، ولكن الأمر كان له مغزى وهدف وهو أن يحس الغني بالفقير، وحتى يكون هناك توازن في بيئة العمل والحياة بشكل عام؛ فلولا الحاجة لما سعى الناس إلى إيجاد العمل، فالغني عليه أن يراعي الله -سبحانه وتعالى- فيما أعطاه من خير وفير، وألا تأخذه العزة بالإثم، فينال عقابا ربانيا شديدا، ويذهب ماله، ويقل نصيبه من الأجر والثواب، فقد يسلط الله عليه أحدا من أقرب الناس إليه يحول حياته إلى نكد وشقاء وعذاب.

ومما هو مثبت عن الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- أنه يقول: «التواضع يعد من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام. والتواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة. وأرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله».

ومن المكانة العالية التي يصل إليها الشخص المتواضع نذكر ما ورد لدى السلف الصالح؛ فقد قال الإمام النووي: عن قوله- صلى الله عليه وسلم-: «ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» فيه وجهان أحدهما: يرفعه في الدنيا، ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه عند الناس ويُجلّ مكانه، أما الثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة، ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا.

فهناك مقولة رائعة تقول: «لا يتواضع إلا من كان واثقا بنفسه، ولا يتكبر إلا من كان عالما بنقصه».

وبحسب تفسيرها فإن هذه المقولة تعبر عن فكرة أن التواضع ليس علامة على الضعف، بل على الثقة بالنفس. فمن يعرف قيمته الحقيقية لا يحتاج إلى التكبر أو الإفراط في التواضع.

إذن الإنسانية هي مبدأ مهم في مراعاة الآخرين والتواضع لهم مهما وصلنا من درجات المجد والشهرة والثراء؛ فكلمة طيبة قد تزيح الكثير من كثبان المصاعب عن قلوب الناس، وتدخل السرور إلى حياتهم.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تنهار بالبكاء على الهواء: (زوجي تزوج من مطربة شهيرة كانت تجمعه بها علاقة غير شرعية وأصبحت تصرف علينا بأموال الحرام ومن أموال المبادرات التي تطلقها)
  • ليبي يُعثر عليه متوفيًا في منزله بتركيا
  • لا يتواضع إلا من كان واثقا بنفسه.. ولا يتكبر إلا من كان عالما بنقصه
  • بعد القسوة .. ماذا يبقى في جوف الإنسان؟
  • دعاء آخر ساعة يوم الجمعة للرزق.. اغتنم الوقت الذي لا ترد فيه الدعوة
  • الإفتاء تنصح بـ 8 كلمات لمن تكاثرت عليه الهموم والمشاكل
  • علي جمعة: اصبر على طلب الحق وتمسك به ولو كنت وحدك
  • «قل وداعا للقلق»
  • إسحاق أحمد فضل الله يكتب: (نحن….٢)
  • قوى عالمية تدفع بالعالم نحو الهاوية (1- 3)