دعا أبناء الشعب اليمني إلى الخروج المليوني المشرّف عصر اليوم في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات نتائج الانتخابات الأمريكية لن تؤثر على الموقف اليمني ولا خيار للأعداء إلَّا وقف العدوان على غزة ولبنان لا ترامب ولا بايدن ولا أي مجرم في هذا العالم سيتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت في نصرة فلسطين الخيار الأفضل للأمريكي ولغيره هو وقف العدوان والحصار عن غزة ووقف العدوان على لبنان حاضرون في المعركة مع الأمريكي ومواصلون بالتصعيد ونسعى لما هو أعظم وأكبر وأقوى

 

 

 

/ سبأ

 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

للشهر الثاني من العام الثاني، يستمر العدوان الوحشي الإجرامي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويمارس العدو الإسرائيلي جرائم الإبادة الجماعية بالقتل والتجويع، ويستهدف كل مقومات الحياة.

في هذا الأسبوع، ارتكب العدو الإسرائيلي المجرم ما يزيد على ثلاثين مجزرةً دموية، استشهد فيها وجرح أكثر من (ألف وثلاثمائة فلسطيني)، معظمهم من الأطفال والنساء، ولأكثر من شهر يواصل العدو الإسرائيلي تصعيده الإجرامي الكبير ومذابحه الفظيعة شمال قطاع غزة، حيث تشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من (ألفي فلسطيني) وجرح أكثر من (أربعة آلاف) خلال التصعيد العدواني هناك، ويمنع العدو الإسرائيلي دخول أي مواد غذائية أو طبية، ويفرض تحت القصف العنيف، والمذابح الكبيرة، والتجويع، تهجيراً قسرياً على سكان شمال قطاع غزة.

إجرامٌ متناهٍ يستخدم فيه العدو الإسرائيلي أشد أنواع القصف، ووسائل التدمير الشامل، لقتل أكبر عددٍ من المدنيين، وتدمير أكبر مساحةٍ من المباني، والحال في بقية قطاع غزة لا يختلف كثيراً، فالعدو يستهدف الأهالي الذين معظمهم نازحون، يستهدفهم بالغارات الجوية في مختلف أنحاء قطاع غزة، وبالقصف المدفعي في مراكز الإيواء وفي المخيمات، ويجوِّعهم، ففي خان يونس مثلاً- حيث هناك ما يقارب المليون نازح- مخبزٌ واحدٌ، ويتزاحم الناس على مدِّ البصر للحصول على ربطة خبزٍ واحدة.

العدو الإسرائيلي الفاشل في المواجهة العسكرية، والعاجز عن تحقيق أهدافه المعلنة من عدوانه على قطاع غزة، انتهج منذ البداية المسلك الإجرامي الوحشي للاستهداف الشامل للمدنيين، وأكثر ضحايا إجرامه هم الشهداء من الأطفال والنساء.

أمَّا على مستوى المواجهة العسكرية، فإخوتنا المجاهدون في قطاع غزة صامدون، ومتماسكون، وثابتون، وينكلون بالعدو، ويلحقون به الخسائر الكبيرة على مستوى عديده وعتاده، فهم يقتلون من ضباطه وجنوده، وهم يدمرون آلياته العسكرية ودباباته، وفي هذا الأسبوع كان هناك يقارب ستة عشر عملية لكتائب القسام، فيها الكمائن المنكلة بالعدو، والاشتباك المباشر مع جنوده، وإلحاق الخسائر المباشرة في صفوفهم، وكذلك التدمير للدبابات والآليات، والقصف بقذائف الهاون… وغير ذلك.

وكذلك سرايا القدس، لها الكثير من العمليات، من ضمنها: عمليات بالقصف الصاروخي إلى [مغتصبة سيديروت]، وهكذا العمليات التي تنفِّذها بقية الفصائل، التي تقاتل في سبيل الله تعالى، جنباً إلى جنب مع كتائب القسام.

العدو الإسرائيلي، في ظل فشله على مستوى المواجهة العسكرية، وعجزه عن القضاء على فصائل المقاومة، التي تجاهد في سبيل الله تعالى، وتتصدى لعدوانه وإجرامه، يعتمد في مقابل ذلك على ارتكاب الجرائم الكبيرة جداً، جرائم الإبادة الجماعية، ويتفنن في أنواع الجرائم، لكن ذلك- كما أكدنا كثيراً- لا يمثل إنجازاً عسكرياً مهما بلغ، مهما بلغ عدد ضحاياه من الشهداء من الأطفال والنساء، لا يمثل ذلك نصراً له، مهما دمَّر من المباني المدنية لا يعتبر ذلك نصراً له، ولا يزال في حالة الفشل الواضح والمؤكد.

مع طول الوقت، وحجم الإجرام المتراكم، ونحن في الشهر الثاني من العام الثاني، وجرائم الإبادة الجماعية، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، هي جرائم يومية، في كل يوم، والمشاهد أيضاً لتلك الجرائم التي تنقلها وسائل الإعلام، ولاسيَّما القنوات الفضائية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، هي أيضاً مشاهد يومية، مشاهد مؤلمة، ومشاهد دامية، ومشاهد تُحرِّك الضمير الإنساني، لكل من بقي له ضميرٌ إنساني، تُحرِّك الشعور بالمسؤولية الدينية، في كل من بقي له ذرةٌ من الإيمان، والشعور بالانتماء للإسلام والدين الإلهي الحق، ولكن- للأسف الشديد- مع كل هذا المدى الزمني، وما تراكم فيه من مآسٍ وجرائم يرتكبها العدو الإسرائيلي، تتجدد مع كل يوم، فالموقف العربي ومن حوله الموقف الإسلامي- في معظمه- لا جديد فيه، فلا ما يستجد من جانب العدو الإسرائيلي من جرائم رهيبة جداً، ومنها: التصعيد الذي يقوم به حالياً في شمال قطاع غزة، ولا طول الوقت الذي عظمت فيه مأساة الشعب الفلسطيني، وكبرت فيه معاناته، ساعد أو أسهم في تحريك الضمير العربي الرسمي على المستوى الإنساني، أو الشعور بالمسؤولية الدينية، أو بأي دافعٍ وحافز، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً! حالةٌ خطيرة، تعتبر من الدلائل الواضحة على مدى الإفلاس الإنساني، والأخلاقي، والإيماني، لدى معظم الأنظمة العربية، وعلى امتداد التأثير السلبي للموقف الرسمي، في واقع الكثير من أبناء شعوب أمتنا، الذين رضوا لأنفسهم بأن يكونوا متفرجين، وألَّا يكون لهم أي موقف بأي مستوى، وهذا شيءٌ محزنٌ جداً!

في الواقع الرسمي العربي، دعك عن مسألة القتال المباشر، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو مع أمريكا وإسرائيل، ولكن حتى على المستوى السياسي، الدبلوماسي، وبقية الاعتبارات، ليس هناك موقف بما تعنيه الكلمة، موقف سياسي يمكن أن يصنف كموقف، أو موقف على المستوى الإنساني لمساندة الشعب الفلسطيني يمكن أن يصنف كموقف… ولا أي شيء، مجرد بيانات، وحتى البيانات بنفسها ضعيفة، الموقف نفسه مستمرٌ تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين، لا تزال بعض الأنظمة الرسمية تصنفهم إرهابيين بدون أي ذنب، إلا جهادهم في سبيل الله تعالى، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، عن فلسطين ومقدساتها فقط، لم يفعلوا شيئاً بتلك الأنظمة، لم يستهدفوها بأي استهداف، لا عسكري، ولا سياسي، ولا إعلامي… ولا أي شيء، هم أبرياء تماماً من أي موقف تجاه تلك الأنظمة، بل كانوا ولا يزالون حريصين على أن يبدوا تجاهها إيجابيةً، في كلامهم، في مواقفهم، في إعلامهم، في مساعيهم لأن تكون العلاقات إيجابية مع كل أبناء الأمة، ولكن دون جدوى.

ولاحظوا، مع كل ما قد فعله العدو الإسرائيلي ويفعله، من جرائم الإبادة الجماعية اليومية الفظيعة، من قتلٍ لآلاف الأطفال والنساء عمداً وعدواناً، من تجويعٍ للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني… من غير ذلك، من انتهاكات للمقدسات، ولحرمة المسجد الأقصى الشريف، كل ذلك لم يدفع ببعض الأنظمة العربية- من أبرز الأنظمة العربية- إلى مستوى التصنيف فقط، التصنيف له بالإرهاب، تصنيف فقط في القوائم، حتى لو لم يتبعه أي خطوة عملية (عسكرية، أو أمنية)، حتى على مستوى التصنيف، لم يفعلوا ذلك، أليس هذا يُبَيِّن ما هم عليه من الاعوجاج، وأنهم مرتبطون بالأمريكي والإسرائيلي نفسه في طبيعة التصنيفات تلك؟ ولهذا لم يُصَنِّفوا العدو الإسرائيلي حتى التصنيف، حتى بعض الوسائل الإعلامية العربية، لم يرق موقفها إلى مستوى الحديث عن الإسرائيلي بالتوصيف الطبيعي لجرائمه كجرائم، للحديث عنها كجرائم فظيعة، وتوصيفها بما ينبغي أن توصَّف به، وبما ينبغي أن يوصَّف به أيضاً هو، وهو يرتكب تلك الجرائم، بل لا زال بعض الإعلام العربي يساند العدو الإسرائيلي، ويخدمه بشكلٍ مفضوح وواضح، وبشكلٍ مخزٍ، لا مثيل له حتى في المراحل الماضية.

هذه الحالة التي عليها الموقف العربي، ومن حوله الموقف الإسلامي، في معظمه مع وجود استثناءات، مع وجود استثناءات، لكن في معظمه، هو يذكرنا ببداية المأساة التي عانى منها الشعب الفلسطيني، كيف بدأت تلك المأساة، وهذا أيضاً يلفت نظرنا جميعاً إلى ذكرى مرَّت بنا في هذا الأسبوع، وهي: ذكرى وعد بلفور، وعد بلفور الذي كان في الثاني من نوفمبر قبل مائة وسبعة أعوام، وعد بلفور البريطاني المشؤوم، الذي وعد بتمكين اليهود، قدَّم التزاماً بتمكين اليهود الصهاينة من احتلال فلسطين، ثم التحرك من خلال فلسطين لإقامة ما يحلمون به، وتحقيق هدفهم الذي كان هدفاً واضحاً منذ البداية، وهو: إقامة إسرائيل الكبرى على مساحة كبيرة من البلاد العربية، واتجه البريطاني بعد ذلك الالتزام، الذي يسمى بـ(وعد بلفور)، اتَّجه في خطواتٍ عملية لتحقيق ذلك، في إطار احتلاله لفلسطين، من خلال تنظيم حملات استقدام لليهود من مختلف أنحاء العالم، إلى فلسطين، وتجنيد الآلاف منهم في إطار الجيش البريطاني؛ لإعدادهم عسكرياً، وتمكين نفوذهم في الانتشار في فلسطين، والسيطرة والنهب، وإعدادهم لذلك، ثم تشكيل عصاباتهم الإجرامية، ودعمها بالسلاح، وبالإسناد العسكري، في جرائمها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، والاستهداف لأي تحرُّك فلسطيني جهادي وحر لمواجهة ذلك.

هناك دروس وعبر مهمة وكثيرة مما حصل في البداية، فعندما نتساءل بدايةً، ما هو الدافع الذي دفع البريطاني آنذاك، إلى الإقدام على تلك الخطوة العدوانية الإجرامية، التي تستهدف العرب في أوطانهم، وفي حريتهم، وفي حقهم، لماذا فعل ذلك؟ هل كان هناك من الوسط العربي ما استفز البريطاني، ودفعه إلى أن يقوم أولاً باحتلال أجزاء واسعة من البلاد العربية، ومن بعد ذلك أن يُقْدِم على ذلك الجرم الكبير الفظيع، الذي يستهدف جزءاً مهماً من البلاد العربية في البداية، لم تكن إلا البداية؛ من أجل أن يلحق بها خطوات أخرى، ويستهدف بذلك شعباً عربياً مسلماً مظلوماً، وأرضاً له، فلسطين هي التي للشعب الفلسطيني، وبلادٌ عربية إسلامية، وفيها مقدسات ذات أهمية بالغة للمسلمين، منها المسجد الأقصى الشريف، وفيها غيره أيضاً من المقدسات، هل كان هناك في الواقع العربي ما استفزه واستثاره، فكان ما قام به البريطاني ردة فعل على الاستفزاز العربي؟ هذه مسألة مهمة؛ لأن أي تحرُّك في المرحلة الراهنة، في الاتجاه الجهادي والتحرري ضد أعداء الأمة، يُوَصَّفُ من قبل المثبطين، ومن قبل العملاء، ومن قبل من ينقصه الوعي، على أنه تحرُّك استفزازي، ويُقَدَّم في أوساط الأمة على أنه هو من يمثل المشكلة، التي يجب الخلاص منها لتهدأ الأمة، ولتستقر أوضاعها، الدروس في البداية هي دروس مهمة جداً، مع دروس بعدها كثيرةٌ وكثيرة.

على العكس من ذلك تماماً، لم يكن في تلك المرحلة في الواقع العربي ما يستفز البريطاني، بل كان العرب في تلك المرحلة، وقبل الاحتلال البريطاني لمعظم البلدان العربية، كانت كثير من القوى العربية البارزة اتجهت لإقامة علاقات ودِّيَّة مع البريطاني، وتعاونت معه، وارتبطت بعلاقات قوية به، وقدمت له الخدمات الكبيرة، مقابل الوعود التي قدَّمها لها، في أن يمكنها من أن تكون هي المسيطرة على الواقع العربي، وأن تكون هي من يحكم الواقع العربي، مثل ما يفعله الأمريكي في هذه المراحل مع بعض الزعماء والأنظمة العربية تماماً، يبيعهم الوهم والسراب، في شكل وعود مُعَيَّنة من تمكينهم لأن يكونوا هم القوة الأساسية، والحاكمون، والمسيطرون، وهكذا باع بعض الدول العربية هذا الوهم في تلك المرحلة، في مقابل أن يتعاونوا معه، وتعاونوا معه، ودخلوا معه في علاقات كبيرة؛ حتى تمكن من احتلال بلدان كثيرة في العالم العربي، ثم تنكَّر لوعودهم، ونفى البعض منهم، وتجاهل كل ما قدموه له من خدمات، وتنكَّر لها بشكلٍ عجيب، وبجفاءٍ كبير، وَحَمَّلَهُم المسؤولية أنهم تعاملوا معه بغباء.

الضباط والقادة البريطانيون كانوا يقولون لمن وقف معهم من العرب، وتعاون معهم من العرب، في المرحلة التي يطالبهم فيها أولئك أن يفوا لهم بوعودهم، قالوا لهم: [أنتم أغبياء، وهذه مشكلتكم، كيف صدقتمونا؟! وكيف صدقتم وعودنا؟!]، وكانت المكافأة من نصيب من نصيب اليهود في إطار الحركة الصهيونية، التي تتجه فعلياً ضمن مشروع صهيوني آمنت به قوى في الغرب، في بريطانيا، وأمريكا، وأوروبا، واتَّجهت لدعمه، والمشروع الصهيوني يستهدف الأمة الإسلامية والعربية في كل شيء: في أرضها، وعرضها، ودينها، ودنياها؛ ولــذلك اتَّجه البريطاني لأن يستقدم اليهود إلى بلاد العرب والمسلمين، إلى فلسطين، ولم يكن منذ البداية الأمر مقتصراً على فلسطين؛ إنما كانت هي المقدمة؛ لأن اليهود لا يمتلكون من اللحظة الأولى، القدرة على تأمين الزخم البشري اللازم لانتشارهم في أنحاء واسعة من العالم العربي، لكن أرادوا أن تكون فلسطين هي البداية، وهذا كان واضحاً فيما بعد ذلك، ولا يزال واضحاً الآن في كل شيء: في ثقافتهم، في مناهجهم، في سياساتهم، في خططهم، في تصريحاتهم، في مواقفهم… في غير ذلك. وأتى التوافد الصهيوني اليهودي من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين- كما قلنا- في إطار رعاية بريطانية، وتجنيد، وتأهيل، وبناء، وإعداد، وتمكين، ودعم، ومساندة… وغير ذلك.

اليهود بأنفسهم، لماذا اتجهوا إلى تلك الخطوة العدائية، التي تستهدف الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية؟ هل كان هناك في تلك المرحلة بالتحديد ما يستفزهم من جانب العرب والمسلمين؟

على العكس من ذلك، كان اليهود- وعلى مدى قرون من الزمن- يعيشون في العالم الإسلامي في بلدان متعددة، وهم في حالة الشتات، في ظروف تختلف كثيراً عن الظروف التي يعيشونها في المجتمعات والبلدان الغربية، كانوا يعيشون بأمن وأمان وسلم وسلام، ويعيشون في ظل أجواء يعيشون فيها الاستقرار وظروف ملائمة للحياة، لم يكن هناك حالة اضطهاد لهم، ولا ظلم لهم، بل على العكس من ذلك، كانت بعض الدول في العالم الإسلامي، وفي مراحل كثيرة من التاريخ الإسلامي، تعاملهم في بعض الأحيان أحسن من الكثير من المسلمين، من المواطنين المسلمين، وهذا شيءٌ معروف في التاريخ الإسلامي، وفي تاريخ كثيرٍ من الدول، والحكومات التي تعاقبت في تاريخ المسلمين، كيف كانت تتعامل معهم، بل كانوا هم، في كل مرحلة من مراحل مآسي الأمة ونكباتها، من يبادرون إلى التآمر على المسلمين، مع أي عدوٍ يستهدفهم، وهذا أيضاً معروفٌ في التاريخ، وموثقٌ في كتب التاريخ.

مع ذلك اتجهوا هم (اليهود)، وهم الذين تعرَّضوا في البلدان الغربية في مراحل معينة، قبل أن يؤثِّروا على الثقافة الغربية، وقبل أن يخترقوا المعتقدات، بما يغيروا النظرة إليهم تماماً، وقبل أن يرسِّخوا المشروع الصهيوني كمعتقد ديني في أوساط البلدان الأوروبية، وفي أمريكا، ما قبل ذلك تعرضوا في مراحل تاريخية معينة لاضطهاد كبير هناك، وقمع شديد، وإذلال كبير، وهذا معروفٌ أيضاً في التاريخ؛ لكنهم اتجهوا بكل حقد، وعداء شديد، ضد المسلمين، ولاستهداف المسلمين، بدءاً بالشعب الفلسطيني، والذي حدث أنهم اتجهوا ضمن مشروعهم ذلك، الذي جعلوا له صيغةً كمعتقدٍ ديني، وأصبحوا يتحركون على أساسه، ويشترك معهم الغرب، في كثيرٍ من قواه وحُكَّامه وأنظمته، في الإيمان بذلك المعتقد الصهيوني، الذي يستهدف أمتنا الإسلامية، وبلادنا العربية، في إقامة ما يسمونه بـ[إسرائيل الكبرى]، من النيل إلى الفرات، ومعظم الجزيرة العربية، ومكة والمدينة، ومن ثم السيطرة على بقية المنطقة بكلها، كما يقول المجرم نتنياهو: [تغيير الشرق الأوسط بكله]، ومن ثم تعزيز نفوذ عالمي لهم، وصولاً إلى إقامة حلمهم، بحكومة عالمية يحكمون منها العالم، من خلال سيطرتهم على البلاد العربية، بعد أن يكونوا قد تخلصوا من المسلمين والعرب، كما فعل الأوروبيون الذين اتجهوا إلى أمريكا، وقاموا بالقضاء تماماً على (الهنود الحمر) السكان الأصليين لأمريكا، الذين كانت تُقَدَّر أعدادهم في بعض المصادر التاريخية بثلاثين مليون نسمة، وعندهم هذا الأمل: أن يتخلصوا من العرب بوسائل كثيرة، وأن يستفيدوا منهم، وأن يكون لهم برنامج مرحلي، في كل مرحلة يحققون مستوىً معيناً من النتائج، وقدراً من الإنجازات، حتى يصلوا إلى هدفهم الكبير.

إذاً بريطانيا أقدمت على هذه الخطة من دون استفزاز، من دون أي تحرُكٍ مناوئٍ لها، أو معادٍ لها، في معظم البلدان العربية، إلا القليل النادر، في مناطق لم يصلوا إليها؛ أمَّا بقية القوى، الأنظمة، كانت متعاونةً معهم، منسقةً معهم، متواطئةً معهم، وتواطأ البعض منهم حتى فيما يتعلق بالوضع في فلسطين، وأسهمت بعض الأنظمة العربية- آنذاك- في العمل على إيقاف الحركة الثورية الجهادية للشعب الفلسطيني في مراحل مهمة، كان يمكن أن يكون لها جدوى بشكلٍ كبير، وتأثير كبير على الوضع هناك، وتعاونوا مع بريطانيا.

الصهاينة منذ المرحلة الأولى تعاملوا بحقد وإجرام، وإبادة جماعية، استهدفوا الشعب الفلسطيني في القرى، في المدن، بأفظع جرائم الإبادة والقتل، في بعض القرى كانوا يجمعونهم إلى مسجد القرية، ثم يقومون بإبادتهم بشكلٍ كامل، قتلوا بعض الأهالي في بعض القرى بالسكاكين والخناجر والفؤوس، حتى الأطفال والنساء استهدفوهم بذلك… جرائم كثيرة جداً، مسلكهم الإجرامي كان منذ اليوم الأول، وهل كانت القضية آنذاك ايرانية؟! آنذاك لم يكن لإيران أي علاقة بما يحدث في المنطقة العربية، كانت هناك، أيضاً عانت في مراحل معينة من الاحتلال البريطاني، والسيطرة الأجنبية، ومن بعد ذلك أنظمة موالية لأمريكا وبريطانيا والغرب، ما قبل الثورة الإسلامية في إيران؛ فإذا لم تكن المسألة ردة فعل تجاه إيران، ولا موقف من أجل إيران، ولا علاقة لإيران بالموضوع، والمستهدف منذ البداية كان هو العرب، الثورة الإسلامية من وفائها للإسلام، لقيمها، لمبادئها التي قامت عليها، أنها تبنَّت النصرة للشعب الفلسطيني كواجبٍ إسلامي، وهذا هو واجبها الإسلامي فعلاً، وبقيت مستمرةً على هذا الأساس، وهذه إيجابية كبيرة جداً.

العوامل الأساسية التي مكَّنت من تحقيق وعد بلفور، ومن أن ينجح البريطاني، وكان هناك دفع أمريكي، هناك مصادر تاريخية تؤكِّد على أن الأمريكي- من تلك المرحلة المبكرة- كان من ضمن من سعى لدفع البريطاني إلى تحقيق ذلك، وإلى فعل ذلك، وإلى الإقدام على هذه الخطوة العدوانية، التي استهدفت أمتنا الإسلامية في بلادها العربية. العوامل التي مكنت الأعداء من ذلك ما هي؟

أولها: وضعية الأمة. وثانيها: رعاية الغرب الكافر: البريطاني، ومعه الأمريكي؛ ومن بعده الأمريكي، وأصبح البريطاني في ظله، الدور الأبرز هو لأمريكا وبريطانيا، مع أنه هناك تعاون من فرنسا، من ألمانيا… من دول غربية أخرى.

الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» كان قد شتت شمل اليهود؛ لماضيهم الإجرامي، والمنحرف، والعدواني، والسيء، فقطَّعهم في الأرض أُمماً؛ ولـذلك لم يكن لهم تواجد في بلدٍ واحدٍ، يشكِّلون فيه كيانًا لهم، ويُمَثِّل عامل قوةٍ لهم، وهذه رحمةٌ من الله بعباده؛ لما يشكلون من خطورة كبيرة على المجتمع البشري، واستمر حالهم في الشتات على مدى مئات السنوات، بل آلاف السنوات، دهر طويل جداً وهم في حالة من الشتات والفرقة، فما الذي هيأ لهم أن يأتوا من جديد، ليتجمعوا في إطار عدوان، يحتلون به بلداً عربياً مسلماً، وفي إطار آمال وأهداف أوسع من ذلك، يستهدفون نطاق أوسع، ويستهدفون مقدسات المسلمين، ومن ضمنها المسجد الأقصى.

بالنسبة للعامل الأول، وهو عاملٌ خطير، ويجب أن تلتفت إليه الأمة، هي: وضعيتها التي هيَّأت لذلك، أصبحت مطمعاً لأعدائها، وبيئةً مهيأةً لذلك.

الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}[آل عمران : 112]، وهو يتحدث عنهم، عن اليهود، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}[آل عمران:112]، يعني: في أي زمانٍ ومكان، أصبحت مضروبةً عليهم حالة الذلة، وهي حالة تكبِّلهم عن أن يتمكنوا من النفوذ والسيطرة؛ لأنهم يشكِّلون خطراً كبيرًا على الناس، يعني: هذا من عدل الله، وهذا من رحمته؛ لأنهم بمعتقداتهم، وثقافتهم الشيطانية الباطلة، يحملون حقداً كبيراً على المجتمع البشري، ولديهم أطماع كبيرة جداً، وهم- في نفس الوقت- يتجرَّدون من القيم الإنسانية والأخلاقية، يظهر لنا ما هم عليه من السوء، والحقد، والعدوانية، والإجرام، والشر، والخطر، هم ظلاميون في أفكارهم، ومجرمون في سلوكهم، وعدوانيون في أهدافهم وسياساتهم؛ ولـذلك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وقى الأمة من شرهم، ووقى المجتمع البشري من كثيرٍ من شرهم، من كثيرٍ من شرهم، على مدى آلاف السنوات؛ لما يشكلونه من خطورة بالغة على الناس، بسوئهم، وإجرامهم، وحقدهم، فكبَّلهم وقيَّدهم بالذلة، فكانوا في حالةٍ من الذلة التي تمنعهم عن الإقدام على نشاط عسكري، وجرأة عسكرية لأعمال عدوانية لقتل الناس وإبادة الناس.

{إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، الحالة الاستثنائية التي يتمكنون فيها من أن يكونوا مقدمين بجرأة على قتال الناس الآخرين، وعلى الاعتداء عليهم، وعلى الحرب ضدهم، هي تلك الحالة: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:112]، والحالة التي حصلت هي حالة تتعلق بالأمة الإسلامية بكلها، والعرب جميعاً في المقدِّمة، العرب جميعاً في المقدِّمة، ما هي الاشكالية التي حصلت للعرب بينهم وبين الله حتى يكون هناك حبل من الله للبريطاني، ليمكِّن الصهاينة لاستهداف هذه الأمة؟ الحبل هذا هو حبل التسليط؛ نتيجةً لتفريط هذه الأمة في مسؤوليتها المقدَّسة، وواجبها العظيم، بحكم انتمائها للإسلام، والرسالة الإلهية، التي هي إرث جميع الرسل والأنبياء.

الأمة الإسلامية- وفي المقدِّمة العرب- شرَّفها الله بالإسلام، والإسلام ليس فقط مقتصراً على الشعائر الدينية، هي جزءٌ منه، ولكن له رسالة، وهناك مسؤولية على هذه الأمة، هي تلك المسؤولية التي عبَّر الله عنها في القرآن الكريم بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]، هذه الأمة ما هي واجباتها ومسؤولياتها لتكون خير أمة؟ وما هي الخيريَّة هذه التي تجعل منها خير الأمم؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110].

هذه الأمة هي المعنية بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء:135]، وأعطاها الله ما يؤهلها لذلك: من إمكانات، من موقع جغرافي، من مقدرات، وأعطاها هدىً عظيماً هو القرآن الكريم، ووعدها بالنصر، والتأييد، والرعاية، وأن يكون معها إذا نهضت لأداء مسؤوليتها هذه، لتكون الأمة التي لها الريادة في العالم، في إطار هذه المسؤولية المقدَّسة:

تدعو إلى الخير، وتواجه الشر والأشرار، وتسعى لحماية المجتمعات البشرية من الشر والأشرار. تأمر بالقسط، وتعمل على إقامة القسط في الحياة، وتواجه الظلم والظالمين، وتمنعهم من ممارسة الظلم، وتسعى لإقامة ذلك في مختلف ربوع أرجاء المعمورة. تتحرك للنهي عن المنكر، والباطل، والفساد، وتسعى لنشر المعروف، وإقامة المعروف، والأمر بالمعروف في عنوانه الواسع، الذي يشمل مختلف المجالات.

لتنقذ المجتمع البشري من منابع الشر، ومنابع الإجرام، ومنابع الظلم والطغيان والفساد، وهي تلك القوى التي يعبِّر عنها القرآن الكريم بطائفةٍ من أهل الكتاب، وفريقٍ من أهل الكتاب، فريق الشر، والإجرام، والخطر، والضلال، الفريق الظلامي المجرم من أهل الكتاب: اليهود، ومن يواليهم من النصارى ويتحرَّك معهم، وكانوا جنباً إلى جنب على مدى تاريخٍ طويل، كما يقول الله عنهم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، يتآمرون على أبناء هذه الأمة، ويستهدفون هذا الدور المقدَّس والعظيم، الذي هو لخير المجتمعات البشرية.

عندما فرَّطت الأمة في هذا الواجب المقدَّس؛ اتَّجهت نحو اهتمامات أخرى، غلبت على أبنائها المصالح الشخصية، والفئوية، والأهواء، والرغبات، والأطماع، وهبطت الأمة، هبطت أخلاقياً، هبطت فكرياً وثقافياً، هبطت في أهدافها، في دورها، هبطت في كل شيء نحو الأسفل، واستمر هبوطها إلى أن وصلت في الحضيض، وأصبحت قوى كثيرة من أبنائها تمدُّ يدها للبريطاني، والبعض يمدُّ يده- في مراحل مختلفة من التاريخ- إلى قوى أو قوى هناك من قوى الكفر، والظلام، والباطل؛ لتستند إليهم في تحقيق نفوذ ومصالح هنا أو هناك، أو تستند إليهم في حسم صراعات ومشاكل داخلية، مع خصمٍ هنا أو خصمٍ هناك من داخل الأمة، هذا أوقع الأمة في الحضيض، وجعلها في مقام المؤاخذة الإلهية؛ فَقَدت عزتها، فَقَدت قوَّتها، فَقَدت دورها بين الأمم، وأصبحت ساحةً مفتوحةً لكل الطامعين من مختلف القوى الكافرة، التي أصبحت تتسابق طامعةً في هذه الأمة، في بلدانها، وثرواتها، وموقعها الجغرافي، ومنافذها البحرية المهمة… وغير ذلك، وهكذا حصل، وأتى ما أتى من جانب البريطاني، ومعه الأمريكي، ومعه القوى الغربية، والمشروع الصهيوني، في ظل تلك الوضعية السيئة جداً.

ولهذا لابدَّ لأمتنا أن تسعى بجد لتصحيح وضعيتها؛ لأنه في الحال الذي تخرج فيه من دائرة المؤاخذة الإلهية، وتتجه للثقة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والتوكل عليه، من أجل النهوض بمسؤوليتها، تتحرك فعلياً بإنابةٍ صادقةٍ إلى الله، للتحرك عملياً؛ سيمدها الله بالعون، بالنصر، بالتأييد، بوعده الصادق الذي لا يتخلَّف أبداً، كما مدَّ وأعان وأيَّد ونصر أوائلها، الذين تحرَّكوا تحت راية الإسلام، في صدر الإسلام الأول، وأمدَّهم الله بالتمكين العظيم.

واقع الأمة إذا اتَّجهت للنهوض بمسؤوليتها، وإنابة إلى الله؛ فذلك الحبل سينتهي: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ}[آل عمران:112]، إذا قطع الله ذلك الحبل: حبل المؤاخذة والتسليط عن هذه الأمة؛ حينها سينتهي الحبل الآخر الذي من الناس، عندما تتحرك هذه الأمة، تقف على قدميها، تنهض بمسؤوليتها، تعتمد على الله ربها، وتثق به، وتتوكل عليه، وتطهِّر ساحتها من الظلم والفساد، وتسعى لدورها العالمي والريادي، عندما تتَّجه هذا التوجه بصدق وجد مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ فمنذ البداية يعطيها الله العون، النصر، التأييد، تمكين، وحينها سترى الكثير من القوى الغربية نفسها في موقف العاجز، الفاشل، المستسلم، الخاسر، المستسلم في ما يتعلَّق بأهدافه داخل هذه الأمة، سيرى أنَّ ساحة هذه الأمة أصبحت محصَّنة، وقوية، ومنيعة، وأنَّ هذه الأمة اتَّجهت اتِّجاهاً جاداً، هذا شيءٌ مهم.

أمَّا في الحالة التي يقف فيها البعض من أبناء الأمة، في الحالة نفسها: حالة التخاذل، والإعراض، والتجاهل، والتعامي عن كل الأحداث، وعن خلفياتها، وعن أسبابها، وعن نتائجها؛ فيمكن للأمة أن تتكبَّد الكثير من الخسائر، ولكن الاتِّجاه من أبناء الأمة، الاتِّجاه الواعي، الاتِّجاه الذي يستجيب لله تعالى، يتحرَّك في إطار المسؤولية المقدَّسة لهذه الأمة، ينهض بواجبه، يتصدى للأعداء، ينطلق من المنطلقات الإيمانية والقرآنية، ليحظى بتأييد الله ومعونته، فهو سيحقق هو النتائج، مهما كان هناك من أعباء، من محن، من متاعب، هي نتيجةً للوضعية التي وصلت إليها الأمة بتفريطها في المقام الأول؛ ولــذلك يتحرك أحرار الأمة في هذه المرحلة، يتحرَّكون من نقطة الصفر، فكانت هناك أعباء كبيرة، وصعوبات كبيرة، ومتاعب كبيرة؛ لأن التحرك من نقطة الصفر، ولكن معه رعاية إلهية، معه عونٌ من الله تعالى، ولذا نرى ما عليه إخوتنا المجاهدون في فلسطين من ثبات وفاعلية، بالرغم من الظروف الصعبة جداً، ولكن نرى هذه الرعاية الإلهية، عندما كان هناك من استجاب لله، وما رأيناه في لبنان أكثر، وما قامت عليه تجربتنا في اليمن كذلك… وهكذا أبناء الأمة الأحرار في مختلف البلدان، الذين استجابوا لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وتحرَّكوا وفق هدي الله وتعليماته.

اليهود لا يمتلكون المقومات الذاتية لأن يفرضوا لهم كياناً متماسكاً، قوياً، صامداً، ولا يستندون إلى حقوق يعتمدون عليها، هم في موقف العدوان؛ ولذلك أتى بهم البريطاني، وأتى من بعد البريطاني أتى الأمريكي، وأتت الدول الغربية، ومن بعد ذلك حتى الأمم المتحدة تعترف بالعدو الصهيوني عضواً كأي دولة أخرى في مجموعة الأمم المتحدة، الأمم المتحدة في جمعيتها ومجموعتها تعترف بالعدو الصهيوني ضمنها، يعتبر هذا من الشواهد الواضحة على أنها لا تقوم على أساسٍ من العدل، العدل مغيَّب في ظل الهيمنة الغربية، في ظل هيمنة الطاغوت المستكبر الظلامي، لا وجود للعدل، العدل مضيَّع، يضيَّع على شعوب بأكملها، على شعوب بأكملها.

أمَّتنا الإسلامية استهدفت بشكلٍ كامل، بغياب العدل بشكلٍ كامل؛ ولهــذا- كما قلنا في الأسبوع الماضي- الأمة الإسلامية هي المعنية بإقامة القسط، وأن تفرض القسط في العالم، والعدل في العالم؛ أمَّا البقية:

ما الذي تفعله لك الأمم المتحدة؟! اعترفت بالعدو الإسرائيلي القائم على الاغتصاب، والظلم، والجرائم الفظيعة، وقتل الأطفال والنساء، والتهجير القسري للملايين من ديارهم، والاغتصاب لبيوتهم، لقراهم، لمدنهم، لأراضيهم، اعترفت به عضواً فيها. المحاكم الدولية ماذا تفعل وفعلت؟! متى فعلت شيئاً؟ مؤسسات تأسست من بعد القضية الفلسطينية بزمن، ومنذ أن تأسست إلى اليوم لم تفعل شيئاً لفلسطين، بل خدمت العدو الإسرائيلي، وقدَّمت له الخدمات الواضحة.

ولـــذلك فالعالم الغربي، الذي ينظر إليه الكثير من أبناء أمتنا على أنه عالم الحُرِّيَّة، والحضارة، والحقوق: حقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، ويغترون به بكل غباء، هو أسند هذا الظلم والباطل الإسرائيلي ضد أمتنا، وضد الشعب الفلسطيني، ضد لبنان، عندما اتَّجه العدو الإسرائيلي لاحتلال لبنان، ضد كل بلداننا العربية التي استهدفها العدو الإسرائيلي: سوريا، الأردن، مصر، اتَّجه ضدها كلها، ولم يفعل لها شيئاً.

في الدور الأمريكي، الدور الأمريكي كان- كما قلنا وحسب بعض المصادر التاريخية- من وقت مبكر، دفع بالبريطاني إلى فعل ذلك، ثم تولى- بعد الانحسار للدور البريطاني- تولى هو كِبْرَ هذا الجرم، وتولى هذا الوزر العظيم، بأن يكون شريكاً للعدو الإسرائيلي، وداعماً أساسياً له، مع بقاء الدعم البريطاني، والمشاركة البريطانية، والإسهام البريطاني، وكلهم يرتبطون مع العدو الإسرائيلي في الاعتقاد بالمشروع الصهيوني، عقيدة دينية، وأطماع استعمارية، وأحقاد على هذه الأمة، ويعتبرونها فرصة مهيأة لهم، زادت من طمعهم وضعية الأمة.

ولــذلك استمر الأمريكي، ويستمر، ويتنافس- على مدى عقود من الزمن- الحزبان (الجمهوري، والديمقراطي) في أمريكا، في الانتخابات الرئاسية، وفي الانتخابات للكونغرس، يتنافسون أيهم يقدِّم خدمات أكثر للعدو الإسرائيلي، وللمشروع الصهيوني، وهذا شيءٌ واضح، معلنٌ في حملاتهم الدعائية.

وكذلك يتعاقب الرؤساء الأمريكيون رئيساً بعد رئيس، في أن يحسب لكلٍّ منهم أنه قدَّم للعدو الإسرائيلي، وللمشروع الصهيوني أكثر مما قدَّم الرئيس الذي قبله، أو أيُّ رئيسٍ قبله من رؤساء أمريكا، هذا أيضاً شيءٌ واضحٌ؛ ولــذلك حرص [المجرم بايدن] في فترة رئاسته لأمريكا، أن يقدِّم من الدعم العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والإعلامي، للعدو الإسرائيلي، ما لم يقدِّمه أيُّ رئيسٍ كان قبله، حرص على أن يكون بهذا المستوى من الدعم والتعاون مع العدو الإسرائيلي، ومع المشروع الصهيوني، وهو أعلن عن نفسه جهاراً نهاراً بأنه صهيوني، [بايدن] بنفسه قال عن نفسه بأنه صهيوني، يعني: يعلن للعرب أنه يؤمن بالمشروع الصهيوني، الذي يستهدف أرضهم، وعرضهم، وبلادهم، وأوطانهم، وثرواتهم، ومكَّتهم ومدينتهم، وقدسهم، يتكلم بكل صراحةٍ ووضوح، وتعلن وسائل الإعلام ذلك، وتُشَاهَد الفيديوهات وهو يتحدث بذلك.

وهكذا يأتي الآن [ترامب]، كنتيجة للانتخابات الأمريكية، التي كانت قبل أمس في يوم الثلاثاء، [ترامب] بنفسه كان في مدة رئاسية سابقة، حرص على أن يقدِّم فيها للعدو الإسرائيلي إنجازات معينة، وأن يتباهى بأنه سيفعل ما لم يفعله الأوائل قبله من الرؤساء الأمريكيين، حينها مع الاعتراف بالقدس بكلها عاصمةً للعدو الإسرائيلي، ومناقضةً للأسلوب السياسي الشكلي، الذي يتظاهر به الأمريكيون فيما يتعلَّق بموضوع القدس وموضوع الدولتين، أتى بفكرة [أبو ديس وصفقة القرن]، ثم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في إطار موقفه واعترافه الصريح، ثم أعلن أيضاً عن هبته بالجولان السوري المحتل لإسرائيل، في محفل حضر فيه مسؤولون عرب، وصحفيون عرب، وقال فيه بكل سخرية، لكنه كان يقصد ما يقول: [إذا أرادت إسرائيل المزيد من الأراضي العربية، فهو مستعدٌ أن يعطيها، وأن يهبها لها]، هكذا هي النظرة الأمريكية، هكذا هو الأمريكي، يا من تتسابقون من زعماء العرب على الولاء له، على الطاعة له، على العلاقة معه، ليس لكم عنده أي قيمة أبداً، مهما فعلتم ومهما قدَّمتم، هو يريد أن يحلبكم، هو يرى في أثريائكم بقرةً حلوباً كما صرَّح هو، ويرى في الفقراء أمةً بائسةً تعيسةً، ليس لها في حساباته إلَّا الموت، والدمار، والهلاك.

[ترامب] الذي سعى أيضاً لتطويع بعض العرب، ليكونوا خدَّاماً للعدو الإسرائيلي، بعنوان التطبيع، يسمي التطويع ذلك بالتطبيع، ولكنه تطويعٌ لخدمة العدو الإسرائيلي، ومصالحه مع أمريكا فقط، ليس إلَّا، وليس أكثر من ذلك أبداً.

[ترامب] بما قدَّمه آنذاك، اعتبر نفسه أنَّه أكثر اهتماماً ممن سبقه من الزعماء والرؤساء فيما قدَّمه للعدو الإسرائيلي، وأنه سيجيِّر البعض من أبناء أمتنا من الأنظمة الحاكمة بإمكانات شعوبهم وبلدانهم لخدمة العدو الإسرائيلي، وأتى بعنوان [صفقة القرن]، ولكنه فشل، مع كل عنجهيته، واستكباره، واستهتاره، وطغيانه، فشل، فشل، وكما فشل في المرة الأولى، سيفشل في هذه المرة، في فترة رئاسته هذه لأربع سنوات، مهما أثار من الفتن والمحن، ومهما ألحق بأمتنا من النكبات، نتيجةً لعملائه والمتواطئين معه، لكنه سيفشل، القضية الفلسطينية محميةٌ بالوعد الإلهي بزوال الكيان المؤقت، ومحميةٌ بأولياء الله، وعباده المجاهدين، المخلصين، المضحين في سبيل الله تعالى، وأمامكم يا أبناء أمتنا هذا النموذج الراقي، العظيم، الحي، الثابت، الصامد، المتماسك:

المجاهدين في قطاع غزة، بما هم عليه من الثبات، والتفاني، والاستبسال، الروح الجهادية الحيَّة العظيمة، الروح التحررية العظيمة، المتواجدة في الشعب الفلسطيني، بما ينفِّذه من عمليات في الضفة، بما ينفِّذه أبطال فلسطين من عمليات حتى في بقية أنحاء فلسطين، من مثل العمليات البطولية في عمليات الدهس للأعداء الصهاينة، التي حصلت واحدةٌ منها في الأسبوع الماضي، في منطقة حسَّاسة مهمة، استهدف بها وكراً من أوكار التجسس الإسرائيلي في يافا المحتلة. وهكذا النموذج الآخر العظيم، القائم بالحق، والقائم بكل ثبات، هو: نموذج حزب الله في لبنان، وهي جبهة مباشرة ضد العدو الإسرائيلي، وأتت من مرحلة كان العدو الإسرائيلي يعوِّل فيها أنه قد أحكم سيطرته على لبنان عسكرياً، وسياسياً… وغير ذلك، فأتى حزب الله من تلك الظروف الصعبة، من تلك المرحلة القاسية جداً، نشأ، وتنامى، وتعاظم، وقوي، وأنجز الإنجازات الكبرى، وصولاً إلى التحرير في عام 2000، وصولاً إلى الوقوف الصامد والثابت وتحقيق انتصارٍ عظيم في 2006، ثم في هذه المرحلة.

على طول التاريخ، الذي تحرَّك فيه حزب الله في تاريخه، كان سنداً للشعب الفلسطيني، تضحياته، جهاده تمثل إسهاماً لخدمة الشعب الفلسطيني ومساندته، وأيضاً لعزة لبنان، وحرية لبنان، واستقلال لبنان، وحماية لبنان، والى الآن في هذه المرحلة المهمة جداً، منذ (عملية طوفان الأقصى) وقف حزب الله بجد، وفاعلية، ومصداقية، وثباتٍ عظيم، وتأثيرٍ على العدو في جبهة جنوب لبنان، بمحاذاة شمال فلسطين المحتلة، ينكِّل بالعدو الإسرائيلي بشكلٍ يومي.

اتَّجه العدو الإسرائيلي للتصعيد، استهدف قادة حزب الله، وشن عدواناً رهيباً وكبيراً بكل ما يمتلكه من قوة، بشراكةٍ أمريكية، ودعمٍ أمريكي، وبالسلاح الأمريكي، وبالتعاون الأمريكي، إلى المرحلة التي تصوَّر فيها أنَّه قد تمكَّن من إلحاق الهزيمة بحزب الله، ومن تقويض حزب الله، ثم إذا به يفاجأ، منذ أن بدأ العملية البرية، التي كان يتصوَّر أنها ستمضي بكل سهولة، فإذا به يواجه الهزائم في الميدان في جيشه، جيشه من يهزم في الميدان ويتكبَّد الخسائر الكبيرة، يقوم بتغيير تكتيكاته؛ فلا ينفعه ذلك، يتلقَّى ويتكبَّد الخسائر والهزائم في معركته.

في أربعينية شهيد الإسلام والإنسانية، السَّيِّد حسن نصر الله «رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ»، وهو باستشهاده خسارة على الأمة الإسلامية بكلها، هو من القادة التاريخيين النادرين، لكنه أبقى للأمة مدرسةً متكاملة، يتخرَّج منها الأبطال، والشجعان، والمجاهدون الأعزاء، والأوفياء المستبصرون، الذين يقفون في وجه العدو الإسرائيلي بكل بسالة، بكل ثبات، بكل صمود، وببصيرةٍ وإيمانٍ، وروحيةٍ جهاديةٍ حسينية، وهم يقفون بكل ثبات، في أربعينيته قام حزب الله بعملية قوية جداً، وأمطر العدو الإسرائيلي بالصواريخ إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو [تل أبيب]، ويستهدف [مطار بن غوريون]، ويستهدف أيضاً معسكرات وقواعد عسكرية، والحرائق اشتعلت في كثيرٍ من المغتصبات، وفي مصانع تابعة للعدو الإسرائيلي، هذه الفاعلية، وهذا الحضور، في الوقت الذي كان يتوقَّع فيه العدو الإسرائيلي أن يكون قد تمكَّن من حسم المعركة مع حزب الله، ها هو حزب الله حاضرٌ بتماسكٌ تام، عملياته في إطار قيادة وسيطرة، وعمليات منسَّقة ومدروسة، وفاعلة، ومؤثِّرة.

الأمين العام لحزب الله الشيخ/ نعيم قاسم- كذلك- ألقى كلمته في مناسبة الأربعين لسماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله «رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ»، كلمة كلها قوة، كلها تأكيد على الثبات في الموقف، على الاستمرار في النهج؛ ولذلك وضع حزب الله كنموذج واضح، وصامد، وثابت.

وهكذا هي أيضاً المقاومة الإسلامية في العراق، تستمر أيضاً في عملياتها بفاعلية، بتأثير، بتصاعدٍ في أدائها العملياتي، مع أنَّ هناك ضغوطاً سياسية وإعلامية كبيرة، تهدف إلى إيقاف عملياتها، لكن تفشل كل الضغوطات.

والواقع بالنسبة للعدو الإسرائيلي هو واقعٌ صعب فعلاً، بالرغم من جرائمه الفظيعة جداً، هي لا تمثل نصراً عسكرياً، ولا تعبِّر عن إنجازٍ عسكري، قتل الأطفال والنساء، هو يفعل في لبنان ما يفعله في فلسطين، يقتل الآلاف، ويجرح الآلاف من الأطفال والنساء، ويدمِّر المساكن، يعمل على نسف القرى بأكملها في جنوب لبنان… وغير ذلك، لكن واقعه هو مأزوم؛ ولــذلك أتى في سياق أزمته ومشاكله الداخلية، الخطوة التي أعلن عنها [المجرم نتنياهو] بإقالته ما يسمى بوزير الدفاع، وهو شريكه في الإجرام، والطغيان، والعدوان، لماذا أقاله؟! في سياق حالة من الأزمة والمشاكل الداخلية، التي في مقدِّمتها: مشكلة التجنيد، مشكلة التجنيد، الجيش الإسرائيلي تكبَّد الآلاف من الجرحى، والمئات من القتلى، من ضباطه وجنوده، وهم مجرد عصابات إجرامية يسمونهم جيشاً، ومع ذلك يحتاج إلى تعويض خسائره بالمزيد من التجنيد، حرَّك قوته الاحتياطية إلى أقصى حد، ولا يزال بحاجة إلى المزيد من التجنيد.

وأتت مشكلة [الحريديم]، وهي: المدارس الدينية المتشددة، الأكثر طغياناً، وكفراً، وإجراماً، وضلالاً، وهم يتهرَّبون من التجنيد، هم يريدون الآخرين فقط أن يقاتلوا عنهم، دون أن يسهموا هم في القتال، وتصاعدت معها اعتبارات ومشاكل سياسية أخرى في داخل الكيان المجرم، والعصابة الإجرامية الصهيونية، لتصل إلى هذا المستوى من الأزمة؛ ولــذلك وضعهم ليس وضعاً مريحاً، أزمة داخلية، خوف شامل، [المجرم نتنياهو] يعدهم بالأمن، وأنه يسعى لتحقيق الأمن والسلام لهم، فيما هم في حالة خوف شامل، الملايين ينزلون في الليل وفي النهار إلى الملاجئ، في حالة من الخوف، والرعب، وانعدام الاستقرار؛ ولــذلك هم في حالة صعبة جداً، وليسوا في حالة مريحة.

وضعهم الاقتصادي، بالرغم من الدعم الأمريكي الهائل، الذي يغطِّي أكثر من 70%، 75% من تكاليف عدوانهم وإجرامهم، ويوفر لهم من مخازنه ما يحتاجونه من القنابل لقتل الأطفال والنساء، وتدمير المدن والمساكن، بالرغم من كل ذلك، كلفة الحرب عليهم كبيرة جداً في اقتصادهم، وتقدر تكاليف الخسائر، الخسائر تقدر بـ (مائة وستين مليار دولار) حتى الآن، على مدى عام، ونحن في الشهر الثاني من العام الثاني، (مائة وستين مليار دولار)، ووضعهم الاقتصادي منهك جداً، ومأزوم، ومضغوط.

فيما يتعلق بجبهة الإسناد في يمن الإيمان والجهاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس): تستمر العمليات في البحار، ومنها عمليات الاستهداف للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وبالأمريكي والبريطاني إلى البحر العربي، وهذا استمر في هذا الأسبوع، وكذلك بالعمليات إلى عمق فلسطين المحتلة، إلى يافا المحتلة، وأم الرشاش؛ لاستهداف أهداف تابعة للعدو الصهيوني، إضافةً إلى قرار في التعامل مع عمليات التمويه التي يلعبها الإسرائيلي، في نقل الملكية للسفن المرتبطة به، لكن بطريقة مخادعة، كان هناك إعلان واضح من الجيش اليمني يتعلَّق بهذه النقطة.

الأمريكي يواصل مع الغارات والقصف البحري مساعيه لتوريط الآخرين في المنطقة، يحاول أن يورِّط بعض الأنظمة العربية لتساند إسرائيل معه، ويحاول أيضاً أن يورِّط عملاءه في ذلك.

نتائج الانتخابات الأمريكية لن تؤثر على موقفنا المبدئي، ولا خيار للأعداء إلَّا وقف العدوان والحصار على غزة، ووقف العدوان أيضاً على لبنان.

نتائج الانتخابات الأمريكية قد يحاول البعض من الأنظمة العربية، ومن الأبواق الإعلامية التابعة لها، والمرتبطة بالأمريكي والإسرائيلي، التهويل بها على شعوبنا، والتخويف لشعوبنا من [ترامب]، بالنسبة لنا في اليمن: نحن لنا تجربة مع [ترامب]، والمنطقة بكلها لها تجربة، هو قد أمضى مدة رئاسة لأربع سنوات، فما الذي حققه من نجاحات؟ حَلَب بعض الأنظمة العربية، أخذ عليها مئات المليارات من الدولارات، أنهك اقتصادها، لكنه لم يحقق نتائج في أرض الواقع، لم يحسم الجبهات أبداً، لا جبهة اليمن، لا أنهى المقاومة في فلسطين، ولا في لبنان، لم ينهِ سوريا، لم ينهِ إيران، لم ينهِ العراق، ما الذي فعل؟! هو متقنٌ- هذا ما يمكن أن نشهد له به- لحلب الأنظمة العربية الحلوبة، التي تعطيه مقدرات شعوبها، وثروات أوطانها، وميزانياتها الهائلة؛ ليزوِّدها بشيءٍ من السلاح للفتن، وللاقتتال الداخلي بين أبناء الأمة، ولكن دون أن تصل إلى نتيجة.

ولــذلك بالنسبة لنا: أصلاً نحن موطِّنون أنفسنا، أنه مهما كان حجم أي تصعيد ضدنا في هذا البلد، أي عدوان يستهدفنا، أي صراع يستهدفنا؛ فلن يثنينا نهائياً عن موقفنا المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني، لا [ترامب] ولا [بايدن]، ولا أي مجرم في هذا العالم، يتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت، المبدئي، الديني، في نصرة الشعب الفلسطيني؛ ولـذلك الخيار الأفضل للأمريكي ولغيره، هو: وقف العدوان والحصار عن غزة، وقف العدوان على لبنان، إنهاء هذه الحروب، [ترامب] يقول أنه سينهي الحروب وليس سيشعلها، إذا كان صادقاً، فليوقف العدوان الذي أمريكا شريكةٌ فيه على قطاع غزة، وعلى لبنان، ولينهِ الحصار، ليكون له إنجازاً دبلوماسياً، إن أراد أن يكون له إنجاز؛ أمَّا المزيد من العدوان والفتن، فهي لن تحقق له، ولا لأمريكا بكلها، ولا لإسرائيل، ولا لبريطانيا، ولا لكل أعداء أمتنا، أهدافهم.

المعركة اليوم، يتحرك فيها من هذه الأمة أبناؤها الذين يؤمنون بالله، ويثقون به، ويتوكَّلون عليه، ويعتمدون عليه «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويثقون بنصره، الأمة المجاهدة من أبناء أمتنا الإسلامية، التي هي اليوم تخوض المعركة في مواجهة العدو الإسرائيلي وشركائه، هي الأمة التي تثقفت بثقافة القرآن الكريم، فلا تخشى إلَّا الله، ولا ترهب سواه، ولا تكترث، ولا تنحني أمام أي طاغيةٍ في هذا العالم، مهما كان طغيانه، مهما كان إجرامه، مهما كان جبروته {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175]، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173].

في أيام فترة [ترامب] في المرحلة السابقة، في فترة رئاسته لأمريكا، واجهنا العدوان الأمريكي، وشركاء أمريكا الذين اعتدوا على بلدنا، بإمكاناتهم، بأنواع سلاحهم، بمؤامراتهم، بمخططاتهم، ونحن في وضع أضعف مما نحن فيه الآن بكثير، وأصعب مما نحن فيه الآن بكثير، وضعيتنا اليوم وهي كلها بالاعتماد على الله، والرهان عليه، والتوكل عليه، لن نعجب لا بكثرة، ولا بنوعٍ من الإمكانيات أصبح بأيدينا، كل ذلك فاعليته مع التأييد الإلهي، مع المعونة من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، مع الرعاية الإلهية.

ولذلك نحن حاضرون في هذه المعركة، مستمرون في مساندة الشعب الفلسطيني، واقفون في هذا الموقف بكل ثبات، سعياً لمرضاة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وثقةً به، وتوكلاً عليه، وثقةً بالنصر الموعود، ونحن مواصلون في التصعيد بكل ما نمتلك، ونسعى- كما قلت مرارا وتكراراً- لما هو أعظم، لما هو أكبر، لما هو أقوى.

فيما يتعلَّق بالتحرك الشعبي: يواصل شعبنا أيضاً حركته، نشاطه، مسيراته، مظاهراته؛ لأن هذا جزءٌ من الموقف، جزءٌ من الجهاد، والحضور في الأسبوع القادم له أهمية كبيرة، يعني: في يوم الغد، الحضور في يوم الغد له أهميةٌ كبيرةٌ جداً، ما بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، ليسمع الأمريكي، ليسمع كل طواغيت العالم، ليسمع العدو، وليسمع الصديق، ليسمع كل أولئك الذين ينظرون إلى [ترامب] بإكبار، ويقدِّمونه كبعبع، يحاولون أن يخيفوا الأمة منه، أنَّ شعبنا العزيز بانتمائه الإيماني، بروحيته الإيمانية، بانطلاقته الإيمانية؛ لأنه يمن الإيمان، يمن الحكمة، يمن الجهاد، أحفاد الأنصار، لا يبالي بأي طاغيةٍ في هذا العالم، ولن يتراجع عن موقفه أبداً في نصرة الشعب الفلسطيني ومساندته، مهما كانت التحديات.

شعبنا سيخرج في هذا الأسبوع، في يوم الجمعة غداً إن شاء الله، حضوراً مليونياً، وخروجاً مليونياً كبيراً جداً، يعبِّر عن وفائه، عن ثباته، عن شجاعته، عن وعيه، عن إيمانه، عن صموده، فهو شعب الدين والإيمان، شعب القيم والوفاء، لا يخشى إلَّا الله، وسيتحدى كل الطغاة، تحدى ذلك فيما قد مضى، ويتحدى فيما هو حاضر، ويتحدى في المستقبل كل طغاة هذا العالم، وجبابرته المجرمين.

أدعو شعبنا العزيز (يمن الإيمان والحكمة)، إلى الخروج المليون يوم الغد إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، خروجاً مشرِّفاً، متحدياً لكل طواغيت العالم، مؤكِّداً على الوفاء، والثبات، والاستمرار في الموقف المساند للشعب الفلسطيني المظلوم، والمساند للشعب اللبناني، ولمجاهدي فلسطين ولبنان، أننا لن نتركهم لوحدهم أبداً، نقول لهم من جديد: (لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر)، واللهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيل.

الخروج يوم الغد غزوة من أهم الغزوات في سبيل الله، الخروج في الميادين والساحات خروج مهم، له دلالته، يمثل رسالةً مهمة؛ ولذلك أرجو الاهتمام بذلك.

أَسْأَلُ اللهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَلِلشَّعبِ اللُبْنَانِيّ وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، لإِخْوَتِنَا فِي حِزْبِ الله، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: نتائج الانتخابات الأمریکیة جرائم الإبادة الجماعیة بعض الأنظمة العربیة من الأطفال والنساء فی سبیل الله تعالى بالعدو الإسرائیلی للعدو الإسرائیلی العدو الإسرائیلی الشعب الفلسطینی للشعب الفلسطینی الأمة الإسلامیة البلاد العربیة المجتمع البشری فی هذا الأسبوع فی تلک المرحلة القرآن الکریم الأمم المتحدة الواقع العربی فی هذا العالم الفلسطینی فی أبناء أمتنا وقف العدوان أبناء الأمة منذ البدایة من الإیمان هم فی حالة فی فلسطین هذه الأمة الثانی من على لبنان فی العالم وعد بلفور أن یکونوا على مستوى بالرغم من کبیرة جدا الکثیر من س ب ح ان ه ت ع ال ى فی مراحل من أبناء وهذا شیء الأمة فی البعض من کان هناک حزب الله وغیر ذلک مهما کان یوم الغد قطاع غزة فی لبنان ومن بعد على أنه على مدى یمکن أن فی إطار هناک من بعد ذلک على هذه هذا شیء أکثر من کثیر من فی نصرة ما یتعل ما الذی أن تکون یکون له من الله أن یکون ى الله من ذلک فی یوم ولا أی من بعد لما هو فی بعض فی هذه على أن لم یکن ا الله ب الله

إقرأ أيضاً:

قائد الثورة: فريضة الحج ليست مناسبة سياحية خاصة للاستغلال المادي بل مَعْلَم مقدَّس عظيم

 

الثورة  /سبأ

 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة في القرآن الكريم، في قصص نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، تحدثنا بالأمس عمَّا قام به من نقل بعض من أسرته إلى مكة، وكذلك عن قصة الاختبار الكبير، والامتحان العجيب، في رؤيا الذبح، وما تجلَّى في تلك القصة له ولابنه نبي الله إسماعيل «عَلَيْهِمَا السَّلَامُ»، مما هما عليه من عظيم التسليم لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

نواصل في هذا السياق، ويتَّضح من خلال الآيات القرآنية المباركة، أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هيَّأ لنبيه وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، من خلال الهجرة (من بابل في العراق، إلى الشام)، الأرض التي قال الله عنها: {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:71]، أن الله فتح لنبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» آفاقاً واسعة في مهامه الرسالية، ودوره الرسالي، ودوره في هداية الناس، ثم يتَّضح لنا أيضاً من خلال الامتداد إلى مكة، ونقل بعضٍ من أسرته كذلك إلى هناك، وما ترتب على ذلك أيضاً فيما يتعلَّق بمسألة البيت الحرام، وإحياء الحج… وغير ذلك، أن هذا الدور اتَّسع أكثر حتى من الشام؛ ليكون على نطاقٍ واسع، وليؤسِّس أيضاً لدورٍ عالميٍ مفتوحٍ، يتجاوز تلك الجغرافيا في العراق والشام، وحتى في الجزيرة العربية، ويتجاوز أيضاً البعد الزمني، ليمتد عبر الأجيال.

عندما قام نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بنقل بعضٍ من أسرته إلى مكة، لم يكن ذلك إجراءً عقابياً، أو بسبب مشكلةٍ أُسَرِيَّة، كما في الروايات الإسرائيلية؛ إنما كان في إطار هدفٍ عظيمٍ ومقدَّس، ذكره الله في القرآن الكريم في دعاء نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم:37]، فهذا النقل- بنفسه- هو تأسيسٌ لمرحلةٍ جديدة، تأتي فيها مسألة إعمار البيت وبنائه، فهو في إطار الدور العالمي، الذي يهيئه الله لنبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وأراده لهم؛ لأنه تأهَّل إلى مستوى هذا الدور العظيم: دور يمتد عبر الأجيال، يتجاوز العائق الزمني، وينتشر في أصقاع الأرض، يتجاوز تلك الجغرافيا المحدودة، سواءً الَّتي كانت في إطار استقراره في الشام، أو ما قبل ذلك في العراق، دوراً يتجاوز كل ذلك.

يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم؛ ليبيِّن لنا هذا الدور العالمي، الذي جعله لنبي إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:124]، يذكر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هذه الآية المباركة، كيف أنه اختبر نبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بهذا الاختبار، اختبار {بِكَلِمَاتٍ}[البقرة:124]، يعني: بعددٍ من المهام، والقضايا، والخصال، بحيث يتجلَّى من خلالها سمو نفسيته، وتسليمه لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وزكاؤه، وجدارته بهذا المقام الرفيع، الذي آتاه الله، {فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة:124]، فهو قام بما ينبغي أن يقوم به في تلك الكلمات والقضايا على أتمِّ وجهٍ، دون نقصٍ أو تقصير.

وهذه من مزايا نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في أدائه الإيماني الراقي والعملي: أنه يؤدِّي أعماله الصالحة، التي هي مرضاةٌ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويؤدِّي مهامه ومسؤولياته في إطار ما كلَّفه الله به على أكمل وجه، من جميع الاعتبارات:

• الاعتبار النفسي.

• الاعتبار العملي.

• المطابقة لتعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من كل الجوانب، دون نقص.

ولـذلك يقول عنه هنا: {فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة:124]، قال عنه في آيةٍ أخرى في (سورة النجم): {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}[النجم:37]، فهو نجح في هذا الامتحان، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة:124]، نجح في هذا الامتحان نجاحاً ممتازاً، بدرجة امتياز: {فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة:124]، مثلما نقول نحن في تعبيرنا ودرجاتنا في الامتحانات والاختبارات: (درجة امتياز) فعلاً، أتى هذا على أرقى وجه وأكمل وجه.

{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة:124]، وهذا في إطار سُنَّة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في هداية عباده، والدور الذي جعله لرسله وأنبيائه، في أن يكونوا في موقع الهداية، والقدوة، والقيادة لعباده، للناس، فهو جعل لإبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» موقعاً متميِّزاً في ذلك، موقعاً أوسع وأكمل وأكبر من كثيرٍ من الأنبياء والرسل، لكن في إطار هذه السُّنَّة نفسها.

فالله هنا: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ}[البقرة:124]، (إِنِّي جَاعِلُكَ): الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الذي جعله إماماً، لماذا؟ لأن الله هو الذي يجعل، يجعل من خلال أمره، وتدبيره، وهدايته، وتأهيله؛ لأن هذه المسألة هي مسألة مرتبطة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، مرتبطة؛ لأنها هي أيضاً في صميم مسألة الهداية (الهداية للناس)، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو من إليه ذلك، كما قال «جَلَّ شَأنُهُ»: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}[الليل:12]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» جعله إماماً للناس، ولم تكن إمامته مجرَّد منصب، فتكون النظرة إليها فقط على أنَّها منصبٌ مُعَيَّن؛ بل هو أيضاً بمؤهلاته الراقية، بنفسيته، بروحيته، بمواقفه، بأعماله العظيمة، بحركته برسالة الله، في موقع الهداية، والقدوة، والأسوة، يَأتَمُّ به الناس ويقتدون به عبر الأجيال، وفي المقدِّمة الأنبياء من بعده، الأنبياء من بعده والرسل صار قدوةً لهم، وإماماً لهم، فهو قدوةٌ، يستلهمون من مواقفه، من روحيته، من أعماله، ما فيه الأسوة وفيه القدوة لهم.

نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» في هذا الموقع: موقع الهداية للناس، الأسوة، القدوة، الائتمام به، الاتِّباع له، الاهتداء به، الاستلهام بما فيه الهداية من مواقفه، هو ركنٌ في سلسلة الأنبياء «عَلَيْهِمُ السَّلَامُ»، وفي سلسلة الهداة، ودوره عالميٌ، يعني: هناك كما بيَّن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في آيةٍ أخرى، أنه فَضَّل بعض النبيين على بعض، وكذلك الرسل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[البقرة:253]، فالبعض منهم أدوارهم أدوار كبيرة جدًّا، أساسية، يستفيد منهم حتى الرسل والأنبياء من بعدهم، ويستفيد منهم الناس، ويمتد دورهم في مستوى التأثير، وفي مستوى الإلهام، في مستوى الهداية، عبر الأزمان، وإلى أجيال كثيرة، وفي نطاقٍ واسع، في نطاقٍ عالمي، فهو قطبٌ وركنٌ في سلسلة الهداه من أنبياء الله ورسله.

{قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة:124]، نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة:124]، هو يسأل الله، يدعو، يعني: واجعل يا إلهي من ذريتي أئمةً للناس، في إطار هذا الدور، ليكون هداةً للناس، وليسيروا بالناس في إطار مسيرة الهداية الإلهية، وطريق الحق والهدى، الموصل إلى خير الدنيا والآخرة؛ لأنه حريصٌ أن يمتد هذا الدور عبر الأجيال، وأن يصل إلى أكثر من جيل، لا أن يكون محصوراً في نطاق، أو عصر معيَّن.

{قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة:124]، نفس المسألة هو يسأل الله أن يجعل من ذريته أئمةً هداةً للناس؛ لأنه يعرف أن المسألة لا يمكنه أن يتدخَّل فيها هو بقرارٍ من عنده، ليست مسألةً- مثلاً- يمكن الاكتفاء فيها بالوراثة، أنهم سيرثون تلقائياً منه هذا الدور، أو أن تكون مسألة خاضعة للمزاج، أو القرار الشخصي، فهي مسألةٌ يختص بها الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ لأن فيها ما يعود إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في تدبيره، في هدايته، في اختياره، في تأهيله… وغير ذلك؛ ولـذلك لم تكن المسألة بالشكل الذي لا يحتاج فيها أن يعود إلى الله، وأن يطلب من الله، ويكتفي- مثلاً- بأن يُقَرِّر هو، أو يُحَدِّد؛ لأنَّها ليست مجرَّد مناصب، مناصب معيَّنة؛ بل هي مسألةٌ مختصَّةٌ بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في إطار سُنَّةٍ من سُنن الله في هداية عباده، وإقامة الحُجَّة عليهم، وإقامة دينه فيهم، وليست مسألةً خاضعةً لمزاج الناس.

هنا أتى الجواب عليه من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:124]، هنا كذلك يبيِّن أن المسألة- لما قد سبق، وبهذه الجملة نفسها- من اختصاص الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الذي يجعل؛ ولهـذا هو يقول: {لَا يَنَالُ عَهْدِي}، ينسب المسألة إليه «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:124]، فيؤكِّد اختصاصه بالمسألة، وأنها ليست منصباً متوارثاً، يتوارثه الناس كيفما يشاؤون، ولا متروكةً لمزاج الناس وأهوائهم؛ بل مسألةً مختصَّةً بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

تضمَّنت هذه الإجابة من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، طبعاً هو استجاب له، هو استجاب له، لكن تضمَّنت هذه الاستجابة من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: تنزيه هذا المقام وهذا الدور عن الظالمين؛ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لن يجعل لهم أي مشروعية، ولن يقبل بهم في إطار هذا الدور؛ لأن الظالمين متباينون تماماً مع هذا الدور: دور لهداية الناس، للسير بهم في طريق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، للتربية لهم على أساسٍ من دين الله وتعليماته وهديه، دور هداية، وقدوة، وأسوة.

الظالمون بعيدون عن هذا الدور، وهم متباينون معه تماماً، بعيدون عن مقام هداية الناس، هل الظالم في مقام أن يهدي الناس إلى الله؟ هو ليس بمهتدٍ في نفسه، هو متباين مع خط الهداية، وطريق الهداية، هل هم في مقام أن يقيموا دين الله، وهم متباينون؟! هم متَّجهون اتِّجاهاً معاكساً لإقامة دين الله؛ لأن اتِّجاه الظلم هو اتِّجاه معاكس تماماً لمسألة إقامة دين الله، وإقامة القسط في عباد الله.

ليسوا أيضاً في مقام القدوة والهداية للناس، ولا القيادة وفق هدى الله وتعليماته؛ فهم- فعلاً- في اتِّجاه متباين تماماً مع طبيعة هذه المسؤولية، وهذا الدور، التي أتى التعبير عنها في هذه الآية المباركة في إطار هذا العنوان: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة:124].

الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- كما قلنا- استجاب له، جعل في ذريته النبوَّة والكتاب، كما قال في القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}[العنكبوت:27]، فكان من نسله الكثير من الأنبياء والرسل، وكان من نسله خاتم الأنبياء والمرسلين محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ».

نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» في إطار هذا الدور: {جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة:124]، بقي صيته عالمياً بين مختلف الأمم، مع الذكر الحسن، يعني: تنظر إليه مختلف الأمم على أنه يمثِّل القدوة الحسنة، القدوة المتكاملة، في مجال الكمال الإنساني، والأخلاقي، والإيماني، في إطار هذا الدور الذي جعله الله له.

في إطار الدور العالمي، الذي جعله الله لنبيه إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وهو دورٌ أيضاً امتد عبر الأجيال، على مدى آلاف السنين إلى اليوم، ويمتد إلى قيام الساعة، جعل إليه إعمار البيت الحرام، وإحياء الحج، وهو نقل بعضاً من أسرته- كما بيَّنَّا في هذه المحاضرة والتي قبلها- إلى مكة لهذا الغرض المُقَدَّس.

فنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، أمره الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أن يقوم ببناء البيت الحرام (الكعبة المُشَرَّفة)، وهي أول بيتٍ وُضِعَ للناس، وفق الدور الذي أراده الله أن يكون له (بيت الله الحرام): أن يكون قبله، أن يكون للحج إليه، أن يكون معلماً دينياً عظيماً، هو أقدس بيوت الله على الأرض، أن يكون له أيضاً أدوار أخرى، نتحدث عن بعضها على ضوء الآيات القرآنية المباركة.

قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:96-97]، من الواضح- كما في الآية المباركة بشكلٍ صريح- أنه أول بيت وُضِعَ للناس في إطار هذا الدور: أن يكون قبلة، وأن يكون للحج، وأن يكون معلماً عامّاً للناس، مُقَدَّساً، من معالم دين الله، من معالم ربوبيته، وتوحيده، وألوهيته، والعبادة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ أمَّا بالنسبة للبداية، متى كانت هذه البداية؟

أغلب المؤرخين والمفسرين، يقولون أنه: وُضِعَ منذ بداية الوجود البشري، يعني: منذ عهد آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَبُنِيَّ لهذا الدور: ليكون معلماً، قبلةً، ليكون معلماً مقدَّساً، ليكون للحج إليه، والتعظيم له، والتقديس له، معلماً لعبادة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ثم مع امتداد الزمان وطوله، وكثرة المتغيرات والأحداث، ومن ضمن ذلك- عند بعض المفسرين- الطوفان العظيم، في عصر نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، تغيَّرت الوضعية في مكة بشكلٍ كامل، هُجِرَت من السكان بشكلٍ تام، وعلى مدى زمن طويل، وكذلك تَهَدَّمت الكعبة، ولم يَبْقَ لبقية المجتمعات البعيدة عنها ارتباط بها؛ بسبب انتشار الشرك، والكفر، والضلال، في بقية المجتمعات البشرية، وطالت المدة الزمنية بهذا الشكل، إلى عهد نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»؛ فأتاه الأمر من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لأن ينقل بعضاً من أسرته وفرعاً منه إلى مكة، وأن يُعيد إعمار البيت الحرام من جديد، وأن يُعيد إحياء الحج من جديد، وأن يعيد لهذا البيت الحرام والمقدَّس دوره في واقع المجتمع البشري.

فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» حدَّد له موقع البيت الحرام، أين هو موقعه بالتحديد؛ ولهـذا قال الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:26]، فالله حدَّده له، وحدَّد له موقعه، ويظهر من نفس العبارة القرآنية: {بَوَّأْنَا}، أنَّها تفيد أكثر من مسألة الإعلام بالإشارة إليه، أو بالوحي إليه (إلى المكان)؛ بل كان هناك تهيئة للمكان نفسه، وإظهار للمكان نفسه في موقعه، وكان موقعه ولا يزال، وهو موقعه الثابت أبداً، منذ أن وُضِع، وإلى قيام الساعة، في موضعه الذي هو فيه حالياً، يعني: عَبَّر القرآن الكريم عن اسم مكانه بقوله تعالى: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ}[آل عمران:96]، فهو كان، ولا يزال، ويبقى دائماً في هذا الموقع، لا يمكن نقله إلى موقعٍ آخر أبداً.

{لَلَّذِي بِبَكَّةَ}[آل عمران:96]، (بَكَّة) اسمٌ لنفس الموقع الذي فيه البيت الحرام، الذي فيه الكعبة، الموقع من الوادي نفسه، عرَّف الله نبيه إبراهيم بذلك الموقع، وهيَّأه له؛ من أجل أن يقوم بإعماره، وأن يعمره وفق هذه المبادئ، ليس مجرَّد بناء كيفما كان، بناء في إطار دوره المقدَّس، كمعلمٍ لتوحيد الله، للعبادة لله، معلم عظيم، له هذا الدور المهم، والقائم على أساس هذه المبادئ العظيمة، والمهمة، والمقدَّسة.

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج:27-28]، أن يُعلِن الحج، وأن يدعو الناس إليه دعوةً عامة؛ لأنه ليس معلماً خاصاً بمنطقة معيَّنة، أو بقومٍ معيَّنين، أو بدولة معيَّنة، هذا معلم لكل الناس، عليهم أن يستجيبوا لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأن يَحُجُّوا إليه، وهي فريضةٌ عليهم، {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97]، كما تقدَّم في الآية السابقة.

{يَأْتُوكَ رِجَالًا}[الحج:27]، يعني: مُشاة، ماشيين، راجلين، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}[الحج:27]: وأيضاً من يأتي وهو راكب، حتى من المسافات البعيدة، والذين هم في مسافات بعيدة هم أحوج إلى وسائل النقل، وأن يأتوا عبر وسائل النقل.

ومجيئهم فيه منافع لهم، منافع واسعة، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج:28]؛ لأن الله غنيٌ عن الناس، في كل ما شرعه الله للناس، وأمرهم به، هو غنيٌ عنه، ليس بحاجةٍ إليه إطلاقاً؛ ولكن الناس هم بحاجة إلى ذلك؛ لأن ما شرعه الله لنا وأمرنا به فيه الخير الواسع لنا، وفيه المنافع الواسعة لنا، في ديننا، وتمتد إلى مختلف شؤون حياتنا، في واقع دنيانا، ليس هناك انفصال عن ذلك؛ بل يمتد إلى كل ذلك.

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج:28]؛ لأن الحج تحدَّدت له مُدَّة زمنية واحدة؛ ليتوحد الناس في أداء فريضة الحج؛ ولهـذا قال الله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:197]، فلا يمكن أداء فريضة الحج في غير تلك المُدَّة الزمنية والأوقات المحدَّدة، التي حدَّدها الله.

كان الرئيس الأمريكي (بوش، بوش الابن) قد اقترح أن يتم توزيع أوقات الحج؛ لأن اليهود والنصارى ينزعجون جدًّا من حج المسلمين، في أكبر تَجَمُّعٍ سنويٍ مستمر، لغاية مقدَّسة، وأهداف عظيمة، وفي إطار شرع الله وتعاليمه، في أداء فريضة الحج، لا يزال هذا معلماً لوحدة المسلمين، معلماً للدين الإلهي الحق، للإسلام العظيم، معلماً يمكن في يومٍ من الأيام إذا أُدِّيَ كما ينبغي، ووفق ما شرعه الله، ووفق الدور الذي شرعه الله له، أن يكون عاملاً مهماً جدًّا في وحدة المسلمين؛ فهـو يقلق من ذلك (بوش) وغيره، من قبله ومن بعده من زعماء أمريكا، كذلك بقية الزعماء في الغرب الكافر، كذلك اليهود يغتاظون جدًّا، ويقلقون، وينزعجون جدًّا، وسنتحدث عن مدى انزعاجهم، وعن مؤامراتهم التي تستهدف الحج، وتستهدف البيت الحرام، فقال: [لماذا لا يتم توزيع الوقت في أوقات أخرى، يحج في زمن معيَّن، أو في شهر معيَّن، بلد إسلامي، ويحج بلد إسلامي في وقت آخر، لا تَحُجُّ الأُمَّة، ويَحُجُّ الحجاج من أبناء الأُمَّة من مختلف البلدان في وقتٍ واحد]؛ لأنه ينزعج من هذا المظهر من مظاهر وحدة المسلمين.

على كُلٍّ، قام نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بهذا الدور، بهذه المهمة المقدَّسة؛ لأن فيها مسألة الإعمار، وفق تلك المبادئ المقدَّسة والعظيمة، وفي إطار الدور العظيم المقدَّس، المُتَّصِل تماماً بدور نبي الله إبراهيم، في أن يكون إماماً للناس، وهادياً للناس، ورسولاً إلى الناس، في إطار دور الهداية للناس؛ قام نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» بهذا الدور، ومعه ابنه نبي الله إسماعيل «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، بأمرٍ من الله تعالى، كما في القرآن الكريم: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة:125].

هذا الدور عُهِدَ به إلى من؟ إلى نبي الله وخليله إبراهيم، من كبار الأنبياء والرسل، وابنه نبي الله إسماعيل «عَلَيْهِمَا السَّلَامُ» كذلك من عظماء الرسل والأنبياء، ليقوما بهذا الدور، الذي هو مَعْلَمٌ مهمٌ جدًّا في العبادة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفي أن يكون للبيت الحرام الدور الواسع كمَعْلَم عظيم، مَعْلَم هداية، مَعْلَم إيمان، مَعْلَم يقوم على أساس ربط الناس بدين الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبركات واسعة تتحقَّق لهم من وراء ذلك.

هذه التهيئة، وهذه الإدارة، التي تشمل توفير البيئة الطاهرة، الملائمة، المناسبة، للوافدين إلى هذا المَعْلَم العظيم، كانت معهودةً عَهِد الله بها إلى من؟ إلى إبراهيم وإسماعيل.

هُمَا قاما أولاً بمسألة الإعمار والبناء على مستوى البنيان، ثم أيضاً هذا الدور في العبادة، وفي الحج، وفي أن يكون مصدراً للخير، والبركات، والهدى؛ ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهو يذكر لنا كيف قاما بعملية البناء في إطار روحية إيمانية عالية ومقدَّسة، يقول الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}[البقرة:127]، أسس البيت، فيعمل على رفع أسس البيت وهو يبني، ومعه من؟ {وَإِسْمَاعِيلُ}، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:127-128]، فهما وهما يقومان بذلك العمل العظيم، والمقدَّس، والمشرِّف، والذي هو من القُربَات العظيمة المُقَرِّبَة إلى الله، وبما هما عليه من إيمان، وتقوى، وعلاقة عظيمة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وقرب كبير في المنزلة الإيمانية من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومنزلة النبوَّة والرسالة؛ مع ذلك يؤدِّيان هذا العمل العظيم وهما بهذه الروحية الخاشعة لله، الخاضعة لله، يتقرَّبا إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يتقرَّبان إلى الله «جَلَّ شَأنُهُ» بهذا العمل، وهما يستشعران أن المِنَّة كُلَّ المِنَّة لله، وأن الفضل له، ولا مِنَّة لهما، ويعتبران نفسيهما في حالة التقصير؛ ولـذلك يدعوان بهذا الدعاء: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة:127].

البعض من الناس، عندما يؤدِّي أيّ عملٍ صالح يؤدِّيه ويشعر وكأن له المِنَّة، يخالطه فيه، تخالطه مشاعر الغرور، ومشاعر العجب بالنفس، قد يصل به الحال أن يستشعر أن له الفضل والمِنَّة، وأن من المفروض أن يكون عمله مُتقَبَّلاً على كل حال، ولا يحتاج إلى أن يدعو الله ليقبل منه ذلك العمل، مقبول أساساً والمِنَّة له!

هذه مشاعر بعيدة كل البعد عن الشعور الإيماني، عن الحالة الروحية الإيمانية، النفسية الإيمانية للإنسان المؤمن، الذي يستشعر عظيم حق الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأنه مهما عمل لا يزال مُقَصِّراً، كذلك يستشعر عظمة الدين الإلهي، المسؤوليات الدينية، وقُدْسِيَّتها الكبيرة، فوق مستوى ما قد يؤدِّيه هو، مهما كان جهده.

فهما يحملان هذه الروحية: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}[البقرة:128]، وهما من هما في مستوى التسليم لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بيَّن الله لنا المستوى العالي جدًّا مما هما عليه من التسليم لله «جَلَّ شَأنُهُ» في قصة (رؤيا الذبح)، أي تسليم بذلك المستوى! ولا يزالان يدعوان بهذا الدعاء: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}[البقرة:128].

{وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}[البقرة:128]؛ لأن لديهما اهتمام فيما يتعلَّق بالذُّرِّيَّة، أن تكون ذُرِّيَّة مسلمةً لله، وعنوان (الإسلام لله) هو العنوان الأساس للدين الإلهي، حتى في عصر نبي الله إبراهيم، وعصر نبي الله إسماعيل، وما قبلهما، وما بعدهما، عنوان (الإسلام لله).

{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:128]، الطريقة التي نعبدك بها، سواءً على مستوى الصلوات، الحج… بقية الأعمال، {وَتُبْ عَلَيْنَا}[البقرة:128]، هذا الدعاء منهما، فيما هما عليه من إيمانٍ عظيم، درجةٍ عاليةٍ راقية، لكن- كما قلنا- هما بعيدان كل البعد عن أيِّ ذرَّة من مشاعر الغرور، أو العجب.

البعض من الناس وهو مستهتر، عاصي، بالكاد يطلب من الله أن يتوب عليه؛ أمَّا هما فهما في عمل عظيم ومشرِّف ومقرِّب إلى الله، وهما بهذا الخضوع والخشوع لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يعيشان حالة مشاعر التقصير، وطلب أن يتوب الله عليهما، وهما يؤدِّيان هذا العمل العظيم والمقدَّس.

{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة:129]، فهما يدعوان أيضاً لمستقبل الأيام الآتي، في ذريتهما، أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم، هذا الرسول هو رسول الله وخاتم أنبيائه محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، فهو في دعاء إبراهيم ودعاء إسماعيل «عَلَيْهِمَا السَّلَامُ»، حتى وهما أثناء عملهما في بناء الكعبة المشرَّفة.

أَتَمَّا بناءها على مستوى العمران والبناء، وكذلك قاما بإحياء دورها العظيم، بما عهد الله به إليهما، كما في الآية المباركة: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة:125]، وهما من يستوعبان مدى قُدْسِيَّة هذا المَعْلَم المقدَّس من معالم دين الله، وهذا الدور المهم له، والمتَّصل بدورهما هما كنبيين من أنبياء الله، في هداية الناس إلى الله وإلى دينه.

حينما نتأمل في الآيات القرآنية المباركة، عن قُدْسِيَّة ودور البيت الحرام بالنسبة للناس، وهناك الكثير من الآيات المباركة، نقرأ البعض منها؛ لأنها اتَّصلت أيضاً بهذا الدور لهما، وكان هذا الدور مُتَّصِلاً بدورهما، كما بَيَّنَّا.

الله «جَلَّ شَأنُهُ» قال في القرآن الكريم: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة:125]، فبيت الله الحرام، وهو أضافه إلى نفسه إضافة تشريف، وتعظيم، وتقديس، وبحسب الدور المُتَّصل بالعبادة لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وفق ما شرعه الله، فهو مَعْلَم عظيم، من معالم دينه، وتوحيده، وربوبيته، وألوهيته، وهو مَرْجَع ومأوى للناس، يأوون إليه، يعودون إليه، يذهبون إليه، يحجُّون إليه، يقصدونه في الحج والعمرة، يتوجَّهون إليه في صلاتهم، يلتقون حوله في إطار هذه العبادات التي شرعها الله لهم بشكلٍ متكرِّر، ويجتمعون حوله، ويتَّجهون إليه في إطار هذا الدور الذي جعله الله له، فله قُدْسيَّة عظيمة، وقدسيَّة مهمة، وسمَّاه أيضاً بالحرام لحرمته، وحرمة أي مساسٍ به، أو بالوافدين إليه، وحُجَّاجه، والمعتمرين إليه، والعابدين لله فيه.

أيضاً فيما يتعلَّق ببيان شأنه العظيم وبركته، يقول الله عنه في الآيات المباركة من (سورة آل عمران): {مُبَارَكًا}[آل عمران:96]، هو مَعْلَمٌ مبارك، فيه بركة، وهو مصدر بركات واسعة:

• في آثاره الروحية والنفسية على المستوى الإيماني:

• سواءً في الجانب النفسي والوجداني.

• في مشاعر القرب من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

• في بركاتـــه الدينيــة:

• في فضل العبادة فيه، والأجر الكبير عليها، إذا أُدِّيت على أساسٍ من التقوى، ووفق ما شرع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

• في استجابة الدعاء.

• في البركات كذلك التي هي في إطار اجتماع الناس فيه على عبادة الله، وفق هدايته وشرعه.

هو مصدر خير كبير، وبركات واسعة متنوعة: في نفوس الناس، في حياتهم، في دينهم، في دنياهم، في شؤون حياتهم المختلفة… الحديث عن هذه المسألة يمكن أن يطول كثيراً، لكنه في هذا الجانب فوق مستوى تصورنا، وتقديرنا، وإحاطتنا، وفوق مستوى حتى معرفتنا؛ يعني: بركاته واسعة جدًّا، تشمل جوانب كثيرة.

يقول عنه: {وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:96]، لأن فيه دلائل هداية، ومعالم هداية، الإنسان إذا فهمها وعرف بها، يهتدي إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يهتدي إلى دينه، يهتدي إلى الحق؛ ففيه دلائل، وفيه علامات، وفيه أدلة واضحة، وكذلك في دوره، يعني:

• فيه على المستوى الجغرافي معالم واضحة.

• فيه على مستوى ما يُشاهَد دلائل هادية.

• وفي إطار دوره كمَعْلَم للعبادة، للحج، للعمرة، للقبلة… غير ذلك.

• وكذلك في إطار ما شرعه الله في فريضة الحج، وما شرعه الله في العمرة، وما شرعه في العبادات التي تؤدَّى فيه.

كل ذلك مما فيه هداية، يزيد الإنسان هدايةً إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، إضافةً إلى أن الاجتماع فيه، في إطار هذه العبادات التي شرعها الله فيه، كذلك هذا الاجتماع هو من الوسائل التي يمكن أن تكون من وسائل الهداية التي تَعُمُّ الناس، تنتشر عبر هؤلاء الحجاج، عبر المعتمرين إلى أصقاع واسعة من الأرض، وسيلة من وسائل نشر الهدى وتعميمه.

البركات، والهداية، والمنافع- لأن المنافع أيضاً مما ورد في الآيات القرآنية، كما سبق في الآيات القرآنية المباركة: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج:28]- البركات، والهداية، والمنافع، هي متوفِّرة بشكلٍ عظيم في هذا المَعْلم المقدَّس والمبارك في بيت الله الحرام، هي متوفِّرة فيه بشكلٍ كبيرٍ جدًّا، لكن مستوى ما يمكن أن نحصل عليه منها نحن كبشر، مستوى ما يمكن أن نحصل عليه من هذه الفوائد:

• من البركات.

• من الهداية.

• من المنافع.

مستواه متوقفٌ على مستوى إقبالنا نحن، وعينا بهذه المنافع، بهذه الهداية، أيضاً بهذه البركات، فإقبالنا الواعي، إقبالنا بإيمانٍ وتقوى، اهتمامنا، حرصنا، سعينا فيما يعلمه الله منا كبشر في ذلك، هذا له دور في مستوى ما نستفيد نحن: من تلك البركات، من تلك المنافع، من تلك الهداية.

أيضاً تفعيل الدور لهذا المَعْلم المقدَّس المبارك، لبيت الله الحرام، تفعيل الدور الكبير له، له أيضاً علاقة بمستوى ما يمكن أن يحصل عليه الناس من هذه البركات، من هذه المنافع، من هذه الهداية.

حينما كان القائم بهذا الدور نبي الله وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ونبي الله إسماعيل، ونبي الله محمد في عصره وزمنه من بعد فتح مكة، بالتأكيد المسألة مختلفة تماماً عن أي مرحلةٍ زمنيةٍ أخرى؛ لأنه ارتبط هذا الدور، اقترن تماماً بدورٍ مرتبطٍ به، هو: دور الهداية، دور أنبياء الله ورسله الهداة للناس؛ وبالتـالي في كل زمن، فإنَّ مستوى ما يمكن أن يحصل الناس عليه من هذه البركات الموجودة، والمنافع الموجودة، والهداية الموجودة، لابدَّ فيه من إقبالهم هم، وسعيهم، وحرصهم، ولابدَّ فيه أيضاً من تفعيل هذا الدور لهذا المَعْلم المقدَّس، في إطار الدور المقترن بالهداية للناس، بالسعي لتفعيل هذا المَعْلم المقدَّس وفق شرع الله، وفق هداية الله، وفق آيات الله، وفق ما أراده الله له، وبيَّن ذلك في كتابه الكريم، وعلى لسان نبيه «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وما قبل ذلك في إطار ما قام به نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ».

نبي الله إبراهيم هو أحيا الحج، وعلَّم الناس مناسك الحج، أذَّن فيهم بالحج، ناداهم، ودعاهم، وأحيا هذه الفريضة المقدَّسة، وعلَّم الناس بكيفيتها، واستمر على هذا الدور أيضاً نبي الله إسماعيل «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، إماماً للناس، ورسولاً في نفس الوقت، أدَّى هذا الدور بشكلٍ كامل، واستمر الحج لم ينقطع ولم يتوقف على مدى آلاف السنين، حتى في زمن الجاهلية، بالرغم مما أدخلت فيه الجاهلية من الخرافات، ومما لوَّثت به الحج من خرافاتها وأباطيلها، لكن الحج استمر، وعندما تمكَّن رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» من فتح مكة، أعاد للحج نقاءه، صفاءه، وأزال عنه كل ما قد لوَّثته الجاهلية به.

الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أيضاً مما بيَّنه لنا عن البيت الحرام في قدسيَّته، في ما فيه أيضاً مما يهدينا، ويُلهمنا، ويفيدنا، قال عنه في القرآن الكريم: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}[آل عمران:97]، يعني: في البيت الحرام آيات بيِّنات، دلائل واضحة تهدينا، {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}[آل عمران:97]، مقام إبراهيم هو أيضاً مما يتوفَّر عند البيت الحرام، وبجوار البيت الحرام، وكان فيما قبل مُتَّصلاً، مجاوراً جواراً مباشراً للكعبة المشرَّفة، مقام إبراهيم هو الصخرة التي فيها أثر قدميه، وبقيت مَعْلَماً تاريخياً دينياً مقدَّساً، مقدساً، له قدسيَّته، وله أهميته الكبيرة في الهداية؛ لأن من أهمِّ ما فيه من الدلائل التي تفيدنا، هو: التأكيد على وحدة مسيرة الدين الإلهي، أنت تجد أنَّ رسول الله محمداً «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ» يصلك في هذا الحج، في هذا الشرع الإلهي، في هذه التعليمات الإلهية، في هذه الطقوس الدينية المقدَّسة، يصلك بإبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وحدة مسيرة الدين الإلهي مع أنبياء الله ورسله يذكِّرنا أيضاً بنبي الله إبراهيم، حينما نتذكَّر نبي الله إبراهيم، ونعود إلى القرآن الكريم، وما ذكره الله عنه، كم في ذلك من الهدى الواسع، الذي يَشُدُّنا إليه، والآثار من أهم ما فيها: أنها معالم مشاهدة، مرئية، حينما نشاهد أثر قدمي نبي الله إبراهيم، هذا يذكِّرنا به، ويؤثِّر فينا نفسياً، وروحياً، وعاطفياً، حينما نشاهد معالم ملموسة وواضحة.

المعالم التاريخية الدينية في شعائر الحج هي كثيرة، شعائر الحج بنفسها، النطاق الجغرافي، والمواقع الجغرافية، يعني:

• سواءً فيما يتعلَّق بالبيت الحرام ومحيطه.

• والسعي بين الصفا والمروة.

• ما قبل ذلك مقام إبراهيم قبل السعي بين الصفا والمروة.

• ثم كذلك حينما يذهب الحجيج إلى مِنَى.

• ثم حينما يذهبون إلى عرفات.

• ثم حينما يذهبون إلى مزدلفة.

• ثم حينما يعودون أيضاً إلى مِنَى في اليوم العاشر.

كل هذه المواقع الجغرافية، والمناطق الجغرافية، هي تذكِّرنا بنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، هو حج في هذه المواقع الجغرافية، المناطق الجغرافية، وفق الشعائر نفسها التي نؤدِّيها في الإسلام، امتداداً لما كان عليه نبي الله إبراهيم وإسماعيل، وإلى رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ».

في قصة رمي الجمار، والموقف من الشيطان، ولنبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» مقامات متعدِّدة في المواجهة للشيطان، وفي هزيمة الشيطان، نبي الله إبراهيم له مقامات حسَّاسة، سواءً في الحج نفسه، أو في قصة رؤيا الذبح، وحينما ذهب بابنه نبي الله إسماعيل «عَلَيْهِ السَّلَامُ» إلى مِنَى، في عملية الاستعداد للتنفيذ التام لمسألة الذبح، وفي مقامات أخرى، حتى في مقاماته قبل هجرته من بابل، له مقامات في المواجهة للشيطان، وفي الهزيمة للشيطان، في مقامات العداء للشيطان، والبراءة من الشيطان، ومن نهج الشيطان، ولرمي الجمار رمزية مهمة جدًّا، ودلالة مهمة، وهداية، في كيف يجب أن نكون في عدائنا للشيطان، أن نتَّخذه عدواً، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر:6]، فنحن نعلن الموقف منه، البراءة منه، من نهجه، من خطه، من أوليائه، ممن على دربه وطريقته، موقف مباينة، موقف عداء، لكن تجسَّد في إطار مواقف رمزية؛ ليبنى عليها- في نفس الوقت- فيما بعد ذلك في الإطار العملي: الالتزام بنهج الله، والمباينة لخط الشيطان.

فكل المعالم في فريضة الحج، وفي البيت الحرام، في مكة، في إطار المناطق والجغرافيا التي هناك فيها فرائض معيَّنة، أو مناسك معيَّنة، وعبادات معيَّنة، فيها ربط تاريخي بنبي الله إبراهيم، ونبي الله إسماعيل، ورسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»؛ بل وحتى بـ(هَاجَر) نفسها، في مسألة السعي بين الصفا والمروة، في القصة المشهورة لـ (هَاجَر) «عَلَيْهَا السَّلَامُ»، في الحجر الذي يقال أنَّها دُفِنَت فيه، جثمانها دُفِن فيه.

على كُلٍّ، فيما يتعلَّق بقدسيَّة وأهمية الآثار الدينية، وأثرها الروحي والنفسي، هي من المسائل المهمة، ومن المسائل التي يحاربها أعداء الإسلام، ويعملون على إزالتها، وعلى طمسها، وحتى لا يبقى لها أيُّ أثر أبداً.

يقول الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة:125]، فهناك في هذا السياق نفسه: ركعتان بعد الطواف، سواءً للحجاج، أو للمعتمرين، أو للذين يطوفون أيضاً من غير الحج والعمرة، كالذين يستقرُّون في مكة، أو كقربة إلى الله في أيِّ وقت للمستقر هناك مثلاً، فهو مقام مقدَّس، تؤدَّى فيه هذه القربة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لقدسيَّته، وهذه مسألة واضحة في قدسيَّة، وبركة، وأهمية المعالم والآثار الدينية.

{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران:97]، في التشريع الإلهي، الله شرَّع في دينه الأمن لهذا المَعْلم المقدَّس، وعظَّم حرمته، وحرَّم بأشد التحريم أي اعتداء على إنسان يدخله، فالإنسان عندما يدخل في الحرم يكون آمناً في إطار التشريع الإلهي، لا يجوز أن يناله أحد بأذى هناك، أو أن يعتدي عليه، طالما بقي هو أيضاً محترماً لهذه الحرمة، فلا ينتهكها هو.

هذه مسألة أتت في التشريع الإلهي، وأتت أيضاً في التهيئة الإلهية، في التعظيم لهذا المقام؛ ولذلك- فعلاً- استقرت الحالة الأمنية فيه أكثر من أيِّ موقعٍ آخر على وجه الأرض، وعلى مدى زمنٍ طويل، وإن كانت هناك اعتداءات، أو انتهاكات في مراحل زمنية معيَّنة، أو مراحل تاريخية معيَّنة، أو عصور معيَّنة، من بينها- مثلاً- مراحل في عصرنا هذا، لكن الحالة الغالبة هي: حالة الاستقرار الأمني فيه أكثر من أي بقعة على وجه الأرض؛ أمَّا التشريع الإلهي فهو حاسم جدًّا، حتى في حرمة الصيد للحيوانات التي يجوز صيدها فيما عداه، وفيما عدا أيضاً الحرمة الأخرى في المدينة المنورة، لكن المسألة إلى هذه الدرجة من الأهمية لهذا الجانب، والله يقول: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}[البقرة:125]، أراد الله له أن يكون موطناً آمناً، مكاناً آمناً، وأن يأمن من يتَّجه إليه للعبادة فيه، ومن يدخل فيه أن يكون آمناً أيضاً.

كذلك نبي الله إبراهيم هو دعا بهذا: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}[إبراهيم:35]، ميزة ونعمة الأمن فيه هي مهمة جدًّا، هي تنسجم مع مسألة قدسيَّته، وعظمته، وأهميته من جهة، وأيضاً لها أهمية تتعلَّق- في نفس الوقت- بتوفير الظروف الملائمة للعبادة فيه، لأداء الشعائر الدينية، لأداء الحج والعمرة، والفرائض الدينية المشروعة فيه، بآمنٍ واطمئنان، فلها أهمية كبيرة جدًّا.

من أهم ما يرتبط بهذا المَعْلم المقدَّس هو فريضة الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97]، بهذا التعبير العجيب: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}[آل عمران:97]، يعني: حق لله عليهم، {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، {حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:97]، يصبح فريضةً على المستطيع إليه سبيلاً:

• من لديه الإمكانات المادِّيَّة، ويتوفَّر له الأمن، الإمكانات المادِّيَّة بالقدر الذي يتمكَّن فيه ويستطيع من أداء هذه الفريضة.

• ويتوفَّر له الأمن لذلك، في التمكُّن أمنياً من أداء هذه الفريضة، والذهاب لأدائها.

• وكذلك على المستوى الصِّحِّي.

تصبح فريضة من أكبر الفرائض، وهي ركنٌ من أركان الإسلام؛ ولـذلك قابل المسألة في العصيان تجاه هذه الفريضة: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:97]، سواءً كان كفر جحود، لمن يجحد هذه الفريضة، وهو كفر من المِلَّة، خروجٌ من المِلَّة بكلها، أو تفريطٌ من خلال الرفض العملي، تمكَّن، وهو متمكِّن من الناحية المادِّيَّة، الأمنية، والصِّحِّيَّة، ولم يؤدِّ هذه الفريضة، فهذا الرفض العملي هو معصية كبيرة جدًّا، وإخلال كبير جدًّا في دين الإنسان، ووزر عظيم، والله غنيٌ عن الإنسان، الإنسان هو الذي يحتاج إلى أداء هذه الفريضة.

فريضة الحج فريضة عظيمة جدًّا، لها أهميتها الكبيرة، وتأثيرها العظيم في الجانب التربوي للإنسان:

• في تزكية النفس: في تطهير نفسية الإنسان.

• في الجانب الروحي:

• في معالجة قسوة القلب.

• في الإقبال روحياً إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

• في مشاعر القرب من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومشاعر الخشوع والخضوع لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».

• لها أهميتها الكبرى في ترسيخ وشائج الأخوَّة الإيمانية، والوحدة بين المسلمين، وهذا من أهم فوائدها، ومن أهم أهدافها أيضاً.

• وفي التعاون على البر والتقوى.

• لها أهميتها الكبرى على المستوى الأخلاقي: في تنمية مكارم الأخلاق.

• لها أهميتها الكبرى في الارتقاء الإيماني والأخلاقي.

• وفي الفضل، والأجر، والقربة إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»…. وغير ذلك.

المسألة هذه مسألة واسعة، الحديث عن التفاصيل يطول، الحديث عن فريضة الحج، وما فيها من أعمال، من عبادات، من مناسك؛ وما لها من دلالات وآثار تربوية، إيمانية، أخلاقية، كُتِبت كتب، في هذا محاضرات، دروس… أشياء كثيرة، الحديث عن هذا يمكن أن يأخذ وقتاً طويلاً جدًّا، ومحاضراتٍ كثيرة.

لكن الذي نلفت النظر إليه: أنَّ الدور في إحياء الحج، ليكون له هذا الأثر بشكلٍ متكامل، بشكلٍ متكامل، مفقود ومنذ زمنٍ طويل وللأسف الشديد، لكن مع كل ذلك يبقى للحج أثره، أهميته، بركاته، تأثيره، وهو فريضة قائمة في كل الأحوال على من استطاع إليه سبيلاً، مسألة أنَّ هناك- مثلاً- تأثير على مدى هذا الدور، والاستفادة منه، شيءٌ مؤسف، لكن ذلك لا يعني تبريراً لتعطيل الحج في حقِّ من استطاع إليه سبيلاً.

هنــاك نقطتـــان مهمتـــان جدًّا تتعلَّــق بهــذه المســألة:

• أولاهما: أن الحج بشكلٍ عام كفريضة، الحج كفريضة من فرائض الله، وركن من أركان الإسلام، والبيت الحرام، والشعائر المقدَّسة، والمشاعر المقدَّسة المرتبطة به أيضاً، هي مَحَطّ استهداف كبير من قِبل أعداء الإسلام: اليهود في المقدِّمة، معهم النصارى، معهم من يتحرك معهم، لكن اليهود في المقدِّمة.

وهذه مسألة واضحة، يعني: بالنسبة لهم لديهم موقف عدائي قديم، على مدى زمنٍ طويل وهم يعادون البيت الحرام، يعادونه كمَعْلَمٍ مقدَّس، كقبلة للمسلمين في صلاتهم، وكذلك فيما يتعلَّق بالحج إليه، كمَعْلَم مقدَّس في إطار الدور المتكامل الذي أراده الله له، وهم يحاربونه، يحاربونه فكرياً، ثقافياً، دعائياً، يحاربونه بكل الوسائل.

أمَّا فيما يتعلَّق بالمخطط الصهيوني، فمما فيه وبشكلٍ واضحٍ وصريح: الاستيلاء على مكة، والاستيلاء على المدينة، جزء من المخطط الصهيوني، ومسألة واضحة تماماً، لا التباس فيها.

المؤامرات المتنوعة لإبعاد المسلمين عن هذا المَعْلم المقدَّس، عن التأثير عليهم في مدى نظرتهم إلى هذا المَعْلم المقدَّس، وارتباطهم به، وعلاقتهم به، في التأثير على مسألة الحج، ومدى إقبال الناس عليه، كذلك هناك مؤامرات كثيرة، الأعداء يتحرَّكون في ذلك بشكلٍ مُكَثَّف.

التصريح بالعداء للبيت الحرام وللحج، تصريحات من مسؤولين غربيين، مسؤولين في مستويات متنوعة من المسؤولية، ومقامات متعدِّدة: البعض منهم يكون بصفة رئيس وزراء، البعض وزير، البعض في مقام معيَّن، أيضاً في الشخصيات التي لها تأثير سياسي، أو تأثير على المستوى العقائدي في معتقداتهم الدينية، هناك تصريحات كثيرة، أُلِّفت كُتُب في هذا الجانب، وأيضاً في بعض الكتب الأخرى التي تتحدث عن عداء أولئك الأعداء للإسلام والمسلمين، الكثير من تصريحاتهم التي هي واضحة في مسألة العداء تماماً للبيت الحرام، إلى درجة أن البعض منهم يطالبون بأن يُضْرَب البيت الحرام، أن تستهدف الكعبة المشرَّفة بقنبلة نووية، هناك يهود يطالبون بذلك، ويقترحون هذا المقترح: أن تقصف بقنبلة نووية؛ لتنتهي تماماً، فهناك نشاط كبير للأعداء في هذا الاتِّجاه.

ولذلك من حكمة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومن هدايته، أنَّه أتى بالآيات القرآنية التي تتحدث عن مسألة البيت الحرام والحج في (سورة آل عمران)، وسط الآيات التي تتحدث عن صراع المؤمنين، وصراع هذه الأُمَّة مع اليهود، والصراع بين هذه الأُمَّة وبين اليهود، وبين أهل الكتاب بشكلٍ واضح، هذا جانب.

• الجانب الآخر: في هذا الزمن، الذي تطوَّرت فيه عملية المواصلات، بأنواع ووسائل كثيرة جدًّا، في مختلف أنحاء العالم: (براً، وبحراً، وجواً)، أصبحت ميسَّرةً بشكلٍ كبير، من المفترض في هذا الزمن أن تكون مسألة الحج إلى بيت الله الحرام، أن تكون مُيَسَّرةً بشكلٍ كبير أكثر من أيِّ زمنٍ مضى.

هذا ما يفترض، هذا ما ينبغي؛ لأن هذا الزمن- كما قلنا- تيسَّرت فيه وسائل المواصلات والنقل، كذلك بقية الخدمات متيسِّرة بشكلٍ كبير في هذا العصر، مقارنةً بأي زمنٍ مضى.

لكن ما يؤسفنا جدًّا، ويحزننا كثيراً، هو: أنَّ مسألة السفر لأداء فريضة الحج، لربما يكون أصعب وأعقد مسألة سفر في العالم، مسألة معقَّدة للغاية: إجراءات كثيرة، تعقيدات كثيرة، كلفة مالية هائلة، إلى أن أصبحت مسألة السفر لأداء فريضة الحج هي أصعب عملية سفر يمكن أن يسافرها الإنسان، يعني مثلاً: لو طُرِح أمام الإنسان خيارات، ليسافر إلى بلد هنا أو هناك في العالم (في شرق الأرض، أو في غربها، في شمالها، أو في جنوبها) إلى أي بلدٍ في العالم، لربما لن يواجه من التعقيدات، والإجراءات، والكلف المالية، والمدة الزمنية، بالقدر الذي يواجهه إذا أراد أن يحج لبيت الله الحرام، هذه مسألة محزنة جدًّا جدًّا، ومؤسفة للغاية!

الابتزاز المالي بأشكال كثيرة: أموال تدفع مقدَّماً، عندما يحج الحجاج ويصلون إلى مكة، إلى المدينة، فهناك أيضاً ارتفاع كبير للأسعار، بشكلٍ مختلف عمَّا كان عليه الحال قبل موسم الحج، ارتفاع للإيجارات في وسائل النقل، الإيجارات في الشقق السكنية، بما هو أشبه بالابتزاز المالي، وهذا شيءٌ أيضاً محزن ومؤسف.

من المفترض أن تُقَدَّم كل التسهيلات بصدق، بدون خداع إعلامي، ما يقال في الإعلام شيء، وما هو في الواقع شيء آخر، حجم التعقيدات للمسافر إلى الحج مسألة يلمسها كل من يريد الحج، هل هو سيرى المسألة ميسَّرة؟ قد تكون هذه حالات نادرة، لمن تربطهم روابط سياسية، وعلاقات من نوعٍ مُعَيَّن مع السلطات السعودية؛ وإلَّا فالحالة العامَّة للناس، لجماهير الناس، لِعَامَّة الناس، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية وغيرها: أنَّ من يريد الحج فالمسألة معقَّدة، هناك إجراءات كثيرة، هناك أيضاً قيود كثيرة، هناك نسب محصورة ومحدودة؛ فَعُقِّدَت المسألة بشكل عجيب جدًّا، هذا محزن في هذا الزمن، الذي يفترض فيه- كما قلنا- أن تكون أيسر من أي زمنٍ مضى، فالله المستعان!

الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»- ومنذ زمنٍ قديم- جعل الوضع المعيشي لمن يكونون في محيط البيت الحرام مُيَسَّراً؛ بما يساهم على أن يكونوا بعيدين عن مسألة الابتزاز المالي، والاستغلال المالي، والاستهداف الذي يُخِلُّ أمنياً أيضاً تجاه من يَفِدُون إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الفريضة المقدَّسة، وهذه الشعائر المقدَّسة.

ولهـذا نجد أنَّ الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» كما ذكر لنا في دعاء نبيه إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[البقرة:126]، نبي الله إبراهيم دعا بأن يتوفر الأمن، أن يجعل الله ذلك البلد (مكة، البيت الحرام والحرم) بلداً آمنا، وأن يرزق أهله من الثمرات، الأمن والرزق، والسعة في الرزق، نبي الله إبراهيم كان في دعائه يدعو للمؤمنين: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة:126]، إلَّا أنَّ الله أجاب عليه بقوله: {وَمَنْ كَفَرَ}[البقرة:126]، {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ}[البقرة:126]، يعني: سيوسِّع الله له في رزقه، حتى ولو كان كافراً، لماذا؟ حتى لا يكون له أي مُبَرِّر في التَّسَلُّط على الحجاج لابتزازهم مالياً، أو لنهبهم، أو في الاستغلال لفريضة الحج الاستغلال المالي.

البيت الحرام، ومكة المكرمة، وشعيرة وفريضة الحج، ليست مناسبة سياحية خاصة، تُستثمر مادِّيّاً، يتم التعامل معها بعقلية الاستغلال المادِّي والاستثمار المادِّي، ليس مَعْلَماً سياحياً للاتِّجار المادِّي، لمن لديه سيطرة على الوضع هناك، هو مَعْلَم مقدَّس، مَعْلَم عظيم، الله قال عنه في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}[الحج:25]، ليس لأحد ملكية على البيت الحرام ومكة، ليوظِّفها للاستغلال المادِّي، والابتزاز المادِّي، والاستغلال في إطار حسابات سياسية… أو غير ذلك.

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:25]، حتى مسألة السيطرة هي لا تعني الولاية الشرعية على البيت الحرام؛ ولهـذا يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الأنفال:34]، فالصد عن المسجد الحرام، سواءً بأسلوب الابتزاز المادِّي، القيود التي وراءها اعتبارات سياسية، أو أي حسابات من نوعٍ آخر، جريمة من أكبر الجرائم، وانتهاك لهذه الحرمة المقدَّسة لبيت الله الحرام.

نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» هو القدوة والأسوة، نبي الله إسماعيل قدوة وأسوة، نبي الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ» القدوة والأسوة، في الإحياء العظيم لهذا المَعْلَم المقدَّس، في إعطائه قدسيَّته، شعائر الحج نفسها، ومناسكه، وعباداته، المعالم هناك في مكة، في الحرم، في كل ما هو مرتبطٌ بفريضة الحج، وأيضاً في العمرة، هو يَشُدُّنا أيضاً ويربطنا تاريخياً بهؤلاء القدوات، هذه النماذج الراقية، التي هي في مقام القدوة والهداية للمجتمع البشري: (إبراهيم، وإسماعيل، ومحمد).

رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ» هو الذي ورث هذا الامتداد، هذا الإرث الديني، هذه المسؤولية المقدَّسة، هذا الدور العظيم في هداية الناس، والمُتَّصِل بهذه الشعائر المقدَّسة، كما قال «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:68].

ولذلك عندما نسمع مثلاً- فيما يرفعه المُطَبِّعون- عنوان اِتِّفَاقِيَّة [إبراهام]، أو عنوان [الإبراهيمية]، لِمَا أرادوه أن يكون غطاءً لمسألة التطبيع مع إسرائيل، والعلاقات مع العدو الإسرائيلي، كلُّ ذلك باطل، حلقة الوصل التي تصلك بإبراهيم وإسماعيل هو رسول الله محمد، والدين الإسلامي بعنوانه الإسلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}[البقرة:128]، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[آل عمران:67].

نكتفي بهذا المقدار.

نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • مكون الحراك الجنوبي يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بعيد الأضحى المبارك
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يكشف تفاصيل استهداف ضاحية بيروت الجنوبية
  • وزير التربية والتعليم يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بعيد الأضحى المبارك
  • الشيخ عبدالله الرزامي يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بعيد الأضحى
  • قائد البحرية الأوروبية: القوات اليمنية تستهدف فقط السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني
  • قائد الثورة يهنئ الأمة الإسلامية وفي المقدمة الشعب الفلسطيني بحلول عيد الأضحى
  • رئيس مجلس النواب يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي الأعلى بحلول عيد الأضحى المبارك
  • قائد الثورة: فريضة الحج ليست مناسبة سياحية خاصة للاستغلال المادي بل مَعْلَم مقدَّس عظيم
  • الحج في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي .. بين استهداف الصهيونية لفريضة الحج وجرائم العدوان على غزة
  • وزير الخارجية: استمرار العمليات العسكرية من الجانب الإسرائيلي سيؤدي للمزيد من إراقة الدماء