معارك طاحنة في بحري: طائرات مسيرة وقصف متبادل بين الجيش والدعم السريع
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
مدينة بحري تشهد اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع باستخدام الطائرات والمدفعية الثقيلة، ما أدى إلى تدمير منازل وتصاعد المخاوف من كارثة إنسانية وسط دعوات لوقف الحرب..
التغيير: وكالات
استيقظت مدينة بحري شمالي العاصمة الخرطوم، الجمعة، على أزيز الطائرات المسيرة، ودوي المدفعية الثقيلة، ما أدى إلى تصاعد ألسنة اللهب والدخان في سمائها.
ووفق مصادر عسكرية، فإن قوات الدعم السريع شنت هجوما كاسحا على الدفاعات المتقدمة للجيش السوداني، بالطائرات المسيرة والصواريخ والمدفعية الثقيلة.
وأوضحت المصادر أن قوات “الدعم السريع” حشدت الآلاف من عناصرها، واستخدمت المدرعات في الهجوم على مدينة بحري، وفق ما نقلته “العين الإخبارية”.
بينما تعامل الجيش السوداني مع الهجوم المباغت بالمدفعية الثقيلة، حيث ذكرت المصادر العسكرية، أن عناصر الجيش انتشرت بكثافة في محيط “سلاح الإشارة”، وأحياء “الحلفايا” و”شمبات” و”السامراب” و”الكدرو”.
وأكدت أن قوات الجيش السوداني هاجمت دفاعات قوات “الدعم السريع” في منطقة “السامراب” بمدينة بحري.
وأشارت إلى أن المدافع الثقيلة والقناصة المنتشرة على أسطح المبانى العالية بمدينة بحري عاقت عملية تقدم الجيش السوداني في عدد من المحاور العسكرية بالمنطقة.
كما أفاد شهود عيان بأن القصف العشوائي تسبب في تدمير منازل كليا وجزئيا في عدد من أحياء مدينة بحري.
ولم يصدر تعليق فوري من الجيش السوداني، أو قوات “الدعم السريع” حول المواجهات العسكرية الشرسة بمدينة بحري شمالي الخرطوم.
وبدأ الجيش السوداني في 26 سبتمبر الماضي تنفيذ أكبر عملية عسكرية منذ اندلاع النزاع القائم، استطاع خلالها إعادة السيطرة على مواقع في الخرطوم والخرطوم بحري، ونجح في عزل قوات “الدعم السريع” عن بعضها في تلك المناطق.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم”.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنّب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 11 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
الوسومالاعيان المدنية القصف العشوائي حرب الجيش والدعم السريع مدينة بحريالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاعيان المدنية القصف العشوائي حرب الجيش والدعم السريع مدينة بحري الجیش السودانی الدعم السریع مدینة بحری
إقرأ أيضاً:
بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟
أعاد سقوط مدينة هجليج النفطية في غرب كردفان إلى واجهة المشهد سؤالا ملحا عن مستقبل الحرب في السودان، بعد أن فقدت الخرطوم أحد أهم مواقعها الاقتصادية، وبرزت مخاوف من تغير موازين القوة بما قد يفرض مسارا سياسيا جديدا على أطراف الصراع.
وتمثل هجليج المتاخمة لدولة جنوب السودان نقطة ارتكاز اقتصادية للجيش، إذ اعتمدت الدولة على عائداتها في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأساسية، ومع انتقالها إلى قوات الدعم السريع وتعليق الشركات الأجنبية نشاطها، يتخذ الضغط المالي على الخرطوم بُعدا أكثر حدة يؤثر مباشرة في قدرة الجيش السوداني على إدارة الحرب.
ويرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن توقف الضخ لا يحرم الخرطوم من عائداتها فقط، بل يضرب البنية الاقتصادية للدولة في لحظة تحتاج فيها الحكومة إلى موارد مضاعفة لتثبيت خطوط الإمداد.
ويعتبر، في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"، أن خسارة هجليج تنقل الجيش من وضعية القتال إلى وضعية الدفاع عن بقايا موارده الأساسية.
أما على المستوى السياسي، فيمنح سقوط الحقول الدعم السريع نفوذا إضافيا، حيث يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد تورشين أن السيطرة على هجليج -مثلما حدث سابقا مع مصفاة الجيلي شمال الخرطوم- ستشكل ورقة ضغط لإرباك الحكومة وإفقادها أدوات التمسك بالميدان.
ويصف تورشين هذا التحول بأنه "ضربة مركّبة" تجمع بين استنزاف الجيش اقتصاديا وتوسيع مساحة مناورة الدعم السريع سياسيا.
وتتعاظم أهمية هذا التطور لأن السيطرة على هجليج ليست حدثا معزولا، بل تأتي ضمن سلسلة تقدمات في غرب كردفان.
محاور ضغط متزامنةووفق تورشين، يتحرك الدعم السريع ضمن تصور يهدف إلى خلق محاور ضغط متزامنة على الأُبيّض والدلنج وكادقلي بكردفان، بحيث يجد الجيش نفسه أمام جبهات متوازية تستنزف قدراته في وقت واحد، مع ما يرافق ذلك من اهتزاز معنوي داخل المؤسسة العسكرية.
إعلانهذه التطورات الميدانية ترفع درجة القلق الأميركي، فالدكتور كاميرون هدسون، مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان، يرى أن سيطرة الدعم السريع على مواقع اقتصادية كبرى تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في مقاربتها، لأن ميزان القوة يتغير بوتيرة أسرع مما تسمح به التحركات الدبلوماسية.
ويشير إلى أن تقدم الدعم السريع نحو مناطق مأهولة وثقلية مثل الأُبيّض أو أطراف العاصمة الخرطوم، يعني اقتراب الحرب من "منطقة اللاحسم" التي تخشاها الولايات المتحدة.
ويضيف هدسون أن واشنطن تخشى سيناريو يصبح فيه الدعم السريع القوة المهيمنة فعليا على معظم غرب وجنوب السودان، ما يحدّ من فرص فرض تسوية متوازنة، ويعتبر أن هذا المسار يجعل الولايات المتحدة مضطرة للتدخل السياسي بوتيرة أعلى، حتى وإن كانت رؤيتها للحل لا تزال غير مكتملة.
لكن هذا التدخل نفسه يعاني ارتباكا، كما يوضح هدسون، إذ تتباين مواقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمبعوث الخاص، في مشهد يعكس غياب إستراتيجية موحدة.
ويرى مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان أن الإدارة الأميركية تتصرف وفق منطق "منع الأسوأ" أكثر من سعيها لتحقيق نتائج فعلية، وهو ما يجعل أي مبادرة أميركية عرضة للتراجع أمام سرعة التطورات على الأرض.
على الجانب السوداني، تتعمّق الأزمة مع غياب أدوات بديلة تعوّض خسارة العوائد النفطية، وفي هذا يرى لقاء مكي أن انهيار الإيرادات يضع الجيش أمام اختبار قاسٍ، لأن الحرب لا يمكن إدارتها بلا موارد ثابتة، بينما تزداد كلفة العمليات كلما توسعت رقعة سيطرة الدعم السريع.
ويؤكد أن هذا الخنق المالي يختصر زمن الحرب مهما حاول الجيش تأجيل لحظة التفاوض.
موقف أضعف إقليمياويشير محللون دوليون إلى أن السيطرة على هجليج تقوّض أيضا قدرة الخرطوم على إدارة علاقاتها الإقليمية، خاصة مع دولة جنوب السودان، التي تعتمد على خطوط الأنابيب العابرة لهجليج، فغياب تدفق النفط يخلق توترا جديدا مع جوبا، ويضع الحكومة السودانية في موقف أضعف أمام أي مفاوضات إقليمية مقبلة.
ويؤكد تورشين أن قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة باتت محدودة، لأن الدعم السريع استثمر التفوق في المسيّرات والتقنيات الحديثة لتعطيل السلاح الجوي السوداني وإرباك منظومة الدفاع.
ويرى أن الجيش يواجه اليوم حربا تُدار بأدوات لا يمتلكها، ما يضعه في موقع المتلقي أكثر من موقع الفاعل.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو فرضية أن يضطر الجيش إلى التفاوض أقرب إلى الواقع، فمعادلة "القتال حتى الحسم" تفقد وجاهتها مع تراجع الموارد، واتساع رقعة السيطرة المضادة، وثبات المجتمع الدولي على مقاربة تسعى لإدارة الأزمة لا حسمها.
ويشير مكي إلى أن الخرطوم، رغم رفضها المتكرر لأي صيغة تضم الدعم السريع، تُدفع تدريجيا نحو الاعتراف بأن استبعاد خصم يسيطر على نصف البلاد ليس خيارا قابلا للتطبيق.
ورغم ذلك، تبقى التسوية بعيدة عن الصياغة النهائية، فالقوى الإقليمية والدولية لم تتفق بعد على شكل النظام السياسي المقبل، والدعم السريع نفسه لا يمتلك أدوات حكم مستقرة، والجيش يرفض منح خصمه شرعية سياسية.
إعلانلكن المؤكد أن سقوط هجليج أزاح ورقة اقتصادية كبرى كانت الخرطوم تعوّل عليها، وأدخل الحرب في مرحلة جديدة تُكتب قواعدها تحت ضغط الوقائع لا تحت سقف البيانات.