أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ لنظيره الأمريكي جو بايدن، السبت، في ليما أن بكين "ستسعى جاهدة لضمان انتقال سلس" في علاقاتها مع واشنطن وأنها مستعدة للعمل مع إدارة دونالد ترامب.

واجتمع بايدن بنظيره شي للمرّة الأخيرة، السبت في البيرو، غداة تحذير الزعيمين من حقبة "اضطراب" تلوح في الأفق في ظلّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.



وهو اللقاء الثالث والأخير لهما قبل أن يسلّم الرئيس الديمقراطي (81 عاما) زمام الرئاسة لخلفه الجمهوري في كانون الثاني/ يناير.


وفي هذه المحادثات التي عقِدت على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "آبيك"، قال الرئيس الصيني لبايدن إنه يتعيّن على البلدين "مواصلة استكشاف الطريق الصحيح" للتفاهم و"تحقيق تعايش سلمي على المدى الطويل".

وأضاف شي أن "الصين مستعدة للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة للحفاظ على التواصل وتوسيع التعاون وإدارة الخلافات، من أجل السعي لضمان انتقال سلس للعلاقات الصينية-الأمريكية".

وحذّر شي، السبت، من أن العلاقات بين البلدين قد "تشهد تقلبات وانعطافات أو حتى تراجعا" إذا اعتبر أحد الجانبين الآخر خصما أو عدوا.

وقال شي إن "المنافسة بين الدول الكبرى يجب ألا تكون المنطق الأساسي للعصر"، لكنه شدد أن موقف بكين المتمثل في "حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية بحزم لم يتغير"، وفق ما نقلت عنه وكالة "شينخوا" الصينية.

في ولايته الرئاسية الأولى، انخرط ترامب في حرب تجارية مع الصين، وفرض رسوما جمركية على مليارات الدولارات من المنتجات الصينية، في خطوات ردّت عليها بكين بتدابير انتقامية.

وفي حملته الانتخابية الأخيرة، تعهّد ترامب اتّباع سياسات تجارية حمائية بما في ذلك فرض رسوم على كل الواردات، خصوصا على تلك الصينية.

وأعلن بايدن، السبت، خلال اجتماعه الثنائي الأخير مع شي، أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين بذل كل ما في وسعهما لمنع المنافسة بينهما من "التحول إلى نزاع". وقال بايدن: "لا يمكن لبلدينا أن يسمحا لهذه المنافسة بالتحول إلى نزاع. هذه مسؤوليتنا، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية أعتقد أننا أثبتنا أنه يمكن الحفاظ على هذه العلاقة".

ولم يُشر الرئيس الأمريكي الذي يقوم بواحدة من آخر مشاركاته على الساحة الدولية، إلى خليفته ترامب، لكنّ ظلّ الأخير خيّم على الاجتماع مع شي. غير أن بايدن قال لشي إنه "فخور بالتقدم الذي أحرزناه" نحو استقرار العلاقات بين واشنطن وبكين.


وتابع الرئيس المنتهية ولايته "أتذكر وجودي معك في هضبة التبت، وأتذكر وجودي في بكين وحول العالم، أولا بصفتي نائبا للرئيس ثم رئيسا". وأردف بايدن: "لم نكن نتفق دائما، لكن محادثاتنا كانت دائما صريحة"، مؤكدا أنهما كانا "صادقين مع بعضهما". ومضى بايدن يقول: "وأعتقد أن هذا أمر ضروري. فهذه المحادثات تساعد على تجنب الحسابات الخاطئة وضمان عدم تحول المنافسة بين بلدينا إلى نزاع".

"حمائية" متزايدة
وكان شي دعا في وقت سابق، السبت، خلال قمة في البيرو، الدول الأعضاء في مجموعة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) إلى "توحيد الصفوف" في مواجهة "حمائية" متزايدة.

وفي كلمة وجّهها إلى قادة الدول المنضوية في المجموعة، قبل ساعات من المحادثات التي أجراها لاحقا مع بايدن، تطرّق شي إلى "تحديات على غرار الأوضاع الجيوسياسية والأحادية وتزايد الحمائية".

وقال: "يجب أن نوحد الصفوف ونتعاون" وفق تصريحات أوردتها قناة "سي سي تي في" الرسمية الصينية.

وحضّ شي، السبت، أعضاء "آبيك" على التمسّك بحزم بتعددية الأقطاب والاقتصادات المفتوحة مع الدفع باتجاه التكامل الإقليمي. وأبدى تأييدا لجهود تبذل منذ سنوات لإنشاء منطقة تجارة حرة في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، لافتا إلى أن بكين مستعدة للتفاوض بشأن اتفاقيات تجارية في القطاعات الرقمية والمراعية للبيئة.

وشي الذي ستستضيف بلاده منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "آبيك" عام 2026، دعا إلى مزيد من التعاون في مجالات عدة ولا سيما الذكاء الاصطناعي.

والجمعة حذّر شي خلال قمة "آبيك" من أن محاولات تقليص الترابط الاقتصادي العالمي تنطوي على "خطوات عكسية".

وخلال السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بسبب خلافات حول التبادلات التجارية ووضع تايوان وحقوق الإنسان والمنافسة في مجال التكنولوجيا. لكن الجهود المبذولة سمحت بالإبقاء على الحوار الثنائي قدر المستطاع.

وشدّد المستشار الأمريكي للأمن القومي جايك ساليفان هذا الأسبوع على "أهمّية" اللقاء بين شي وبايدن بغية "إدارة العلاقة (الثنائية) في هذه الفترة الانتقالية الحسّاسة".

ليس مجرّد وداع
وكشف أنه سيتمّ التطرّق أيضا إلى التوتّرات في بحر الصين الجنوبي وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة، ولا سيما العسكرية منها، مؤكدا "ليس هذا مجرّد لقاء وداعي".



لكن لا شكّ في أن ظلال ترامب الذي عيّن في فريقه مسؤولين يتّبعون نهجا متشدّدا إزاء بكين قد خيّمت على الاجتماع بين شي وبايدن.

فخلال الحملة الانتخابية، هدّد الرئيس الجمهوري المنتخب بفرض تعريفات جمركية بنسبة تراوح بين 10 و20% على كلّ المنتجات المستوردة وتصل إلى 60% على واردات السلع الصينية، متعهدا حماية الصناعة الأمريكية.

وشهدت ولايته الرئاسية الأولى (2017-2021) زعزعة للعلاقات التجارية الثنائية على نطاق واسع، مع شنّ حرب تجارية لدفع بكين إلى شراء منتجات أمريكية وتقويم الميزان التجاري.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية الصيني بايدن ترامب امريكا الصين بايدن ترامب المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الملاكم ناوروتسكي.. لماذا تخشى أوروبا الرئيس البولندي الجديد؟

قبل عامين، كانت أوروبا على موعد سار حملته رياح هبّت من شرق القارة بعدما ظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية البولندية، وذلك حينما استطاع الائتلاف المدني أن يحصل على نحو مفاجئ على 54% من الأصوات في انتخابات عام 2023، وأنهوا سيطرة حزب القانون والعدالة المحافظ (ذو التوجه اليميني القومي) منذ عام 2015.

سرعان ما دشنت الحكومة الجديدة سياسات لتعزيز العلاقة مع الاتحاد والاندماج في هياكله، كما قامت بعقد مصالحة تحاول تدارك آثار فترة الحكم السابقة التي ابتعدت عن محيط بولندا الأوروبي، فقامت بإجراء إصلاحات قضائية كان قد أدى غيابها إلى تجميد أموال الاتحاد الأوروبي لبولندا، وفي المقابل بادلت أوروبا خطوات الحكومة الجديدة برفع حالة التجميد عن 600 مليون يورو.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"يوروستاك" وخطة أوروبا لتحصين نفسها ضد المفاجأة الأميركية المرتقبةlist 2 of 2البلقان على صفيح ساخن.. عودة ترامب وصراع التوازنات الإقليميةend of list

لكن بعد نحو عامين فقط، تغيرت أشياء كثيرة في الشارع البولندي، وكانت البلاد مطلع يونيو/حزيران الجاري على موعد مع جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، والتي جرت بين الليبرالي المدعوم من الائتلاف المدني رافال ترازاسكوفسكي وهو عمدة مدينة وارسو، وبين المؤرخ والملاكم المدعوم من حزب القانون والعدالة المحافظ كارول ناوروتسكي.

هذه الانتخابات لم ينُظر لها على أنها استفتاء على الحكومة الليبرالية الفائتة فقط، بل أيضًا على موقع بولندا من العالم، خاصة في ظل الاستقطابات الحاصلة بين أميركا وأوروبا مع صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ تتجاذب بولندا رؤيتين: أولى ترى بولندا منتمية لأوروبا واتحادها، وثانيها تراها منتمية لواشنطن وأيديولوجية ترامب، والتوجهات اليمينية القومية عموما.

مؤيدون أمام مؤتمر انتخابي لكارول ناوروتسكي في بولندا 2 مارس/آذار 2025 (رويترز)

هذا الاستقطاب انعكس على أشده في الانتخابات الأخيرة لدرجة أن استطلاعات الرأي لم تستطع توقع النتيجة بدقة لصالح أحد المتنافسين، وقد ظهرت نتيجة الانتخابات في النهاية لتحسم هذا المشهد الملتهب، إذ فاز ناوروتسكي المحافظ بنسبة 50.89% على منافسه الليبرالي الذي حصل على 49.11% من الأصوات.

إعلان

مثلت هذه النتيجة ضربة للحكومة الموالية للاتحاد الأوروبي، فالرئيس يملك ممارسة حق النقض على تشريعات البلاد، ويشكل جزءا ليس بالهين من سياستها الخارجية ويمثلها بالخارج ولكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة في حالة الحرب، كما أنها زادت منسوب القلق بالاتحاد الأوروبي على حصنها الشرقي وواحدة من أهم دولها الأعضاء في السنوات الأخيرة.

إذ تمتلك بولندا جيشًا لا يستهان به على الإطلاق، فقد استثمرت أموالًا طائلة السنوات الأخيرة ووصلت استثماراتها العام الماضي إلى 4.12% من ناتجها المحلي في قواتها المسلحة، هادفة إلى أن تصبح أكبر قوة برية بالقارة حسب المنصة الألمانية "دويتشه فيله"، حيث تمتلك بولندا حاليًا 150 ألف جندي لكنها تريد أن تصل إلى 300 ألف جندي بحلول عام 2035.

صحيح أن قوتها البحرية ضعيفة نسبيًا، لكنها تعمل بجد في بقية الفروع على جلب أحدث المعدات العسكرية من دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ويُتوقع أنها ستحصل قريبًا على طائرات "إف- 35" المقاتلة، فضلًا عن أنها تعد طريق الإمداد الحيوي للأسلحة الأوروبية الذاهبة لأوكرانيا، وقد أنفقت بولندا حتى الآن 3 مليارات يورو لدعم كييف في حربها مع روسيا، لكن هذا الدعم يبدو اليوم موضع شك في ظل صعود ناوروتسكي.

ناوروتسكي حارس النادي الليلي المحافظ!

أنا ببساطة واحد منكم

كارول ناوروتسكي مخاطبًا البولنديين من بلدة بيالا بودلاسكا الشرقية أثناء حملته الانتخابية.

خلفية ناوروتسكي (42 عامًا) الاجتماعية معقدة وفيها معلومات كثيرة مهمة، حيث ولد لعائلة متواضعة الحال ماديا بمدينة غدانسك، وفي شبابه كان شديد الاهتمام بلعبتيّ الملاكمة وكرة القدم، ورغم ظروفه الصعبة فقد استطاع أن يحصل على شهادات علمية رفيعة، فهو حاصل على درجة الدكتوراة في التاريخ وماجستير إدارة الأعمال في تخصص إدارة المشاريع والإستراتيجية.

واستطاع أن يمول دراسته من خلال العمل في وظائف متواضعة مختلفة أثناء الدراسة، وقد ذكر غريغورز بيرندت المشرف السابق على أطروحته الدراسية بالجامعة -لصحيفة لوموند الفرنسية- أن ناوروتسكي كان طالبًا مجتهدًا بحق وقادرا على العمل بجد وقوي الشخصية ومقاتل، فقد استطاع أن يكتب أطروحته في عام واحد معتمدًا على 158 مقابلة أجراها.

وقد تولى ناوروتسكي مناصب مرموقة قبل أن يفوز بانتخابات الرئاسة، إذ تولى إدارة متحف الحرب العالمية الثانية بمدينة نشأته (غدانسك) وذلك من عام 2017 إلى 2021، ثم تولى رئاسة معهد الذكرى الوطنية وهو المعهد المكلف بتقييم الماضي الحديث المعقد، وبحسب لوموند فقد حول ناوروتسكي المعهد إلى أداة سياسية وأيديولوجية في يد حزب القانون والعدالة.

يوصف ناوروتسكي بأنه محافظ، وعادًة ما يميل اليمينيون المحافظون في الغرب نحو روسيا، لكن الأمر مختلف في بولندا فمسألة الخصومة مع موسكو عليها ما يشبه الإجماع بين مختلف ألوان الطيف السياسي، وبحسب المنصة الألمانية دويتشه فيله فإن المؤرخ ناوروتسكي قد أمر من خلال منصبه في رئاسة معهد الذكرى الوطنية بتدمير النصب التذكارية السوفياتية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، مما أثار غضب الكرملين بشدة، وبحسب لوموند فإن هذه الخطوة قد جعلته موضوعًا على قائمة المطلوبين في روسيا.

إعلان

واختار حزب القانون والعدالة ناوروتسكي بهذه الانتخابات الرئاسية لكنه دفع به كمستقل غير حزبي رغم أن حملته الانتخابية كان تنظيمها وتمويلها وبرنامجها من قبل الحزب، ولم يكن قبل تلك الانتخابات لديه أية خبرة سياسية بل لم يكن حتى عضوًا بأي حزب من قبل.

كارول ناوروتسكي، يدلي بصوته مع زوجته مارتا وابنته كاتارزينا خلال الانتخابات الرئاسية في 18 مايو/أيار 2025 في بولندا (غيتي)

وبحسب لوموند فهو لم يكن معروفًا لأغلب البولنديين قبل تقديمه للجمهور في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 من خلال حزب القانون والعدالة، ووفق الصحيفة الفرنسية فإن هذه سياسة يتبعها الحزب المحافظ البولندي بالعقد الأخير وهي الدفع بوجوه جديدة تمامًا على الساحة السياسية وهو ما فعله الحزب مع الرئيس السابق أندريه دودا الذي لم يكن إلا محاميا مغمورا قبل انتخابه.

وهناك أشياء في تاريخ ناوروتسكي الاجتماعي وتقديمه لنفسه في تلك الانتخابات قد ساعدته على الفوز، علمًا بأنه وفق البيانات الأولية استطاع أن يحصد أصوات الذكور وتحديدًا من هم في سن (أقل من 29 عامًا) في حين صوتت النساء والأكبر سنًا للمرشح الليبرالي، ومن الأشياء التي استطاعت أن تجذب الأصوات لناوروتسكي خلفيته العصامية وقدومه من حي تسكنه الطبقة العاملة في غدانسك، وعمله أثناء دراسته بالجامعة في وظائف متواضعة بما فيها حارس ملهى ليلي.

كما أن ناوروتسكي كان صاحب مسيرة ناجحة في مجال رياضة ملاكمة الهواة، قد قدم نفسه للجمهور من الذكور بوصفه قويا بحسب وكالة رويترز، إذ ركز على نشر مقاطع فيديو لنفسه في حلبات الملاكمة وميادين الرماية، وحرص أيضًا على إبراز زوجته مارتا ذات الأطفال الثلاثة في حملته ليبرهن على أنه محافظ ويتمتع بأسرة مستقرة.

وعلى الجانب الآخر، كانت هناك نقاط أخرى في سيرة ناوروتسكي أثارت الكثير من الجدل حوله، وتحديدًا علاقته بالدعارة، فقد أجرى موقع أونيت الإخباري المحلي تحقيقًا ذكر فيه أن ناوروتسكي قد شارك في شبكة دعارة أثناء عمله في فندق كبير بالمدينة السياحية سوبوت الواقعة على بحر البلطيق بالقرب من غدانسك، وهو ما نفاه ناوروتسكي بشدة متوعدًا باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الموقع الإخباري الذي لم يتراجع ولم يحذف تحقيقه.

وواحدة مما نُظر إليها بسلبية أيضا من قبل البعض في مسيرته -حسب شبكة "إيه بي سي" الأميركية- قصة شرائه شقة في غدانسك من متقاعد مسن من ذوي الإعاقة اسمه جيرزي واعدًا برعايته في المقابل، ثم قيامه بإيداع الأخير في دار رعاية للمسنين بتمويل عام مخلفًا وعده، وبحسب المنصة الأميركية فإن ناوروتسكي بعد أن ظهرت القصة للعلن وأثرت على سمعته تبرع بالشقة لجمعية خيرية.

كذلك تشير العديد من التقارير المنتقدة إلى اعترافه بفخر بتورطه في مشاجرة جماعية منظمة بين مشجعين لكرة القدم عام 2009 شارك فيها 140 مشجعًا أدين بعضهم لاحقًا بارتكاب جرائم وهو ما اعتبره ناوروتسكي نوعا من الرياضة مشيرًا إلى أنها كانت منافسة شريفة بغض النظر عن شكلها، وأنه في جميع أنشطته الرياضية يعتمد على قوة قلبه وعضلاته وقبضته.

لكن الانتخابات قد أظهرت على كل حال أن تلك الأحداث لم تؤثر على نحو حاسم في رؤية أغلب الناخبين لناوروتسكي إذ اعتقد الكثير من الجماهير المتأثرة بالخطاب اليميني أن الحملة عليه من أجل تلويث صورته هي دعاية من الخصوم الليبراليين والإعلام الموجه -من وجهة نظرهم- الذين يؤرقهم رؤية محافظ قوي يتحداهم، وقد أثر في الناخبين بشكل أكبر أفكار ورؤى ناوروتسكي التي عرضها، وبنيت على انتقاد الحكومة الموالية للاتحاد الأوروبي الحالية والتي وصفها بأنها نخبة حضرية منفصلة عن هموم المواطن العادي في بولندا.

إعلان

وقد اجتذب خطاب ناوروتسكي المعارض للإجهاض (الذي يثار حوله الكثير من الجدل في بولندا) -ولما يعتبره أجندة مجتمع الميم- قطاعات واسعة من المجتمع البولندي رأت أن ناوروتسكي يعكس القيم التقليدية المسيحية التي نشؤوا عليها ويحبونها.

وعلى جانب آخر فقد استعار ناوروتسكي بعضًا من أهم المبادئ والشعارات التي بنى عليها دونالد ترامب بالولايات المتحدة حملته الانتخابية، مثل "بولندا للبولنديين" و"استعادة الوضع الطبيعي" لدرجة أن الأعلام الأميركية قد ظهرت في تجمعاته الانتخابية، فقطاع واسع من البولنديين يريد أن يرى شيئًا مماثلًا لما يحدث بالولايات المتحدة الآن من مد يميني محافظ يحدث في بلاده أيضًا.

والواقع أن الرئيس الأميركي وإدارته قد أيدوا ناوروتسكي وأعربوا عن ذلك الدعم بشدة في تصريحات رسمية، كما أن الأخير قد زار الولايات المتحدة أثناء حملة ترشحه والتقط صورتين مع ترامب بالمكتب البيضاوي في واشنطن.

أوروبا تهتز.. كيف ستؤثر تلك الانتخابات غربيًا؟

"نعم، نريد سوقًا مشتركة في أوروبا، ونريد التنمية، ونريد أن نكون صوتًا قويًا في الاتحاد الأوروبي، لكننا لا نريد أن تملي علينا نخب بروكسل ما يجب أن نفعله في حياتنا الاجتماعية".

*ناوروتسكي في خطاب للجماهير في مارس/آذار الماضي أثناء حملته الانتخابية.

وقد لعب الرئيس الأميركي وإدارته دورًا هامًا في فوز ناوروتسكي ، وهذا لم يتوقف على المنشورات الداعمة على مواقع التواصل بل وصل أيضًا إلى حد الاتصال وإعطاء النصائح بالحملة الانتخابية، هذا بالإضافة إلى أن وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نعوم قد صرحت -أثناء حضورها مؤتمر المحافظين في بولندا قبل نحو أسبوع من جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة البولندية- بأن ناوروتسكي سيقود البلاد على طريقة ترامب، ويجب أن يكون الرئيس القادم.

وقالت للشعب البولندي إنهم سيقودون باختياراتهم هذه أوروبا إلى القيم المحافظة، ولم تتوقف عند هذا بل قالت للشعب البولندي إنه في حال انتخاب ناوروتسكي سيكون لدى بولندا حليف قوي، قاصدة أميركا، يضمن لها محاربة أعدائها الذين لا يشاركونها قيمها، واعدة أيضًا بأن الوجود العسكري الأميركي في بولندا سيستمر حينها، وأضافت مخاطبة الشعب البولندي "وستحصلون على معدات أميركية الصنع عالية الجودة".

وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لديها 10 آلاف جندي متمركزين في بولندا الآن.

وزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن يزور القوات الأميركية في القاعدة العسكرية ببولندا (غيتي)

ولهذا السبب كان يُنظر لتلك الانتخابات على نطاق واسع باعتباره انعكاسا لصراع أوروبي أميركي على الرقعة البولندية، فبينما تريد أوروبا أن تظهر متماسكة ومنسجمة في مواجهة ترامب، صُدمت بأن شعبًا جديدًا من شعوبها قد اختار رئيسًا يمينيا يرفع شعارات ترامب نفسها، ويتعهد خلال حملته الانتخابية بعرقلة الحكومة الليبرالية الساعية لإجراء تغييرات في هياكل البلاد تجعلها منسجمة ومتصالحة مع الاتحاد الأوروبي.

بل إن جزءا أساسيًا من حملته الانتخابية كانت مشكلة من الهجوم على برلين وسيطرتها على الدول الأوروبية، وقد قال إنه سيحاول إرغام برلين على دفع تعويضات لبولندا عن الحرب العالمية الثانية أيضًا، وأكد أنه لن يقبل باعتماد اليورو عملًة لبلاده.

وبحسب مقال بحثي نشرته كلية لندن للاقتصاد، فمن المتوقع في عهد رئاسة ناوروتسكي أن يتخذ موقفًا عدائيًا ضد كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وأن يصطف تمامًا مع الرئيس الأميركي، وكذلك سينتقد بشدة أجندة عمل المفوضية الأوروبية وسياسات الهجرة والمناخ الأوروبية، وسيتعاون في ذلك مع الكتلة اليمينية بالاتحاد الأوروبي.

وبحسب النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي برنارد غيتا، فإن رئاسة ناوروتسكي قد لا تؤدي إلى مشاكل دبلوماسية وقطيعة فورية مع الاتحاد، ولكن سيكون لها عواقب وخيمة على المدى الطويل، وقد يؤدي تحالفه مع ترامب إلى مضاعفة الجهود لفصل بولندا عن جماعة الاتحاد الأوروبي وخطط التكامل في القارة، وقد تعرقل بولندا على سبيل المثال جهود التكامل العسكري في القارة العجوز المتمثلة مؤخرًا في مبادرة شراء أسلحة مشتركة جديدة بقيمة 150 مليار يورو.

أما من جانب الخطر الأوروبي العسكري الشرقي المتمثل في روسيا، فمن شبه المتفق عليه بين المحللين أن ناوروتسكي لن يختلف مع الحكومة الحالية في البلاد حول دعم أوكرانيا العسكري رغم خطابه الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره معاديا للاجئين الأوكرانيين في ظل ارتفاع مشاعر الغضب بين البولنديين من زيادة أعداد اللاجئين الأوكرانيين في بلادهم، فضلًا عن رفضه دخول كييف حلف الناتو، إذ إن رؤية روسيا باعتبارها خطرا هي مسألة إجماع في السياسة البولندية.

إعلان

وباختصار يمكن ألا يكون لانتخاب ناوروتسكي في اللحظة الحالية تأثير كبير على مجريات الأمور في بولندا أو القارة أو حلف شمال الأطلسي، لكن انتخابه ينذر بأن الانتخابات البرلمانية القادمة عام 2027 قد تشهد عودة اليمين بالحكومة كما في الرئاسة، خاصة أن ناوروتسكي سيتبع سياسة عرقلة الحكومة الليبرالية الحالية ومحاولة إفشالها والدفع بالأمور لإجراء انتخابات برلمانية جديدة في أسرع وقت ممكن.

والأمر الآخر الذي لا يقل أهمية أن تلك الانتخابات حلقة جديدة من حلقات تهشم أوروبا الليبرالية من الداخل وزيادة حجم المعسكر اليميني داخل الدول الأعضاء بالاتحاد ذاته مما قد يُحدث على المدى المتوسط تحولات في أوروبا نفسها، وعلى المدى القريب فإن هذا يمثل فوزًا جديدًا للمد "الترامبي" في الغرب، وفوزًا جديدًا للرؤية المسيحية المحافظة للغرب على حساب الرؤية الليبرالية الديمقراطية.

كذلك -وعلى المدى القصير- فإن معسكر أوربان والمجر في الاتحاد الأوروبي قد يجد له حليفًا جديدًا يتحدى به الخطط الليبرالية للاتحاد الأوروبي، ويعد أوربان أكثر الزعماء الأوروبيين الذين احتفلوا بنتائج انتخابات الرئاسة البولندية.

مقالات مشابهة

  • «تمويل العلوم والتكنولوجيا» تمد فترة التقدم لبرامج التعاون المصري الصيني
  • علي لاجامي: نأمل أن نوفق في اللقاء الأخير ضد باتشوكا المكسيكي ونتحصل على بطاقة التأهل لدور الـ 16
  • الاتصال الخامس في يوم واحد.. جلالة السلطان والرئيس الإماراتي يناقشان الأزمة الإقليمية
  • الرئيس اللبناني: التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل يزيد مخاوف اتساع التوتر
  • الزمن المفقود.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
  • فشل محادثات أمريكية إيرانية في إسطنبول بسبب اختفاء خامنئي
  • الرئيس الإيراني: لن نوقف أنشطتنا النووية "تحت أي ظرف"
  • جناح «التنين» بإكسبو دبي يحتضن الصالون الإعلامي العربي الصيني
  • الملاكم ناوروتسكي.. لماذا تخشى أوروبا الرئيس البولندي الجديد؟
  • 74 مقاتلة صينية تحلًق حول جزيرة تايوان.. هل تغزوها بكين؟