بقدر ما للذكاء الاصطناعي من فوائد في الارتقاء بمستوى حياة البشر، فإن له بالمثل مضار ومخاطر جمّة إذا لم يُحسن استخدامه، ومن ثمّ لا بد من وضع لوائح وضوابط لكبح جماحه لتجنب وقوع كارثة بسببه.

وقد أدلى اثنان من الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي بدلوهما في هذا الموضوع في مقال مشترك نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية في عددها الأخير.

وأوضح ماركوس أنديرونغ، رئيس السياسات في مركز حوكمة الذكاء الاصطناعي والبحث في مركز الأمن الأميركي الجديد، وزميله بول شار نائب الرئيس التنفيذي للمركز، في مقالهما أن ثورة الذكاء الاصطناعي قد انطلقت بالفعل، وتجلى ذلك في تقنيات التعرف على الوجه، وتوليد النصوص، ومساعدة الطلاب على إعداد البحوث، ودفع العلم لاكتشاف الأدوية وإلى حدود الانصهار النووي.

مخاطر وتحذيرات

إن الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي للبشرية هائلة، فإذا صُممت برامجه وأُديرت بشكل صحيح يمكنه أن يفعل الشيء الكثير لتحسين أوضاع المجتمعات، كما يؤكد المقال.

ولكن للذكاء الاصطناعي مخاطره الهائلة أيضا -وفق المقال- إذ يزيد بالفعل من انتشار المعلومات المضللة، ويكرس التمييز، ويسهل على الدول والشركات التجسس.

وربما تتمكن أجهزة الذكاء الاصطناعي في المستقبل من تخليق كائنات حية مسببة للأمراض، أو اختراق بنى تحتية حساسة.

وفي واقع الأمر، بدأ العلماء المسؤولون عن تطوير الذكاء الاصطناعي بالتحذير من أن ابتكاراتهم في هذا المجال محفوفة بالمخاطر. وأطلق مديرو كل المختبرات العلمية تقريبا -في خطاب لهم في مايو/أيار الماضي- جرس إنذار أن "الحد من خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي يجب أن يحظى بالأولوية على الصعيد العالمي، إلى جانب المخاطر الاجتماعية الأخرى مثل الأوبئة والحرب النووية".

وبعد أشهر من ذلك التحذير، التقى صناع السياسات -من بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن- مع القائمين على أمر هذه الصناعة، وحثوهم على وضع تدابير جديدة لدرء الحوادث والأضرار التي قد تنجم عن الذكاء الاصطناعي.


سُبُل التصدي لتلك المخاطر

ويقر الخبيران أنديرونغ وشار بأن ملاحقة المخاطر التي يمثلها الذكاء الاصطناعي وتحديد ما يمكن فعله للتصدي لها، من الصعوبة بمكان، ذلك أن الأضرار التي يسببها الذكاء الاصطناعي في المجتمعات المعاصرة إنما هي من صنع الأمس.

ويضيف الكاتبان أن أغلب الأجهزة المتطورة لم تُستخدم على نطاق واسع أو ليست مفهومة. وللتصدي للمخاطر، دعا بعض الخبراء للتوقف عن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما.

غير أن هذه النماذج من الأنظمة هي ببساطة ذات منفعة كبيرة للشركات التي تنفق مليارات الدولارات مما يجعل تجميد أنشطة تطويرها من الصعوبة بمكان. على أنه يمكن لواضعي السياسات -بل وينبغي عليهم- المساعدة في توجيه عمليات تطوير هذا القطاع، وتهيئة المواطنين لتقبل تأثيراتها. وبإمكان هؤلاء -حسب مقال فورين أفيرز- البدء بالتحكم في من يمكنه الوصول إلى الرقائق المتقدمة التي تدرب نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة، بما يضمن عدم قدرة جهات "خبيثة" على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أقوى.

وعلى الحكومات -يستطرد المقال- أن تسن لوائح وقوانين كفيلة بضمان تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي واستخدامها بمسؤولية. "فإذا طُبِّق ذلك على نحو صحيح، فإن تلك اللوائح لن تحد من الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي".

ولكن ينبغي للحكومات كسب الوقت "قبل أن تصبح أخطر أنظمة الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع على نطاق واسع".

وينصح الخبيران دول العالم بضرورة استغلال الوقت لتحصين مجتمعاتها ضد مخاطر الذكاء الاصطناعي العديدة، إذ يتعين عليها توظيف مجموعة واسعة من إجراءات الحماية، مثل إيجاد وسائل لمساعدة الناس على التمييز بين ما هو ذكاء اصطناعي وما هو محتوى من صنع البشر، ومد يد العون للعلماء وذلك بالكشف عن اختراق المختبرات والحد منها، وتطوير أدوات الأمن السيبراني التي تجعل البنيات التحتية الحساسة -مثل محطات الطاقة- تحت الإدارة المناسبة.


تهيئة المجتمعات

إن مواجهة هذه التحديات -برأي كاتبي المقال أنديرونغ وشار- يتطلب قدرة كبيرة على الإبداع من صناع السياسات والعلماء على السواء، والإسراع بإنجاز المهام المنوطة بهم، "فالمسألة مجرد وقت حتى تبدأ أنظمة الذكاء الاصطناعي البالغة القوة بالانتشار، فيما لم تتهيأ المجتمعات بعد لذلك".

ويمضي المقال إلى التساؤل عن مدى خطورة الذكاء الاصطناعي. ويعلق الكاتبان على السؤال بالقول إن الجواب "الصادق والمخيف" هو أن لا أحد يعرف.

وتكمن مهارة برامج الذكاء الاصطناعي في أنها تساعد المبرمجين على استحداث برمجيات خبيثة يمكنها تفادي البرمجيات المضادة للفيروسات.

ولعل أحد مخاطر الذكاء الاصطناعي أنه قد يضفي طابعا "ديمقراطيا" على العنف مما يجعل من السهل على مجموعة واسعة من الأطراف "الشريرة" إحداث أضرار.

ويحذر مقال فورين أفيرز من أن المعلومات المضللة هي مجرد جزء من مخاطر الذكاء الاصطناعي التي يجب على المجتمع الاحتراس منها. ويتعين على العلماء أيضا معرفة الكيفية التي يستطيعون بها منع نماذج الذكاء الاصطناعي من تمكين هجمات الأسلحة البيولوجية.

ويمكن لصانعي السياسات الشروع في سن لوائح تحظر على شركات تصنيع الحمض النووي من شحن تسلسلات الحمض النووي المتعلقة بمسببات الأمراض الخطيرة (أو مسببات الأمراض المحتملة) إلى العملاء غير المصرح لهم. وسيتعين على الحكومات دعم شركات تصنيع الحمض النووي أثناء عملها على تحديد التسلسلات الجينية التي قد تنطوي على خطورة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی فورین أفیرز

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يحسّن علاج سرطان الرئة

أتاحت أداة من الذكاء الاصطناعي تستخدم التعلم العميق مقارنة صور الأشعة المقطعية تلقائيًا في سياق علاج السرطان، مما يسمح باكتشاف وتحديد حتى أصغر التغيرات في أورام الرئة بسرعة ودقة أكبر.
البحث أجري من قبل فريق من الباحثين الألمان والأطباء في الولايات المتحدة.
تُجرى فحوصات التصوير المقطعي المحوسب للصدر بشكل متزايد حول العالم للكشف عن أمراض الرئة، مثل سرطان الشعب الهوائية، في مرحلة مبكرة، مما يسمح بمراقبتها. 
تُتيح هذه الفحوص تحديد أبسط آثار العلاج والآثار الجانبية، مما يُحسّن العلاج. ومع ذلك، تُعدّ مقارنة الفحوصات مهمة بالغة التعقيد وتستغرق وقتًا طويلاً، وهي عُرضة للأخطاء، إذ غالبًا ما يضطر أخصائيو الأشعة إلى العمل تحت ضغط زمني كبير عند تقييم الصور. ويُسهّل إنشاء التوافق التشريحي تلقائيًا بين الفحوصات، وهي عملية تُعرف باسم "التسجيل"، هذه العملية.
التعلم العميق
لتحسين التشخيص وتسهيل الممارسة السريرية اليومية للأطباء، يركز مشروع SPIRABENE، الذي يتم تطويره في ألمانيا بالتعاون مع جامعة أميركية، على الذكاء الاصطناعي.
يوضح يان مولتز، مهندس الأبحاث الرئيسي في تحليل الصور الطبية في معهد فراونهوفر ميفيس في ألمانيا "طورنا برنامجًا قائمًا على التعلم العميق يُمكّن من تحديد وقياس آفات الرئة بدقة أكبر وفي وقت قصير جدًا، كما يُمكّننا من اكتشاف آفات جديدة محتملة".
لمتابعة أمراض الرئتين، تُقارَن فحوصات التصوير المقطعي المحوسب السابقة بأحدث الصور لتحديد التطابق التشريحي. ويتمثل التحدي الأبرز هنا في أن صورتين للشخص نفسه تبدوان متشابهتين، لكنهما غير متطابقتين، على سبيل المثال، بسبب اختلافات في التنفس عند إجراء الفحص، أو فقدان محتمل للوزن نتيجة العلاج.
يدعم المقارنة الآلية بين الصور بالفعل مراقبة الصور اللاحقة، لكن استخدام التعلم العميق يُمكّن من مقارنة المسوحات تلقائيًا بسرعة ودقة أكبر.  
يوضح مولتز "تُظهر نتائجنا أن 11% من الأورام تُكتشف تلقائيًا في صورة المتابعة بمساعدة الذكاء الاصطناعي مقارنةً بالتسجيل التقليدي القائم على البرامج، وفي أقل من ثانية واحدة". وهذا يعني أيضًا أن قوة الحوسبة المطلوبة أقل، مما يوفر الطاقة.
صمم الباحثون تقنية معالجة الصور الآلية بالكامل بالتعاون مع أطباء من جامعة ميشيغان الأميركية، مما يُمكّن من دمجها واستخدامها مباشرةً في البنى التحتية السريرية القائمة. وقد اختُبِر البرنامج وخضع للتقييم بالفعل في الممارسة السريرية اليومية، ويمكن استخدامه قريبًا في التطبيقات العملية. وتتمثل الخطة طويلة المدى في استخدام مراقبة المتابعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لكامل الجسم.
بعد التشغيل التجريبي، أعرب مولتز عن سعادته بالنجاح الأولي، وقال "أشعر بالحماس للعمل على برنامج يُستخدم فعليًا في الممارسة السريرية وله تأثير إيجابي على العمل اليومي للأطباء. كما يساعدنا البرنامج على تحديد العلاجات غير الفعالة بسرعة، وتجنب الآثار الجانبية والتكاليف غير الضرورية، وزيادة فرص شفاء المرضى".

أخبار ذات صلة الإمارات تعرض مبادرة مبتكرة في الذكاء الاصطناعي خلال "كوسباس - سارسات" الذكاء الاصطناعي يقود أسرع موجة ابتكار في التاريخ الحديث المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي في خدمة نبيذ لبنان
  • كيف غيّر الذكاء الاصطناعي حياة المكفوفين في جامعة باريس؟
  • أبرز مبادرات الذكاء الاصطناعي في مخيمات الحجاج بالمشاعر المقدسة
  • مايكروسوفت تستغني عن مئات الموظفين للاستثمار في الذكاء الاصطناعي
  • كيف ينبغي للشركات ــ ولا ينبغي لها ــ توظيف الذكاء الاصطناعي
  • من الإعلام إلى صناديق الاقتراع.. الذكاء الاصطناعي تحت المجهر في ورشة «بصيرة»
  • الذكاء الاصطناعي والروبوتات الطبية في خدمة الحجاج
  • الذكاء الاصطناعي يحسّن علاج سرطان الرئة
  • لا للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأحكام الشرعية بماليزيا
  • وزارة الأوقاف تطالب بتعزيز السياسات والبرامج التي تدعم الأسر والوالدين