حرب السودان والارتدادات الإقليمية.. روسيا وأبعاد جديدة للنفوذ في القرن الإفريقي
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
حرب السودان والارتدادات الإقليمية.. روسيا وأبعاد جديدة للنفوذ في القرن الإفريقي
فؤاد عثمان عبدالرحمن
المقدمة
في خضم التغيرات المتسارعة التي يشهدها إقليم القرن الافريقي وحوض النيل، تتشكل علاقات وتحالفات جديدة تهدف إلى اعادة صياغة موازين القوى الاقليمية، هذه الديناميات ليست مجرد تفاعلات سياسية، بل تعكس ازمات متشابكة تشمل الأمن والمياه والسيادة الوطنية ، التي باتت تهدد بنية واستقرار النسق الاقليمي بأسره.
في مقدمة هذه التطورات ، يبرز التقارب المصري الصومالي الارتري كعامل محوري ، بجانب اتفاقية الاطار التعاوني لحوض النيل (عنتيبي) التي تتزعمها اثيوبيا. هذا التقارب يسلط الضؤ علي محاولات الدول المعنية لتعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية ، مما يخلق بيئة مليئة بالتحديات والمخاطر.
تأثير هذه التكتلات الجديدة يمتد بشكل واضح الي الصراع الدائر في السودان ، اذ يعيد هذا المشهد الاقليمي تشكيل توازن القوي ، مما قد يؤدي إلى دعم أو معارضة اطراف معينة في النزاع السوداني.
فمع تصاعد الازمات تسعى الدول المجاورة إلى حماية مصالحها ، مما قد يدفعها إلى التدخل لتحقيق الاستقرار ومنع تدفق الازمات عبر الحدود.
والحادثة الابرز في ذلك السياق كانت انتقاد قائد الدعم السريع حميدتي بعد هزيمته من قبل الجيش في معركة جبل موية الاستراتيجية بوسط السودان ، إذ انتقد علنا في خطاب مصور جمهورية مصر واتهمها بالوقوف لجانب الجيش في تلك المعركة عبر قواتها الجوية ومعارك اخري أيضا ، مما جعل مصر الرسمية تسارع في الرد عليه عبر بيان وزارة خارجيتها نافية تلك التهمة ووصمت تلك القوات بالمليشيا وهو نفس موقف الجيش السوداني الرسمي ، ما عد اصطفافا واضحا من قبل مصر مع الجيش السوداني احد اطراف الصراع الدائر حاليا.
أيضا القضايا المتعلقة بالامن المائي ، خاصة فيما يتعلق بمياه النيل ، تلعب دورا حاسما في تاجيج التوترات ، فالصراع في السودان قد يعقد ادارة هذه الموارد الحيوية ، مما يؤثر بشكل مباشر علي العلاقات بين الدول المعنية ويزيد من مخاطر النزاعات المستقبلية.
علاوة علي ذلك ، قد تسعى الجماعات المحلية والفصائل المختلفة في السودان ، الي تشكيل تحالفات جديدة مع القوى الاقليمية ، مما يزيد من تعقيد الصراع.
إن هذه الديناميات المتغيرة قد تؤدي لتفاقم الاوضاع الانسانية ، حيث يتوقع زيادة اعداد اللاجئين ، مما يضع ضغوطا اضافية علي الدول المجاورة.
بناء علي ماسبق فان التكتلات الاقليمية الناشئة في القرن الافريقي ليست مجرد تطورات سياسية عابرة ، بل تمثل تحديات حقيقية تعكس التداخلات الامنية والجيوسياسية التي تؤثر على مستقبل السودان واستقراره ، ان فهم هذه الديناميات يصبح امرا حيويا لصياغة استراتيجيات فعالة تهدف لتحقيق السلام والاستقرار.
الديناميات الإقليمية وارتداداتها على الحرب السودانية.
إن الحرب في السودان لم تعد مجرد صراع داخلي بين أطراف سودانية، بل تحولت إلى أزمة إقليمية ودولية ذات أبعاد جيوسياسية معقدة. ويعكس هذا الصراع التفاعلات المعقدة التي تشهدها منطقة شرق أفريقيا بشكل عام، التي تتداخل فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية، وتتحول الحرب السودانية إلى ساحة للتنافس الجيوسياسي بين عدة أطراف. هذه الحرب تفتح المجال لتساؤلات عميقة حول كيفية تأثير الديناميات الإقليمية، سواء على المستوى العسكري أو الدبلوماسي، على مسار الأحداث في السودان والمنطقة بأسرها.
السودان: ساحة لتوازنات إقليمية معقدة
منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تأثرت الديناميكيات الإقليمية بشكل ملحوظ. أصبح السودان نقطة تماس رئيسية في خريطة النفوذ الإقليمي، حيث تتداخل مصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية. ففيما يتصاعد النزاع الداخلي، تُظهر التحولات السياسية على الساحة الإقليمية قدرة بعض الأطراف على استثمار الوضع لصالحها، سواء عبر الدعم المباشر لأحد الأطراف المتحاربة أو من خلال تفعيل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي.
في هذا السياق، يتجسد دور القوى الإقليمية الكبرى، مثل مصر والسعودية والإمارات، في دعم طرف من الأطراف السودانية لتحقيق مصالحها الخاصة. فمصر، على سبيل المثال، تعتبر السودان جزءًا حيويًا في استراتيجيتها الأمنية والسياسية، ولا سيما فيما يتعلق بمياه النيل. بالمقابل ، وفي سياق التصعيد المستمر للحرب وتوسع انتشار الدعم السريع في مناطق واسعة من السودان ، وجه الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة ، اتهامات وانتقادات حادة وغليظة لدولة الامارات بتقديمها لدعم عسكري ولوجستي للدعم السريع من خلال قنوات امداد سرية ومعقدة ، واشار أيضا للجارة تشاد في استقبالها لذلك الامداد وتوصيله للدعم السريع ، وكررت تلك الاتهامات خطابات ممثل السودان لدي الامم المتحدة ، عبر سفيرها الحارث ادريس خلال اجتماعات الجمعية العامة ، واشار لتاكيد تلك الاتهامات الي تقارير غير منشورة اضافة لكتابات كتاب غربيين بمجلات ودوريات بارزة، بان الامارات قد قدمت دعما لوجستيا وعسكريا عبر شبكات غير رسمية ، مايثير تساؤلات واسعة حول أبعاد هذا الدعم وتاثيراته علي الوضع الاقليمي والدولي ، هؤلاء الكتاب والمحللون ربطو تلك الانشطة بتوجهات سياسية واستراتيجية للامارات في المنطقة مما سيعقد الاوضاع جدا. بينما تنكر الامارات تلك الاتهامات ووصفت خطابات العطا والحارث ادريس بالتهرب من تحمل مسؤولية حماية السودانيين ورعاية مصالحهم.
عودة النفوذ الروسي في شرق أفريقيا: تحديات وتفاعلات مع الغرب
في المقابل، تكشف الحرب السودانية عن تحول مهم في خريطة النفوذ في شرق أفريقيا، خاصة مع عودة روسيا القوية إلى الساحة، مستغلة الفراغ الذي تركته بعض القوى الغربية في المنطقة. تتجلى هذه العودة في محاولات روسيا للتوسع العسكري على سواحل البحر الأحمر، التي تعد ممرًا استراتيجيًا حيويًا للتجارة العالمية وللتنافس الإقليمي والدولي. ويعتبر ميناء بورتسودان، الذي يُعد أحد الموانئ الرئيسية على البحر الأحمر، نقطة محورية في هذه الاستراتيجية الروسية.
من هنا، يبرز تساؤل كبير حول مدى قدرة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على إيقاف تقدم روسيا في هذا الإقليم. يُحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد تفكر في استخدام مجموعة من الأدوات السياسية والعسكرية لثني السودان عن المضي قدمًا في هذه الصفقة مع روسيا. ومن بين هذه الأدوات، يمكن أن تلجأ واشنطن إلى دعم الجيش السوداني بقيادة البرهان، شريطة أن يتم التراجع عن الاتفاق مع موسكو. كما قد تركز على تعزيز الدعم لقوات الدعم السريع، وهي خطوة تهدف إلى تقويض موقف البرهان في مقابل تنامي النفوذ الروسي.
الموقع البديل: مسعى روسي عبر إريتريا
وفي إطار سعيها لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، تبقى إريتريا أحد البدائل المحتملة لروسيا في حالة فشل الاتفاق في السودان. ورغم عدم الإعلان الرسمي عن تفاصيل هذا التعاون، تشير التقارير إلى أن هناك تنسيقًا روسيًا إريتريًا على مستوى المناورات البحرية، مما يعكس رغبة روسيا في تأمين موقع استراتيجي على البحر الأحمر. لكن هذه الخطوة ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض، إذ من المتوقع أن تثار مقاومة من القوى الغربية، التي قد تسعى إلى فرض ضغوط سياسية واقتصادية على الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لإفشال هذه الخطط. قد يتضمن هذا الضغط محاولة إشعال نزاع حدودي بين إريتريا وأثيوبيا، وهي مسألة شائكة ومعقدة بالنظر إلى العلاقات المتوترة بين البلدين.
التحولات الإقليمية: الصومال ومصر
بينما يسعى الغرب إلى مواجهة النفوذ الروسي في شرق أفريقيا، تزداد الديناميكيات الإقليمية تعقيدًا. فالعلاقات بين الصومال وإثيوبيا شهدت توترًا غير مسبوق، حيث تم توقيع اتفاقية بين إثيوبيا وصومالي لاند حول استخدام الأراضي الاستراتيجية على البحر الأحمر لأغراض عسكرية ومدنية. وهو ما قوبل بمعارضة شديدة من الصومال التي طالبت إثيوبيا بسحب قواتها من بعثة حفظ السلام في الصومال. في المقابل، تستثمر مصر هذا التوتر لتقوية علاقتها بالصومال، مستبدلة الوجود الإثيوبي في المنطقة بوجود عسكري مصري، في خطوة تهدف إلى تعميق تحالفها الاستراتيجي مع الصومال.
أزمة المياه والنيل: بعد جديد في الصراع الإقليمي
تجدر الإشارة إلى أن النزاع السوداني يظل مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالصراع الإقليمي حول مياه النيل، حيث دخلت اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، ما أدى إلى توترات جديدة بين إثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة أخرى. هذا التوتر يتفاقم مع قضية سد النهضة الإثيوبي، الذي بنته إثيوبيا دون التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان حول كيفية إدارة عملية الملء والتشغيل. هذه المسألة قد تشكل نقطة ضغط أخرى على السودان، في ظل التهديدات المستمرة التي تواجهها الحكومة السودانية من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.يجدر الاشارة الي انه وبعد اجتياح الروس لاوكرانيا ، تحدثت تقارير بأن حوجة المصريين ازدادت انطلاقا من سعيهم لتنمية القطاع الزراعي في إطار الجهود التي يبذلونها للتعويض عن خسارتهم لواردات القمح من اوكرانيا.
الختام: نحو تسوية سياسية أو استمرار الصراع؟
إن الحرب السودانية تشكل نموذجًا معقدًا لتفاعل الديناميات الإقليمية والدولية في منطقة استراتيجية ذات أهمية حيوية. ورغم أن الأطراف المحلية في السودان قد تجد نفسها عالقة في دوامة من الصراع الدموي، فإن التفاعلات الإقليمية والدولية، سواء عبر الضغط على الأطراف المتحاربة أو من خلال محاولة فرض تسوية سياسية، ستكون حاسمة في تحديد مصير المنطقة. ومن غير المستبعد أن تستمر هذه الحرب لفترة أطول، حيث يبقى الوضع في السودان مرهونًا بتوازنات إقليمية ودولية قد تغير شكل المنطقة في السنوات القادمة.
الوسومافريقيا السودان روسيا مصر
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: افريقيا السودان روسيا مصر
إقرأ أيضاً:
اليمن ودول شرق أفريقيا.. بين الحروب بالوكالة والعنف الطائفي.. كيف يمكنها تجاوز ذلك؟ (ترجمة خاصة)
قالت منصة "ملخص السياسات الدولية" إن منطقة القرن الأفريقي واليمن، الغنيتان بالموارد والقيمة الاستراتيجية، لا تزالان محصورتان في الصراع وسوء الإدارة، لكن يمكنهما تحقيق الاستقرار والازدهار من خلال الإصلاحات التكنوقراطية المدفوعة محليًا والتحول في المشاركة الأجنبية.
وأضافت المنصة في تحليل للناشط السياسي الصومالي شيخ نور قاسم إن دول القرن الأفريقي – التي تحيط بأحد جانبي الممر البحري الحيوي – واليمن، على الشاطئ المقابل، تشكل معًا واحدة من أكثر مناطق العالم محورية من الناحية الاستراتيجية ولكنها مضطربة بشكل مزمن. وهذه هي العلاقة التي تربط المحيط الهندي وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وحسب التحليل فإن هذه المنطقة التي تواجه تحديات كبيرة تشمل الصومال، وإثيوبيا، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، واليمن - وهي دول تعاني من الإرث الاستعماري، والصراعات على السلطة في الحرب الباردة، والصراعات بالوكالة، والعنف الطائفي، والمجاعة، والصدمات المناخية.
ويرى أن ما تتحمله هذه الدول، على الأقل اسميًا، هو أمر رائع في حد ذاته، نظرًا لحجم الصعوبات التي تحملتها.
وأفاد بأن عدد سكان هذه المنطقة مجتمعة يبلغ حوالي 265 مليون نسمة، ولا تمثل سوقًا ضخمة فحسب، بل تمثل أيضًا قوة ديموغرافية، حيث يقل متوسط العمر فيها عن 25 عامًا.
نص التحليل
جغرافياً، تقع عند نقطة التقاء أفريقيا وغرب آسيا وجنوب آسيا وأوروبا، وتسيطر على الممرات البحرية الحيوية التي تمر عبرها أكثر من 20 ألف سفينة سنوياً، وتنقل البضائع وإمدادات النفط والطاقة، بما في ذلك الغاز.
تاريخيًا، كان هذا الممر يشكل الجناح الغربي للحوض التجاري والثقافي للمحيط الهندي. لقد كانت منذ فترة طويلة قناة للتجارة والحركة والروحانية - مكان تتقاطع فيه السلع والأشخاص والأفكار عبر آلاف السنين.
ومرة أخرى، تتمتع المنطقة بالقدرة على أن تصبح مركزا عالميا للتجارة والطاقة وإنتاج الغذاء والابتكار. ويمكن لمواردها الهائلة أن تدعم تقنيات اليوم والغد.
لكن الحلم يبقى مؤجلا. لعقود من الزمن، كانت المنطقة غارقة في الحرب، ومعوقة بالتدخل الأجنبي، ومجوفة بسبب سوء الإدارة - مما أدى إلى إيقاع الملايين في براثن الفقر وانعدام الأمن. ويؤدي انهيار الاستقرار إلى تعريض حياة الناس وسبل عيشهم وحرية التنقل برا وبحرا وجوا للخطر.
منطقة على حافة الجحيم
وتشمل هذه المنطقة التي تواجه تحديات كبيرة الصومال، وإثيوبيا، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، واليمن - وهي دول تعاني من الإرث الاستعماري، والصراعات على السلطة في الحرب الباردة، والصراعات بالوكالة، والعنف الطائفي، والمجاعة، والصدمات المناخية. إن ما تتحمله هذه الدول، على الأقل اسميًا، هو أمر رائع في حد ذاته، نظرًا لحجم الصعوبات التي تحملتها.
كل دولة تحمل مزيجها الخاص من الآلام. ويعاني الصومال من العنف المتطرف، والتدخل الأجنبي، والسياسات العشائرية المنقسمة، وكلها تتفاقم بسبب المجاعة ويدمر تغير المناخ. إن إثيوبيا ممزقة بالصراع العرقي، وسوء الإدارة، والجوع، والأيديولوجيات التوسعية المتجذرة في التاريخ الأسطوري.
ويواجه السودان الفوضى الداخلية والتلاعب الخارجي، والعنف السياسي، والانهيار الاقتصادي. وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر، يعاني اليمن من حرب أهلية وحشية، وأجندات أجنبية غازية، وأزمة إنسانية حادة يتجلى فيها انعدام الأمن الغذائي والتدهور المؤسسي.
وتتمتع المنطقة بموقع استراتيجي على مفترق الطرق بين غرب آسيا وشمال شرق أفريقيا، ولها آثار تتجاوز حدودها بكثير. وينتقل مصيرها إلى الخارج، مما يؤثر على السلام والصراع عبر قارتين. فموانئها لا غنى عنها للتجارة العالمية، ومن الممكن أن تلعب أصولها الطبيعية ــ النفط والغاز والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومصايد الأسماك، والأراضي الصالحة للزراعة، ورأس المال البشري الوفيرة ــ دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي.
تاريخ غني ووعد مهدور
تشكل دول القرن الأفريقي واحدة من أقدم مفترق الطرق التجارية في العالم، قبل وقت طويل من ظهور أوروبا كقوة تجارية عالمية. ربطت هذه المنطقة شمال شرق إفريقيا بالجزيرة العربية وبلاد فارس وجنوب آسيا وجنوب أوروبا، مما أدى إلى خلق فسيفساء نابضة بالحياة من الأديان واللغات والثقافات. فهي المكان الذي ولدت فيه المسيحية الأفريقية وتجذر فيه الإسلام قبل وصوله إلى المدينة المنورة.
وهي أيضًا منطقة ذات إمكانات زراعية هائلة - سواء في الزراعة أو الإنتاج الحيواني - مع موارد بحرية واسعة تمتد عبر المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر. وتشمل ثروتها المعدنية النفط والغاز واليورانيوم والذهب والعناصر الأرضية النادرة. ولعل الأمر الأكثر قيمة هو سكانها الشباب: الملايين الذين يستعدون للمساهمة في قوة عمل ديناميكية.
وبوسع المنطقة أن ترسيخ نهضة الرخاء التجاري والتنمية الاقتصادية، بما يعود بالنفع على مواطنيها وشركائها خارج حدودها. لكن تحقيق هذه الرؤية يتطلب الاستقرار السياسي، والقيادة الحكيمة، والحكم الكفؤ - وهي ثلاثة عناصر يتم تقويضها باستمرار بسبب التدخل الأجنبي وضيق الأفق الذي تتسم به النخب الحالية.
إن ما يُفرّق شعوب المنطقة - سواءً أكان عرقيًا أم سياسيًا أم دينيًا - غالبًا ما يكون أقلّ عمقًا مما يبدو. وقد تضخمت هذه الخلافات، بل وافتعلتها، قوى خارجية وانتهازيون داخليون.
التكلفة الباهظة للتدخل الأجنبي
لقد جعلت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة منها ساحة صراع بين قوى عالمية وإقليمية، تُعطي العديد منها الأولوية للسيطرة على الموارد وتحقيق النفوذ الجيوسياسي على حساب رفاهية السكان المحليين. وقد استثمرت دول الخليج، على وجه الخصوص، بكثافة في وكلائها العسكريين والسياسيين، متنافسةً على النفوذ على الموانئ والموارد الطبيعية بدلًا من تعزيز السلام أو دعم التنمية.
وقد أجّجت هذه القوى الخارجية الصراعات بتمويل الميليشيات والتلاعب بالفصائل السياسية. وتُقوّض تدخلاتها سيادة الدولة، وتُعيق المصالحة الوطنية، وتُعيق الإصلاح الهادف. وبدلًا من المساعدة في بناء مؤسسات مستدامة، تُديم هذه القوى الفوضى - مُقوّضةً في كثير من الأحيان، عن غير قصد، مصالحها طويلة الأجل.
لا تزال التنمية متوقفة، والمعاناة الإنسانية مستمرة، ووعد المنطقة لم يتحقق. لم يستفد أي طرف - محليًا كان أم أجنبيًا - من هذا الخلل الممتد. الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة في المنطقة راكدة أو تُستنزف، ضائعة في غبار الصراع وسوء الإدارة.
دور أمريكا ومسؤوليتها
بصفتها قوة عالمية ذات مصالح راسخة ووجود عسكري في المنطقة، لا يمكن للولايات المتحدة أن تدّعي الحياد. فبينما تُعطي الولايات المتحدة الأولوية بطبيعة الحال لمصالحها الوطنية، عليها أيضًا أن تُقرّ بتواطؤها - المباشر وغير المباشر - في حالة عدم الاستقرار الحالية في المنطقة. إن اعتمادها المفرط على وسطاء الخليج، الذين لا يفهمون ثقافات المنطقة ولا تعقيداتها الاجتماعية، زاد الطين بلة.
الثروة لا تمنح الحكمة. فالجهات الفاعلة في الخليج، على الرغم من وفرة رأس المال، تفتقر إلى الطلاقة الثقافية والبصيرة التاريخية اللازمتين لتوجيه السياسة في القرن الأفريقي. والأسوأ من ذلك، أن أجنداتهم غالبًا ما تتعارض مع المصالح الأمريكية، مما يُزعزع استقرار المنطقة من خلال سعيهم لتحقيق أهداف اقتصادية ودينية ضيقة.
يجب أن تُغير السياسة الأمريكية مسارها. يجب أن تتخلى عن الاستعانة بمصادر خارجية، وأن تتواصل مباشرةً مع أصحاب المصلحة الإقليميين، بمن فيهم المواطنون، ومنظمات المجتمع المدني، والإصلاحيون، والشباب، والمنظمات النسائية. بدلًا من دعم الأنظمة الفاسدة عبر قنوات غير مباشرة، ينبغي على واشنطن دعم فرق انتقالية تكنوقراطية مُكلفة باستعادة مؤسسات الدولة وإعادة بناء الثقة.
إن الحكم التصاعدي - المتجذر في الهوية الوطنية والشفافية والجدارة - هو الحل الوحيد القابل للتطبيق على المدى الطويل. أما النموذج الحالي، القائم على تقاسم السلطة على أساس العشائر والمحسوبية القبلية، فهو وصفةٌ للتشرذم الدائم. لقد فشل، ويجب استبداله.
يُمثل الصومال حقل اختبارٍ محتمل لهذا النهج الجديد. وفي حال نجاحه، يُمكن تطبيق الإطار نفسه على اليمن ودولٍ أخرى مُعرّضة للأزمات في المنطقة.
تكنوقراطيةٌ محدودة المدة
يحتاج القرن الأفريقي واليمن إلى نموذج حكمٍ جديد: نموذجٌ تكنوقراطيٌّ مؤقتٌّ بصلاحياتٍ واضحةٍ وتاريخ انتهاءٍ مُحدد. ويمكن للصومال، على وجه الخصوص، أن تُجرّب هذا النهج. والهدف هو إعادة بناء الأمن من خلال جيشٍ وطنيٍّ مُجدَّدٍ مدعومٍ بقوات شرطةٍ مُصلَحةٍ وجهازِ استخباراتٍ محترف. وسيُصاحب ذلك صياغةُ دستورٍ جديدٍ مُتجذّرٍ في ميثاق عام 1961 الأصلي.
من شأن هذا الإطار أن يُعطي الأولوية للكفاءة على الولاء العشائري، وللمصلحة الوطنية على المكاسب الفئوية. يمكن أن يُصبح ساحل الصومال الطويل - المُهمَل إلى حد كبير - أساسًا لاقتصاد بحري مُنعش، مما يفتح الباب أمام الاستثمار المحلي والأجنبي.
ينبغي أن تكون الحكومات التكنوقراطية بمثابة قيّمة، لا مجرد كيانات ثابتة. هدفها هو تحقيق الاستقرار، والاستعادة، ثم التنحي جانبًا - مما يسمح باستئناف العمليات الديمقراطية في ظروف أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.
دور تركيا والجهات المعنية الأخرى
يتطلب أي حل دائم تحولات جوهرية من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى أيضًا. يجب على الولايات المتحدة التواصل مباشرةً مع الجهات الفاعلة المحلية. يجب على دول الخليج أن تكف عن مؤامراتها المثيرة للانقسام وأن تُعيد صياغة نفسها كشركاء حقيقيين في التنمية.
يجب على تركيا، الناشطة بالفعل في الصومال، أن تظل يقظة لمنع الفساد المُسهِم. يجب أن تُثير التقارير التي تُفيد بأن النخب الصومالية تُغسل الأموال العامة وتُحولها إلى عقارات وشركات تركية قلق أنقرة بقدر ما تُثير قلق مقديشو.
مهما كانت نوايا الجهات الفاعلة الأجنبية حسنة، فإنها لا تستطيع فرض التحول. يجب أن ينبع التغيير الحقيقي من الداخل. يجب أن تتولى شعوب المنطقة زمام الأمور في مصائرها. قد يكون قبول دور القيادة التكنوقراطية المؤقتة خطوة أولى مؤلمة، وإن كانت ضرورية، نحو السلام وتقرير المصير.
حسابٌ أخير
هذه المنطقة مهمة. إنها لا تهم شعبها فحسب، بل النظام العالمي الأوسع أيضًا. لعدم استقرارها عواقب عالمية: تهديد التجارة، وتهجير السكان، واحتضان التطرف. لكن استقرارها يمكن أن يولد الرخاء والأمن والشراكات الاستراتيجية لجيل كامل.
لقد عانى القرن الأفريقي الكثير - الحرب والمجاعة وسوء الحكم والاستغلال الأجنبي. لقد تم تعريفه بما ينقصه. لكن هذا ليس بالضرورة.
إن تحول المنطقة ليس فكرةً مجردة، بل هو ضرورة. بفضل العمل الجريء من شعبها وموقفٍ مُعاد ضبطه من الشركاء الأجانب، يمكن للقرن الأفريقي أخيرًا استعادة كرامته ومصيره. السلام والازدهار ليسا بعيدَي المنال. لكنهما لن يأتيا بالصدفة. يجب بناؤهما - بوعي وشفافية، ومن القاعدة إلى القمة.