أحمد عبد الوهاب يكتب:: تدريس العربية للمعلمين الناطقين بغيرها: مبادرة صغيرة بمكاسب كبيرة
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
على مدار أكثر من عشر سنوات، كانت لي تجربة في تعليم بعض زملائي الألمان اللغة العربية من خلال دورات مجانية. لم تكن هذه الدروس مجرد فرصة لتعلم مفردات جديدة، بل كانت نافذة على تراثنا الثقافي العريق ونبض هويتنا الأصيلة.
كانت لحظات ملهمة حين رأيت وسمعت زملائي للمرة الأولى يُلقون التحية باللغة العربية، ويتبادلون أطراف الحديث البسيط بها.
هذا التفاعل، رغم بساطته، حمل في طياته جسرًا من المحبة والتفاهم والتقارب الثقافي والإنساني. كما ولّد شعورًا بالفخر لدى الطلاب العرب وهم يرون معلميهم ينطقون بلغتهم، وحفّز الطلاب غير العرب على اكتشاف اللغة العربية، اقتداءً بمعلميهم.
التحديات تفتح أبواب الأفكار:
على الرغم من نجاح التجربة على المستوى الفردي، برزت تحديات واضحة، أبرزها ضيق الوقت وضغط الأعباء اليومية على المعلمين. أتذكر تعليق إحدى الزميلات الألمانيات التي لم تستطع الانضمام للدورة، قائلة: "لو أُتيحت لنا هذه الفرصة في إطار ساعات العمل، لكنت معكم، ولشكلت نقلة نوعية في تجربتي المهنية داخل بلد عربي لغويًا وثقافيًا."
كانت كلماتها الشرارة التي أشعلت فكرة: لماذا لا نحول هذه المبادرات الفردية إلى برنامج رسمي ونموذج مؤسسي مستدام يُطبّق داخل المدارس الخاصة لكل المعلمين الأجانب؟
من فكرة إلى واقع وأثر ملموس:
تخيلوا لو أُتيحت الفرصة لكل معلم أجنبي في الإمارات لتعلم اللغة العربية كجزء من عمله اليومي. سيُحدث هذا تحولًا جوهريًا في وضع اللغة العربية بالمدارس، حيث تتحول إلى لغة حياة لجميع أفراد المجتمع المدرسي. ستكون مصدرًا لتعزيز الهوية الوطنية وإلهام الطلاب لتعلم العربية بشكل أفضل، كما ستكون فرصة مميزة للمعلمين الأجانب لتطوير أنفسهم لغويًا ومهنيًا.
أثر المبادرة على المجتمع (بالأرقام):
إذا طُبقت هذه المبادرة في إمارة دبي وحدها، التي تحتضن 220 مدرسة خاصة ويعمل فيها قرابة 32 ألف معلم يدرِّسون نحو 377 ألف طالب وطالبة، فإن ذلك يعكس إمكانيات هائلة لتوسيع نطاق استخدام اللغة العربية. سيتم تقديمها كأداة فعالة للتواصل اللغوي والثقافي
داخل وخارج البيئة المدرسية، مما ينعكس إيجابًا على الطلاب العرب وغير العرب وأسرهم والمجتمع المحيط.
استراتيجية التطبيق والتوسع:
لضمان نجاح هذه المبادرة، يمكن تنفيذها بشكل تجريبي بالتعاون مع الجهات التعليمية المختصة مثل:
هيئة المعرفة والتنمية البشرية (KHDA) في دبي دائرة التعليم والمعرفة (ADEK) في أبوظبي هيئة الشارقة للتعليم الخاص (SPEA) دائرة رأس الخيمة للمعرفة وغيرهايمكن الاعتماد على مناهج قائمة بالفعل تجمع بين اللغة والثقافة، مع تكليف المعلمين العرب في كل مدرسة بتدريس زملائهم الأجانب. كما يمكن إشراك الطلاب العرب لتعزيز الحوار الثقافي المتبادل داخل المدرسة.
دعوة للتغيير ودور الإمارات الرائد:
الإمارات دائمًا سبّاقة في دعم اللغة العربية من خلال مبادرات استراتيجية مثل "تحدي القراءة العربي" وقانون حماية اللغة. واليوم، نحن في موقع مثالي لمواصلة هذا السبق عبر تطبيق تلك المبادرة لتعزيز مكانة اللغة العربية محليًا وعالميًا، وتمهيد الطريق لجيل جديد يعايش
جمالها وأهميتها.
ختامًا:
يمكننا تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس، بحيث تصبح اللغة العربية جزءًا من الحياة اليومية لكل معلم وطالب، بوصفها أداة للتواصل والتعايش والتقارب الثقافي.
فلنبدأ بتطبيق هذه الفكرة الآن، ولنتعاون جميعًا لتحقيق مجتمع تلتقي فيه القلوب والثقافات من خلال اللغة العربية.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: مستعدون لافتتاح مركز لتعليم اللغة العربية في كندا لخدمة مسلميها
استقبل فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، السيد أولريك شانون، سفير كندا لدى القاهرة،بمقر مشيخة الأزهر، لبحث سبل تعزيز التعاون العلمي والدعوي المشترك.
وخلال اللقاء، أعرب فضيلة الإمام الأكبر عن استعداد الأزهر الشريف لافتتاح مركز لتعليم اللغة العربية في كندا، لخدمة مسلمي كندا والجاليات العربية والإسلامية، ومساعدتهم على تعلم لغة القرآن الكريم، فضلًا عن استضافة الأئمة الكنديين في "أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ"، لتطوير مهاراتهم الدعوية وتحصينهم علميًّا في مواجهة الفكر المتطرف، وتمكينهم من بيان المفاهيم الإسلامية الصحيحة فيما يخص قضايا التعايش، وحقوق المرأة، واندماج المسلمين إيجابيًّا في المجتمعات الغربية، وغيرها من القضايا العصرية التي تهم المجتمعات.
وأكَّد فضيلة الإمام الأكبر أنَّ الأزهر الشريف يحرص على توطيد علاقاته مع المراكز الإسلامية والمؤسسات الدينية حول العالم، في إطار رسالته العالمية لنشر السلام وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش والأخوة الإنسانية، مؤكدا انفتاح الأزهر على كل المؤسسات الثقافية والدينية حول العالم، وهو ما أثمر محليًّا في تأسيس بيت العائلة المصرية، الذي يجمع الأزهر الشريف ومختلف الكنائس المصرية، والذي أسهم في القضاء على كثيرٍ من أشكال الفتن الطائفية وانتزاعها من جذورها.
وبيَّن فضيلته أن الأزهر انطلق من السلام المحلي إلى تحقيق السلام العالمي، وذلك من خلال الانفتاح على كبرى المؤسسات الدينية والثقافية حول العالم؛ كمجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط وكنيسة كانتربيري، وتُوِّجت هذه الجهود بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخيَّة مع البابا الراحل فرنسيس عام ٢٠١٩.
من جانبه، أعرب السفير الكندي عن تقديره الكبير لفضيلة الإمام الأكبر، مشيدًا بدور الأزهر المحوري وفضيلة الإمام الأكبر في ترسيخ قيم السلام والتعايش، مؤكدًا أن الأزهر يتمتع بمكانة مرموقة واحترام واسع لدى مسلمي كندا، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة.
ورحَّب "شانون" بمبادرة الأزهر لإنشاء مركز لتعليم اللغة العربية في كندا، مؤكدًا أنها ستحظى باهتمام بالغ من أبناء الجالية الإسلامية هناك؛ لما يمثله الأزهر من مرجعيَّة دينيَّة كبرى ومصدر ثقة في العالم الإسلامي.