#خاطرة
د. #هاشم_غرايبه
يعتبر اليوم هو الأول في ما يسمى السنة الميلادية، وسميت كذلك نسبة الى ميلاد المسيح عليه السلام، رغم أنها في حقيقتها ليست كذلك، بل هي مرتبطة بالطقوس الوثنية القديمة، وليس هذا اليوم هو يوم مولد المسيح، فالأغلب أن ولادته كانت في نهاية الصيف بدليل قوله تعالى “وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا” [مريم:25]، لأن الرطب لا يكون جنيا إلا في أواخر الصيف الى أوائل الخريف، وليس في فصل الشتاء، كما يؤكد الكتاب المقدس ذلك في إخباره عن الرعاة الذين جاءتهم البشارة وهم يرعون أغنامهم على التلال، ولا يكون الرعي عادة في فصل الشتاء.
السبب لاختيار هذا الوقت كان لأجل توفيق المعتقد المسيحي مع المعتقد الوثني الذي كان سائدا في أوروبا بعبادة الشمس، وكان قسطنطين الذي أدخل المسيحية الى روما يعتنقها، ويحارب النصارى، ولما رأى توسع انتشار النصرانية رغم القمع الشديد لمعتنقيها، وجد أن احتواءها وترويضها لصالح السلطة أجدى، لذلك قال المؤرخون: “ان روما لم تتنصر ولكن النصرانية ترومت”، وظهر ذلك في إدخال عقيدة التثليث ونظام الأكليروس البابوي والمؤسسة الكنسية، التي هي امتداد لكهنة المعابد القديمة، كما أضيف للمعتقد كثير من التقاليد الوثنية الدارجة مثل سانتا كلوز (سانتا تعني القديس) وغزلان الرنة وشجرة عيد الميلاد والجوارب بالحمراء المعلقة أمام المدفأة، وكل ذلك لا علاقة له بالميلاد وغير معروف في فلسطين القديمة، بل هو تقاليد أوروبية صرفة مرتبطة بأساطيرهم القديمة في حقبة عبادتهم آلهة الشمس وآلهة الشجر، وربطوا الميلاد بتساقط الثلج رغم أنه يندر سقوطه في بيت لحم، كما تم تلفيق قصة أن الولادة كانت في مغارة بين الخراف، لتتوافق مع أساطير الإغريق في ولادات آلهتهم، مع أن الله تعالى بيّن انها كانت في ربوة وفيها ماء جار: “وَءَاوَيْنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍۢ ذَاتِ قَرَارٍۢ وَمَعِينٍۢ” [المؤمنون:50].
هكذا يتبن لنا أن التقويم المعمول به حاليا في أغلب بلدان العالم ويسمى التقويم الميلادي ليس له علاقة بالمسيحية، بل هو في أصله وضعه المصريون القدامى اعتمادا على حسابات دقيقة لدورة الأرض حول الشمس، لكن الأوروبيين كما هو دأبهم في سرقة انجازات غيرهم، نسبوه لأنفسهم وأنكروا مصدره.
ويثبت التاريخ ذلك، فقد وضع الرومان بداية تقويما يعتمد على موقع الشمس والقمر معا، وحسبوا السنة عشرة شهور، واعتبروا بدء التاريخ من تأسيس مدينة روما (753 ق.م)، وسمي التقويم اليولياني (نسبة الى يوليوس قيصر)، وبعد احتلال الرومان مصر، وعلموا كم هي حساباتهم الفلكي متقدمة، أخذوا فكرة السنة الكبيسة، وفي عام 532 أعتبر بدء التاريخ من ولادة المسيح، ولذلك سمي الميلادي، وبناء على الحسابات المعدلة أصدر البابا غريغوريوس الثالث عشر في عام 1582 مرسوما بتعديل موعد ولادة المسيح بتقديمه 13 يوما ليصبح في 25 /12، لكن الكنيسة الشرقية رفضت ذلك وبقيت الى اليوم على التاريخ القديم، وهذا هو سبب اختلاف موعد الاحتفال بالميلاد بين اتباع الكنيسة الكاثوليكية (الغربية) والأرثوذوكسية والرومية (الشرقية).
فلكيا لا أفضلية للتقويم الشمسي (الميلادي) على التقويم القمري (الهجري)، فالتقويمان دقيقا يعتمدان على الحسابات الفلكية للعلاقة بين الشمس والقمر والأرض، وهي ثابتة مستقرة، واصبحت قياساتها دقيقة لا مجال فيه للخطأ، وتحول أقطار اسلامية من الهجري الى الميلادي كان لأغراض التبعية للغرب ولتحقيق التحولات العلمانية، فمثلما يمكن حسابات زمن النهار والليل بدقة ولسنين قادمة اعتمادا على حركة الأرض حول الشمس، فكذلك يمكن حسابات الشهر بالدقة ذاتها ولأزمان قادمة، اعتمادا على حركة القمر حول الأرض.
فكلا الحركتين قدرهما الخالق تعالى لأجل معرفة الإنسان الزمن وحساب الوقت بدقة: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ” [يونس:5]، بل حدد القمر بأنه المصدر الأول: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ” [التوبة:36]، لأن كلمة الشهر جاءت من الإشهار أي ظهور الهلال، ونفهم ضرورة التقويمين عندما نلاحظ أن الله تعالى استخدمهما معا في تحديد أوقات العبادات، فلتحديد وقت الصلاة استخدم التقويم الشمسي، ولتحديد وقت الحج وإخراج الزكاة استخدم التقويم القمري، وفي الصيام استخدمهما معا، فمدة صيام اليوم معتمدة على الشمسي، ومدة شهرالصيام معتمدة على القمري. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
حكم تشغيل القرآن الكريم وعدم الاستماع إليه.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم تشغيل القرآن الكريم وعدم الاستماع إليه؟ حيث نجد بعض أصحاب المحلات التجارية يقومون بفتح المذياع على إذاعة القرآن الكريم لساعات طويلة طوال النهار، بل وحتى بعد غلق محلاتهم يتركون المذياع مفتوحًا طوال الليل، وغالبًا ما يكون الصوت مرتفعًا مما يسبب الضرر والأذى لجيرانهم، مع العلم أنهم أثناء ذلك يكونون في لهو ولعب وفرح ولا يستمعون إلى ما قاموا بفتحه وتشغيله، سواء للقرآن أو غيره.
وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن القرآن الكريم كلام الله وهو الحق المبين، ولا يحيط بما فيه إلا الله، ولا يمكن لمخلوق أن يحيط ببعض ما فيه ولا يدرك دقائق معاينه، لكن الله أكرم الإنسان بأن خاطبه بكلامه تعالى وبلسان بني آدم؛ لكي يعلمه أصول الحقائق ويفتح أمام عقله آفاق التفكير والنظر؛ والله يقول عن كتابه: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، وأرشد المولى عز وجل الإنسان بأن يتدبر آيات كتابه؛ قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، وكما أرشد الله تعالى بتدبر آيات كتابه ذكر تعالى أن القرآن: ﴿بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الجاثية: 20]، وقد أمر الله تعالى بالإنصات عند تلاوته؛ إعظامًا له واحترامًا، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، يعنى: في الصلاة المفروضة، وكذا قال سفيان الثوري. "تفسير ابن كثير" (3/ 487، ط. دار الكتب).
آداب الاستماع للقرآن
وبينت ان من آداب الاستماع للقرآن: الإنصات إلى الآيات التي تتلى، وفهم معانيها، والتأثر أيضًا من آيات الزجر، والانشراح لآيات الرحمة وما ينتظر المؤمن من ثواب عظيم أعده الله للمتقين من عباده؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
ونوهت ان الواجب أن يلتزم السامعون للقرآن -الذي يتلى عليهم في المذياع أو من أحد القارئين- هذه الآداب وألا يشغلوا أنفسهم بأحاديث تبعدهم عن الإنصات للقرآن وفهم معانيه.
واوضحت بناء على ما سبق: فإن القرآن الكريم ليس في قراءته وسماعه ضرر، بل هو نور وهداية ورحمة لجميع الخلق بما في ذلك الإنس والجن والسماوات والأرض والشجر والدواب؛ لأن كل شيء يسبح بحمده؛ قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: 44].
وقراءة القرآن في أي مكان طاهر محترم لا حرج فيها مطلقًا إذا قصد بها ذكر الله والتعبد ورجاء الثواب من الله سبحانه وتعالى أو التعليم للغير كيفية التلاوة أو أحكام القرآن وهدايته؛ ويدل على ذلك إطلاق قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 191]، وإطلاق قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42]، والقرآن أشرف الذكر، وذلك إلى جانب ما ورد من الحث على قراءة القرآن.
واكدت انه لا مانع من فتح المذياع على إذاعة القرآن الكريم في المحل وغيره مع مراعاة آداب الاستماع من الهدوء والوقار والاحترام وعدم رفع صوت المذياع بما يشوش على المستمع أو الجيران.