د. محمد بشاري يكتب: نموذج للإصلاح بين الشريعة ومتطلبات العصر
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه العالم العربي والإسلامي، تبدو الحاجة ملحة لاستلهام نماذج عملية قادرة على الموازنة بين الهوية الثقافية والدينية من جهة، ومتطلبات التحديث والانفتاح على العصر من جهة أخرى.
التجربة المغربية في تعديل مدونة الأسرة تشكل مثالًا بارزًا في هذا السياق، حيث استطاعت أن تقدم رؤية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة دون إقصاء لأي من الطرفين.
نجاح المغرب في هذه التجربة لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج اجتهاد فكري ومقاصدي عميق ارتكز على أصول الشريعة، مع الانفتاح على المستجدات الاجتماعية والثقافية.
التعديلات التي أُدخلت على مدونة الأسرة، سواء فيما يخص تقييد تعدد الزوجات أو تحديد سن الزواج، جاءت كاستجابة لقضايا العصر، مع الحفاظ على روح الشريعة التي تراعي العدل والإنصاف.
في العالم العربي والإسلامي، قد يكون السؤال المحوري هو كيف يمكن للدول الأخرى أن تتبنى نموذجًا مشابهًا يُراعي خصوصياتها الثقافية والدينية؟ التجربة المغربية أظهرت أن تحقيق التوازن ممكن، شريطة وجود إرادة سياسية واضحة، وحوار مجتمعي جاد، وإطار مرجعي يجمع بين الشرعية الدينية والرؤية المستقبلية.
الإصلاح في هذا السياق ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة لاستيعاب التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يمكن أن تتحول التجربة المغربية إلى قاعدة ملهمة لبناء منظومات قانونية أكثر توازنًا في الدول العربية والإسلامية؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الهوية الثقافية العالم العربي والإسلامي أصول الشريعة المزيد
إقرأ أيضاً:
أحمد الأشعل يكتب: العالم في حضرة أم الدنيا وقائدها
في شرم الشيخ، المدينة التي أصبحت رمزًا عالميًا للسلام والحوار والعقل، عاد التاريخ ليكتب صفحة جديدة من فصوله على أرض مصر. اجتمع العالم هناك، تحت سماءٍ مصريةٍ تعرف معنى النور بعد الظلام، ووسط جبالٍ شهدت ميلاد قراراتٍ صنعت الفارق في أكثر من محطةٍ سياسيةٍ وإنسانية.
العالم كله حضر إلى “أم الدنيا”، ليس فقط ليشارك في مؤتمر، بل ليُصغي إلى صوتها، إلى كلمتها التي لا تُشبه أحدًا، إلى الدولة التي لم تتخلّ يومًا عن دورها رغم قسوة الظروف، والتي ما زالت تؤمن أن القوة الحقيقية هي في الحفاظ على إنسانية الإنسان.
منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر، تعاملت مصر بشرفٍ نادر ومسؤوليةٍ تاريخية. لم تنجرف إلى انفعالات اللحظة، ولم تزايد على أحد، بل وقفت بثباتٍ في منتصف الطريق بين الحكمة والشجاعة. كانت الكلمة المصرية واضحة منذ اليوم الأول: وقف الحرب… لا للتهجير… نعم للحياة.
وحين حاول البعض تصفية القضية الفلسطينية أو القفز على حقوق شعبها، كانت القاهرة هي التي قالت “لا”، تلك الـ “لا” التي لم يستطع أحد غيرها أن يقولها، لأنها خرجت من قلبٍ يعرف معنى العدل، ومن ضمير أمةٍ لا تقبل المساومة على التاريخ ولا الجغرافيا.
مصر لم تغلق بابها في وجه أحد، ولم تتعامل مع القضية بمنطق السياسة الباردة، بل بمنطق الأخوّة والواجب.
فتحت حدودها رغم المخاطر، وسخّرت مؤسساتها المدنية والعسكرية والإنسانية لتوصيل المساعدات إلى غزة، في وقتٍ كانت فيه كثير من الدول تكتفي بالتصريحات أو بالمشاهدة عن بُعد.
بلغت مساهمة مصر في المساعدات الإنسانية أكثر من 80% من إجمالي ما دخل إلى غزة من أغذية وأدوية، وكانت الشاحنات المصرية تعبر المعابر يوميًا حاملةً أرواحًا جديدة لأهل القطاع، من طعامٍ ودواءٍ وأمل.
ولم تكتفِ مصر بذلك، بل أقامت مخيماتٍ ضخمة داخل غزة نفسها، لحماية المدنيين وتقديم المأوى والرعاية الطبية والغذاء لهم، في صورةٍ نادرةٍ من التضامن الإنساني والبطولة الأخلاقية.
تلك المخيمات التي بلغ عدد من استقر فيها قرابة 450 ألف فلسطيني، وحولها آلاف آخرون وجدوا الرعاية من فرقٍ مصريةٍ تعمل ليلًا ونهارًا، بلا ضجيجٍ ولا صورٍ استعراضية، فقط لإيمانهم أن ما يفعلونه هو “حقٌ للأشقاء وليس منّة”.
وكان المشهد الأجمل أن علم مصر يرفرف فوق كل مخيمٍ ومركزٍ ومستشفى، يعلن للعالم أن الإنسانية ما زالت تعيش هنا، في أرض الكنانة.
وفي الوقت الذي كانت فيه العواصم تتجادل، كانت القاهرة تتحرك.
تواصلت المخابرات العامة المصرية مع كل الأطراف، بلا توقف، من أجل التهدئة ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتأمين الممرات الإنسانية.
كان رجالها يعملون في صمتٍ لا يعرف الاستعراض، يحفظون أسرار الدولة ويخوضون معارك الدبلوماسية من خلف الستار، واضعين نصب أعينهم هدفًا واحدًا: إنقاذ الأرواح ووقف نزيف الدم.
ثم جاءت قمة شرم الشيخ لتتوج هذا الدور العظيم، حين اجتمع القادة من الشرق والغرب، جميعهم على أرض مصر، يبحثون عن طريقٍ للخلاص من الحرب.
كانت الكلمة العليا هناك للموقف المصري، الذي لم يتغير ولم يتراجع، فكل خطابات العالم دارت حول ما كانت مصر تنادي به منذ اليوم الأول: إنهاء الحرب فورًا، والعودة إلى طاولة الحوار، واحترام حق الشعوب في الحياة والكرامة.
كانت القاعة مملوءة بالزعماء، لكن مصر وحدها كانت تمسك بالخيوط، تقود الحوار بحكمةٍ القائد الذي يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، ومتى يرفع صوته ليُسمع الجميع أن السلام ليس ضعفًا، بل هو ذروة القوة.
مصر لم تطلب شكرًا، لكنها استحقت التقدير.
لم تنتظر تصفيقًا، لكنها نالت احترام العالم كله.
ومن يتابع تفاصيل هذه الأزمة، يدرك أن ما فعلته مصر لم يكن صدفة، بل امتدادٌ لسياسةٍ واعية يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعاد لمصر مكانتها الإقليمية والدولية، ورفع راية الحق في وجه من يظلم، دون أن ينجرف إلى مغامراتٍ أو حساباتٍ مؤقتة.
الرئيس السيسي لم يكن يتحدث فقط باسم مصر، بل باسم الضمير الإنساني كله.
حين قال: “نرفض التهجير وندعم السلام”، لم يكن ذلك تصريحًا سياسيًا، بل موقفًا أخلاقيًا يعبّر عن أمةٍ بأكملها.
ولأن مصر لا تتحرك إلا بيدٍ واحدة، فإن الشكر لا بد أن يمتد إلى كل من حملوا الراية.
إلى رجال المخابرات العامة المصرية الذين تفاوضوا وأنقذوا مئات الأرواح، وإلى الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الذين أوصلوا صوت مصر إلى كل منبرٍ دولي، وإلى الجيش المصري الذي كان مستعدًا دائمًا لتأمين الحدود وحماية السيادة، وإلى شعب مصر العظيم، الذي لم يبخل، فمَن أرسل الملايين دعمًا، ومَن أرسل حتى “حبات البرتقال”، كلهم شاركوا في ملحمةٍ من العطاء لا مثيل لها.
وفي النهاية، يظل المشهد الأكبر في شرم الشيخ، ليس فقط أن العالم اجتمع في مصر، بل أنه اجتمع حول مصر.
كل الطرق التي تؤدي إلى الحل تمر عبرها، وكل مبادرةٍ صادقة تبدأ من أرضها، لأن مصر حين تتكلم، يصمت الجميع احترامًا لتاريخٍ عمره سبعة آلاف عام من الحكمة والصبر والقيادة.
هذه هي مصر التي يعرفها العالم… مصر التي لا تبيع مواقفها، ولا تساوم على مبادئها، ولا تنكسر تحت الضغط.
مصر التي تُطعم الجائع قبل أن تسأله من أي أرضٍ جاء، وتُغيث الملهوف قبل أن تنظر إلى اسمه أو علمه.
مصر التي تُنهي الحروب وتبدأ العمار، وتزرع الأمل في زمنٍ امتلأ باليأس.
مصر التي تظل مهما تغيّر العالم، أم الدنيا… وقائدها.