أنصار الله.. القابضون على جمر المقاومة
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
رغم التحدّيات التي تُحيق بمختلف ساحات محور المقاومة، فإنّ أحرار اليمن، مع كل اختبار، يؤكّدون أنهم الأكثر إخلاصاً لقضايا التحرير، والأشدّ إيماناً بإمكانية الانتصار على قوى الاستعمار.
ورغم الكلفة العالية التي يسددها اليمنيون من مواردهم المادية وصولاً إلى أرواحهم، فإنّهم ملتزمون بمبادئهم على نحوٍ استثنائي، ما سيدفع بتجربتهم إلى اللحاق بهذا النوع من التجارب الفريدة التي تعيش في ذاكرة البشر إلى الأبد.
في آخر تصريحاته، توعّد وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بتدمير البنية التحتية لحركة أنصار الله في اليمن و”قطع رؤوس قادتها”، معتبراً أنها لا تزال “آخر منظمة تستهدف إسرائيل”. ويبدو أن كاتس غارق في نشوة النصر، كما هي حال عموم وزراء حكومة نتنياهو، بالشكل الذي ساقه إلى الإقرار بضلوع “تل أبيب” في إسقاط نظام الأسد في سوريا، والاعتراف علناً للمرة الأولى باغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية، مع التذكير مجدداً بـ”نجاح” قواته في اغتيال السيد حسن في لبنان، والسنوار في قطاع غزة.
وجاء حديث كاتس بالتساوق مع التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد اليمن خلال الأيام الفائتة، إذ استهدفت الطائرات الإسرائيلية مواقع استراتيجية في اليمن، شملت مطارَ صنعاء الدولي، فيما استهدفت غارتان محطة كهرباء حِزّيَز المركزية، جنوبي العاصمة، بالإضافة إلى قصف ميناء رأس عيسى في الحديدة بمشاركة البوارج الأمريكية؛ وكان منسّق الأمم المتّحدة للمساعدات الإنسانية في اليمن، جوليان هارنيس، قد ندّد بهذا العدوان الذي حصل أثناء وجوده في مطار صنعاء، مشدّداً على أنّ المطار مرفق مدني، وليس عسكرياً، وتستخدمه الأمم المتحدة ولجان الصليب الأحمر لإيصال المساعدات.
اللافت أن ثبات صنعاء وعملياتها المتواصلة “انتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه ورداً على المجازر بحق الإخوة في قطاع غزة”، كما يؤكد دوماً العميد يحيى سريع، أجبرت واشنطن على النزول إلى الساحة بصورة فاضحة، وعدم الاكتفاء بدورها كداعم عسكري للاحتلال من خلف الستار. ففي الحالة اليمنية، تشن الترسانة العسكرية الأمريكية ذاتها غارات ضد مواقع عسكرية ومدنية يمنية، كما جرى مؤخراً في استهداف حديقة 21 سبتمبر ومقر الفرقة الأولى مدرع وورش لإنتاج الصواريخ، عبر غارة جوية مشتركة بين أمريكا وبريطانيا، وقد أدّت تلك الغارات إلى استشهاد ستة يمنيين بالإضافة إلى عدد من الجرحى.
لم تتأخر صنعاء يوماً عن تقديم الدعم لأهالي قطاع غزة، الذين يتعرضون لأبشع أنواع المجازر لأكثر من 14 شهراً، وبحسب إذاعة “جيش” الاحتلال فإن القوات اليمنية قد أطلقت نحو 20 صاروخاً وطائرة مسيرة تجاه عموم الأراضي المحتلة منذ بداية شهر ديسمبر الجاري، وقد تسببت في إصابة الملايين من المستوطنين بحالة من الهلع دفعتهم إلى الفرار بحثاً عن مأوى في منتصف الليل.
وكان الإسعاف الإسرائيلي قد كشف عن إصابة نحو 20 شخصاً بسبب التدافع، وهم في طريقهم إلى المنطقة المحمية إثر إطلاق صاروخ من اليمن، جاء كرد سريع على “ضربة الخميس” الإسرائيلية.
صمودٌ يمني مرتقب في إطار حرب استنزاف قد تطول!
يجهل كثيرون حجم القدرات السياسية والعسكرية والتكنولوجية التي طوّرها “أنصار الله” وحلفاؤهم داخل اليمن على مدار الفترة الماضية، ولولا استعدادهم للتفاعل بإيجابية مع المستجدات الميدانية لما استطاعت قيادة العاصمة صنعاء مواجهة أعاصير متعددة، فالعديد من الجولات العسكرية التي خاضها اليمنيون سواء ضد خصومهم المحليين أو الإقليميين، بالإضافة إلى الصدامات المتكررة مع القوات الأمريكية التي احتشدت في مضيق باب المندب لإسقاطهم، جميعها أمور منحتهم الخبرات القتالية اللازمة كما حثّتهم على تطوير كفاءتهم في تصنيع ما يحتاجونه من صواريخ وأسلحة .
يحذّر اليوم الخبراء الإسرائيليون من الاستهانة بقدرات حكومة صنعاء والقوات المسلحة اليمنية، ويؤكدون فشل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية في التصدي أكثر من مرة للمسيّرات والصواريخ اليمنية، مشيرين في الآن ذاته إلى قدرة ساحة المقاومة اليمنية على الصمود لفترات طويلة وممتدة، ذلك بسبب توافر مخزون هائل من الأسلحة التي يمكن إنتاجها من دون تكلفة مرتفعة ما يجعلها متوافرة بسهولة.
في المقابل، فإن الغارات التي يشنها طيران الاحتلال تكلّف “إسرائيل” مبالغ ضخمة، خاصة في ظل الأوضاع الحالية، حيث يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من إغلاق المصانع وهروب رؤوس الأموال وخفض التصنيف من جانب وكالات الائتمان الدولية، حتى في ما يتعلق بتصدي الدفاعات الجوية للصواريخ اليمينة، فإن تكلفة كل عملية اعتراض تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، وهو إرهاق كبير لميزانية “جيش” الاحتلال، خاصة مع صمود اليمنيين وإصرارهم على مواصلة عملياتهم.
من المؤكد أن “تل أبيب” لديها مخطط يضمن توجيه ضربة قاضية للساحة اليمنية، على أن يتم ذلك بالتعاون مع سلاح البحرية الأمريكي. في المقابل، يسعى اليمنيون بحكمتهم المتوارثة إلى تأمين جبهتهم الداخلية من جهة، وتجنّب اللكمة الإسرائيلية العنيفة من جهة أخرى، وذلك عبر إجبار العدو على خوض حرب استنزاف طويلة ومرهقة، يكون فيها “جيش” الاحتلال مضطراً إلى “السفر” نحو ألف ميل لخوض معارك ضد ساكني الجبال، الذين يصعُب الوصول إليهم وإعاقتهم.
في العموم، تواجه “إسرائيل” ثلاثة تحديات في ما يتعلق باليمن الأول، ما يمثله بقاء الساحة اليمنية مشتعلة من مصدر إلهام لجمهور المقاومة، الذي يشعر أنه يعيش أيامه الأصعب منذ اغتيال نصر الله ثم ما تلاه من أحداث وصولاً إلى سقوط النظام السوري، ويجد في استمرار إطلاق الصواريخ من اليمن تجاه “إسرائيل” ما يجعله متفائلاً بخصوص المستقبل وإمكانية استعادة زمام المبادرة، ومن ثمّ تحقيق النصر.
الثاني، عدم قدرة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على اختراق بيئة المقاومة في اليمن، لظروف متعددة تتعلّق، من ناحية، بمتانة البناء الأيديولوجيّ، ومن ناحية أخرى، بطبيعة البلاد الجغرافية والديمغرافية كذلك.
الثالث، حاجة الكيان الإسرائيلي إلى مشاركة أوروبية وأمريكية أوسع، لعدم قدرة “جيش” الاحتلال على تحمّل كلفة هذا النوع من العمليات البعيدة نوعياً من دون مساندة مباشرة من حلفائه، وهو أمر محل شك حالياً بالنظر إلى الظروف الدولية.
لا شك أن صنعاء تعي اليوم أنها تمثل الكثير بالنسبة إلى العرب والمسلمين، وعليها أن تحافظ على وجودها كساحة مقاومة داعمة للقضية الفلسطينية، لكن بكياسة وفطنة في الآن ذاته.
لقد ضرب أحرار اليمن نموذجاً لصمود طويل في وجه التحديات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وفي مواجهة الظروف الصعبة التي تعيشها عموم المنطقة، ولا مفر من الاعتراف بأن إصرارهم على القتال، رغم الحصار والحرب المستمرة، ما يعكس عقيدة صلبة وإيماناً من مستوى آخر، لم يعد له مثيل في العالم، وجميع ما سبق يجعلهم بالفعل بارقة أمل للعديد من الأطراف التي تتشبث بخيارات المقاومة والصمود.
*كاتب مصري
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
صحيفة: إغلاق مطار صنعاء يدفع اليمن إلى أزمة دواء قاتلة
أفادت صحيفة "العربي الجديد" أن استمرار إغلاق مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي يدفع اليمن إلى أزمة دواء قاتلة.
وذكرت الصحيفة أن صنعاء ومدن يمنية عدة تعاني من نقص حاد في الأدوية، قد يلقي بتبعات كارثية بسبب العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مطار صنعاء الدولي طوال الشهرين الماضين بعشرات الغارات، وأدت إلى تدمير جميع الطائرات التابعة للخطوط الجوية اليمنية.
وقالت إن توقفت الرحلات عبر مطار صنعاء الدولي، الذي كان يخدم كتلة سكانية كبيرة في اليمن تستخدم المطار للسفر بغرض العلاج بدرجة رئيسية عبر وجهة واحدة بين صنعاء ومطار الملكة علياء في عمّان.
وتتركز الأزمة الكبرى التي بدأت بالظهور في سوق الأدوية، حيث يلاحظ انخفاض حاد واختفاء لعديد الأصناف الدوائية المنقذة للحياة، والتي كان يتم توريدها عبر مطار صنعاء، إضافة إلى قفزة كبيرة في أسعار معظم الأصناف في الأسواق المحلية.
ونقلت الصحيفة عن مدير مطار صنعاء الدولي، خالد شايف، قوله إن إغلاق مطار صنعاء تسبب بكارثة إنسانية كبيرة، خاصة في القطاع الصحي والأدوية بالذات المتعلقة بالأمراض المستعصية التي لا يمكن نقلها عبر المنافذ الأخرى لأنها تحتاج إلى تغليف وتبريد ونقل سريع، مشيراً إلى أن إغلاق مطار صنعاء الدولي تسبب في عدم وصول هذه الأدوية.
ويقدر عدد هذه الأصناف الدوائية، التي بدأت الأسواق تعاني انخفاض المعروض منها ونفاده، بأكثر من 500 صنف، معظمها تحتاج لظروف خاصة جداً للنقل كالتبريد وسرعة التوصيل التي لا تتوفر إلا عبر مطار صنعاء، ومنها أدوية مشتقات الدم والأدوية الهرمونية والمناعية والأمصال ومخثرات الدم وأدوية الإنعاش والتخدير وبعض المحاليل المخبرية والتشخيصية.
ويوضح شايف أن تأثير إغلاق مطار صنعاء يشمل الحالات المرضية التي لا يمكن علاجها في الداخل لعدم توفر الأدوية والمحاليل والمعدات الطبية، مع تدهور القطاع الصحي بسبب الحصار، وهناك وفيات بحسب حديث شايف نتيجة لنقص الأدوية والعلاجات التي كان يتم جلبها عبر مطار صنعاء الدولي، إضافة إلى ضحايا ووفيات لمرضى بسبب عدم القدرة على سفرهم للعلاج في ظل إغلاق مطار صنعاء وعدم قدرتهم على التنقل للسفر من منافذ أخرى.
ويكشف شايف أن عدد المرضى الذين كانوا يسافرون للعلاج خارج اليمن عبر مطار صنعاء يصل إلى ثلاثة آلاف مريض شهرياً، إضافة إلى مستفيدين آخرين مثل الطلاب والتجار وغيرهم.
وكان العدو الإسرائيلي قد قصف مطار صنعاء الدولي مطلع مايو/ أيار الماضي، حيث أدى ذلك إلى تدمير مبنى المسافرين في مطار صنعاء الدولي بالكامل، بما في ذلك صالات المغادرة والوصول، إضافة إلى ثلاث طائرات تابعة للخطوط اليمنية كانت رابضة في مدرج المطار، قبل أن يعود ويقصف الطائرة الرابعة بعد وصولها من رحلة مباشرة من مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية عمّان.
ويعتبر كثيرون أن استهداف مطار صنعاء وتعطيله وتعليق الرحلات جريمة بحق أكثر المرافق التي تستفيد منها شريحة واسعة من اليمنيين، إذ يخدم موقع مطار صنعاء الجغرافي أكثر من 11 محافظة يمنية، ويستفيد منه حوالي 80% من سكان اليمن.
كما نقلت "العربي الجديد" عن رئيس بنك الدواء إبراهيم الشعبي، قوله إن التأخير في جلب الأدوية يؤثر على الأسواق والمرضى والمحتاجين للأدوية بشكل مستمر، إذ أثر كثيراً إغلاق مطار صنعاء على أسواق الدواء وعلى مؤسسات وجمعيات خدمية مثل بنك الدواء، فالمريض الذي كان يستفيد من عشرة أصناف دوائية أصبح بالكاد يحصل على صنفين فقط، حيث يرجع ذلك لعدم توفر الأدوية والنقص الحاد في كثير من الأصناف.
وكانت الخطوط الجوية اليمنية تقوم منذ نحو ثلاثة أعوام بتشغيل رحلات أسبوعية عبر مطار صنعاء تقتصر على العاصمة الأردنية عمّان، فيما تزداد التعقيدات المتعلقة بتوسيع وجهات الخطوط الجوية اليمنية عبر مطار صنعاء. بالمقابل، ساهمت الحرب والصراع في تضخم فاتورة استيراد الأدوية في اليمن والتي تصل إلى نحو 100 مليار ريال سنوياً، تمثل الصناعة المحلية منها 20%، وهو مبلغ كبير كبد خزينة الدولة لصالح تجار ومهربين ومزورين تعج بهم أسواق الدواء في اليمن.
ويكشف تقرير سابق صادر في العام 2021، عن الهيئة العليا للأدوية في صنعاء عن اختفاء نحو 240 صنفاً معظمها علامات تجارية معروفة، ونفاد 362 اسماً تجارياً من مخازن وزارة الصحة العامة والسكان والسوق التجارية، حيث ساهمت إعادة تشغيل مطار صنعاء الدولي عقب اتفاق الهدنة في إبريل/ نيسان 2022، بتوفير جزء كبير من بعض هذه الأصناف التي بدأت بالتناقص والنفاد والاختفاء مع إغلاق المطار مرة أخرى.