كما العادة في كل خطابات محمد حمدان دقلو (حميدتي) جاء خطابه الأخير بمناسبة عيد الاستقلال والعام الجديد، مليء بادعاءات تناقض الواقع وتستخدم لغة خطابية جوفاء تهدف إلى فرض صورة غير حقيقة عن مليشيا الدعم السريع قسراً وإخضاعاً "بالزندية" بتقديمها كمدافع عن مصالح الشعب. فيما يلي تحليل نقدي وتفنيد لأهم ما ورد في الخطاب:
*مسؤولية الحرب*
الادعاء:
حميدتي ألقى باللوم على قيادة القوات المسلحة والحركة الإسلامية في إشعال الحرب، مدعياً أن قوات الدعم السريع فقط تدافع عن نفسها وعن مصالح الشعب في الحكم المدني الديمقراطي.
التفنيد:
الحرب التي اندلعت في أبريل ٢٠٢٣ جاءت نتيجة صراع على السلطة بين الإسلاميين وقادة الجيش وقوات الدعم السريع، والثلاثي يتحمل مسؤولية إشعال الحرب بغض النظر عمن أطلق الرصاصة الأولى، فهذا الثلاثي كان يتربص ببعضه البعض منذ ما قبل إنقلاب ٢٥ أكتوبر وبعده. ادعاء حميدتي بأنه يدافع عن الشعب وحقوقه المدنية يتناقض مع الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قواته، بما في ذلك القتل الجماعي، الاغتصاب، والنهب، مما أدى إلى نزوح الملايين. إذا كانت مليشيا الدعم السريع تدافع عن الشعب وحقوقه، فلماذا تستهدف المدنيين في الخرطوم ودارفور والجزيرة وأماكن أخرى؟. كذلك فإن حميدتي قد هدد الشعب في كثير من خطاباته مثلاً : "تمطر حصو"، "الحصل في التلاتة يوم حقت فض الإعتصام لو استمرت شهر تاني في زول بقعد في الخرطوم، ناس كتيرة جرت، والله العمارات الغالية دي إلا تسكنها الكدايس"، "أحسن الناس تفتح عيونها"، وأثناء الحرب في خطاب مصور أمام قواته قال: "في ناس كانت قطاطيهن بحرقن، تاني القطية والعمارة واحد"، فمثل هذه الأقوال لا تصدر ممن يريد مصلحة الشعب فالذي يريد مصلحة شعبه لا يهدده، وحتى إن حاولنا أن نسقط مثال القطية والعمارة على الهامش والمركز فالدفاع عن حقوق صاحب القطية لا يأتي بحرق العمارة وإنما بتحويل القطية إلى مسكن أفضل برد الحقوق من صاحب العمارة إن كانت العمارة من فساد، وبالطبع ليست كل عمارة بنيت من فساد أو يمتلكها الفلول. كذلك لم يحدث أن حميدتي تحدث عن عماراته هو وهي هنا ثروته الإقتصادية من ذهب جبل عامر وغيره التي حصل عليها بدون وجه حق بل كانت هي مكافأة البشير له على الحماية، والتقديرات تشير إلى أن ثروته الشخصية وعائلته تبلغ مليارات الدولارات.
*الالتزام بالانتقال الديمقراطي**
الادعاء:
حميدتي يدعي التزام قواته بحماية الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر.
التفنيد:
هذا الادعاء يفتقر إلى المصداقية، حيث إن مليشيا الدعم السريع كانت جزءاً من النظام الذي قمع الثورة الشعبية وشاركت في فض اعتصام القيادة العامة عام ٢٠١٩، ثم شاركت في إنقلاب ٢٥ أكتوبر. لا يمكن لمن شارك في قمع المطالبين بالديمقراطية أن يدعي حمايتها. وحتى إن صدقنا إعتذاره عن الإنقلاب وأنه غير مساره، فإن الإنتهاكات الواسعة وسلوك وخطاب قواته على الأرض يُكذِب هذا الإدعاء. الحقيقة هي أن جميع إدعاءات حميدتي تكذبها أفعال قواته.
*الأزمات الإنسانية*
الادعاء:
حميدتي أشار إلى أن الحرب تسببت في أزمات إنسانية واجتماعية واقتصادية، لكنه تجاهل الإشارة إلى دور قواته في تفاقم هذه الأزمات.
التفنيد:
قوات الدعم السريع مسؤولة بشكل مباشر عن تفاقم الأوضاع الإنسانية. التقارير الدولية توثق تورطها في إحراق القرى، قصف المدنيين، اغتصاب النساء، ونهب المدنيين والمساعدات الإنسانية. تحميل الحرب بشكل عام المسؤولية دون الاعتراف بالدور المباشر لهذه القوات هو محاولة بائسة للتنصل من المسؤولية.
*الدعوة لإنهاء الحرب وبناء جيش جديد*
الادعاء:
حميدتي دعا إلى وقف الحرب وتأسيس جيش قومي مهني.
التفنيد:
هذا الموقف يتسم بالنفاق. قوات الدعم السريع ليست جيشاً قومياً، بل ميليشيا بنيت على أسس قبلية، وكانت جزءاً من الصراعات في دارفور. الدعوة إلى بناء جيش قومي مهني تأتي في وقت تشارك فيه هذه القوات في حرب مدمرة للسودان. ومع حقيقة أن الجيش به إختلالات، إلا أن حميدتي أيضاً لم يسبق أن يتطرق إلى أن قواته هي مليشيا قبلية تتزعمها أسرة بل أخوين أحدهما قائد القوات والثاني نائبه، مما يعكس تناقضاً واضحاً.
*رفض العنصرية وخطابات الكراهية*
الادعاء:
حميدتي دعا إلى وقف العنف العنصري وخطابات الكراهية، مدعياً أن قواته تعمل على تحقيق الوحدة الوطنية.
التفنيد:
تتناقض هذه الادعاءات مع الواقع على الأرض، حيث تورطت قوات الدعم السريع في تصعيد خطاب الكراهية والعنف على أسس عرقية، خاصة في الخرطوم والجزيرة ودارفور. التقارير تشير إلى استهداف منهجي لجماعات عرقية معينة، وهو ما يناقض دعوته لنبذ العنصرية.
*السلام الحقيقي ومعالجة جذور الحروب*
الادعاء:
حميدتي دعا إلى سلام يعالج جذور الحروب ويعيد بناء السودان على أسس جديدة.
التفنيد:
قوات الدعم السريع نفسها جزء من جذور الحروب في السودان، إذ لعبت دوراً محورياً في تأجيج الصراعات العرقية والقبلية في دارفور، والآن في أجزاء واسعة من البلاد. دعوة حميدتي للسلام تبدو محاولة لتجميل صورته الرَثة أمام المجتمع الدولي، وليس التزاماً حقيقياً بحل جذور الأزمات.
*ضبط المتفلتين*
الادعاء:
حميدتي تحدث عن ضبط "المتفلتين" عامة وفي صفوف قواته.
التفنيد:
هذا الادعاء يتكرر في معظم خطابات حميدتي. ومع ذلك، لم نرَ أي محاسبة فعلية أو شفافية في التحقيقات. الحديث عن "متفلتين" هو محاولة مكشوفة للتنصل من المسؤولية المباشرة عن الجرائم. كذلك فإن حجم الإنتهاكات وتكرارها يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها ترتكتب بواسطة الدعم السريع وليست تفلتات محدودة. أيضاً فإدعاءاته الكثيرة بالسيطرة تتناقض مع وجود متفلتين.
*رفض تقسيم السودان*
الادعاء:
حميدتي حذر من مخططات تقسيم السودان التي يتبناها "الفلول".
التفنيد:
الانتهاكات التي ترتكبها قوات حميدتي كذلك هي من أكبر المهددات لوحدة السودان. استهداف المدنيين والتسبب في نزوح ملايين الأشخاص يعمّق الانقسامات الاجتماعية والجغرافية، مما يجعل دعوته لوحدة السودان فارغة من المضمون.
خطاب حميدتي الأخير هو إحدى محاولاته الفاشلة لإعادة صياغة صورته كمدافع عن الديمقراطية والسلام، لكنه مليء بالتناقضات والادعاءات الزائفة. مسؤولية الدعم السريع عن الانتهاكات والدمار الذي لحق بالسودان لا يمكن إنكارها. القوى المدنية مطالبة بالتصدي لهذا الخطاب وتفكيك زيفه، مع التركيز على تحقيق العدالة للضحايا والعمل على بناء سودان جديد فعلاً، خالٍ من حكم الميليشيات.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
“فريق تقييم الحوادث”: التحالف لم يستهدف “مسجد” بمحافظة “عمران” عام 2019
صدر عن الفريق المشترك لتقييم الحوادث بيان بشأن الادعاء بقيام قوات التحالف باستهداف “مسجد” في “السواد” بمحافظة “عمران” بتاريخ “23 / 9 / 2019″، فيما يلي نصه: فيما يتعلق بما ورد في البيان الصادر بتاريخ “24 / 9 / 2019” من المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن، أنه في “23 / 9 / 2019” استهدفت إحدى الضربات الجوية “مسجدًا” في “السواد” بمحافظة “عمران”.
قام الفريق المشترك لتقييم الحوادث بالبحث وتقصي الحقائق عن وقوع الحادثة، وبعد اطلاعه على جميع الوثائق بما في ذلك أمر المهام الجوية، جدول حصر المهام اليومي، إجراءات تنفيذ المهمة، تقارير ما بعد المهمة، الصور الفضائية، زيارة أعضاء الفريق المشترك لمراكز العمليات والوحدات الميدانية ذات العلاقة، مقابلة المعنيين بالتخطيط وتنفيذ المهام الجوية والاستماع إلى أقوالهم، قواعد الاشتباك لقوات التحالف، مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية، وبعد تقييم الأدلة، تبين للفريق المشترك أنه يوجد في محافظة عمران منطقة بمسمى “عزلة السواد”، وتقع في الجزء الغربي من مديرية “حرف سفيان” بمحافظة “عمران”، “لم يرد ضمن الادعاء إحداثي لموقع الادعاء”.
بدراسة المهام الجوية المنفذة من قبل قوات التحالف بتاريخ “23 / 9 / 2019” وهو التاريخ الوارد في الادعاء، تبين للفريق المشترك أن قوات التحالف لم تنفذ أي مهام جوية على محافظة “عمران”.
بدراسة المهام الجوية المنفذة من قبل قوات التحالف بتاريخ “22 / 9 / 2019” قبل التاريخ الوارد في الادعاء بيوم، تبين للفريق المشترك أنه وردت معلومات استخباراتية إلى قوات التحالف تفيد بأن ميليشيا الحوثي المسلحة تقوم بتجهيز عدد كبير من عناصرها المقاتلة في مواقع حشد عبارة عن “مربعات محددة” في مديرية “حرف سفيان” بمحافظة “عمران”، استعدادًا لشن هجوم كبير على القوات الشرعية، ويتطلب الموقف رصدهم واستهدافهم بشكل فوري وفق إحداثيات محددة تشكل عدد “4” مربعات، وهو ما يعتبر هدفًا عسكريًا مشروعًا يحقق استهدافه ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة وأكيدة، استنادًا للمادة “52” من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والقاعدة “8” من القانون الدولي الإنساني العرفي.
توافر درجات التحقق من خلال عمليات الرصد الآنية، حيث رصد التشكيل الجوي المنفذ للمهمة عدة “تجمعات لعناصر مقاتلة تابعة لميليشيا الحوثي المسلحة” في مواقع الحشد داخل المربعات المحددة في مديرية “حرف سفيان” بمحافظة “عمران”، وذلك استنادًا إلى القاعدة “16” من القانون الدولي الإنساني العرفي.
عليه؛ قامت قوات التحالف عند الساعة “9:32” مساءً بتاريخ “22 / 9 / 2019” بتنفيذ مهمة جوية على أهداف عسكرية مشروعة عبارة عن “تجمعات لعناصر مقاتلة تابعة لميليشيا الحوثي المسلحة”، في مواقع حشد عبارة عن “مربعات محددة” بمديرية “حرف سفيان” بمحافظة “عمران”، وذلك باستخدام قنابل موجهة أصابت أهدافها.
وأثناء التعامل مع تلك التجمعات المقاتلة تحركت إحداها إلى “غرفة” قريبة ومكثت فيها، وبالتالي سقطت الحماية القانونية المقررة للأعيان المدنية عن “الغرفة” لمساهمتها في الأعمال العسكرية، وتم التعامل معها باستخدام قنبلة واحدة موجهة أصابت الهدف، وذلك استنادًا للمادة “52” من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والقاعدة “8” من القانون الدولي الإنساني العرفي.
اتخذت قوات التحالف الاحتياطات الممكنة لتجنب إيقاع خسائر أو أضرار بصورة عارضة بالمدنيين والأعيان المدنية، أو تقليلها على أي حال إلى الحد الأدنى أثناء التخطيط والتنفيذ للعملية العسكرية، وذلك استنادًا إلى المادة “57” من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والقواعد “15” و “17” من القانون الدولي الإنساني العرفي من خلال التالي:
1 / استخدام قنابل موجهة ومتناسبة مع حجم الهدف العسكري.
2 / التأكد من عدم تواجد للمدنيين قبل وأثناء تنفيذ عملية الاستهداف.
قام المختصون بالفريق المشترك بدراسة الصور الفضائية لموقع الادعاء قبل وبعد التاريخ الوارد بالادعاء، وتبين التالي:
1 / تقع الغرفة في عزلة “السواد” في منطقة نائية ومعزولة ولا يوجد بالقرب منها أي أعيان مدنية أو طرق معبدة.
2 / عدم وجود أي علامات توضح طبيعة الغرفة.
3 / وجود آثار استهداف جوي على الغرفة.
بدراسة إفادة الطاقم الجوي المنفذ للمهمة الجوية، تبين للفريق المشترك التالي:
1 / تم توجيه التشكيل الجوي المنفذ بالانتظار في منطقة آمنة حتى وصول الطائرة المقاتلة المخصصة لتقديم الدعم الجوي لإخماد أي تهديدات للدفاعات الجوية المعادية، ومن ثم الدخول إلى منطقة الهدف.
2 / رصد التشكيل الجوي المنفذ عدة تجمعات في المواقع المحددة داخل المربعات، وأثناء التعامل معها تحركت مجموعة منها إلى غرفة ومكثت فيها وتم التعامل معها.
اقرأ أيضاًالمملكةالمملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون
3 / تعرض التشكيل الجوي المنفذ لعملية قفل راداري لصاروخ أرض جو “سام” في منطقة الهدف.
بمقارنة ما ورد بالادعاء مع المهمة المنفذة باليوم السابق للادعاء تبين للفريق المشترك التالي:
1 / ورد في الادعاء بأن قوات التحالف استهدفت “مسجدًا” في “السواد” بمحافظة “عمران”، بينما استهدفت قوات التحالف “تجمعات لعناصر مقاتلة تابعة لميليشيا الحوثي المسلحة” في مواقع حشد عبارة عن “مربعات محددة”، وأثناء التعامل معها تحركت إحداها إلى “غرفة” في منطقة غير مأهولة بين المربعات المحددة، ومكثت فيها.
2 / توقيت صلاة العشاء بتاريخ “22 سبتمبر” في منطقة “حرف سفيان” والتي تقع فيها الغرفة هو عند الساعة “8:06″ مساءً، وتوقيت تنفيذ المهمة الجوية كان عند الساعة”9:32” مساءً.
3 / ورد في الادعاء أن الاستهداف كان على مسجد، ولم يثبت للفريق المشترك وجود مسجد بدلالاته المتعارف عليها كوجود منارة.
في ضوء ذلك، توصل الفريق المشترك لتقييم الحوادث إلى التالي:
1 / صحة الإجراءات المتخذة من قبل قوات التحالف في التعامل مع الأهداف العسكرية المشروعة “تجمعات لعناصر مقاتلة تابعة لميليشيا الحوثي المسلحة” في مواقع حشد عبارة عن “مربعات محددة” وتحركت إحداها إلى “غرفة” ومكثت فيها، بمديرية “حرف سفيان” بمحافظة “عمران” بتاريخ “22 / 9 / 2019″، وأنها تتفق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية.
2 / لم يتبين للفريق المشترك وجود مسجد في موقع الاستهداف كما ورد في الادعاء، ولا يستبعد أن الغرفة قد تستخدم كمصلى.
3 / مناسبة قيام دول التحالف بتقديم مساعدات طوعية عن الأضرار التي وقعت على الغرفة في حال ثبت أنها كانت تستخدم كمصلى.