حميدتي: لا ننوي أن نكون بديلاً للجيش و لن نساوم في وحدة السودان
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
أعلن قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو حميدتي، أنه لا ينوي أن يكون بديلًا للجيش و أكد إلتزامه ببناء جيش قومي مهني يخضع للحكومة المدنية ويعكس التنوع السوداني واعتبر أن الجيش الحالي دمره النظام القديم.
الخرطوم ـــ التغيير
وجدد حميدتي خلال كلمة مسجلة ألقاها بمناسبة أعياد استقلال السودان، إلتزام قواته التام و الثابت بوحدة السودان أرضاً وشعباً و قال “هو أمر لن نساوم فيه ونؤكد تمسكنا كذلك بالحكم المدني وبناء سودان جديد قائم على قيم الحرية والعدالة والسلام”، وأضاف”وهي قيمٌ لا يمكن تحقيقها إلا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، تكون السلطة فيه قائمةٌ على الإرادة الشعبية، المصدر الوحيد للسلطة ومشروعيتها.
وأكد حميدتي تمسكهم بمبدأ تأسيس جيش جديد مهني وقومي، لا تسيطر عليه جهة أو مجموعات إثنية محددة؛ وقال “جيشٌ لا يتدخل في السياسة، ويخضع منذ اليوم الأول لتأسيسه للسيطرة والرقابة المدنيتين”.
وقطع حميدتي بأن قوات الدعم السريع لن تقبل أبداً إلا بدولة سودانية جديدة، خالية من كل أنواع الهيمنة، التي أشعلت حروب السودان وتنعدم فيها التفرقة على أساس الدين، والجهة، والثقافة، والعرق.
و أعلن حميدتي أنهم مع السلام الحقيقي الذي يضمن إنهاء الحروب والهيمنة على البلاد، و قال “ندعو قوى السودان الجديد الصادقة وقادتها، الذين أثبتوا بالأفعال أنهم مع تأسيس وبناء الدولة السودانية الجديدة القائمة على أنقاض الحقبة الاستعمارية الوطنية، إلى الوحدة والعمل المشترك من أجل الأهداف العليا المتمثلة في الخلاص الكامل من السودان القديم وتأسيس وبناء السودان الجديد”.
و أعرب عن شكره للجهود الاقليمية والدولية التي بذلت في امساعدة الشعب السوداني ودعا إلى تقديم مزيد من الجهود لمحاصرة شبح المجاعة الذي يهدد حياة ملايين السودانيين ، وأشار إلى حكومة بورتسودان التي وصفها بالعصابة تحاول إنكار وجود مجاعة في السودان.
و أعرب حميدتي عن بالغ أسفه وحزنه و قيادة قوات الدعم السريع على الانتهاكات التي وقعت بحق المواطنين في المناطق المختلفة، وقال “لقد بذلنا ولا زلنا جهوداً مكثفة ومتواصلة في مناطق سيطرتنا من أجل السيطرة على المتفلتين، وقد نجحنا في ذلك في أغلب المناطق، وسوف نستمر في ذلك من منطلق مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية”، وأضاف “المتفلتون هم عدو لنا، تماماً كالعدو الذي نحاربه منذ الخامس عشر من أبريل. وكما سيطرنا عليهم في كثير من المناطق التي تنعم الآن بالأمان والاستقرار، سوف نسيطر عليهم في بقية أنحاء السودان ونحاسبهم ردعاً لهم وتحقيقاً للعدالة عبر المحاكم والتدابير الإدارية اللازمة”.
وحذر حميدتي من انتشار خطاب الكراهية والعنصرية لجهة أنه يهدد الوحدة الوطنية، وقال “لوحدة الوطنية أضعفها الفلول بسياساتهم التقسيمية والعنصرية مثل اجراءات استبدال العملة واجراء امتحانات الشهادة السودانية وحرمان اعداد كبيرة من السودانيين من حقوقهم في استخراج الوثائق الثبوتية وما عرف بقانون الوجوه الغريبة وغيرها من الأفعال العنصرية المقيتة”، و حذر من مخططات الحرب الأهلية التي قال إن أعوان الحركة الإسلامية يسعون في تنفيذها في دارفور باستخدام حركات ما وصفها بحركات الارتزاق المسلح.
وشدد حميدتي على أن القتل على أساس العنصر أو اللون أو الجهة في بعض مناطق السودان ينبغي أن يتوقف فوراً. وأضاف “الدم السوداني واحد، ومصير السودانيين جميعاً، مهما اختلفوا، مصيرٌ واحد. إذ لا يوجد سودان شمالي وسودان جنوبي، أو سودان غربي وسودان شرقي، وإنما يوجد سودان واحد، وشعب واحد هو الشعب السوداني”.
و أعتبر أن الصراع الدائر في البلاد حالياً ومنذ عقود هو ليس صراع بين غرب السودان وشمال السودان، ولا صراع بين جنوب السودان ووسط السودان، وقال “الصراع في بلادنا هو صراع بين القوى المعادية للحرية والديمقراطية والسودان الجديد، وبين السواد الأعظم من الشعب السوداني، الذي يناضل من أجل السلام الحقيقي والاستقرار والحرية”.
وجدد حميدتي دعوته إلى المجتمع الإقليمي والدولي للنظر إلى المستقبل الجديد للسودان بشأن تحقيق سلام حقيقي بمعالجة الأسباب الجذرية للحروب وبناء نظام سياسي جديد، يمثل كل السودانيين، ويعكس طموحاتهم وتطلعاتهم المشروعة في حياة أفضل، وقال “السودان القديم، الذي ظل ينتج الحروب على مدى سبعين سنة، لا يملك أي مقومات للبقاء والاستمرارية، وليس له من جديد يقدمه، ولن ينتج إلا المزيد من الحروب المدمرة”.
الوسومالجيش الدعم السريع العملة حميدتي دارفور قانون الوجوه الغريبة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع العملة حميدتي دارفور
إقرأ أيضاً:
من الرباعية إلى الحوار المباشر: التحول الأمريكي وتراجع الدور الإماراتي في الملف السوداني
من الرباعية إلى الحوار المباشر: التحول الأمريكي وتراجع الدور الإماراتي في الملف السوداني
مدخل:
بالأمس كتبتُ مقارنة تحليلية بين السودان والإمارات، خلصت فيها إلى أن المستقبل – رغم كل ما يمر به السودان من تحديات – سيكون للدولة صاحبة التاريخ العميق، والموقع الاستراتيجي الحاكم، والموارد الكامنة التي لم تُستثمر بعد.
وفي اليوم ذاته، خرجت أنباء عن لقاء سوداني–أمريكي، تم بطلب من الولايات المتحدة، جرى فيه رسم الخطوط العريضة لمسار جديد للعلاقات بين البلدين، وانتهى بإعلان واشنطن رغبتها في استعادة العلاقات المباشرة مع الخرطوم، وإعادة التنسيق في ملف مكافحة الإرهاب.
هذا التطور لم يكن مجرد خبر دبلوماسي عابر، بل يمثل تحولًا في معادلة إدارة الملف السوداني إقليميًا ودوليًا.
متن:
خلفيات إلغاء اجتماع الرباعية
كان من المقرر أن تستضيف واشنطن في 29 يوليو 2025 اجتماعًا لـ”الرباعية حول السودان” بمشاركة الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، والمملكة المتحدة، لمناقشة مسار السلام في السودان.
لكن قبل أيام قليلة من موعده، ألغت وزارة الخارجية الأمريكية الاجتماع بشكل مفاجئ، وهو ما اعتبر إشارة أولى على تغير المزاج السياسي في واشنطن تجاه آلية الرباعية.
من خلال تتبع سياق الأحداث، يمكن رصد ثلاثة دوافع رئيسية:
1. انعدام الجدوى العملية للوساطة الجماعية
تجربة الشهور الماضية أثبتت أن تعدد الأطراف الوسيطة أدى إلى بطء شديد في اتخاذ القرارات، وتضارب في أولويات الأعضاء، ما جعل الوصول إلى اتفاقات حقيقية أمرًا شبه مستحيل.
2. تنامي الشكوك في دور بعض الوسطاء
تقارير غربية وأفريقية أشارت إلى أن بعض القوى المشاركة في الرباعية – وعلى رأسها الإمارات – لم تكن محايدة بالكامل، بل دعمت أطرافًا بعينها في الصراع، ما جعل دورها كوسيط موضع شك.
3. تغير الحسابات الاستراتيجية لواشنطن
في ظل احتدام التنافس الدولي على البحر الأحمر والقرن الإفريقي، رأت الولايات المتحدة أن التحرك المباشر مع السودان يحقق نتائج أسرع، ويمنحها قدرة أكبر على ضبط إيقاع الأحداث دون وسطاء.
بعد أسبوعين فقط من الإلغاء، ظهر المبعوث الأمريكي في لقاء مباشر مع قائد الجيش السوداني في 12 أغسطس، ما أكد أن المسار الجديد قد تم تفعيله بالفعل.
أولاً: سقوط معادلة الوسطاء
لسنوات، أُديرت قضايا السودان عبر وسطاء إقليميين أو صيغ جماعية مثل “الرباعية” و”الخماسية”، وكانت الإمارات أحد أهم هذه الممرات الإلزامية لأي تحرك دولي تجاه الخرطوم.
لكن التحرك الأمريكي الأخير يشير بوضوح إلى أن واشنطن لم تعد ترى جدوى في الاعتماد على قنوات وسيطة. المرحلة الجديدة عنوانها: التعامل المباشر مع السودان.
ثانياً: ترقية السودان في التصنيف السياسي
اللقاء المباشر لم يكن في سياق إنساني أو لبحث هدنة مؤقتة، بل تناول ملفات استراتيجية، على رأسها الأمن ومكافحة الإرهاب. هذه طبيعة حوارات تُعقد مع دول الصف الأول في الإقليم، ما يعكس أن السودان بات يُعامل كفاعل سياسي إقليمي له وزنه، وليس مجرد “ملف أزمة” يحتاج لإدارة خارجية.
ثالثاً: إعادة التموضع الأمريكي في الإقليم
الولايات المتحدة تُعيد توزيع أوراقها في البحر الأحمر والقرن الإفريقي. بعد سنوات من ترك الملف السوداني تحت إدارة غير مباشرة عبر أبوظبي أو عواصم أخرى، بات واضحًا أن هذه الصيغة لم تحقق مصالح واشنطن الاستراتيجية.
الإمارات، التي بنت نفوذًا عبر الدعم العسكري والمالي لفصائل محددة، تواجه الآن انكماشًا في قدرتها على التحكم بالملف، فيما تستعيد الخرطوم مساحة أوسع للحركة والتفاوض المباشر مع القوى الكبرى.
رابعاً: التحول من الوساطة إلى التعامل المباشر – الفوارق الجوهرية
يمكن تلخيص الفوارق على النحو التالي:
– قناة الاتصال: من اجتماعات رباعية وخماسية عبر وسطاء… إلى لقاءات واتصالات مباشرة بين واشنطن والخرطوم.
– جدول الأعمال: من ملفات إنسانية وإجرائية متقطعة… إلى ملفات استراتيجية تشمل الأمن، مكافحة الإرهاب، والمسار السياسي المباشر.
– وتيرة التقدم: من بطء وتعثر بفعل تباين مواقف الوسطاء… إلى سرعة أكبر في اتخاذ القرارات المباشرة.
– موقع السودان: من “موضوع” على طاولة الوسطاء… إلى “شريك مفاوض” في موقع الندّية.
– دور الإمارات والوسطاء: من ثقل كبير وقدرة على ضبط الإيقاع… إلى انكماش واضح مع تقليص اعتماد واشنطن على قنواتهم.
خامساً: انعكاسات التحول على موازين القوى الإقليمية
1. انكماش الدور الإماراتي: فقدت أبوظبي دورها كمعبر إلزامي لأي مبادرة أمريكية تجاه السودان.
2. تعزيز استقلال القرار السوداني: الخرطوم أمام فرصة لتحديد أجندتها دون إملاءات من محاور إقليمية.
3. إعادة توزيع النفوذ: مساحات كانت تحت سيطرة لاعبين محددين قد تفتح لأطراف أخرى مثل تركيا وقطر.
سادساً: المسار المتوقع
– سياسيًا: انخراط أمريكي مباشر في القضايا السودانية الكبرى مع تراجع دور الوسطاء.
– أمنيًا: تعزيز تبادل المعلومات الأمنية والدعم في مكافحة الإرهاب.
– اقتصاديًا: احتمالات متزايدة لفتح استثمارات ومشروعات تنموية مباشرة مع السودان.
مخرج :
الانتقال من مرحلة “الرباعية والخماسية” إلى الحوار المباشر ليس تغييرًا في الشكل فقط، بل هو إعادة تعريف لموقع السودان في معادلة الإقليم.
إنها لحظة نادرة تمنح الخرطوم مساحة للتأثير وإعادة صياغة توازن القوى من موقع الشريك، لا التابع.
لكن هذه اللحظة، مثل كل الفرص التاريخية، لن تدوم إن لم تُترجم إلى مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية مستدامة.
يبقى السؤال: هل يستثمر السودان هذه اللحظة؟
وليد محمدالمبارك احمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب