لجريدة عمان:
2025-06-26@07:27:57 GMT

ما فائدة مجموعة البريكس؟

تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT

أحد الأسئلة التي قد يبدأ عام 2025 بالإجابة عليها هو ما إذا كانت مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) أصبحت مركز القوة الجديد في السياسة العالمية. الآن وقد أضافت المجموعة أعضاء جددا (مِصر، وإثيوبيا، وإيران، والإمارات العربية المتحدة) وأصبحت تمثل 45% من سكان العالم، يعتقد بعض المراقبين أنها تعزز «الجنوب العالمي» (وهو مسمى مُـضَـلِّـل) وتشكل تحديا خطيرا للقوة الأمريكية والغربية.

لكنّي أظل متشككا في مثل هذه الادعاءات.

عندما صاغ جيم أونيل (كبير الاقتصاديين في جولدمان ساكس آنذاك) الاختصار «بريك» (BRIC) في عام 2001، كان هدفه ببساطة تحديد الاقتصادات الناشئة الأربعة التي من المرجح أن تهيمن على النمو الاقتصادي العالمي بحلول عام 2050. ولكن سرعان ما اكتسبت هذه التسمية طابعا سياسيا. فقد أصبحت المجموعة تشكل تجمعا دبلوماسيا غير رسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006، ثم تحولت إلى منظمة رسمية مع انعقاد أول قمة لمجموعة بريك في عام 2009. استضافت روسيا تلك القمة، وكان التركيز في ذلك الوقت -كما هي الحال الآن- على النهوض بنظام عالمي متعدد الأقطاب. وفي نهاية العام التالي، أُضيف إلى مسمى المجموعة المختصر حرف جديد ليصبح «بريكس» (BRICS) عندما انضمت إليها جنوب أفريقيا. لقد تطورت فئة أصول تنتمي إلى وال ستريت لتتحول إلى منظمة دولية، وهذا يرجع جزئيا إلى أنها كانت تتماشى مع طموح روسيا والصين لقيادة العالم النامي. كانت قمة مجموعة البريكس السادسة عشرة التي عُقِدت في روسيا في أكتوبر 2024 أول قمة تضم أعضاءها الجدد (لم تقرر المملكة العربية السعودية بعد ما إذا كانت لتقبل دعوة المجموعة للانضمام إليها، ورفضت حكومة الأرجنتين الجديدة الدعوة). حضر القمة نحو 36 من القادة الوطنيين، وكذا ممثلون لمنظمات دولية عديدة، بما في ذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، واستغلت تركيا المناسبة لتقديم طلب من جانبها للانضمام إلى المجموعة. ركزت قمة 2024 على تعزيز العلاقات بين دول الجنوب وبناء عالم متعدد الأقطاب، واستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المناسبة لاستعراض أهميته الدبلوماسية العالمية على الرغم من غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022. مع إبداء مزيد من الدول الرغبة في الانضمام، يبدو أن مجموعة البريكس من الممكن أن تقدم نفسها بالفعل كقائد لمقاومة النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. حتى أن بعض المراقبين يرونها على أنها خليفة لحركة عدم الانحياز في حقبة الحرب الباردة، التي رفض أعضاؤها الاختيار بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ولكن في حين أن حركة عدم الانحياز كانت لها مصلحة مشتركة في مقاومة الولايات المتحدة، فإنها لم تضم روسيا والصين بين الأعضاء المؤسسين. في كل الأحوال، من غير المرجح أن تنجح مجموعة البريكس في تنظيم «الجنوب العالمي» رسميا. الأمر ليس فقط أن أكبر بلدانها وأكثرها أهمية -الصين والهند وروسيا- تقع جميعها شمال خط الاستواء، بل إن هذه البلدان الثلاثة تتنافس على الزعامة.

تجمع بين روسيا والصين مصلحة مشتركة في مواجهة ما تعتبرانه تهديدا أمريكيا، وقد أعلنتا عن «تحالف بلا حدود». لكن مثل هذه الشعارات تخفي اختلافات كبيرة في وجهات نظرهما الاستراتيجية. ففي حين استولت روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي من الصين في القرن التاسع عشر، عندما كانت أسرة تشينج ضعيفة، فإن اقتصاد الصين الآن يبلغ عشرة أضعاف حجم الاقتصاد الروسي. ويتنافس البَـلَدان على النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، ولا تشعر الصين بالارتياح إزاء تجنيد روسيا لجارتها كوريا الشمالية للقتال في أوكرانيا.

ينطوي الأمر على قيد أكثر أهمية يحد من قدرة مجموعة البريكس كمنظمة، وهو التنافس بين الصين والهند، التي تعَد الآن الدولة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد السكان. ورغم أن الصين أكثر ثراء من الهند، فإنها تعاني من تراجع ديموغرافي (مثل روسيا)، في حين أن عدد سكان الهند وقوتها العاملة في ازدياد مستمر. علاوة على ذلك، تشترك الصين والهند في حدود متنازع عليها في منطقة الهيمالايا -حيث اشتبكت قواتهما على نحو متكرر- ويزداد الوضع تعقيدا بسبب صداقة الصين التقليدية مع باكستان. الواقع أن القلق الدائم إزاء الصين كان أحد الأسباب وراء مشاركة الهند في مجموعة البريكس في المقام الأول. ورغم أنها تتجنب التحالفات الرسمية، فقد عملت أيضا على تعظيم مشاركتها في «الرباعية» (التي تضم الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا) للسبب ذاته. بدلا من جعل مجموعة البريكس أكثر قوة، لا يؤدي انضمام أعضاء جدد إلا إلى استيراد مزيد من الخصومات. فمِصر وإثيوبيا تخوضان نزاعا حول سد تقيمه إثيوبيا على نهر النيل، وتشتبك إيران في نزاعات طال أمدها مع الإمارات العربية المتحدة والعضو المحتمل، المملكة العربية السعودية. وبعيدا عن جعل مجموعة البريكس أكثر فعالية، فإن هذه الخصومات الجديدة داخل المنظمة ستعرقل جهودها. تضم مجموعة الدول النامية السبع والسبعين عددا أكبر من الأعضاء، لكنها محدودة بشكل مزمن بسبب انقسامات داخلية. في قمتها عام 2024 ناقشت مجموعة بريكس+، مسائل مثل التعاون الاقتصادي والأمني، وتعزيز التبادل الثقافي، ومشاريع التنمية المشتركة التي تركز على البنية الأساسية والاستدامة. لكن مثل هذا الحديث لا يسفر عادة عن نتائج مهمة. في عام 2014، أنشأت المجموعة بنك التنمية الجديد، الذي يقع مقره في شنغهاي؛ لكن المؤسسة لم تحقق سوى نتائج متواضعة حتى الآن. على نحو مماثل، لم تحرز نية المجموعة المعلنة لتجنب الدولار وإدارة مقاصة قدر أكبر من التجارة الثنائية بين بلدانها بعملاتها الخاصة سوى تقدم محدود. وأي محاولة جادة لاستبدال الدولار كعملة احتياطية عالمية تستلزم أن تدعم الصين الرنمينبي بأسواق رأسمالية عميقة ومرنة وسيادة القانون -وهذه الشروط لا تقترب حتى من التحقق. إذن، ما فائدة مجموعة البريكس؟ من المؤكد أنها مفيدة لروسيا كوسيلة للهروب من العزلة الدبلوماسية. وباعتبارها أداة دبلوماسية لاستعراض قيادة العالم النامي، فإنها كانت مفيدة أيضا للصين. وكقناة يمكن من خلالها موازنة قوة الصين، تستطيع الهند استخدامها على أكثر من وجه. وباعتبارها منصة متواضعة للترويج للتنمية الوطنية، كانت مفيدة في بعض الأحيان للبرازيل وجنوب أفريقيا. ولكن هل تجعلها هذه الوظائف نقطة ارتكاز جديدة للسياسة العالمية؟ لا أظن.

جوزيف ناي أستاذ فخري في جامعة هارفارد، ومساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق ومؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة مجموعة البریکس فی عام

إقرأ أيضاً:

بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟

هل ما تحقق كان نصرًا استراتيجيًا يعيد رسم قواعد اللعبة؟ أم مجرد إنجاز آني قد تتجاوزه المواجهة المقبلة؟ اعلان

منذ اللحظة الأولى لانطلاق الهجوم الإسرائيلي المباغت على أهداف داخل العمق الإيراني، بدا أن تل أبيب تسعى لتغيير قواعد الاشتباك في الصراع مع طهران، مستندة إلى دعم سياسي وعسكري ضمني من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية. ومع اتساع رقعة الضربات وتطورها لاحقًا إلى تدخل أميركي مباشر استهدف منشآت نووية بالغة التحصين، أثير تساؤل جوهري في الأوساط السياسية والعسكرية: هل حققت إسرائيل نصرًا حقيقيًا؟ وإن كان كذلك، فهل هو نصر آني تكتيكي أم تحول استراتيجي في المواجهة الطويلة مع إيران؟

الهجوم الإسرائيلي

بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل إيران بضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت عسكرية ومراكز قيادة وسيطرة، فضلًا عن مواقع لصناعة وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة. وتميزت هذه الضربات بسرعتها واعتمادها على معلومات استخباراتية عالية الدقة، مما أربك الدفاعات الإيرانية وشكّل صدمة أولى للنظام في طهران.

الرسالة الإسرائيلية كانت واضحة: لم تعد الجغرافيا تحمي الجمهورية الإسلامية من الضربات، والمواجهة لم تعد مقتصرة على ساحات الوكلاء، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق. ومع ذلك، فإن هذه الضربات لم تسفر بعد عن انهيار عسكري أو أمني داخل إيران.

يتصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في متحف إسرائيل بالقدس، 23 مايو/أيار 2017. AP Photoالتدخل الأميركي

التحول الأكبر جاء عندما تدخلت الولايات المتحدة بضربات نوعية استهدفت منشآت نووية رئيسية في فوردو وأصفهان ونطنز، مستخدمة طائرات B-2 الشبحية وصواريخ خارقة للتحصينات من طراز GBU-57. هذه الضربات شكّلت ذروة التصعيد ضد البرنامج النووي الإيراني.

وبحسب تقرير قدمه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أمام مجلس الأمن، فإن الأضرار التي لحقت بهذه المنشآت كانت كبيرة، إلا أن الوكالة لم تتمكن من تقييم مدى الدمار داخل المرافق تحت الأرض.

Related"تخطى دوره الرقابي وساهم بإشعال الحرب".. غروسي في دائرة الاتهامات الإيرانيةضربة واشنطن النوعية: هل نجحت "مطرقة منتصف الليل" في شل البرنامج النووي الإيراني؟كم عدد القنابل والصواريخ التي استخدمتها واشنطن في هجماتها ضد إيران؟إيران: لا تراجع

رغم الضربات القاسية، لم تُبدِ إيران مؤشرات على التراجع، بل كثّفت من خطابها التعبوي وهددت بالرد على الولايات المتحدة الأميركية، فيما واصلت قصفها لإسرائيل.

تقييم المكاسب: آنية أم استراتيجية؟

استطاعت إسرائيل، بلا شك، تسجيل نقاط مهمة في المدى القصير، سواء عبر إظهار قدرتها على اختراق العمق الإيراني، أو من خلال توجيه ضربات مباشرة. كما نجحت في إعادة تسليط الضوء الدولي على البرنامج النووي الإيراني، وحشد دعم ضمني لاحتواء طموحات طهران.

لكن في المقابل، لم تنجح الضربات حتى الآن في تغيير المسار الاستراتيجي للسياسة الإيرانية، إذ لم تُجبر طهران الى الآن على العودة إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة. بل يبدو أن الصراع دخل مرحلة أخرى من التوترات المستمرة والضربات المتبادلة التي قد تطول.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت قد أطلق أمس تصريحات غاية في الأهمية. إذ رأى أن الغارات الأمريكية تحيّد البرنامج النووي الإيراني محذرا من تداعيات أكبر حجما. حيث قال إنه النظام لن ينهار رغم قوة الضربات ودعا للأخذ في عين الاعتبار ترسانة طهران الصاروخية. وقد أخذ أولمرت مسافة من التهليل الإسرائيلي بما جرى. فقال من الغطرسة ومن غير الواقعي اعتبار أن الغارات الاستباقية ستركّع دولة تعداد سكانها 90 مليونا وذات تراث عمره آلاف السنين.

وبناء على ما تقدم، يرى مراقبون أن ما حققته إسرائيل حتى الآن يمكن وصفه بنصر آني محدود التأثير من الناحية الاستراتيجية. فقد وجهت ضربة قوية للهيبة الإيرانية، لكنها لم تُنهِ المشروع النووي، بحسب ما صرّح به مسؤولون إيرانيون. ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، ارتفعت الكلفة، لكن أيضاً ارتفعت معها المخاطر. فهل ستتمكن إسرائيل من ترجمة هذا التقدم التكتيكي إلى تغيير دائم في المعادلة الإقليمية، أم أنها فتحت أبواب صراع طويل قد يتجاوز قدرتها على التحكم بمساره؟

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ساندرز: يجب وقف دعم حكومة نتنياهو التي تبيد وتجوع سكان غزة
  • روسيا تتهم أمريكا وبريطانيا بتهديد أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ
  • وزير الدفاع الأمريكي: ضرباتنا التي استهدفت المواقع النووية بإيران كانت مثالية
  • الزعاق للطلاب: استمتعوا بالأشياء التي تمتلكونها ولو كانت بسيطة..فيديو
  • روسيا : معاهدة منع الانتشار النووي مهددة
  • العرابي: إيران اكتسبت قوة ليست فى نفس الوضع التي كانت إسرائيل تستهين به من قبل العمليات العسكرية
  • أستاذة قانون: ضربات ترامب على إيران كانت غير قانونية.. لهذه الأسباب
  • أعلى سعر فائدة على شهادات الادخار من بنك مصر يصل لـ27% سنويا
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟