صحيفة التغيير السودانية:
2025-12-10@08:50:28 GMT

بين الألم والأمل.. عام مضى وعام أتى

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

بين الألم والأمل.. عام مضى وعام أتى

حيدر المكاشفي

مرت علينا يوم الأربعاء الموافق الفاتح من يناير 2025 الذكرى 69 للاستقلال، متزامنة مع استهلالية العام الجديد 2025 والشعب السوداني ما يزال في وضع (برزخي)، يكابد فيه الألم، ولكنه يتصبر بالأمل، فلا شيء يجعل هذا الشعب يحتمل في صمت وجلد وصبر كل ما يلاقيه من كبد ونصب ومعاناة سببتها له الحرب اللعينة، سوى أمله في القادم وتمسكه بثورته التي ما يزال يعض عليها بالنواجذ لتحقيق وإنجاز كل أهدافه التي فجر ثورته من أجلها، والصبر خصيصة معروفة عند الشعب السوداني، إذ تجده يمد حبال الصبر، ويحتمل الأذى لأطول مدى حتى تحسب أنه صار ذليلا خامدا هامدا خاملا خانعا، ولكن في لحظة ما ينفجر ويثور كالبركان، فيجرف في طريقه كل فاجر وفاسد وخوان، وقد فعلها الشعب كثيرا، ولا نظن أن احتماله إلى هذه الحرب المدمرة سيكون آخرها، وبالمقابل لن ينسى الشعب ثورته الغالية التي أنجبها من بين فرث ودم وتضحيات جسام.

.

الأمل هو طوق النجاة الأخير الذي يتمسك به الناس، ويستعينون به على معاناتهم، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، فلولا تشبثهم بالأمل وعلمهم في غد أفضل لما صبروا وصابروا واحتملوا فوق طاقتهم ماسي وفواجع هذه الحرب اللعينة، فهم يعيشون اليوم بين نور الأمل المنتظر وحلكة حاضر الحرب المعيش، وتتأرجح حالتهم النفسية بين متضادين، مخاوف متزايدة ورجاء متعاظم، وأكثر ما يحتاجونه هو التماسك والتوازن في هذه الفترة الحرجة، ولا مغيث ومعين لهم في هذه الحالة سوى الأمل الذي يزودهم بجرعات من التفاؤل والطاقة الإيجابية، فالأمل لا ينبغي أن يبنى على أوهام، بل على وقائع وحقائق وعمل دؤوب يسنده ويجعل تحقيقه ممكنا، فالأمل دون عمل لا يزيل الألم بل يضاعفه، فالإنسان لا يتمسك بحبل الصبر في لياليه الحالكة إلا لانتظار بزوغ فجر الأمل وتحقيق آماله وجني ثمار صبره، ولكن السؤال إلى متى سيصبر الشعب، هل هو صبر مفتوح بلا نهاية أم له حدود وخاتمة، والسؤال الاستنكاري موجه ل (البلابسة ومشعلي الحرب وضاربي دلالية والمصرين على استمرارها)، ولا ننتظر إجابة منهم..

مع بداية هذا العام الجديد، نقف أمام لحظة فارقة تتراوح فيها المشاعر بين الأسى والحزن على هذا الصراع العبثي الدموي الذي أدى إلى ارتكاب جرائم حرب بفقدان الآلاف من المدنيين لأرواحهم، وجرائم ضد الإنسانية، وتطهير عرقي، وانعدام الأمن الغذائي بشكل خطير، والنزوح على نطاق واسع، وانهيار نظام الرعاية الصحية. كما تسبب كذلك في تعميق الانقسامات بالسودان على أسس عرقية وقبلية وإقليمية بشكل خطير، وأدى إلى أن يعاني السودان من واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية أزمة النزوح واللجوء في العالم؛ بسبب قرارات الأطراف المتحاربة، فضلا عن أن الاقتصاد والبنية التحتية في السودان في حالة خراب ودمار شاملين، علاوة على أن العديد من النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب أو ما زلن يعشن في حالة من الرعب من العنف الجنسي وسط حالة من الفوضى والإفلات من العقاب. إن الأوضاع الكارثية التي يكابدها السودانيون مع هذه الحرب القذرة، تذكر بما قاله سابقا شاعر الشعب ولسان حال أوجاعه وهمومه محمد الحسن سالم حميد رحمه الله، على أيام هوجة ولهوجة وهيجان نظام (الإنقاذ) البائد، وهو يصف المال المؤسف الذي انتهت إليه أوضاع البلاد بعد طول معاناة ومكابدة وأمل وترقب لحال أفضل، فإذا به يفجع بما هو أسوأ بفعل هذه الحرب

من الواسوق أبت تطلع

من الابرول أبت تطلع

من الأقلام أبت تطلع

من المدفع طلع خازوق

خوازيق البلد زادت..

فما عساه يا ترى سيقول حميد لو قدر له أن يشهد حال البلد اليوم بعد هذه الحرب الدموية المهلكة..

ولكن رغم كل شيء، علينا أن نؤمن أن الألم الذي عشناه ليس نهاية الطريق، إذ علينا أن نحول المحنة إلى منحة كما قال الإمام المهدي عليه السلام (المزايا في طي البلايا، والمنن في طي المحن، والنعم في طي النقم)، بأن نسعى ونجتهد لتحويل كل ما كان يتأذى ويتضرر منه شعب السودان إلى ما يفيده ويخدمه، ونستذكر هنا ما سبق أن كان يحلم به شاعرنا الفذ الشفيف العفيف الشريف محجوب شريف رحمه الله، وكان شريف قد عبر عن هذا الحلم برؤية مستبصرة من خلال قصيدة شهيرة، يقول في بعض أبياتها (مكان السجن مستشفى.. مكان المنفى كلية.. مكان الأسرى وردية.. مكان الحسرة أغنية.. مكان الطلقة عصفورة تحلق حول نافورة تمازح شفع الروضة.. حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي)..

يبقى من المهم جدا لكافة قوى الثورة، وكل المؤمنين بضرورة وحتمية التغيير أن يشمروا سواعد الجد، ويوجهوا كل الطاقات، وكل الجهود لمعارك وقف الحرب أولا كأولوية قصوى، فالتركة التي أورثتنا لها الحرب مثقلة بالإحن والمحن والأزمات المتراكبة والتحدي كبير في المجالات كافة، وإذا ما كنا قد بلغنا ما تم التوصل إليه من توافقات واتفاقات عبر جهاد ونضال كبير وصبر جميل أفضى إلى تشكيل أكبر تحالف سياسي مدني أنجز الثورة، فإن القادم يحتاج إلى جهاد ونضال أكبر وصبر أجمل فحيا على فلاح الوطن كما قال الإمام الصادق المهدي رحمه الله، أما المشفقون على حال البلاد؛ بسبب الهشاشة والضعف الذي اعترى حيواتها كلها، فلن نزيد عن إهدائهم كلمة عن قوة وتماسك الشعب السوداني للفقيد محمد إبراهيم نقد السكرتير السابق للحزب الشيوعي السوداني.الفقيد نقد فيما أذكر كان قد أجاب عن سؤال وجهه له أحد الزملاء الصحافيين في حوار أجراه معه بمناسبة مرور ذكرى انتفاضة أبريل (1985)، ولكني للأسف لا أستحضر الآن تماما الصيغة التي طرح بها هذا الزميل سؤاله، غير أنني أستطيع التأكيد على أن سؤال الزميل كان سؤالا استدراجيا حاول من خلاله أن ينتزع اعترافا موثقا من الزعيم الشيوعي يعترف فيه بهشاشة أوضاع البلد، وأنها بحالتها هذه لا تحتمل قيام ثورة على غرار أكتوبر التي أنهت حكم عبود ولا انتفاضة كالتي حدثت في أبريل، وأطاحت بنميري ونظام مايو، بيد أنني أكاد أذكر بالحرف إجابة نقد، وكانت فحواها أن البلاد تتحمل انقلابا عسكريا، وتستحمل انتفاضة أيضا، فالسودان والكلام لا يزال لنقد بلد عضمه قوي، وأي محاولة للقول بأنه لا يحتمل هذه مجرد تبريرات، وواصل نقد (ليه ما تستحمل، هي حتستحمل أكثر من الذي تتحمله الآن وأكثر من الحاصل).. تلك كانت كلمة وشهادة نقد في قوة عظم السودان، نعم فالشعب السوداني ما يزال (عضو قوي)، وما يزال السودان البلد (عضو قوي) بخيراته وموارده الظاهرة والباطنة، وما يزال شبابه نبيلا وأصيلا، فمع كل المحن والإحن والأزمات والخلخلة الاجتماعية والزلزلة الاقتصادية التي ضربته وما تزال في اللحم الحي، وكانت كل هذه البلايا والرزايا كفيلة بتفكيك عراه وتشتيت شمله والقضاء على محاسنه وفضائله ومزاياه التي جبل عليها وعرفتها عنه كل الأمم والشعوب وشهدت بها، إلا أنه سيظل صامدا وراسخا وثابتا بإذن الله يقاوم كل هذه المصائب، ويجتهد ما وسعه الجهد للمحافظة على إرثه الأخلاقي والقيمي، وهذه وحدها ضمانة كافية..

الوسومحيدر المكاشفي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الشعب السودانی هذه الحرب ما یزال

إقرأ أيضاً:

بين مطرقة المستقبل وسندان الأمل.. هل أختار الدراسة أم العمل؟

بين مطرقة المستقبل وسندان الامل.
هل اختارالدراسة ام العمل؟
سيدتي، بعد التحية والسلام اتوسم الخير الكثير منك ومن خلال هذا المنبر حتى أحظى منك بردّ يردّ إليّ الروح، كيف لا وانا في حيرة من امري ولا مناص لي سوى التدبر في رأيك السّديد.
سيدتي، لا يخفى عليك أنه من الصعب جدا أن يجد الإنسان نفسه مضطرا للاختيار بين طريقين، طريق الأحلام والطموح الذي كنت أصبو إليه منذ الصغر، وطريق الحياة الواقعية التي تفرض عليّ أن اكمل مشوار الألف ميل الذي بدأته بأولى خطواتي في الدراسة.
سيدتي أنا فتاة في الـ21 من عمري، طالبة جامعية والحمد لله متفوقة في دراستي، لكنني أعيش ظروف عائلية صعبة نوعا ما، خاصة بعد وفاة والدي، والذي كان هو المسؤول عن كل نفقات المنزل، لكن غيابه غيّر حياتنا، وانقلبت الأمور رأسا عن عقب، ولم يعد لوالدتي وأختي الصغرى حلا سوى أن أعمل لأجني مالا نحفظ به ماء الوجه، جاءتني فرصة عمل مغرية بالمقارنة مع ما نعيشه من أوضاع، لكن هذا حتما سيقودني إلى التوقف عن الدراسة ما يعني أن حلمي الذي سطرته منذ الصغر سيتبخر في سبيل إعالة أهلي.
سيدتي سأكون صريحة معك، أجل أنا مستعدة للتضحية من أجل أمي التي كرست حياتها وتحملت مر العيش لأجلنا، لكن من جهة أخرى أنا حزينة لأنني سأتخلى عن حلمي في الدراسة الذي كنت أراه أبعد من هكذا بكثير، فماذا أفعل وأيهما أختار حتى لا أقع في الندامة يوما ما؟ وشكرا لكم.
أختكم ه.مروة من الشرق الجزائري.
الرد:
مرحبا بك أختاه بين احضان موقعنا الأغرّ وأتمنى من المولى ان يلهمك السداد والصواب لما فيه خيرا لك ولعائلتك ومستقبلك أيضا، قبل كل شيء لابد عليّ أن أشكر مشاعرك النبيلة تجاه عائلتك، وتضحياتك من أجل مساعدتهم، كما أهنئك فرصة العمل التي جاءتك فكل التوفيق لك.
عزيزتي، إن مسألة الدراسة لا ترتبط بالعمل، فحصولنا على منصب لا يعني التوقف عن الدراسة، أيضا الدراسة لا ترتبط بمرحلة عمرية معينة، فالعلم ينبغي أن يُطلب من المهد إلى اللحد، أو كما قال الإمام أحمد وقد سألوه: إلى متى تحمل المحبرة؟ فقال: “المحبرة إلى المقبرة”
لذا أنا اقترح عليك اغتنام فرصة العمل، وتأجيل الدراسة إلى حين تأتي الفرصة المناسبة وتكملينها، فلربما سمحت لك ظروف العمل بمزاولة دراستك وتحقيق حلمك في وقت واحد مادام الهدف من الدراسة هو كسب المعرفة وتطوير المهارات التي تعينك على التألق التميز في العمل والحياة.
تخلصي من الخوف الذي يجعلك مترددة في اتخاذ القرار، وتيقني أن المستقبل بيد الله، واعلمي أن فرصة الدراسة ستظل مفتوحة مادام لديك حلم وهدف وإرادة، ومن هنا أنصحك باغتنام فرصة العمل، والاستمرار في الدراسة حين تسمح الفرصة، خاصة أنك لم تذكري تفاصيل كثير عن ظروفكم ولا مع من أنتم مقيمون حاليا، وتأكدي أن الله سيجازيك كل خير عن نيتك الطيبة وبرك بوالدتك ما دمت أنت أملها بعد وفاة والدك رحمه الله.

مقالات مشابهة

  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • مشعل: إغاثة غزة ضرورة للضغط نحو المرحلة الثانية من اتفاق إنهاء الحرب
  • المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان
  • بين مطرقة المستقبل وسندان الأمل.. هل أختار الدراسة أم العمل؟
  • لليوم الثاني العبور الجديدة تفتح صناديق التملك.. تخصيص 640 قطعة أرض في "القادسية والأمل"
  • اعملوا انتخابات جديدة.. ترامب يطالب الشعب الأوكراني بـ تغيير زيلينسكي
  • روبيو يشيد بالخطوات التي اتخذتها حكومة الشرع في سوريا
  • كفاك يعيد الطفولة المسلوبة.. ويمنح الأمل لأطفال مأرب.. حين تتكفل الإنسانية بما عجزت عنه الحرب
  • كيف يؤثر الغضب والشعور بالظلم على الألم لدى الإنسان؟
  • ما يزال وصول المنظمات الدولية إليها ممنوعاً.. الفاشر تتحول إلى “مسرح جريمة هائل”