لجريدة عمان:
2025-05-09@23:19:29 GMT

السيدة ميزون وطبيبتها آن

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

«الله. الله هو حافظي، وهو الذي يهتم بي».

لم تكن السيدة الجليلة ميزون بنت أحمد المعشني - والدة السلطان قابوس رحمهما الله - تعلم وهي تقول تلك العبارة بغضب لطبيبتها الإنجليزية آن كوكسون أنها ستكون السبب في اعتناق هذه الطبيبة الإسلام بكامل إرادتها. تقول الطبيبة - كما تروي لصحيفة الجارديان البريطانية، ثم للمترجمة فاطمة بنت ناصر في كتابها «بيبي ميزون والطبيبة آن» الصادر مؤخرًا عن مكتبة «قراء المعرفة» - تقول إن تلك القوة والثقة، وذلك اليقين الذي نطقت به السيدة ميزون تلك الكلمات وكأن هناك قناة مباشرة بينها وخالقها لا تجعلها بحاجة لأي وسيط، جعلتها - أي الطبيبة - تقول في نفسها: «هذا ما أحتاجه أنا أيضا».

وتتلخّص الحكاية في أن السيدة الجليلة أصيبتْ قبل ساعات من إطلاقها هذه العبارة بهبوط حاد في القلب ناجم عن إصابتها بالسكّري، ولأن القصر في صلالة معدّ طبيًّا بشكل ممتاز، فقد تمكنت الدكتورة آن من الحصول على كل ما تحتاجه لإسعافها. وتوضح الطبيبة أن مريض السكّري المصاب بهذا النوع من القصور المفاجئ في أداء القلب يظل يشعر بعد إسعافه وزوال الخطر عنه بإنهاك وتعب شديدَيْن، لأنه يكون كمن ضُخَّت في جسده كمية كبيرة من الأدرينالين. ولذلك فقد طلبتْ من السيدة ميزون الخلود للراحة وعدم مقابلة أحد في ذلك اليوم، لكن السيدة رفضت قائلة إنها ضربت موعدًا في ذلك اليوم بالذات للقاء بعض العائلات الظفارية التي تنتظر هذا اللقاء منذ العام الماضي وتعقد عليه آمالًا، ولا تريدها أن تعود خائبة. لم تجد الطبيبة مناصًا من الامتثال وحضور اللقاء وهي قَلِقة على السيدة التي كانت تُصغي لضيوفها باهتمام كبير، «ولم تُظهِر لهم أي إشارة عمّا مرت به من أزمة صحية كادت تقتلها قبل ساعات، بل كانت مهتمة بكل التفاصيل الصغيرة، حتى تلك المتعلقة بضيافة زوارها، بدءًا من تقديم الحلوى والقهوة وحتى رشّ ماء الورد في كفوفهم». وحين انتهى اللقاء كانت السيدة منهكة تمامًا، وقد تضايقت الطبيبة من ذلك فعاتبتها قائلة: «إنك تمنحين كل هذا العطاء للناس، فمن يعطيكِ أنتِ الاهتمام والرعاية؟ لماذا لم أرَ أحدًا قلِقًا بشأنك اليوم في المجلس، ولم يأمر أحد من الذين حولك بإنهاء ذلك الاستقبال وهم يرونك متعبة وشاحبة!»، وهنا غضبتْ السيدة الجليلة وقالت عبارتها تلك التي ستظلّ ترن في أذن الطبيبة لسنوات، إلى أن أعلنت إسلامها رسميًّا واختارت لنفسها اسم أمينة.

والحقيقة أن من يقرأ هذا الكتاب سيمتلئ إعجابًا بالسيدتين معًا؛ السيدة ميزون صاحبة الشخصية القوية، الكريمة، الصبورة، المقدِّرة للآخر، والتي استطاعت أن تقنع امرأة بريطانية مسيحية بالدخول في دينها دون أن تدعوها إليه بشكل مباشر، وإنما فقط بطريقة تعاملها معها، مجسِّدة العبارة المأثورة: «الدين المعاملة»، والتي كانت حسب شهادة الطبيبة «متقدمة على الكثير من القيادات النسائية في عهدها، وقد شجعت بشكل كبير على دخول المرأة [العُمانية] في كل المجالات». أما السيدة الأخرى التي تستحق الإعجاب فهي هذه الطبيبة التي اختارتها السيدة الجليلة من ضمن طاقم كبير من الأطباء البريطانيين والأمريكيين عندما رأتْ أنها منذ المقابلة الأولى جاءتْ مستعدة للعمل، والتي نلمَس من قراءتنا لحوارها مع فاطمة بنت ناصر أنها تتعامل مع الطب كمهنة إنسانية في المقام الأول، كما تثير إعجابنا بتدينها الحقيقيّ الذي يهتم بجوهر علاقة الإنسان مع ربّه أكثر من اهتمامه بالشكليات.

بالإضافة إلى حكايتها مع السيدة الجليلة، تسرد الطبيبة في هذا الكتاب أيضًا حكاية ثلاثة لقاءات جمعتها بالسلطان الراحل قابوس بن سعيد - رحمه الله - واستطاعت أن تقدم خلال سردها الجانب الإنسانيّ لجلالته واصفة إياه بأنه «كان لطيفًا بحقّ»، وتسرد كيف تأثرت أثناء حضورها الاحتفال بالعيد الوطني الخامس عشر وهي ترى مشهد الأطفال في المهرجان وهم ينفلتون من طوابيرهم راكضين نحو المنصّة التي يجلس فيها جلالته هاتفين باسمه، وتروي أنها سألتْ جلالته بعد ذلك: «كيف استطعتَ أن تتمالك نفسك وتسيطر على مشاعرك أمام هذا المشهد؟»، فأجابها مبتسِمًا: «لقد علمني الأمير تشارلز حركة مفيدة لمثل هذه المواقف، وهي أن أضغط بإبهامي على باطن يدي الأخرى، وقد عانيتُ بعد ذلك الحفل آلامًا في أصابعي لمدة أسبوع».

المثير للإعجاب في هذا الكتاب أن شرارة فكرته الأولى انطلقت من الفضول والتعطّش للمعرفة، فقد قرأت الكاتبة والمترجمة فاطمة بنت ناصر خبرًا قديمًا في الجارديان عن نساء بريطانيات اعتنقن الإسلام من ضمنهن طبيبة عاشت في عُمان تقول إن السيدة ميزون كانت سبب إسلامها، وهو الأمر الذي أثار فضول فاطمة لمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه الحكاية، ودفعها ذلك للبحث عن هذه الطبيبة رغم عدم تأكدها من كونها لا تزال على قيد الحياة، إلى أن عثرت على بريدها الإلكتروني وطلبت إجراء حوار مسجل معها. وهو الحوار الذي أنتج هذا الكتاب الجميل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیدة الجلیلة هذا الکتاب

إقرأ أيضاً:

التنين الصيني الذي يريد أن يبتلع أفريقيا

في منتصف تسعينات القرن المنصرم كان الباعة الصينيون يقفون قبالة الشوارع الرئيسية في العاصمة السودانية الخرطوم، يعرضون دهان الفيكس الرخيص بلا ثمن يذكر، حتى بدا وكأن ذلك نوع من التسول اللطيف، لكنهم في حقيقة الأمر كانوا مجرد طليعة كشفية لأنماط الثقافة الشرائية، هنا وفي معظم البلدان الإفريقية، أو بالأحرى مستعمرون جدد تزحف خلفهم مطامع اقتصادية بلا حدود.

وإن كانت تلك الشركات الصينية أمثال عمالقة النفط “سينوبك” و”كيونت” و”هاير” والمصانع المزدهرة في مقاطعة شاندونج وعلى ميناء غوانزو، وكذلك شركات الأسلحة والمسيّرات الصينية تستعمل استراتيجية تسويق عابرة للحدود، فإنها تسعى وبقوة لالتهام القارة السمراء بالكامل عما قريب.

على مدى أكثر من أربعة عقود تقريباً رقصت قاعة الشعب العظمى في بكين على وقع خطابات حكام الصين الشيوعيين، وكانت هذه الخطابات تترافق مع تصفيق مجازي للقائد ماو تسي تونغ، مدير الدفة العظيم، والملهم الأزلي للتجربة، وشيئاً فشيئاً فقدت قاعة الشعب بريقها الاشتراكي، ليظهر جيل جديد لا تستهويه الروح الأيديولوجية بأي حال، فكل ما يهمه الخروج إلى العالم وتأمين الازدهار الاقتصادي الكبير. كما لا يجب إغفال ملاحظات الاصلاحي دينغ زياوبينغ في بداية التسعينيات، حول عدم إمكانية الصينيين أن يصبحوا أثرياء جميعاً علامة سياسية مهمة، معتبرًا اللامساواة كثمن للتقدم، وقد أدرك دينغ أن القوة والثراء لا يتحدران ببساطة من داخل الحدود الوطنية للصين، فأطلق العنان لشركات بلاده لتقوم بالمهمة.
لبكين وبقايا مكونات الماركسية الماوية المحسنة أكثر من مدخل للتعامل مع الدول الإفريقية، فهى تختار صداقاتها بعناية، وتبني علاقتها مع دكتاتوريات قابضة، وعلى قطيعة مع العالم الليبرالي، مثل الرؤساء المتهمين بقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان، ضيوف محافل الإدانات السنوية في مجلس الأمن، وهؤلاء بالنسبة للصين صيد سهل التعامل معه. فهي من جهة تملك امتياز استخدام الفيتو لصالحهم، ومن جهة أخرى تمثل لهم طوق نجاة اقتصادي، فتنعم على الحكومات الإفريقية بالقروض الميسرة، والتسهيلات الائتمانية ومشروعات التنمية، من موانئ وسكك حديدية ومطارات، لكن ما هو المقابل؟

لا بد عن إلقاء نظرة قصيرة حول ما تقوم به الصين من نشاط اقتصادي هائل في أفريقيا. فهى تستثمر في كل شيء تقريبًا، وقد وصل حجم التبادل التجاري بينها والقارة الأفريقية نحو ثلاثمائة مليار دولار في العام 2015، فيما تمكنت المؤسسة الوطنية للنفط في الصين من امتلاك حصصٍ ضخمة في إفريقيا، تصل إلى 40% من مؤسسة النيل الأعظم للنفط، التابعة للحكومة السودانية، خلافاً لاستثمارات نفطية مُشابهة في جنوب أفريقيا، أثيوبيا، وأنغولا، وقد رفع منتدى التعاون الصيني الإفريقي الأخير وتيرة طموحات الرؤساء الأفارقة، والذين يواجهون مشاكل اقتصادية جمة، ولربما جعل منهم المنتدى منطلق لغزوات جديدة في أوطانهم، تعبر الصين فوق أحلامهم الصغيرة إلى حلمها الكبير.

إذًا وكما يبدو فإن الرباط الخانق الذي تضعه أمريكا والدول الأوربية حول رقاب الرؤساء الأفارقة، تحاول الصين بخبث حماية مدى إحكامه، دون تخليصهم منه نهائياً، حتى تحتفظ بهم تحت رحمتها، على الدوام، وفي حالة خوف ورغبة بالتنازل عن كل شيء مقابل الحُكم الأمن، وهنا يمكن للصين أن تحصل على ما تريد بسهولة.

بينما لا أحد يعلم بالضبط كم هى ديون الصين على الحكومة السودانية مثلاً، فالأرقام تتفاوت ما بين 5 إلى 7 مليار دولار، لكن ثمة جدل حول جدولة تلك الديون، وفشل في الإيفاء بها، أرغم حكومة الخرطوم للإذعان لكل شروط التسديد من جهة الصين، وذلك بعد زهاء عقود من التعاون الغامض، وابتداع آلية النفط مقابل المشروعات.

بمجازفة قليلة في الظن، يمكن القول أن تلك الديون مقصودة في حد ذاتها، وأن إغراق دول إفريقية بها هو هدف للوصول إلى هدف أكبر، غالباً بجعلها رهينة لإمداد نفطي دائم، وامتلاك أراضي استثمارية واسعة، قد تتحول بسببها إفريقيا في يوما ماء إلى أملاك إقطاعية خاصة بالتنين الصيني، أو مستعمرة تحت عيون الصين.

“العالم بأسره مسرح، وكل الرجال والنساء يؤدون دورهم فحسب” كانت تلك استعارة لائقة لشكسبير، ولكنها لن تحد من رغبة الصين في احتلال هذا المسرح الاقتصادي لأطوال فترة في المستقبل، وقد أدارت، أي الصين، عجزًا تجاريًا هائلاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أنها تمتص بشراهة مواد أولية ونصف منجزة، وتركز بصورة أساسية على النفط والعقود الطويلة في إفريقيا والشرق الأوسط.

ذلك التوسع التجاري والسيطرة على اقتصاد العديد من الدول النامية، يمكن في يوماً ما أن يحول بكين إلى حلقة حاكمة في السياسة الدولية، وبينما تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية قبل أعوام عن تجسس الصين على مقر الإتحاد الإفريقي لم تعبأ بكين بذلك ونفته، رغم أنه قد يكون صحيحاً، فهو أيضاً تسريب مفهوم في سياق التنافس الشره بين فرنسا والصين، وشعور الأولى بخسارات مستعمراتها القديمة من خلال الزحف الصيني عليها. لكنها مع ذلك لم تسفر الصين عن دوافع ظاهرة للهيمنة، فقط تسعى لتمكين شركاتها، وكل ما يهمها أن يتخلى أصدقائها الجدد عن تايوان، العدو اللدود، ولذا قطعت معظم الدول الإفريقية علاقتها بتايوان لضمان وصلها ببكين.

يحب القادة الأفارقة الصين، وتحبهم الصين بقسوة، فهي على الأقل لا تقض مضاجعهم بكوابيس مطالب “التداول السلمي للسُلطة”، كما أنها لا تبدو مشغولة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تتدخل في شؤون الحكم والسياسات الداخلية، ما يعني أنها النموذج المريح للتعامل، والذي لا يكسر بخاطر أحد، ومن هنا تقريباً تخلقت وشائج المنافع المتبادلة، كلغة وحيدة للتفاهم.

ولعل الصين التي تعتمد على إفريقيا في توفير ثلث مواردها النفطية طرحت نفسها كعاشق بديل، يبذل في سبيل مصالحه كل ما يمكن أن يداوي جراح صندوق النقد الدولي، والعقوبات الأمريكية، وتحاول أيضاً أن تغطي على كوارث الاستعمار القديم، بما يمكن أن يمنح الشعوب الإفريقية شعوراً بالزهو والتحرر، ولتحقيق ذلك عاودت فتح ممرات طريق الحرير القديم عبر المحيطات، كما لو أنها تبحث عن سلالة مينغ التي تزاوجت مع قبائل إفريقية قبل مئات السنين.

من المهم إدراك أن أكثر ما ينمي مشاعر القلق أن أفريقيا أصبحت مكباً للبضائع الصينية الرديئة، بينما خطوط الإنتاج الأولى تبقى من نصيب شمال الكوكب، والتي تعبر بخفة مقاييس الجودة والمواصفات، حتى أنه يمكن لجهاز آلكتروني أن ينفق في يدك خلال ساعات، دون أن تتوقف عمليات الشراء. وتحولنا نتيجة لذلك إلى مستهلكين شرهين، نؤمن حاجة الصين إلى خطوط إنتاج جديدة وفرص عمل لشعبها كل يوم، دون أن نعبأ بخساراتنا المديدة، وهذا باختصار مزعج بعض ما يمكن أن يقال عن اللعبة الاقتصادية الصينية.

عزمي عبد الرازق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو
  • حمدان بن محمد: على خطى محمد بن راشد تعلمنا أن المجتمع المتماسك هو الذي يبني الأمل
  • التنين الصيني الذي يريد أن يبتلع أفريقيا
  • الفاتيكان يختار أول بابا أمريكي عبر التاريخ.. وهذ اللقب الذي سيحمله
  • ماذا يعني اسم سيندور الذي أطلقته الهند على عمليتها ضد باكستان؟
  • حبس سائق متهم بالتحرش بأجنبية في السيدة زينب
  • كان منزلنا في قلب الحصار الذي فرضته مليشيا الجنجويد، المدججة بالأسلحة والمركبات
  • القبض على المتهم بالتحرش بأجنبية في السيدة زينب
  • ضبط سائق توك توك لمضايقته سيدة في السيدة زينب
  • دعاء السيدة عائشة للرزق أوصاها النبي به .. احرص عليه في الثلث الأخير من الليل