صدى البلد:
2025-12-13@22:14:02 GMT

منال الشرقاوي تكتب: بدايات ملهمة من عدسة السينما

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

مع بداية كل عام، نقف أمام صفحة بيضاء، نتأمل فيها ما مضى، ونتساءل عمّا سيأتي. يملؤنا الحماس أحيانًا، والقلق أحيانًا أخرى. لكن هناك شيء غريب يحدث حين تُطفأ الأنوار وتُضاء الشاشة أمامنا؛ فنجد أنفسنا نُمنح فرصة استراق النظر إلى حياة أخرى. فجأة، تتسع العدسة وتضيق، تُشرق الوجوه وتخفت، وتتحول القصة – أيًا كانت – إلى لوحة شفافة، تُسجّل عليها أفكارنا الهاربة وقراراتنا التي تهنا عنها وسط زحام الأيام.


السينما ليست مجرد حكايات تُروى، بل هي لحظات مُعلقة، مكتوبة بحبر من مشاعر لم نجرؤ على الاعتراف بها. في كل مشهد، يتسلل إحساس ما، تتبلور فكرة لم تكتمل، أو تتردد أمنية بين السطور. أحيانًا تأتيك الحكمة من مشهد عابر، من جملة أُلقيت بلا اكتراث، أو من موسيقى تصويرية تختبئ خلف لقطة صامتة. فتغوص في بحر من الحكايات السينمائية، التي لا تقتصر على إبهارك، بل تهمس في أذنك قائلة: “انهض... لا يزال هناك فصل لم يُكتب بعد”. 


من الأفلام التي أعتبرها على قائمة الصدارة من حيث الإلهام والقدرة على لمس القلوب، يأتي فيلم "The Pursuit of Happyness" البحث عن السعادة، إنتاج عام 2006، أخرجه الإيطالي جابرييل موكينو (Gabriele Muccino)، وبطولة النجم ويل سميث (Willard Smith)، الذي قدّم أداءً استثنائيًا يُعد واحدًا من أفضل أدواره السينمائية على الإطلاق.


الفيلم مستوحى من القصة الحقيقية لرجل الأعمال كريس جاردنر (Chris Gardner)، الذي بدأ من نقطة الصفر وواجه أصعب التحديات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه لم يفقد الأمل أبدًا. وسط الأزمات المالية والمشاكل العائلية، يظهر كريس كرمز حي للصبر والإصرار؛ فيُجسّد معنى السعي الحقيقي نحو الأحلام.


يعتمد فيلم "The Pursuit of Happyness" على واقعية مُباشرة تجعله قريبًا من المتلقي. تبدأ القصة من أدنى نقطة ممكنة في حياة كريس جاردنر، وهو اختيار ذكي من كاتب السيناريو "ستيفن كونراد"، حيث يضع الجمهور في مواجهة مع الواقع منذ اللحظة الأولى. يتبع الفيلم المنحنى الكلاسيكي للقصة (المقدمة، الصراع، الحل)، لكنه يُبرز الصراع كجزء جوهري من التجربة الإنسانية. يُبرز الفيلم التحولات التدريجية دون الاعتماد على أحداث درامية مفتعلة. فالصراع يتولد من المواقف اليومية، المتمثلة في السعي لإيجاد مأوى، فقدان المال، ومحاولته الموازنة بين دوره كأب وكعامل يكافح للبقاء.


"جابرييل موكينو" مخرج الفيلم، تبنّى منهجية إخراج تُركّز على تلك الواقعية، حيث جعل الكاميرا المحمولة أداة لنقل المشاهدين مباشرة إلى قلب حياة كريس، فاستخدم الكاميرا المحمولة بذكاء في العديد من المشاهد الخارجية، مثل تلك التي يظهر فيها كريس وابنه يتنقلان بين الملاجئ، مما أضاف بُعدًا وثائقيًا عزّز من مصداقية العمل.


ويل سميث استخدم تقنيات أداء تعتمد على الصمت والتعبير البصري، حيث حملت عيناه وحركاته كل مشاعر الألم والانكسار دون صخب أو مبالغة. وجاء وجود ابنه الحقيقي "جادين سميث" ليضيف بُعدًا من الصدق إلى العلاقة بين الشخصيتين، وهو ما انعكس في المشاهد العاطفية القوية التي لم تبدُ مصطنعة أو متكلفة.

 ساعد كل ذلك في إظهار تطور الشخصية بشكل تدريجي، من الانكسار إلى إعادة بناء الذات، وصولًا إلى لحظة التمكين النفسي في المشهد الأخير. 


"The Pursuit of Happyness" هو أكثر من مجرد فيلم ملهم؛ إنه عمل درامي متكامل يُجسد بأدوات سينمائية بارعة رحلة مُرهقة في دهاليز الحياة، حيث يصبح الأمل هو الحبل الوحيد الذي يُمسك به الإنسان كي لا يسقط. يأتي المشهد الأشهر حين يقول كريس لابنه:  "لا تدع أحدًا يخبرك أنك لا تستطيع فعل شيء. حتى أنا." ليقدم وصية إنسانية تُلخّص فلسفة الفيلم. تلك التي تؤكد أن الإيمان بالذات هو مفتاح الصمود أمام تحديات الحياة.


الحياة لا تضمن لنا فرصًا متساوية، لكنها تُعطي لكل منا لحظة اختبار حاسمة؛ لحظة تُقرر فيها إن كنت ستقف من جديد أم ستستسلم لليأس.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ويل سميث المزيد

إقرأ أيضاً:

شروط نتنياهو تكتب الفشل للمرحلة الثانية في غزة

كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، القول إنّ المرحلة الأولى لتنفيذ خطّة ترامب في غزة أشرفت على الانتهاء، وأنّه «يركّز الآن على المهمة المقبلة وهي، تجريد حركة حماس من أسلحتها ونزع السلاح في غزة. وهذا سيحدث إمّا بالطريقة السهلة (اتفاق) أو بالطريقة الصعبة (حرب)». جاء ذلك في خطابه في الكنيست الاثنين الماضي وفي مؤتمره الصحافي مع المستشار الألماني ميرتس. وأكد نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، أن الانتهاء الرسمي للمرحلة الأولى مشروط بإعادة جثة الإسرائيلي الأخيرة المتبقيّة في غزة.

يتجاهل نتنياهو أن وتيرة إعادة المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات فاقت كل التوقّعات الإسرائيلية والأمريكية. فقد صرّح ترامب أن هناك أقل من 20 محتجزا إسرائيليا حيا، وأن قسما منهم فقد الحياة، وتبين أن هذا غير صحيح، فقد عادوا جميعا. كما ردد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، أنّ حماس لن تعيدهم جميعا لتبقى عندها ورقة للمساومة، ولم يحدث هذا. وشكّكت إسرائيل بإمكانية انتشال جثث الإسرائيليين من تحت الركام في غزّة، خلال فترة قصيرة، وتوقع مسؤولوها أنّ هذا سوف يستغرق أشهرا طويلة وربّما سنوات، وجرى الحديث حتى عن إمكانية فقدان آثار عدد منهم إلى الأبد.

وقد أثبتت التطورات المتوالية في هذا الملف بطلان الادعاءات الإسرائيلية المتكررة، أن حماس «تماطل في إعادة المحتجزين وتخرق الاتفاق».

خروقات متواصلة
لقد بررت إسرائيل العقوبات الجماعية التي فرضتها على أهالي غزة، بالادعاء أن «حماس تخرق الاتفاق»، في حين أن الحركة التزمت به بالكامل من حيث تسليم المحتجزين، والالتزام التام بوقف إطلاق النار، حتى بعد أن خرقته إسرائيل مرارا وتكرارا. في مقابل التزام الطرف الفلسطيني، لم تف إسرائيل بتعهداتها، وخرقت اتفاق وقف إطلاق النار 738 مرّة، وبلغ عدد الضحايا 386 شهيدا و987 جريحا. كما أنّها لم تفتح المعابر ولم تسمح بدخول «مساعدات كاملة» كما وعدت والتزمت، إذ تدخل القطاع يوميا 145 شاحنة بالمعدّل من أصل 600 شاحنة نص عليها الاتفاق. وبالنسبة للوقود فقد دخلت غزة منذ وقف إطلاق النار 115 شاحنة فقط بنسبة حوالي 10% من 1100 شاحنة اتفق على إدخالها. وبعد هذا كلّه يردد نتنياهو، بوقاحته المعهودة، أنّ «حماس تخرق وقف إطلاق النار»، وتلحقه الإدارة الأمريكية، إمّا بإبداء التفهّم لما تفعله إسرائيل «دفاعا عن نفسها» أو بسكوت يعبّر عن الرضى أو عدم الاكتراث، ما بقيت الأمور تحت السيطرة ولم تنزلق إلى انهيار الاتفاق.

يبدو أن السلوك الإسرائيلي في المرحلة الأولى، لن يتغيّر في المرحلة الثانية لتنفيذ اتفاق ترامب. ولا مؤشّرات أنّ حكومة نتنياهو ستبدّل تعاملها في المرحلة المقبلة. العكس هو الصحيح، فهي ستواصل خرقها لوقف إطلاق النار والتضييق على المساعدات وعلى فتح المعابر، وسوف تنقل خروقات المرحلة الأولى كأدوات ضغط ومناورة في المرحلة الثانية. لقد كان من المفروض أن يكون دخول لمساعدات إنسانية كاملة، وفتح للمعابر ووقف فعلي لإطلاق النار، مقابل تسليم المحتجزين، لكن إسرائيل استلمتهم كما نص الاتفاق، لكنّها لم تدفع «الثمن»، إلا جزئيا واحتفظت لنفسها بالجزء الأكبر للمقايضة به لاحقا.

شروط نتنياهو
مع الحديث عن قرب إجراء مفاوضات حول المرحلة الثانية في غزّة صرّح نتنياهو أنها ستكون صعبة جدّا. قال ذلك لأنّه يعرف أن الاتفاق أصلا صعب على الهضم فلسطينيا، وأكثر من ذلك لأنّه يعرف أن شروطه هو لا يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون. وفي كل يوم يطلع نتنياهو ومن حوله بشرط جديد ليس موجودا في الاتفاق أصلا، أو بصياغة أكثر تشددا لشرط قائم. ويمكن تلخيص شروط نتنياهو، كما هي اليوم، بالتالي:

أولا، تجريد حركة حماس من أسلحتها. وهذا هو الشرط الأهم بالنسبة للمؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل. ويعتبره نتنياهو مفتاحا لإعلان النصر في غزة، فقد قال مرارا وتكرارا أنه حقق الانتصارات على إيران ولبنان وسوريا وبقي عليه غزّة، وهو يصر على نزع حماس من أسلحتها الثقيلة والخفيفة بلا استثناء، وخلال فترة وجيزة. ويبدو أن الولايات المتحدة تكتفي بنزع الأسلحة الثقيلة بشكل متدرّج، لكن لن نستغرب إن هي غيّرت موقفها وتبنت الموقف الإسرائيلي.

ثانيا، نزع السلاح عن غزة: والمقصود بهذا الشرط الإسرائيلي اتخاذ خطوات تمنع إدخال الأسلحة إلى غزة، وتشمل إنشاء جهاز مراقبة لضمان هذا الأمر. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني، قال نتنياهو إن ترتيبات نزع السلاح واجتثاث التطرف في غزة تشبه تلك التي فرضت على ألمانيا واليابان عند انتهاء الحرب العالمية الثانية متجاهلا انهما بقيتا دولتان مستقلتان وهو يرفض بشدة فلسطين المستقلة.

ثالثا، حكم غزة: ما زال نتنياهو يصر على مبدأ ألا تحكم غزة لا حماس ولا السلطة الفلسطينية، وألا يشارك في إدارة شؤونها من له علاقة بالفصائل الفلسطينية. وهو يقبل بسلطة حكم دولية مثل «مجلس السلام»، شرط أن يقبل هذا الجسم الشروط الإسرائيلية بخصوص «الإدارة الفلسطينية»، والقوات الدولية والشرطة المحلية.

رابعا، اجتثاث التطرف: وهذا شرط يضعه نتنياهو من حين لآخر على الطاولة ويربطه بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، وهو يمكنه من الادعاء دوما أن شروط الانسحاب لم تكتمل. ويعني هذا البند إحداث انقلاب في برامج التعليم وفي وسائل الإعلام وخطاب المسؤولين، بما يتلاءم ليس بالاعتراف بإسرائيل فحسب، بل بالاعتراف بها كدولة يهودية وكدولة اليهود، واجتثاث أي خطاب يناقض «حقها في الوجود كدولة يهودية».

خامسا، سيطرة أمنية كاملة: منذ بداية الحرب تردد إسرائيل أن أي تسوية في غزة تشمل هيمنة أمنية إسرائيلية مطلقة في الجو والبحر وعلى طول الحدود وفي داخل غزة، وسيطرة على المنافذ كافة وإخضاع كل ما يخرج أو يدخل القطاع لرقابة إسرائيلية مشددة.
سادسا، عدم الانسحاب الكامل: ترفض إسرائيل مبدأ الانسحاب الشامل من غزة، وتصر على الاحتفاظ ـ على الأقل – بشريط أمني على طول حدود قطاع غزة، وتروّج بأنه ضرورة أمنية لا تستطيع التنازل عنها. ويشكل هذا الشريط ما يقارب 15-20% من مساحة غزة.

سابعا، تركيبة القوات الدولية: تصر إسرائيل على حقها في قبول أو رفض مشاركة أي دولة في القوات الدولية، المزمع نشرها في غزة. وقد أعلنت أنها لن تقبل بقوات قطرية وتركية. وهناك قلق إسرائيلي من أن بعض الجهات في الإدارة الأمريكية ترى ضرورة مشاركة تركيا.
ثامنا، إعادة الإعمار: تريد إسرائيل أن تتحكم بمشروع إعادة إعمار غزة، من حيث الذين «تسمح» لهم بالمساهمة في إعادة الإعمار ومن حيث الأمكنة التي تأذن بإعمارها، إضافة إلى قيود بشأن مواد البناء والإنشاء وطرق إدخالها والرقابة عليها.

وإذا جمعنا هذه الشروط وغيرها من العراقيل والإملاءات الإسرائيلية، فإن إمكانية التقدم في المرحلة الثانية ليست صعبة فحسب، بل شبه مستحيلة. والذي قد يحدث في حال انسداد الأبواب السياسية هو العودة إلى الحرب الشاملة في غزة، بكل ما يعنيه ذلك من المزيد من الكوارث والدمار. هنا يلزم إعداد خطة فلسطينية – عربية بديلة، إذ لا يعقل أن تبقى خطة ترامب المجحفة هي الوحيدة المطروحة. ويجب الشروع في إعداد البديل فورا، لأن فشل خطة ترامب مصيبة إذا لم يتوفّر البديل، وقد يكون هذا البديل هو حبل النجاة.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • إلهام أبو الفتح تكتب: المناظرة الكبري
  • مكتبة المستقبل تنظم ندوة "بدايات جديدة" بمصر الجديدة
  • د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
  • اسماء عبدالعظيم تكتب: «حين سبقنا التطوير.. ونسينا الإنسان»
  • هند الخالدي.. حكاياتها ملهمة للأجيال
  • قيادة نسائية ملهمة.. هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر تُكرم الدكتورة منال عوض
  • د. إيمان شاهين تكتب: اتيكيت التعامل بين الأزواج في الإسلام
  • الشرقاوي: المشاركة الواسعة في انتخابات النواب تعزز الثقة في المسار الديمقراطي
  • عدسة صراحة نيوز ترصد أجواء جلسة النواب اليوم الخميس
  • شروط نتنياهو تكتب الفشل للمرحلة الثانية في غزة