يساري وقومي رحل وقلبه مع المقاومة وغزة (بورتريه)
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
أحد أبرز القادة العسكريين للثورة الفلسطينية على مدار تاريخها الطويل.
قائد وطني وقومي وتقدمي عربي، كان قائدا كبيرا واستثنائيا تمسك حتى لحظاته الأخيرة بالثوابت الوطنية والمبادئ التي دافع عنها، وفي مقدمتها المقاومة بجميع أشكالها حتى تحرير فلسطين.
كان يساريا أمميا ملتزما بقضايا الفقراء والمعذبين من أبناء شعبه والأمة العربية والعالم.
ولد داوود مراغة الذي عرف باسم "أبو أحمد فؤاد" لعائلة مقدسية في بلدة سلوان شرقي القدس المحتلة عام 1942.
انتمى منذ شبابه المبكر لحركة القوميين العرب، حيث تبلورت مبادئه الثورية في مواجهة المشروع الصهيوني، وانخرط في نشاطاتها السياسية والعسكرية في الأردن وفلسطين.
وكان لاحقا من أوائل المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عام 1967، إلى جانب المؤسس الدكتور جورج حبش (حكيم الثورة) ورفاقهم الآخرين: مصطفى الزبيري (أبو علي مصطفى) ووديع حداد وأحمد اليماني وغسان كنفاني وعبد الرحيم ملوح ونايف حواتمة، الذي انشق لاحقا ليؤسس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وأحمد جبريل الذي انفصل لاحقا ليؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة.
وفي هذه المرحلة من حياته تحول إلى الفكر الماركسي على أثر هزيمة حزيران/ يونيو1967، وخاض مسيرة نضالية حافلة تقلد خلالها مسؤوليات كبيرة داخل الجبهة حيث أنهى دورات عسكرية متقدمة في مصر وأوروبا الشرقية، وشارك في بناء القدرات العسكرية والتنظيمية للجبهة.
وشارك في معركة الكرامة في الأردن في عام 1968 التي تعتبر أول انتصار عربي على الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
تولى قيادة القطاع الأوسط في الأردن في أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى لبنان عقب خروج الفدائيين من الأردن، حيث قاد العمليات العسكرية للجبهة في جنوب لبنان.
شارك في بناء قواعد عسكرية تابعة للجبهة في جنوب لبنان، وأصبح مسؤولها العسكري هناك، وقاد العمليات العسكرية لقواتها أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978، كما شهد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982.
غادر اللواء أبو أحمد فؤاد لبنان إلى سوريا وأقام في دمشق، واختير مسؤولا للدائرة السياسية في الجبهة الشعبية، ثم اختير نائبا لأمينها العام في عام 2013 خلفا للقيادي في الجبهة عبد الرحيم ملوح ليواصل دوره الوطني في تعزيز نهج المقاومة والوحدة الوطنية.
مثل الجبهة في العديد من جولات الحوار الوطني الفلسطيني، بما في ذلك حوارات المصالحة في القاهرة عامي 2017 و2021، وكان يعتبر أن "الوحدة على قاعدة المقاومة المسلحة هي السبيل الأنسب لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني".
وعلى وقع ما أطلق عليه "الاتفاقيات الإبراهيمية "، وصف ما يجري بأنه " ليس تطبيعا بل عبارة عن تحالف". وقال إن هذه المرحلة هي "مرحلة سقوط غالبية النظام العربي الرسمي"، وأضاف "هذا الزمن يشهد على أن الجامعة العربية عادت لتكون مسؤولة عن تفتيت الدول العربية" وكان بذلك يشير إلى فشل الجامعة العربية في إدانة "اتفاقيات التطبيع" العربية، وذهاب بعض الدول العربية بشكل رسمي إلى مباركته.
كان يشدد باستمرار على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذا الوقت، "حتى نمنع أي اختراق فلا بد من وحدة حقيقية ضد المحتل والإمبريالية وكل أشكال الاستعمار والتطبيع". بحسب قوله. رافضا أن تشارك الجبهة الشعبية في أي حكومة قائمة على أساس "اتفاق أوسلو"، محذرا من أن "أي حكومة لا تكون على أساس وثيقة الوفاق الوطني، وإلغاء أوسلو وسحب الاعتراف بالكيان، وإلغاء التنسيق الأمني، لن تقوم لها قائمة".
متهما محمود عباس (أبو مازن) بأنه عطل الانتخابات من دون استشارة الفصائل، ومن دون اجتماع الأمناء العامين.
ورغم إصابة أبو أحمد فؤاد بالسرطان منذ نحو سنة، ورغم معاناته بسبب المرض في الأشهر الأخيرة ظل متابعا لتطورات المشهد الفلسطيني، ومنشغلا بمتابعة الحرب الوحشية على قطاع غزة.
ورغم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بقي مؤمنا بحتمية انتصار المقاومة، ورأى في صمود غزة وبسالة مقاومتها "دليل على قدرة الجيل الفلسطيني الجديد على خلق معادلات جديدة تضع الاحتلال في مأزق وجودي".
وكان يشخص الوضع في الضفة الغربية بأنه "انتفاضة ثالثة على الأبواب"، بغض النظر عن من وصفهم بـ"المصابين بالإحباط والتردد"، وذلك شرط "توفير كل الإمكانيات والوحدة الوطنية".
رحل تاركا إرثا وطنيا ونضاليا دفع بجميع الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية والمجتمع الفلسطيني إلى نعيه بكلمات مؤثرة.
وبوفاته، تغيب شخصية بارزة شهدت البدايات الأولى للكفاح الفلسطيني المعاصر، ليلتحق برفاق سابقين في الجبهة بدءا بجورج حبش، الذي تنحى عن قيادة الجبهة عام 2000، وتوفي عام 2008، ليخلفه أبو علي مصطفى الذي عاد إلى مناطق السلطة الفلسطينية بعد "اتفاق أوسلو"، واغتاله الاحتلال بصاروخ من مروحية في مكتبه برام الله عام 2001، ليخلفه أحمد سعدات الذي اعتقلته السلطة الفلسطينية بعد اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق رحبعام زئيفي ردا على اغتيال أبو علي مصطفى، ثم اختطفه الاحتلال من سجون السلطة عام 2006، وما يزال أسيرا في سجونها بانتظار اكتمال صفقة التبادل.
ويصف ماهر الطاهر نائب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي والقيادي البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صحة مراغة في الآونة الأخيرة بعد تدهورها، وقبل وفاته بقوله، " جسد أبو أحمد في السرير لكن قلبه وعقله في غزة، والتي كان واثقا من انتصارها على حرب الإبادة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الفلسطينية المقاومة الجبهة الشعبية فلسطين المقاومة الجبهة الشعبية ابو احمد فؤاد بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین فی الجبهة أبو أحمد فی عام
إقرأ أيضاً:
حزب الله.. الرقم الإسلامي الصعب
في 25 مايو 2000، تحقق أحد أهم الانتصارات في تاريخ الصراع العربي-الصهيوني، حيث انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله، منهية بذلك 18 عامًا من الاحتلال. كان هذا الانتصار بمثابة أول هزيمة عسكرية لإسرائيل في تاريخها، حيث أجبرت على الانسحاب دون شروط سياسية، مما أعطى المقاومة شرعية شعبية وعسكرية غير مسبوقة.
لقد أثبت حزب الله أنه “الرقم الإسلامي الصعب” في المعادلة الإقليمية، حيث اعتمد على استراتيجية عسكرية تعتمد على حرب العصابات والاستخبارات الدقيقة، بالإضافة إلى بناء شبكة اجتماعية وسياسية داخل لبنان عززت من قوته كحركة مقاومة وكمكون رئيسي في المشهد السياسي اللبناني.
لكن بعد عام 2000، واجه حزب الله تحديا جديدا يتمثل في الحفاظ على مكتسبات المقاومة وتطوير أدواتها في ظل بيئة إقليمية وداخلية متغيرة. ومع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، والضغوط الدولية التي أعقبت الخروج السوري من لبنان، تعرض الحزب لاستهداف سياسي وإعلامي مكثف، حيث حاولت القوى الموالية للغرب إضعاف نفوذه.
لكن حزب الله، بقيادة شهيد الأمة الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله استطاع أن يحول التحديات إلى فرص، حيث عزز تحالفه مع إيران وسوريا، وطور قدراته العسكرية بشكل كبير، مما مكنه من تحقيق انتصار جديد في حرب تموز 2006، حيث صمد أمام آلة الحرب الإسرائيلية وأثبت أن المقاومة قادرة على مواجهة الجيش الإسرائيلي الأقوى في المنطقة. بل وتطور دور حزب الله في جبهات المقاومة الإقليمية حيث لم يقتصر دور الحزب على لبنان، بل امتد إلى جبهات أخرى ضمن جبهات المقاومة، حيث لعب دورا محوريا في فلسطين وسوريا والعراق واليمن.
ومع كل تلك الانتصارات والنجاحات وعلى مدى السنوات، فقد تعرض حزب الله لاستشهاد عدد من قادته البارزين، أبرزهم القائد العسكري الكبير عماد مغنية، وكذلك عدد من القادة الميدانيين في سوريا. لكن هذه الخسائر لم تضعف من عزيمة الحزب، بل زادته إصرارا على الاستمرار في مسيرته الجهادية.
ولكن في عام 2024، تعرض حزب الله لضربة موجعة باستشهاد شهيد الأمة الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله، الذي كان يعتبر أحد أبرز القادة الاستراتيجيين في تاريخ المقاومة. ومع ذلك، أثبت الحزب مرة أخرى أنه مؤسسة قائمة على التخطيط المدروس، حيث عمل على إعادة تموضعه سياسيا وعسكريا، مستمرا في إرباك العدو الصهيوني وعملائه في الداخل اللبناني.
ورغم كل التحديات، يبقى حزب الله أحد أهم الفاعلين في المعادلة الإقليمية، حيث يحافظ على توازن الرعب مع إسرائيل، ويمثل ركيزة أساسية في محور المقاومة. وان القيادة الجديدة للحزب، وإن كانت تفتقد لبعض الرموز التاريخية، إلا أنها تسير على نفس النهج الذي رسمه مؤسسو الحزب، معتمدة على خطط مدروسة تعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة.
ذكرى التحرير ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي تأكيد على أن المقاومة هي الخيار الوحيد لتحرير الأرض ومواجهة المشروع الصهيوني، وأن حزب الله، برغم كل الضغوط، ما زال الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه.