تتويج ترامب وبزوغ عصر الإمبراطوريات
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
أمس الاثنين 20 يناير (كانون الثاني) 2025 تُوِّج دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة... وبوصوله تبرز أسئلة مصيرية: كيف ستكون سياسة الولايات المتحدة: تبشيرية أم انعزالية؟ وهل يستطيع ترامب تحقيق وعوده، وهل سيكون رئيساً أم إمبراطوراً؟
الإجابة تحتاج إلى مراجعات تاريخية وجيوسياسية، لكن تصريحات ترامب وأفعاله تدل على أنه سيكون إمبراطوراً.فأمريكا قبله كانت تتأرجح دائماً في سياستها الخارجية بين الانعزال والتبشير، الانعزال يدعو أنصاره إلى تجميل الديمقراطية أكثر داخل أمريكا لتكون منارة للعالم، والتبشير يدعو لفرض قيم الديمقراطية على الخارج لتزداد قوة أمريكا. ويبدو أن ترامب يرغب في كليهما معاً، ليحقق مثاله الإمبراطوري الروماني؛ فالرومان كانوا يرون أن نظامهم هو الأفضل، ونشروه بحماسة في العالم، فأصبحت عاصمتهم مضرب المثل: «كل الطرق تؤدي إلى روما» وتوازيه اليوم مقولة: «كل الطرق تؤدي إلى واشنطن».
يدرك المراقب لترامب أنه ليس أمام رئيس استثنائي؛ بل أمام إمبراطور كامل الأوصاف: تُحركه رؤيته، ومزاجيته، ولا يتورع عن التهديد، ويصادق من يحبهم، ولا يبالي بالانقلاب على تحالفات إذا أصبحت مرهقة له، ويبني بسرعة غيرها؛ البوصلة التي تحركه هي: الحفاظ على هيبته، وسطوته، وتوسيع الإمبراطورية قدر المستطاع. وكحال الأباطرة، لا يعير ترامب النظام العالمي الحالي اهتمامه، ولا يلقي بالاً للشكليات إذا كانت تعوق أهدافه؛ ففي الشرق الأوسط، كمثال، هدد «حماس» بأن جهنم ستُفتح إذا لم توافق على وقف إطلاق النار قبل موعد تنصيبه؛ وكان له ما أراد! ثم أرسل مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ليبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأوامره؛ وعندما تمنع عن لقائه متذرعاً بـ«السبت اليهودي» رد المبعوث على رئيس مكتب نتانياهو: «دَعْ عنك هذا الهراء وأبلغه ليأتي فوراً إلى المكتب للقائي»؛ انصاع نتانياهو مكرهاً! وعندما تعرضت إسرائيل لضربة من إيران، ومن حلف المقاومة، انتقد ترامب بايدن لتكبيله يد إسرائيل، وقال إنه سيعطيها كامل الحرية لتدمير أعدائها، ولم يبالِ بتبعات قتله قاسم سليماني مُروِّع الشرق الأوسط. وبهذا السلوك أوصل الرسالة إلى الشرق الأوسط ولأوروبا بأنه لا يمزح مطلقاً. وفعلاً قال للقادة الأوروبيين علانية: لن أحميكم إذا لم تدفعوا وسأترككم لقمة سائغة لبوتين؛ فرفع الأوروبيون ميزانياتهم لشراء أسلحة أمريكية وامتدحوا حكمته علانية؛ كذلك تفعل كوريا الجنوبية واليابان المحاطتان بمخاطر التوسع الصيني، والتعاون الدفاعي الجديد بين كوريا الشمالية وروسيا.
الإمبراطور لا يُعير النظام العالمي القائم اهتماماً؛ لأنه يصنع النظام الذي يناسبه؛ لهذا دعا ترامب، دونما اعتبار للقانون الدولي، الدنمارك إلى أن تتخلي عن جزيرة غرينلاند الغنية بالمعادن، والمهمة استراتيجياً له (مساحتها مليونا كيلومتر مربع)، وإلا فسيأخذها عنوة؛ الدنمارك ستضطر إلى أن تُقطِعه المناطق الشرقية من الأرض الخضراء بوصف ذلك أهون الشَّرَّين. وطالب ترامب رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، بضم كندا لتكون ولاية أمريكية، متحججاً بأنها تكلف الأمريكيين مبالغ ضخمة لدعمها اقتصادياً وحمايتها أمنياً، هذه المطالبة أعقبتها حملة إعلامية من حلقته الضيقة، وأبرزهم مالك منصة «إكس»، إيلون ماسك، الذي استهدف ترودو بتغريدات قوية ساهمت في دفعه إلى الاستقالة بعدما أصبح واضحاً أنه لا ينسجم مع ترامب. هذا الأسلوب من الطعن أصاب بريطانيا؛ الحليف التاريخي لأمريكا، عندما استهدف إيلون ماسك رئيس وزرائها، كير ستارمر، بتغريدات تصفه بمغتصب بريطانيا، قاصداً فشله في حماية القاصرات البيض من متحرشين آسيويين، ودعاه إلى الاستقالة، ولم يستطع ستارمر الرد، رغم أنه هو الذي حمى القاصرات، لخوفه من تبعات غضب ترامب! وتمادى ماسك في التدخل بالشؤون الداخلية بدعمه زعيم حزب الإصلاح البريطاني المتشدد والتبرع له بمائة مليون دولار، ودعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتشدد، وأحزاب يمينية أخرى، لتكون جميعاً رأس حربة في عالم ترامب.
اختار ترامب في حكومته مَن يُجِلّونه، ويخافونه، ويعملون لإرضائه، وخطط لإخضاع المؤسسات التي أعاقته في الولاية الأولى، وإذا ما استطاع التغلب عليها، فإنه سيكون هادم النظام العالمي القيمي المتأسس بعد الحرب العالمية الثانية، والباني الجديد لنظام الإمبراطوريات. وللأمانة؛ هذا النظام بدأته الصين ثم روسيا؛ فالصين تمددت في جنوب بحر الصين وشرقه على حساب دول الجوار، وعززت قدراتها العسكرية، وتوسعت تجارياً وعسكرياً ولا تزال، وعمل الروس على إحياء إمبراطورتيهم، فبدأوا حربهم في أوكرانيا باسم «الحق التاريخي»، وطوّعوا الشيشان ودولاً آسيوية، وعقدوا معاهدات ترسخ حلمهم الإمبراطوري. وبينما عارض رؤساء أمريكا السابقون الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ لخرقهما النظام العالمي القائم على القانون الدولي، يتباهى ترامب بأنه سيسترجع قناة بنما، وغرينلاند، ويضم كندا. ففي عالم ترامب المُنتظرة ولادته، ثمة مخاطر وأمل: المخاطر أن القوي سيأكل الضعيف، وستتدنى مرتبة حقوق الإنسان؛ والأمل أن تصمد المؤسسات الأمريكية، وألا يُجدَّد له لولاية ثالثة، ولا يُعيِّن خليفة. وإذا لم يتحقق الأمل، فعلينا نحن العرب أن نستعد جيداً لكيلا نصبح ضحايا احتراب الأباطرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب النظام العالمی
إقرأ أيضاً:
نيوزويك: هل كان قصف ترامب مواقع إيران النووية فكرة صائبة؟
قصفت الولايات المتحدة 3 مواقع نووية إيرانية في وقت مبكر من صباح الأحد، وفي ليلة الاثنين أعلن الرئيس دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.
هل كانت هذه الضربات فكرة صائبة؟ هل يجب على الولايات المتحدة السعي لتغيير النظام في طهران؟ وماذا قد يحمل المستقبل للحكومة الإيرانية؟ يتجادل في ذلك الكاتبان بمجلة نيوزويك الأميركية دان بيري ودانيال ر. ديبريتس:
دان بيري:بينما يتعيّن على الولايات المتحدة عادةً تجنب الحروب الخارجية واحترام سيادة الآخرين، فإن النظام الإيراني، الذي يمثل تهديدا إقليميا وعالميا، يفي بمعايير الاستثناءات. فقد دعم مليشيات ضربت الاستقرار في لبنان والعراق واليمن وغزة، وساند نظام بشار الأسد في سوريا، وهدد إسرائيل بشكل علني، وقد حدّت قدرة إسرائيل المحدودة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض من دون دور أميركي.
لذا، كانت الضربة السريعة والمحدودة -المصاحبة لتضليل ذكي وتوقيت متأخر، تلتها عروض للحوار مع تحذير إيران من التصعيد- حركة ذكية بشكل مفاجئ.
دانيال ر. ديبريتس:قرار ترامب بقصف 3 مواقع نووية إيرانية يوحي بأنه يعتقد أن الضغط العسكري سيدفع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد بدا وقف النار من جانب إيران بمثابة تأكيد على صحة هذا النهج. لكن المحادثات النووية لن تؤدي إلى اتفاق جديد إلا إذا ترك ترامب منهجه المتطرف جانبا. وحتى الآن، لا يطالب ترامب باتفاق نووي، بل بالاستسلام التام الإيراني، "أعطني ما أريد أو واجه المزيد من القوة العسكرية". ولا يشير أي شيء في تاريخ الجمهورية الإيرانية الإسلامية -الممتد لـ46 سنة- إلى أن هذا النهج يجدي. بل إنه يزيد خطر التصعيد، الذي كان سيؤول إلى كارثة.
رد دان بيري:أنا أؤيد بالفعل إنذارات ترامب. إن هذا النهج لم يُجرّب قط خلال 46 عاما من جنون إيران، وليس لأنهم لم يحاولوا، بل لأن أحدا لم يجرؤ على توقيت كهذا، فالهجوم المستمر الذي تسعى إليه إيران أسوأ من التصعيد، لأنه يحمل كارثة في كل منعطف. يجب على ترامب التمسك بمطالبه لتقييد تخصيب اليورانيوم، ومع وقف إطلاق النار الآن، نأمل في انقلاب قصر.
إعلان رد ديبريتس:لكن هذا النهج قد جُرّب من قبل. فنهج ترامب تجاه إيران اليوم يشبه بشكل لافت ما فعله عام 2018، عندما انسحب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات أشد على اقتصاد إيران، وعرض رفعها إذا وافقت طهران على اتفاق جديد، ونعلم كيف انتهى الأمر: الإيرانيون لم ينخرطوا، وردوا بتصعيد برنامجهم النووي، مما أدى إلى ما نحن عليه اليوم.
رد دان بيري مجددا:لا أعتبر إلغاء ترامب الاتفاق النووي "تحذيرا فعّالا". فالنظام الإيراني قادر على تحمل العقوبات، فهو لا يهتم كثيرا بشعبه، ولم يكن لترامب خطة للعودة إلى تخصيب متقدم. بالنظر إلى الإذلال الذي فرضته إسرائيل بالفعل، والتهديد باستخدام قوة قد تطيح بالنظام، قد تتراجع طهران عن عدوانها، أو قد ترد بهجوم. لكن لا يمكنك الهروب من كل معركة.
ديبريتس يرد:نحن نتفق على إلغاء الاتفاق النووي، لكن هنا تختلف وجهات نظرنا، هناك معارك ضرورية ومعارك غير ضرورية. معركة ترامب كانت من النوع الأخير. نعم، النظام الإيراني لا يهتم بشعبه، وأولويته القصوى هي البقاء. لكن علينا أن نسأل: هل تهديد تغيير النظام فعلا يجعل الإيرانيين يعودون إلى طاولة المفاوضات؟ أم يؤكد لديهم أن امتلاك السلاح النووي هو الوسيلة الوحيدة لضمان بقائهم؟
رد دان بيري:لا أعتقد أن "الذهاب لطاولة المفاوضات" هو الجدل الرئيسي، فإيران تؤخر المفاوضات كجزء من إستراتيجيتها. فهي دولة متنمرة تجاوزت الحد. إن حكم طهران، إذا كان ذكيا، سيصل إلى أن السلوك النووي العدواني وتدخلها في المنطقة، هو ما يؤدي إلى العداء الخارجي الذي يهدد وجودها. قد تردع الأسلحة النووية هجمات خارجية، لكن ليس ثورة داخلية أو انقلابا داخليا (السيناريو الأكثر احتمالا).
ديبريتس يواصل:لا أرى أن "انقلاب القصر" أو انتفاضة شعبية أمر مرجّح. نحن نُقلل عادةً من قدرة مثل هذه الأنظمة على الحفاظ على السلطة وسط تحديات داخلية وخارجية، ولنكن واقعيين، لا يوجد معارضة سياسية منظمة داخل إيران تشكّل تهديدا حقيقيا لخامنئي والملا. هذا لا يعني أنها لن تحدث في يوم ما، لكن ليس في المستقبل القريب.
دان بيري يختتم:على المدى القصير، ربما أنت على حق، لكن على المدى الطويل، بالتأكيد لا. تبدو الأنظمة الاستبدادية منيعة حتى تنهار فجأة، ثم يتفاجأ الجميع. يُنظر إلى الجمهورية الإسلامية كبذرة عربية في بلاد فارس، وستسقط في نهاية المطاف. وفي هذه الأثناء، لا بد من وقف طموحاتها النووية وصواريخها ومليشياتها بالوكالة. يجب أن تكون أي خطوة أميركية واضحة وسريعة وحاسمة، وموجّهة دائما إلى النظام، لا إلى الشعب. شعب إيران العظيم هم أصدقاؤنا. ذات يوم سيكونون أحرارا.
خاتمة ديبريتس:في أوقات الأزمات، يجب على القادة الأميركيين ضبط النفس، وفهم دوافع خصومهم، وضبط السلوك الاندفاعي. كان قرار ترامب بضرب المنشآت النووية الإيرانية اندفاعيا لأنه لم يكن ضروريا، فلم تكن إيران تشكل "تهديدا وشيكا" يستدعي استخدام القوة الأميركية استباقيا. فكرة أن طهران تجري سباقا محموما نحو القنبلة النووية هي حجة فارغة. إسرائيل تتعرض حقا لتهديد إيراني، لكنها خلال 20 شهرا أظهرت أنها قادرة تماما على حماية نفسها بما تراه ضروريا. وقد يكون تغيير النظام في إيران هدفا غير معلن لإسرائيل، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون هدفا للولايات المتحدة.
إعلان