صدى البلد:
2025-06-27@02:00:35 GMT

حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة

تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT

اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ما حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة؟ فهناك بعض الناس من أهل الفضل عليَّ، فهل يجوز لي أن أقوم بالدعاء لأحدهم في الصلاة مع تعيينه بالاسم؟".

وردت دار الإفتاء موضحة: أنه لا حرج شرعًا على الإنسان من تخصيص أحد من أهل الفضل - كوالديه أو أستاذه- بالدعاء له في الصلاة مع ذِكْر اسمه عند ذلك، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة.

مذاهب الفقهاء في حكم الدعاء في الصلاة بغير الوارد

من المقرر شرعًا بالكتاب والسُّنَّة استحباب الدعاء، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقوله سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]، وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 110].

ويدل عليه من السُّنَّة ما أخرجه أصحاب السنن والحاكم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ﴾ [غافر: 60].

وما أخرجه الإمام الترمذي في "سننه" من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ».

وعلى ذلك اتفاق جمهور الأمة من العلماء والفقهاء والمحدثين.

قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 395، ط. دار الفكر): [اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدِّثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحبٌّ] اهـ.

حكم الدعاء في الصلاة

الدعاء في الصلاة مشروعٌ، إلَّا أن فقهاء الحنفية -في ظاهر الرواية- قيدوا ذلك بكون ألفاظ الدعاء موجودة في القرآن الكريم.

قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (2/ 277، ط. دار الكتب العلمية): [م: (قال: ودعا).. (بما شاء) ش: أي بالذي شاء م: (مما يشبه ألفاظ القرآن) ش: أراد به كون لفظ الدعاء موجودًا في القرآن، وليس المراد حقيقة المشابهة؛ لأن القرآن معجز لا يشابهه شيء من كلام الناس] اهـ.

وذهب المالكية والشافعية إلى مشروعية الدعاء بكلِّ ما هو خير للعبد في الدين والدنيا والآخرة، وإن كان الدعاء بالوارد وما هو للآخرة أولى.

قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 251-252، ط. دار الفكر): [(و) ندب (دعاء بتشهد ثان) يعني تشهد السلام بأيِّ صيغة كانت.. (لا) يكره الدعاء (بين سجدتيه) ولا بعد قراءة وقبل ركوع، ولا بعد رفع منه ولا في سجود، وبعد تشهد أخير، بل يندب في الأخيرين، وكذا بين السجدتين؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واسترني واجبرني وارزقني واعف عني وعافني» (و) حيث جاز له الدعاء (دعا بما أحب) من جائز شرعًا وعادة إن لم يكن لدين بل (وإن) كان (لـ) طلب (دنيا..)] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 265، ط. المكتب الإسلامي): [ويستحب الدعاء بعد ذلك، وله أن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة، وأمور الآخرة أفضل... والصواب الذي عليه الجماهير جواز الجميع. لكن ما ورد في الأخبار أحب من غيره] اهـ.

واختلفت الرواية عن الحنابلة فيما يُشرع به الدعاء في الصلاة، فاتفقوا على مشروعية بما ورد من قرآن وسُنَّة، وأما غير المأثور فلا يجوز إلا إذا كان يوافق المأثور ويقصد به الآخرة، أما ما يقصد به تحصيل ملاذِّ الدنيا وحوائجها فاختلفت فيه الرواية عن الإمام أحمد أيضًا بين الجواز وعدمه.

قال الإمام المرداوي في "الإنصاف" (2/ 81-82، ط. دار إحياء التراث العربي) في الدعاء بغير الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية وما ورد عن الصحابة والسلف الصالح: [مفهوم كلام المصنف: أنه إن دعا بغير ما ورد في الأخبار: أن به بأسًا، وهو قسمان: أحدهما: أن يكون الدعاء من أمر الآخرة كالدعاء بالرزق الحلال، والرحمة والعصمة من الفواحش ونحوه، ولو لم يكن المدعو به يشبه ما ورد فهذا يجوز الدعاء به في الصلاة، على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه الجمهور.. وعنه: لا يجوز، وتبطل الصلاة به في وجه.. القسم الثاني: الدعاء بغير ما ورد، وليس من أمر الآخرة، فالصحيح من المذهب: أنه لا يجوز الدعاء بذلك في الصلاة، وتبطل الصلاة به. وعليه أكثر الأصحاب، وعنه: يجوز الدعاء بحوائج دنياه، وعنه: يجوز الدعاء بحوائج دنياه وملاذها] اهـ.

حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة

أما الدعاء في الصلاة لشخصٍ معين بذكر اسمه، فقد اختلف الفقهاء في مشروعيته: فذهب المالكية والشافعية، والحنابلة في الصحيح من المذهب إلى جواز ذلك.

قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 251-252): [(و) ندب (دعاء بتشهد ثان) يعني تشهد السلام بأيِّ صيغةٍ كانت.. (لا) يكره الدعاء (بين سجدتيه) ولا بعد قراءة، وقبل ركوع ولا بعد رفع منه، ولا في سجود وبعد تشهد أخير، بل يندب في الأخيرين، وكذا بين السجدتين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واسترني واجبرني وارزقني واعف عني وعافني» (و) حيث جاز له الدعاء (دعا بما أحب) من جائز شرعًا وعادة إن لم يكن لدين بل (وإن) كان (لـ) طلب (دنيا وسمَّى) جوازًا (من أحب) أن يدعو له أو عليه] اهـ.

وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (2/ 227، ط. دار المنهاج) وهو يُرجِّح عدم منع ذلك: [فتسمية الواحد منَّا في دعائه شخصًا وشيئًا بمثابة ما صحت الرواية فيه] اهـ.

وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 82): [يجوز الدعاء في الصلاة لشخصٍ معينٍ في الصحيح من المذهب، كما كان الإمام أحمد يدعو لجماعة في الصلاة، منهم الإمام الشافعي رضي الله عنهم] اهـ.

كما حقق العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي مشروعية ذلك؛ حيث قال في "البحر الرائق" (1/ 351، ط. دار الكتاب الإسلامي): [يمكن أن يقال: إنه على الخلاف أيضًا وإن الظاهر عدم الفساد به، ولهذا قال في "الحاوي القدسي": من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدِّين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه وجميع المؤمنين، وهو يفيد أنه لو قال: اللهم اغفر لي ولوالدي ولأستاذي لا تفسد، مع أن الأستاذ ليس في القرآن، فيقتضي عدم الفساد بقوله: اللهم اغفر لزيد] اهـ.

والقول بالجواز هو المختار، وذلك لموافقته لما ورد في السُّنَّة المطهرة من تخصيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشخاصًا بعينها في القنوت، فقد أخرج الإمام البخاري -واللفظ له- ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو في القنوت: «اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف».

ووجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر أشخاصًا بأسمائهم، وهذا أيضًا روي عن غير واحد من الصحابة الكرام والتابعين والسلف الصالح أجمعين رضوان الله عليهم.

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 450، ط. مكتبة الرشد): [روي عن ابن عمر أنه قال: "إني لأدعو في صلاتي حتى لشعير حماري وملح بيتي"، وعن عروة بن الزبير مثله. وكان رسول الله يدعو في الصلاة فيقول: «اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين، واشدد وطأتك على مضر». فإن قيل: يحتمل أن يكون هذا وقت إباحة الكلام في الصلاة، ثم نسخ بعد ذلك. قيل: قد روي عن السلف استعمال الحديث، ولا يجوز أن يخفى عليهم نسخه لو نسخ، فكان علي بن أبي طالب يقنت في صلاة على قوم يسميهم، وكان أبو الدرداء يدعو لسبعين رجلًا في صلاته، وعن ابن الزبير أنه كان يدعو للزبير في صلاته، فإذا انضاف قول هؤلاء إلى قول عروة وابن عمر جرى مجرى الإجماع؛ إذ لا مخالف لهم] اهـ.

ومما يدل على مشروعية ما ذهب إليه الجمهور من مشروعية الدعاء لشخصٍ معينٍ باسمه أيضًا ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء».

فالأمر بالدعاء جاء في الحديث عامًّا، والقاعدة أنَّ اللفظ العام يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخَصِّص أو مُقَيِّد. يُنظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).

وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة ما يدل على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

قال الإمام زين الدين العراقي في بيان وجه دلالة حديث "الصحيحين" المذكور سابقًا وغيره في "طرح التثريب" (2/ 291، ط. الطبعة المصرية القديمة): [فيه حجة على أبي حنيفة في منعه أن يدعى لمعينٍ أو على معينٍ في الصلاة، وخالفه الجمهور فجوزوا ذلك لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة] اهـ.

وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا حرج شرعًا على الإنسان من تخصيص أحد من أهل الفضل -كوالديه أو أستاذه- بالدعاء له في الصلاة مع ذِكْر اسمه عند ذلك، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حكم الدعاء في الصلاة حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة المزيد النبی صلى الله علیه وآله وسلم الدعاء فی الصلاة یجوز الدعاء قال الإمام اللهم اغفر فی الدعاء من المذهب رضی الله ولا بعد لا یجوز ما ورد

إقرأ أيضاً:

الإمام أحمد المرتضى.. أحد أئمة الزيدية اللامعة وصاحب المكانة الكبرى في الأوساط العلمية

يعد الإمام المهدي لدين الله (أحمد بن يحي المرتضى) أحد الاَئمّة الزيدية اللامعة نجمعها في اليمن ، عالم لايشق غباره، وبحر لا يبارى, أحد من ارتضع من العلوم لبابها، واكترع من لجج البحار عبابها، تلقى العلوم الاَدبية واللغوية والدينية من أُسرته وبلغ إلى حد بايعه العلماء بالإمامة بعد وفاة الاِمام الناصر صلاح الدين بن محمد عام ۷۹۳ هـ بينما بايع الوزراء ابن الاِمام الناصر يعني علي بن صلاح, فصارت الغلبة نصيب الثاني فسجن ابن المرتضى، ولقد كان التوفيق حليفه في السجن فتفرغ للتأليف وانتج آثاراً لها مكانة كبرى في الاَوساط العلمية لا سيما الزيدية إلى أن وافته المنية عام ۸٤۰هـ.

يمانيون|| أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال

نسبه الشريف:

هو الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن العفيف بن محمد بن المفضل بن حجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي بن المنصور بالله يحيى بن الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام, ووالدته الشريفة الفاضلة حصينة بنت محمد بن علي أخت الإمام المهدي علي بن محمد.

مولده:

كان مولده في سنة أربع أو خمس وستين وسبعمائة بمدينة((الهان )) آنس قضاء ذمار جنوب صنعاء وتبعد عنها بنحو مائة كيلو مترتقريباً.

 

أولاده:

الحسن، وشمس الدين

 

نشأته ودراسته :

نشأ على ما نشأ عليه آباؤه الأئمة الهادين فقد كانت حياته الأولى لمدة خمس سنوات أو ست في حجر والدته حتى توفيت رحمها الله ، فاحتضنته أخته الشريفة العالمة دهماء بنت يحي المرتضى وهي مشهورة في التأريخ بعلمها وأدبها ومؤلفاتها ، وبجانب أخته فقد كان أخوه الأكبر يشرف عليه أيضاً فتولى إدخاله المكتب لتعلم كتاب الله.

فلما اختتم كتاب الله حفظاً بداء يتعلم على يد أخيه في علم العربية فقرأ في النحو والصرف والمعاني والبيان قدر سبع سنين، وانتهى في هذه العلوم إلى غاية.

ثم أخذ في علم الكلام على أخيه الهادي بن يحيى، وتممه على شيخه العلامة محمد بن يحيى بن محمد المذحجي، فسمع (الخلاصة) ونقل (الغياصة) غيباً، ثم قرأ شرح الأصول وألقى عليه شيخه (الغرر والحجول)، ثم انتقل إلى علم اللطيف فقرأ (تذكرة ابن متويه) على شيخه المذكور، و(المحيط) أيضاً، ثم انتقل إلى أصول الفقه فسمع عليه (الجوهرة) وحققها، ثم نظمها في منظومة وفي خلال ذلك أخذ في قراءة (المعتمد) في أصول الفقه أيضاً ونظمها، ثم انتقل إلى (منتهى السؤل) فقرأه على شيخه أيضاً، ثم أخذ في سماع (الكشاف) على الفقيه المقري أحمد بن محمد النجري، وأما علم الفروع فجعل يسمع على أخيه بالليل ما قد جمعه على مشائخه ثم يختصر ما ألقاه عليه صنوه من الكتب التي يقريه فيها ويفتشها حتى ألف كتاباً مجلداً مبسوطاً مستوفياً للخلاف وكلام السادة ، وأخذ في نقل ما قد جمعه فلما تم ذلك توفي صنوه.

 

 

قيامه بالأمر ودعوته عليه السلام

بعد وفاة الإمام الناصر صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد سنة793ﻫ في صنعاء ، وصل القاضي عبد الله الدواري ومن معه من العلماء من صعدة ، ونصبوا ولد الإمام صلاح الدين محمد بن علي بن محمد، فانزعج لذلك جماعة من الفضلاء، وأشاروا إلى ثلاثة وهم: السيد الناصر بن أحمد بن المطهر بن يحيى، والسيد علي بن أبي الفضائل، والأمام المهدي أحمد بن يحيى فاستحضر بقية العلماء هؤلاء الثلاثة في مسجد جمال الدين واختاروا الإمام المهدي أحمد بن يحيى وبايعه هؤلاء وغيرهم، ثم خرج ـ عليه السلام ـ إلى بيت بوس ثم إلى بيت أرياب ثم عزم إلى آنس وتوقف في جهران ورصابة ونحوها من بلاد آنس ، ثم استقر في معبر وفرق من معه من الجموع وهناك غُدر بالإمام المهدي ومن بمعيته من العلماء في مدينة (معبر) فبقي في خواصه فأحاط به عسكر [الإمام] علي بن الإمام صلاح الدين وأًسر ـ عليه السلام ـ وقتل جماعة من أصحابه ثم سيق إلى سجن (صنعاء) مع أربعة ممن بقي على قيد الحياة من كبار العلماء، وهم القاضي سليمان بن إبراهيم النحوي، والقاضي أحمد بن موسى العباسي، والقاضي إبراهيم بن الفضلي، والسيد علي بن الهادي بن المهدي.

 

نبذة من حياته في السجن:-
دخل الإمام المهدي السجن في عام794ﻫ ، وعمره إذ ذاك ثلاثون عاماً على الصحيح، دخلة الشباب ونور العلم، ويقين المؤمنين، لذلك فلم يمكث فيه إلا قليلاً حتى تحول السجن إلى روضة من رياض العلم، وأصبحت زنـزاناته غرفاً وفصولاً يتدارس فيها الحكمة، ويتلى فيها بخشوع الصابرين كتاب الله، وصَلُح كل أهل السجن، وتتلمذوا على يده، وتعلموا منه الكثير من مسائل الدين.

في السجن ألّف الإمام (متن الأزهار، وشرحه بالغيث المدرار) وكان يجمع ما صححه لمذهب الهادي ـ عليه السلام ـ ويلقي ذلك على السيد علي بن الهادي وهو يكتبها في أبواب الحبس بجص أو فحم، ثم يتغيبه ويمحوه ويلقي عليه ـ عليه السلام ـ غيره وكذلك حتى أكمله في مدة حولين.


وبعد سبع سنين كاملة وأحد عشر يوماً خرج الإمام المهدي من السجن فراراً، ومعه حراس السجن المنصوري، واتجه نحو مدينة (ثلا) حيث التقى فيها بالعالم العظيم الفقيه (يوسف بن أحمد بن عثمان)، وكان يسكن هجرة العين القريبة من مدينة (ثلا) مدرساً وناشراً العلم فيه، ثم كاتبه الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، وطالبه بالوصول لفتح مدينة صعدة، فدخلها والإمام الهادي سنة (801ﻫ ) وفي الاتفاق الأول بينهما في هجرة (فلله) حيّاه الإمام الهادي بقصيدة رائعة منها:
تَبَلّج حبس بعد أن كان موصدا *** به قمر تزهو به الشمس والقمر
وما انفك عنه الحبس حتى تصدعت *** لهيبته أركانه الترب والحجر
وما جئت حتى أيس الناس أن تجي *** وسميت منظوراً وجئت على قدر
فلله من آت به الأرض أشرقت *** ولله من آت سقينا به المطر
فأهلاً وسهلاً ثم أهـلاً ومرحبـاً *** عديد الحصى والقطر والنمل والشجر

وقد أودع الإمام الهادي قوله:
وما جئت حتى أيس الناس أن تجي
المبرر لقيامه بأعباء الإمامة في بلاد صعدة، وهو اليأس من خروجه من السجن، هذا وقد عاد الإمام المهدي عليه السلام إلى مدينة (ثلا) للقيام بأعباء الرسالة الإنسانية الخالدة، رسالة العلم والهدى، قد قام بها أحسن قيام يشهد له بذلك ما خلّفه من تراث فكري عظيم صار وما يزال نبعاً عذباً فياضاً لكل وارد، وسراجاً وهاجاً لهداية الضالين وإرشاد الحائرين.

 

الإمام والجهاد :-

نلاحظ من سيرة الإمام المهدي عليه السلام أنه بعد أن خرج من سجن صنعاء جنّد نفسه للجهاد والجلاد، ولكن جهاده وجلاده في هذه الفترة لم يكن مع المنصور علي بن صلاح ولا مع غيره، وإنما كان مع الجهل والبدع والضلالات، جاهد هذا الثالوث الرهيب بلسانه وبيانه وسلوكه، وخرج بنفسه من أجل ذلك إلى القرية، وتجول في السهول حيثما تسكن القبائل وتأوي إليها النسور القشاعم من أحفاد الأنصار وأشبال أحفاد الأنصار، وفيها حمل راية الجهاد، ونادى بوجوب الاجتهاد، وبحرية وقدسية الفكر والرأي للانتقاد الحر، والإستنباط الحر من مصادر الإسلام الأولى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستفادة من الثروات الفكرية التي خلفها الأئمة الهادون والعلماء المجتهدون في كل أصقاع الأرض، ومن أجل ذلك ألف المؤلفات الشاملة، وحرر الرسالات الصادعة، وبدد الشبهات بالحجج النيرات، ولذا ظهرت بعض مؤلفاته في هذه الفترة على النحو التالي:

في (ثلا) وبعد خروجه من السجن ألَّف كتاب (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) وفيه تظهر آرائه وأنظاره الخاصة في كل المسائل التي اشتمل عليها الكتاب.

وفي سنة 816ﻫ سافر من (ثلا) إلى بلاد مسور، وفيه مكث ما شاء الله، وبدأ في كتابه (غايات الأفكار) وهو شرح لما تضمنه كتاب (البحر الزخار) من العلوم.

ثم رجع إلى مسور لزيارة أولاده، وفي هذه الفترة ألَّف (القمر النوار)، ثم نـزل (الدقائق) من بلاد لاعة وفيها ألَّف (حياة القلوب).

 

مصنفات الإمام:

ابتداء الإمام بالتأليف في سنه مبكرة حيث أن أول كتاب ألّفه كان في اللغة العربية وهو لم يبلغ العشرين من عمره حين صنف الكوكب الزاهر شرح مقدمة بن طاهر.

أولاً: أصول الدين :-

1- نكت الفرائد في معرفة الملك الواحد.

2- غرر القلائد في شرح نكت الفرائد.

3- القلائد في تصحيح العقائد.

4- الفرائد شرح القلائد.

5- الملل والنحل.

6- المنية والأمل في شرح الملل والنحل.

7- رياضة الأفهام في لطيف الكلام.

8- دامغ الأوهام شرح رياضة الأفهام.

ثانياً : أصول الفقه:

9- فائقة الأصول في معاني جوهرة الأصول.

10- معيار العقول في علم الأصول.

11- منهاج الوصول إلى شرح معيار العقول.

ثالثاً: الفقه:

12- البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار في سائر علوم الإجتهاد.

13- متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار.

14- الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار.

15- الإنتقاد للآيات المعتبرة للإجتهاد.

16- المستجاد شرح الانتقاد.

رابعاً: الحديث :

17- الأنوار في الآثار الناصة على مسائل الأزهار.

خامساً: الزهد :

18- القمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار.

19- تكملة الأحكام والتصفية من بواطن الآثام .

20- حياة القلوب في إحياء عبادة علاّم الغيوب.

21- شرح تكملة الأحكام .

سادساً: الفرائض :

22- الفائض في علم الفرائض.

23- القاموس في الفرائض.

سابعاً: المنطق :

24-القسطاس المستقيم في الجدل والبرهان القويم.

ثامناً: التاريخ :

25- الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر وأصحابه الغرر والعترة المنتجبين الزهر.

26- يواقيت السير شرح كتاب الجواهر والدرر.

27- تحفة الأكياس في سيرة آل أمية والعباس.

28- تزيين المجالس بذكر التحف النفائس.

29- الدرر المنيرة في فقه السيرة.

تاسعاً: اللغة :

30- الكوكب الزاهر شرح مقدمة طاهر.

31- الشافية في كشف معاني الكافية.

32- المكلّل بفرائد معاني المفصّل.

33- تاج علوم الأدب وقانون كلام العرب.

34- إكليل التاج وجوهره الوهاج.

الإمام والأدب :-
لم يقتصر الإمام المهدي عليه السلام على الرسائل والمواعظ والمؤلفات في نشر علومه وأفكاره ونظرياته طوال حربه الضروس مع الثالوث الرهيب: الجهل، والبدع، والضلالات، بل قرّض الشعر وحبر القصائد، لذلك الهدف الرفيع
فمن ذلك قصيدته التي سماها: (ظاهرة المواعظ وزينة الواعظ) ومطلعها:

أصحيفة سوداء وشيب أبيض *** ومنية أزفت وقلب معرض؟

وهي تزيد على سبعين بيتاً.

وقصيدته الموسومة (الدرة المضيَّة في ذكر أئمة العترة الرضية) ومطلعها:

لوميض برق لاح للمشتـاق *** أرسلت ودق سحائب الأحداق

وقصيدة منها:-

خاضوا المنية في مرضاة خالقهم *** وحكموا السيف في هام وأعناق
فكم أطارت سيوف الآل من قلل *** وكم دم في سبيل الله مهـراق

وهي نحو 60 بيتاً.

وقصيدته الموسومة (الزهرة الندية في صفة الدنيا الدنية).

وقصيدته الموسومة (سمط اللآل في الرد على أهل الضلال) ومطلعها:

الحمدلله على كل حال *** ما هاج بلبال وما قر بال

وقصيدته الموسومة (الزهرة الزاهرة بت**** الدنيا وتفخيم الآخرة) ومطلعها:

أمن نكبات الدهر قلبك آمن *** ومن روعات فيه روعك ساكن

ومن غرر قصائده قصيدة له عليه السلام في تذكير أبناء فاطمة الزهراء عليها السلام قوله:

إذا ما رأيت الفاطمي تمردا *** أقام على كسب المعاصي وأخلدا
فذاك الذي اكتسى ثوب عزّةٍ *** تبدل أثواب الدنائة وارتدى
فيا سوءتا للفاطمي إذا أتى *** أسير المعاصي يوم يلقى محمدا
فلو لم يكن إلا الحياء عقوبةً *** ولم يخش أن يصلى الجحيم مخلدا
لكان له والله أعظم وازع *** من النكر والفحشاء كهلاً وأمردا
فقل لبني الزهراء إن محمدا *** بنى لكموا بيت التقاء وشيدا
وإن أباكم حيدرا بعده الذي *** حماه وقد قامت إلى هدمه العدى
فلا تهدموا بنيان والدكم وقد *** تحسى أبوكم دونه جرع الردى
فشر فتى في العالمين فتى أتـى *** وقد أصلحت كفا أبيه فأفسـدا

 

وصيته رضي الله عنه

قال رضوان الله عليه في وصيته: (ويقول هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير المهدي لدين الله: أحمد بن يحيى بن رسول الله، أنه أوصى إلى عترته وأسرته، ويوصي بها كل مكلف مربوب، كما أوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب &وكفى بما وصف الله نبيه حيث قال: &وله مخاطباً لبني الفواطم، وما أحقهم بلزوم تلك المكارم، وأخلقهم بقبول النصح من إمامهم العالم المرشد إلى أعلا المعالم.

وفاته:

عاش أخير أيامه عليه السلام بالظفير ولم يزل بها حتى توفاه الله بالطاعون سنة أربعين وثمانمائة، ومشهده بالظفير مشهور- رحمة الله عليه ـ

((المراجع ))

الجرافي : عبدالله عبدالكريم / المقتطف من تأريخ اليمن. المؤيد : إبراهيم بن القاسم /طبقات الزيدية الكبرى . الشرفي : القاضي الحسين بن ناصر النيسائي المعروف بالمهلا / مطمح الآمال. الزحيف :محمد بن علي بن يونس المعروف بابن فند / مآثر الأبرار المؤيدي : السيد مجد الدين بن محمد رحمه الله / التحف شرح الزلف . .( معاصر ) الوجيه : عبدالسلام عباس رحمه الله / أعلام المؤلفين الزيدية..( معاصر ) الشوكاني : محمد علي / البدر الطالع بمحاسن القرن السابع . مشكور : د / محمد جواد / المنية والأمل. الحجري : احمد محمد / بلدان اليمن وقبائلها . الجلال : الحسن بن أحمد / ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار الحجري : محمد أحمد / معجم بلدان اليمن وقبائلها *تنويه للقارئ الكريم.. الصورة البارزة للمقال تعبيرية. الإمام أحمد المرتضى.. أحد أئمة الزيدية اللامعة وصاحب المكانة الكبرى في الأوساط العلمية Prev 1 of 6 Next جزء من مؤلفات الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • الإفتاء توضح فضل صلاة الجنازة على أكثر من ميت| قيراط من الأجر
  • دعاء آخر يوم في السنة الهجرية 1446 .. أستغفرك من عمل لا ترضاه
  • الإفتاء توضح مسؤولية الوالدين شرعًا تجاه الأولاد فيما يتعلق بالعبادات
  • الإمام أحمد المرتضى.. أحد أئمة الزيدية اللامعة وصاحب المكانة الكبرى في الأوساط العلمية
  • إدارات أمن عدد من مديريات إب تحيي ذكرى الولاية
  • أذكار السفر.. اعرف ماذا يقال عند الذهاب إلى مكان بعيد
  • لا تنسوا الدعاء فهو عبادة يحبها الله
  • حقيقة الإلحاح في الدعاء يكون بترديده 3 مرات فقط
  • الأزهر: في البحر أو بين الأهل الكل محتاج إلى الله