لجريدة عمان:
2025-08-03@14:20:06 GMT

الخوف الذي لا ينتهي إلا بالرحيل!

تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT

الخوف الذي لا ينتهي إلا بالرحيل!

لم أكن أعلم أن ثمة خوفًا جبارًا يترسخ في الذات الإنسانية، يعصف بالقلب والعقل وسائر الجسد مدى الحياة، هذا الخوف كان حاضرًا في مسارات الحياة جليا في عيون «أبي وأمي»، كنت كغيري من الأطفال الذين ينزعجون كثيرا من المراقبة الشديدة للخطوات والعثرات، ومن الحصار المطبق أينما توجهنا في سيرنا البطيء والتوجيه المستمر بالنهي والشدة، وأحيانا قسوة العتاب الذي لا يغيب عن البيت يوما واحدا، لكن عندما يداهمني المرض أجد أن لدي طاقمًا طبيًا وتمريضيًا يحيط بي من كل جانب، اهتمام لا يوصف وحلقة مترابطة تشد بعضها البعض من أجل العناية بي.

كان أبي مولعًا بجلب عصير البرتقال المعلب، كان حباته بمثابة حبوب أتناولها عند المرض، وأمي تشدد على ضرورة احتسائي لبعض المشروبات الساخنة كالزنجبيل والليمون وغيرها معتبرة كل هذه المحفزات أمرا ضروريا لطرد المرض الذي يتربص بي وبصحتي.

فلا تكاد أي وعكة صحية تمر بي، إلا وأجد «أبي وأمي» بجانب رأسي يراقبون الوضع عن كثب، وتفاصيل وجوههم تفضح ما يسرون في أعماقهم من قلق وخوف خاصة عندما تهاجمني الحمى بشدتها، أو تنهار مصادر القوة التي تعينني على الحركة بسهولة من آثار المرض.

هذا الخوف لم أحس بقوته وسطوته إلا عندما أصبحت في مكانهم، فالأطفال هم الدم الذي يسري في شرايين الجسد، والأم والأب هما الشموس التي تنثر خيوطها وضياءها في أركان المنزل والأماكن بشكل عام، وعندما تغرب شمس الضياء وترحل هذه الكواكب التي تحيط بنا تتهاوى أركان المنازل شيئا فشيئا وكأن الريح هي التي تعصف بكوخ أرهقته السنين وفقد الحياة برحيل من كان فيه، لا يموت الخوف إلا عندما يموت أصحابه.

فكم من منازل كانت عامرة بالحب والحياة؛ لأن أركانها كانت متينة وصلبة أمام التغيرات التي تحدثها السنين، المنازل التي كنا نحسبها بأنها صامدة أمام عجلة الزمن تهاوت عندما لم يعد هناك عائل يخاف على أطفاله.

لأول مرة أوقن بأن الخوف هو شيء إيجابي، رغم أن الصورة القديمة التي أحفظها له أنه شيء مرعب ومحزن، فكلما كان هناك خوف من الفقد كان هناك اهتمام بالغ يشعرنا بأننا نعيش الحياة بوجه مختلف.

الأجيال تسلم بعضها البعض... حقيقة لا جدال فيها، فهناك ترافق وتتالٍ ما بين جيل وآخر، الآباء والأمهات خوفهم يمتد منذ ولادتنا وحتى لحظة الفراق، البيت الذي تنطفئ فيه شمعة الأب أو الأم أو كليهما هو بيت مظلم لا حياة فيه ولا بقاء لسكانه.

سنوات من العمر تمضي ويزداد الخوف على الأبناء حتى وإن كبروا لا ينقص من حبهم وخوفهم يوما، أطفالنا لا يشعرون بمدى القلق الذي ننزفه كل لحظة حزن وألم نمر بصحرائها نحن الأمهات والآباء، هم لا يدركون بأننا نتمنى أن يبقوا ونحن من يرحل، لا يعرفون أننا نموت ونحيا معهم في كل عارض صحي أو نفسي أو اجتماعي أو أي خطر يحدق بحياتهم.

أطفالنا الصغار يكبرون أمام أعيننا ولا نزال نحس بأنهم لا يزالون صغارا حتى وإن تغيرت ملامحهم، رائحتهم القديمة، وتفاصيل مراحل أعمارهم لا تزول من أنوفنا، حتى وإن بلغوا من العمر ما بلغوا، بل تظل أشياؤهم معنا تتجدد كنهر يتدفق كل صباح ومساء ولا ينبض إلا عندما تجف ينابيع الحياة في أجسادنا التي ستبلى مع الزمن.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عُمان .. عندما تُعشق الشوكولاتة!

حامد منصور - 

فلنبدأ من البداية، عزيزي القارئ، فعندما عَلِمتُ بموعد سفري إلى سلطنة عُمان لأول مرة، كان عليّ أن أستعد ببعض الترتيبات وشراء المستلزمات، كالمَلابس وغيرها من الضروريات، وقد اشتريت - فيما اشتريت - حذاءً جديدًا غالي الثمن، فخمًا جميلا، وقد ارتديته في رحلة السفر.

وعند الوصول، كان في انتظاري بالمطار صديقٌ لي ليُوصلني إلى سكني الذي رتبه لي في العاصمة مسقط. وفي الطريق، ارتفع صوت أذان العصر، فتوقف صديقي أمام أول مسجد قابله حتى نؤدي الفريضة في الجماعة الأولى. وعند باب المسجد، خلعت حذائي وحملته في يدي لأدخل به المسجد حتى أضعه في مكان آمن، كما نفعل في مصر، خوفًا عليه من السرقة، خاصةً إذا كان غالي الثمن. وهنا تبسّم صديقي قائلا لي: «اتركه أمام باب المسجد ولا تخف، فلن يسرقه أحد».

فمزحت معه قائلا: «ومن يضمن لي ذلك؟» فتبسّم ضاحكًا مرة أخرى، وقال: «لا تقلق، الوضع هنا في عُمان مختلف تمامًا».

نفذتُ رأيه دون اقتناع مني، فتركتُ الحذاء أمام باب المسجد، وأنا في الحقيقة خائفٌ عليه وغير مطمئن.

وبعد انتهاء الصلاة، خرجتُ مسرعًا إلى حيث تركتُ الحذاء، فوجدته كما هو، لم تمتدّ إليه يد.

كان هذا هو انطباعي الأول عن عُمان، بأنها بلد لا تُسرق فيها الأحذية الفاخرة، حتى وإن تُركت بالطرقات. وقد كان هذا أول مؤشر لي عن مدى الأمان الذي ترفُل فيه عُمان.

ومضت بي الأيام مقيمًا في عُمان الحبيبة - نعم الحبيبة، هكذا أُناديها، وهكذا يناديها أغلب المصريين المقيمين بها - فأنت لن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تُناديها بهذا الاسم طالما أنك مقيم فيها.

مضت بي الأيام في هذا البلد الرائع، الذي ما زلت أكتشف فيه، يومًا بعد يوم، ما يُثلج الصدر ويُسعد القلب.

وإن كان المثال الذي سقته آنفًا بسيطًا جدًا، إلا أنه عميق المعنى، وليس استثنائيًا؛ فالحكايات عديدة، والروايات كثيرة عن أمن وأمان عُمان.

وفي أول إجازة لي، عدتُ إلى مصر، وبدأت أحكي وأحكي عن جمال هذا البلد، وطيبة ورُقي الشعب العُماني، ومدى الأمن والأمان الذي ترفُل فيه عُمان.

وحين كان يسمعني السامعون، كانوا ينقسمون إلى فريقين: الفريق الأول يقول: إنك مبالغ فيما تقول، فهي بلد كغيرها من البلدان، فيها الصالح والطالح من البشر، وليست يوتوبيا (المدينة الفاضلة).

وكنتُ أُجادلهم بالحجج القوية، قائلاً: نعم، أعلم أنها ليست يوتوبيا، وأعلم أن بها الطالح من البشر، لكن انظر إلى نسبتهم في المجتمع، حتى تنجلي لك الصورة؛ فالنسبة بسيطة جدًا جدًا مقارنة بباقي الدول والشعوب.

فالشعب في مجمله شعبٌ طيب، راقٍ، ودود، إنساني النزعة إلى أقصى الحدود، ويظهر ذلك جليًا في سلوكهم ومواقفهم وتعاملاتهم اليومية البسيطة.

فمن أبسط السلوكيات التي استوقفتني أنك قد تقف في الطريق تُلوّح لسيارة خاصة - ليست سيارة أجرة - فيقف لك صاحبها ليُوصلك حيث تريد، وأحيانًا يقف لك من تلقاء نفسه دون أن تُلوّح له، بل قد يُغيّر اتجاهه من أجل أن يُوصلك إلى وجهتك.

وحين تبادره بالشكر، يرد قائلا: «هذا واجب»، أو يقول الكلمة الدارجة عندهم: «أفا عليك»، وهي كلمة تعني: عيبٌ عليك أن تقول هذا الكلام، وتُنطق بفتح جميع حروفها، وعادةً ما يخطفها القائل عند النطق بها.

وحين يعلم بأنك مصري، لا يلبث أن يكيل المديح لمصر والمصريين، قائلا: «عَلَّمَنا المصريون، ودَرَّسونا في المدارس والجامعات، ولهم فضل علينا لا ننساه».

وهذا يُؤكّد مروءة وفضل العُمانيين، وذلك وفقًا للمقولة الشهيرة المنسوبة إلى سيدنا العباس بن عبد المطلب: «إنما يعرف الفضلَ لأهلِ الفضلِ أهلُ الفضل».

أما الفريق الآخر، فكان يُصدّق على كلامي، ويبدأ في سرد قصص يعرفها عن جمال عُمان، وطيبة شعبها، ومدى رُقيّهم.

وهي قصص - رغم أنها تبدو أشبه بالخيال - إلا أنها واقعية، صادقة، متشعبة، تُؤتي نفس المعنى الذي يجعلك تنتشي وتندهش من سمات وخصال هذا الشعب الراقي.

أخي القارئ، إني أصدقك القول، وأقول ذلك بناءً على ما رأيت، وما شهدت، وما سمعت، دون مبالغة، ولا إفراط، ولا تفريط.

فهو بلد بحق من أسمى وأرقى الأمم.

وفي التراث الإسلامي، جاء في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لعُمان وأهلها.

وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، من حديث أبي برزة الأسلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى حيٍّ من أحياء العرب مبعوثًا، فسبُّوه وضربوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ أهل عُمان أتيت، ما سبُّوك ولا ضربوك».

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أحببتُ هذا البلد حبًا جمًّا، وقد أكرمني الله فيه، فتحققت بعض أحلامي، والباقي في طريق التحقق بإذن الله.

وهو بلد متقدم جدًّا، ولا أقصد هنا التقدُّم الاقتصادي المادي فحسب، بل أقصد الرُّقي والتقدُّم الحضاري، فهما - في رأيي - المعيار الحقيقي للتقدُّم.

كذلك، فإني أحكم على مدى رقيّ شعبٍ من الشعوب بعاملين بسيطين جدًا، ولكنهما شديدا البيان والدلالة: أما العامل الأول: فهو أسلوب تعامل أهل السلطة والنفوذ داخل الدولة مع أفراد الشعب العاديين، وخاصة تعامل أجهزة الأمن مع العامة.

وفي هذا، حدث ولا حرج عن دماثة أخلاق ورُقيّ جهاز الشرطة العُماني، وغيره من الأجهزة الأمنية، في التعامل مع المواطنين والمقيمين، مهما اختلفت جنسياتهم أو دياناتهم، فهي معاملة تحفظ كرامة الإنسان، ولا تُهين آدميته، بأي صورة من الصور، حتى وإن كان مخطئًا أو مذنبًا.

أما العامل الثاني: فهو النظافة العامة للبلد؛ من طرق، ومنشآت، وحدائق عامة، بل وحتى الحمامات العامة - أعزك الله - فكل هذا في عُمان جميل، مرتب، نظيف.

وتحتل العاصمة مسقط ترتيبًا ممتازًا في قائمة أجمل مدن العالم.

أما الوازع الديني لدى العُمانيين، فحدِّث ولا حرج، فهم شعبٌ محافظ، متدين، سمح جدًا مع المذاهب والمعتقدات.

ودائمًا ما أجد عدد المصلين في صلاة الفجر في المسجد مقاربًا جدًا لعددهم في صلاة العشاء، وذلك مؤشر - إن علمت - عظيم.

كما أن الله عز وجل رزقهم شيوخًا وعلماء أجلاء، أصحاب هممٍ وعلمٍ وفقه.

ويأتي على رأسهم سماحة الشيخ أحمد الخليلي، الرجل ذو المواقف الشامخة، الذي لا يخشى في الله لومة لائم، والذي يُحبه أهل عُمان، ويُبجلونه جدًا، عن جدارة واستحقاق.

وبذكر الحب، لاحظتُ مدى حب العُمانيين لسلطانهم ووليّ أمرهم، حبًّا حقيقيًا، صادقًا، قويًا.

وقد ظهر ذلك جليًا مع السلطان المغفور له السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -، ورائد نهضتها الحديثة، المحبوب من أمته ومن الأمة العربية جمعاء.

وقد امتد هذا الحب الكبير إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق - أعزه الله - فجلالته خير خلف لخير سلف، حفظه الله وسدد خطاه.

ويبقى في الختام أن نُشير إلى حضارة عُمان الكبيرة، وتاريخها التليد الممتد لآلاف السنين، وبأسماء مختلفة.

فهي «مجان»، أي أرض السفن، لشهرة أهلها في صناعة وركوب السفن، كما تُرجمت أيضًا على أنها «أرض النحاس»، تأسيسًا على شهرتها باستخراج وصناعة النحاس منذ القدم.

ثم تأتي بعد ذلك «مزون»، وهو اسم مشتق من كلمة «المُزْن»، أي السحاب والماء الغزير، دلالة على الخير والرخاء.

أما في التاريخ القريب - القرن التاسع عشر - فقد كانت عُمان إمبراطورية ضخمة تمتد من بحيرات وسط إفريقيا غربًا، إلى مشارف شبه الجزيرة الهندية شرقًا.

وهي رقعة جغرافية شاسعة، انقسمت لاحقًا لعدة دول في واقعنا المعاصر، وكلها كانت تتبع الإمبراطورية العُمانية.

عذرًا، أخي القارئ، إن أطلتُ عليك الحديث، ولكن لديّ الكثير والكثير لأبوح به عن عُمان وأهلها. وأظن أن مقالة واحدة لا تكفي، ففي حب عُمان تُسطر السطور، وتُؤلف الكتب، وهذا أقل القليل تجاه هذا البلد الجميل.

فهي دولة حقًا جميلة، بل أكثر، وتستحق أن تُعشق. والمعيشة فيها أشهى من الشهد، وألذ كثيرًا من طعم الشوكولاتة.

ونختم كلامنا بقولنا: بسم الله ما شاء الله، تبارك الله على هذا البلد الطيب المبارك، اللهم احفظ عُمان وأهلها من كل مكروه وسوء، اللهم آمين، آمين يا رب العالمين.

مقالات مشابهة

  • على غرار حامد حمدان.. لوكمان يخرج عن صمته ويهاجم أتالانتا ويتمسك بالرحيل
  • دعاء الخوف والتوكل على الله.. ردده يحميك ويحفظك
  • صنعاء تحت قبضة الخوف.. اعتقالات حوثية تكشف تصفية حسابات داخلية
  • عرض زواج من السماء ينتهي بسقوط طائرة وكارثة في تركيا!..فيديو
  • عرض زواج من السماء… ينتهي بسقوط طائرة وكارثة في تركيا!
  • مظاهرات كسر الصمت.. فلسطينيو 48 يرفضون حرب الإبادة والتجويع في غزة
  • بين الخوف والحاجة: صراع على معبر زيكيم من أجل المساعدات في غزة
  • تحرك عسكري ضد نتنياهو .. حرب بلا جدوى(يجب أن ينتهي الأمر الآن)
  • قتيل ومصابون.. حفل محمد رمضان في الساحل الشمالي ينتهي بمأساة
  • عُمان .. عندما تُعشق الشوكولاتة!