يوم صفينا الجامعة الإسلامية في 1969: هل الحداثة شفاء أم تشفي؟
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
عبد الله علي ابراهيم
19 August 2019
(هذه مادة لا بأس أن يطلع عليها من رتب لحضور محاضرتي عن الشريعة وهوية السودان غداً بإذن الله لصلتها المباشرة بمادتها)
(دعا الدكتور حيدر إبراهيم في مقال أخير لنتخلص بالثورة من الجامعات الدينية: الجامعة الإسلامية، وجامعة القرآن الكريم، وجامعة أفريقيا العالمية. وأعادني هذا إلى أيام بعد قيام انقلاب 25 مايو 1969 أرجعنا جامعة أم درمان الإسلامية إلى بنيتها الأولى قبل أن تصبح جامعة في 1965، أي كلية للدراسات الإسلامية والعربية هي المعهد العلمي.
في حالة من حالات النفس اللوامة راجعت موقفنا الحداثي من الجامعة الإسلامية في ورقة لمؤتمر في التسعينات عنوانها "داحس الغردونيين والمعهديين وغبراؤهم: تخفيض قوام الجامعة الإسلامية عام 1969" نشرتها لاحقاً في كتابي "الشريعة والحداثة". وفيها قلت إن ذلك التخفيض للجامعة لم يكن خطأ سياسياً بحق آخر مغفوراً ربما فحسب، بل هو خطأ غير مغفور بحق مشروعنا الحداثي نفسه.
ورأيت، والنقاش قد يتجدد حول ماذا نفعل بالجامعات الإسلامية بثورة ديسمبر، أن تكون كلمتي عن خبرتنا مع الجامعة الإسلامية في 1969 عظة وعبرة بيد من أراد النقاش في الأمر الجديد.
ورغم ما يبدو في الظاهر من أن فكرة الجامعة قد تعود إلى حقبة الستينات في السودان إلا أن تطورها بشكلها هذا لهو بفضل د. كامل الباقر أحد خريجي المعهد المنتسب إلى عائلة الرئيس الأزهري الدينية المشهورة. ومن المؤكد أن كامل الباقر كانت تراود خلده فكرة تطوير المعهد وإصلاحه منذ أن كان طالبًا فيه في نهايات الثلاثينيات وبداية الأربعينيات. ولوعيه بضعة حال الجاهل باللغة الإنجليزية في بلد سادته الإنجليز، وحقيقة أن إهمال تدريسها هو المعوق الأساسي للمعهد، فقد انتسب كامل الباقر وهو صبي لم يتعد عمره الثانية عشرة بعد إلى مدرسة حديثة (الأحفاد) لتعليم الإنجليزية فيما واصل دراسته العادية بالمعهد.
والتحق كذلك بعضوية الجمعية الثقافية بالمعهد مشاركًا في نشاطاتها المختلفة بهدف إصلاح المعهد. ثم نال منحة دراسية مصرية في الأربعينيات ليدرس في دار العلوم، وبعدها تحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة أدنبره في عام 1953م. وعند عودته للسودان في عام 1956م أصبح مديرًا لوزارة الشؤون الدينية حديثة التكوين آنذاك.
ومن موقع السلطة والنفوذ هذا أخذ كامل الباقر على عاتقه إنزال حجته وفكرته المحورية من أن ازدواجية التعليم، التي ترتب تعليماً حديثاً ودينياً، لا أساس لها في الإسلام حتى أن تسمية مثل " التعليم الإسلامي" هي تسمية خاطئة معنىً ومبنى. وخطط الباقر لتطوير معهد أمدرمان فعليًا على مراحل ثلاث: أولها مرحلة تطوير المعهد نفسه (1958 -1963) وفيها تم تنفيذ خطة تحديث المعهد المتوارثة بكاملها فأصبح كليتين لتدريس العربية والعلوم الإسلامية. وتلت هذه مرحلة تطوره إلى الكلية الجامعية الإسلامية (1963 -1965م) استعدادًا للدخول إلى مرحلة الجامعة الكاملة.
على أن حقيقة منشأ الجامعة الإسلامية تكمن في مكابدة طلاب مدارس المعاهد الدينية الثانوية لضيق فرص العمل في المضمار الحديث الذي رزحوا تحته بسبب تعليمهم التقليدي والنضال المستمر لتحديث ذلك التعليم. كانت معركتهم ذات منحيين، فهم كانوا من ناحية يضغطون على الحكومة المتمنعة لتقبل حقهم في الدراسة والجلوس للامتحانات في قطاع المدارس الحكومية لنيل الشهادة الثانوية التي يتوسلون بها للدخول إلى مؤسسات التعليم الحديث كجامعة الخرطوم. وأفلحوا في نيل مبتغاهم في حوالي عام 1960 حينما سُمح لهم بالجلوس لامتحانات الدخول للكليات السودانية مثلهم مثل بقية طلاب المدارس الحكومية. وتوجوا نضالهم للتساوي مع المدارس الحكومية بقرار الحكومة إلغاء نظام المعهد العلمي التعليمي مرة واحدة واستيعاب طلابه في التعليم الحكومي القومي.
ومن ناحية أخرى كان طلاب المعهد قد ضاقوا بهيئة العلماء الدينيين والمدرسين المحافظين المشبعين إيمانًا بتقاليد المعهد لكونه آخر معقل للدين في البلاد. فقد قاوم هؤلاء المشائخ ما وسعهم التخلي عن المعهد العلمي من أجل رخصة تمنحها لهم الحكومة عطية لمزاولة العمل. وكان طلاب المعهد، على نقيض هؤلاء المشائخ، يتطلعون لأن يفتح لهم تحديث المعهد أبواباً للتعليم الجامعي ذي الشهادات العصرية الموثوق بها. ولاقى طلاب المعاهد العلمية الثانوية أولى بشائر نشوء الجامعة الإسلامية بالدخول في إضراب عام مساندة منهم لهذه الفكرة حتي لا يقبرها المحافظون المتربصون. فقد ارتاب الطلاب في لجنة تكونت على تلك الأيام لمراجعة أوضاع المعهد وغلبت فيها العناصر المحافظة التي كرهت تحول المعهد إلى جامعة حديثة. وقاتل هؤلاء المدرسون ذوو الميول المحافظة بعناد لا يلين لإبعاد مذمة التحديث عن المعهد. ورغم التحولات المهمة في مسيرة المعهد إلا أن أولئك المحافظين تشبثوا بما بقي حتى من أطلال معهد أمدرمان العلمي إلى سنة 1984م. وأدمجت تلك الأطلال لاحقاً في كلية القرآن الكريم التي تأسست عام 1982م إرضاء لخاطر هؤلاء العلماء. وقد أصبحت كلية القرآن الكريم جامعة في عام 1990م.
لقد استغلق أمر المعهد على الغردونيين استغلاقاً قادهم إلى قصر النظر وانسداد البصيرة. فاعتقادهم في تضاد المعهد مع التحديث بحيث أصبح "المشكلة" المعروفة لديهم، جعلهم عرضة لإيمان ساذج بوجود طريق أو وسيلة واحدة للتحديث. وفي واقع الأمر فإن نشوء الجامعة الإسلامية نفسه مما يقف دليلاً على أن التحديث مشروع لا مناص منه وإن اختلف الناس في طرائق فهمه وتبنيه. وقد سهر على تحديث المعهد طلاب استسخفوا الفكرة الاستعمارية التي فلقت التعليم بشكل اعتباطي إلى تعليم ديني منقطع للمعاد وآخر حديث تجهيزي للتوظيف والمعاش. ولم يقف بهم شغفهم بالحداثة عند تلك المحطة فحسب. فقد جاء وقت في السبعينات طالبوا فيه بالتعليم المختلط في الجامعة الإسلامية التي كانت قد خصصت كلية منقطعة للبنات. ولم يعجب ذلك المشائخ حتى ممن انتصروا لقيام الجامعة أول أمرها. وهذا بيان في أن التحديث غلاب والسبل إليه شتى.
كان تخفيض قوام الجامعة الإسلامية إلى سابق عهد المعهد العلمي خطلاً جانبه التوفيق في نواحٍ عديدة. فقد أظهر جهلاً "تقدميًا" لا يغتفر بالحقل المعرفي الثقافي والسياسي للتعليم الديني الذي أوى إليه أبناء الفقراء والريف والمعلمين الله. فليس يصح للتقدميين أن يصعروا خدهم لمطلب هؤلاء المحرومين في تعليم حديث يؤمن لهم الرزق ويفتح أمامهم فرص الترقي في الحياة. ومع ذلك فالجهل الذي أحاط بالمعهد وأحواله هو جهل متعمد وليس به سذاجة الجهل أو براءة المقصد. ويصدق على مثل هذا الجهل القاصد قول الأنثروبولوجي الفرنسي بيير بوردو عن "الجهل المستنير". فكتابات الغردونيين عن التاريخ الوطني في مقاومة الاستعمار، أو عن الفترة التي تلته، إما تجاهلت المعهد بالكلية، أو أبرزته في صورة لا تسر الناظرين. فناصر السيد في رسالته حول تاريخ التعليم الحديث لا يذكر المعهد إلا مقترناَ "بمشكلة تعريب" التعليم. غير أن الدكتورة سعاد عيسى تميزت عن أضرابها بإحقاق المعهد حقه حتى أنها انتقدت قرار تخفيض قوام الجامعة ووصفته بالتخبط التعليمي.
أما كتابا الدكتورين مدثر عبد الرحيم (1969م) ومحمد عمر بشير (1974م)، اللذان هما العمدة في تاريخ الحركة الوطنية مكتوبة من زاوية غردونية، فهما مثال في تجاهل دور المعهد عند سرد تاريخ تلك الفترة. وهو تجاهل اتفقا فيه على ما بينهما من اختلاف الفكر والسياسة: فمدثر إسلامي راسخ، ومحمد عمر كان علمانياً ذكياً. واتفاقهما إذاً هو أثر من الولاء للمؤسسة الغردونية والتشرب بعقائدها وحزازاتها. فقد أشار محمد عمر بشير إلى المعهد بثلاثة هوامش فقط مقارنة بأربعين إشارة خص بها كلية غردون وروادها من السلف الصالح ومؤتمر خريجيها اللوامع، بل والأعجب من هذا أن إشارته للمعهد كانت استخفافية. في حين لم يكلف مدثر عبد الرحيم نفسه حتى عناء إدخال اسم المعهد في فهرس الأسماء وإن أشار إلى مؤسسه، الشيخ أبو القاسم هاشم، بخصوص تعاونه مع السلطة المستعمرة.
فبتخفيضهم لقوام جامعة أم درمان الإسلامية فإن دُعاة التحديث واليسارية سلكوا مسلكًا متعجرفًا بحسبانهم الأوصياء الخلص على التحديث ومسيرته. وكان نتيجة ذلك مجانبة وازدراء لنظام تعليمي كان يلبي حاجات تنويريه شحيحة لمسحوقي البلد. وبافتقار التحديثيين اليساريين للتحليل السياسي المستوعب لحال المعهد نجدهم غضوا الطرف عن النضال التاريخي لطلاب المعهد من أجل نيل نصيب من التعليم الموصوف بالحديث. وخلافاً لخطاب التحديثيين التقدمي لفظاً فانهم، بما فعلوا بالمعهد، وجدوا أنفسهم طرفاً متطوعًا في تحالف مع من يتهمونهم "بالرجعية" في مملكة التعليم التقليدي. فقد تلاقت فكرتهم في خفض الجامعة الاسلامية إلى كلية للدراسات العربية والاسلامية في 1969 مع فكرة غلاة المشائخ الذين لم يريدوا للمعهد أن يترقى إلى جامعة يضمر فيها تخصصه التاريخي في الدراسات الإسلامية والعربية. أما عن مردود تخفيض الجامعة الإسلامية سياسيًا على التقدميين ففادح. فقد أبرزهم في مسوح الآخذين بثأرهم ممن ظلمهم بعد تهافت ثورة أكتوبر 1964. كما طبعهم بطابع من يتعامل برد الفعل. وهي صورة لا ينبغي لأي داعية إصلاح وتحديث أن يوصم بها.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجامعة الإسلامیة المعهد العلمی
إقرأ أيضاً:
مجلس التعليم العالي يفتح باب الترشح لرئاسة جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية
صراحة نيوز – يعلن مجلس التعليم العالي عن فتح باب الترشيح لشغل منصب كل من: رئيس جامعة اليرموك، ورئيس جامعة الطفيلة التقنية، وذلك اعتباراً من صباح يوم الأحد الموافق 10-8-2025، وحتى يوم الخميس الموافق 14-8-2025، ويشترط فيمن يرغب بالترشح لإشغال هذا المنصب أن تتوفر فيه الشروط الآتية استناداً لأحكام قانون الجامعات الأردنية رقم (18) لسنة 2018 وتعديلاته:
أن يكون أردني الجنسية.
أشغل رتبة الأستاذية كعضو هيئة تدريس.
ألا يكون عضواً في مجلس التعليم العالي.
على من يرغب بالترشح لشغل منصب رئيس جامعة اليرموك تعبئة (النموذج الموحد للبيانات الأساسية للمرشحين الموجود على الموقع الإلكتروني للوزارة)، ويرسل النموذج الموحد والسيرة الذاتية للمرشح لأمانة سر مجلس التعليم العالي إلكترونياً فقط على البريد الإلكتروني
وعلى من يرغب بالترشح لشغل منصب رئيس جامعة الطفيلة التقنية تعبئة (النموذج الموحد للبيانات الأساسية للمرشحين الموجود على الموقع الإلكتروني للوزارة)، ويرسل النموذج الموحد والسيرة الذاتية للمرشح لأمانة سر مجلس التعليم العالي إلكترونياً فقط على البريد الإلكتروني
كما قرر مجلس التعليم العالي اعتماد آلية تعيين رئيس الجامعة وفقاً لما يلي:
أولاً: تعيين لجنة الاختيار والإعلان عن الشاغر
يشكل مجلس التعليم العالي لجنة اختيار رئيس الجامعة من ثلاثة أعضاء على أن يكون أحد الأعضاء من مجلس أمناء الجامعة المعنية، ويتم طرح إعلان الشاغر لمدة أسبوع على موقع وزارة التعليم العالي وموقع الجامعة المعنية.
ثانياً: دراسة الطلبات المقدمة من المرشحين (خمسة أيام عمل بعد استلام الطلبات)
تقوم اللجنة بدراسة الطلبات لجميع المتقدمين حيث يقوم كل عضو من أعضاء اللجنة وبشكل منفرد بتصنيف المتقدمين إلى (قوي أو ضعيف أو خاضع للمناقشة).
تجتمع اللجنة لاختيار أفضل خمسة عشر متقدماً ويقوم رئيس اللجنة بإبلاغ المتقدمين الذين لم يجتازوا هذه الخطوة عبر البريد الإلكتروني.
ثالثاً: إعلام المرشحين المنتقلين للمرحلة التالية (خمسة أيام عمل من تاريخ تبليغهم بالبريد الإلكتروني)
تقوم اللجنة بإبلاغ المرشحين المنتقلين للمرحلة الثالثة ويطلب منهم إعداد فيديو قصير (مدته 3 دقائق) خلال خمسة أيام يشرح فيه توجهه في إدارة الجامعة خلال السنوات الأربع القادمة.
رابعاً: مراجعة فيديوهات المرشحين (خمسة أيام عمل)
يقوم كل عضو من أعضاء اللجنة بمراجعة الفيديوهات منفرداً قبل اجتماع اللجنة.
يصنف أعضاء اللجنة فرادى الفيديوهات المقدمة إلى قوي أو ضعيف أو قيد النظر.
تجتمع اللجنة للتشاور والبت في الطلبات التي تتطلب مزيداً من النقاش لتحديد ما إذا كانت ستقبل ثم تقوم اللجنة بالاتفاق على القائمة النهائية (5 مرشحين على الأكثر).
خامساً: المرحلة النهائية (عشرة أيام عمل)
يمنح المرشحون المختارون أسبوعاً للتحضير للمرحلة النهائية حيث يحتاج المرشح لهذه الفترة لإعداد نفسه لسيناريو محاكاة الرئيس، وللتحضير للتمرين المالي.
وتتم الخطوة الخامسة على جزئين:
الجزء الأول يتضمن المقابلات مع شركاء الجامعة من أصحاب العلاقة (Stake holders) وتهدف لإعطاء المرشح الفرصة لمعرفة المزيد عن الجامعة ومساعدته في الاستعداد للجزء الثاني.
الجزء الثاني: يتضمن عرضاً تقديمياً للارتباطات الخارجية للجامعة كما يراها المرشح وتهدف إلى قياس معرفته في الإدارة المالية والارتباطات الخارجية بالإضافة إلى صفاته القيادية، كما يتضمن سيناريو محاكاة الرئيس، والتمرين المالي، والمقابلة النهائية.
سادساً: المقابلة النهائية (يوم عمل)
يوزع رئيس اللجنة أسئلة المقابلة المعدة مسبقاً ونموذج التقييم على أعضاء اللجنة، ويقوم كل عضو في اللجنة بتعبئة النموذج قبل الدخول في مناقشة مع الآخرين، بما يشمل السيرة الذاتية ورسالة التغطية التي قدمها المرشح، والتغذية الراجعة عن كل مرشح من التمارين السابقة.
التوصية: (يوم عمل)
تعد اللجنة التقرير النهائي متضمناً التوصية بتعيين رئيس الجامعة وترفعه إلى مجلس التعليم العالي، ويطلب من المرشحين الذين وصلوا للمرحلة النهائية تقديم رسائل توصية من الجامعة/الجامعات التي عملوا بها، أو من مراجع أخرى إذا تعذر ذلك.