#جماعة_التبليغ_والدعوة
د. #هاشم_غرايبه
تأسست هذه الجماعة عام 1926 في الهند على يد الشيخ (الكاندهولي)، وأغلب نشاطها كان في الباكستان، لكنها سريعا ما انتشرت في الأقطار العربية، تحت مسمى دعوي هو التبليغ والدعوة.
هي تعلن أن مهمتها الخروج في سبيل الله، لتبليغ من لم تبلغه الدعوة الإسلامية، ومحاولة إدخاله للإسلام، وثانيا وعظ المتساهلين من المسلمين إلى الصلاة بوصفها عماد الدين.
لكن هنالك كثير من الشكوك بإنها إحدى الواجهات التي اخترقتها المخابرات البريطانية مبكرا، مثلما اخترقت الحركة الوهابية، وسلمتها لمخابرات الأنظمة العربية المتعاونة معها، لأجل الإبقاء على الوضع الذي حدده اتفاق (سايكس – بيكو) للأمة، ومنع نهضتها وتوحدها في دولة إسلامية من جديد.
وأسطع دليل على ذلك أن جميع وزارات الأوقاف، تمنع أي خطيب من الحديث في المساجد غير المعين من قبلها، فيما تسمح بذلك لهذه الجماعة المتجولة.
جوهر دعوة هذه الجماعة طمس الفكر الجـ.ـهادي، والاستغراق في العبادات الشعائرية الفردية، والى التبتل والنسك والزهد في الدنيا، وفصل الشريعة عن الشؤون العامة (السياسة).
وللتيقن من حقيقة الأمر، لو تتبعنا خطاب هذه الجماعة لوجدناه ليس بعيدا عن الجماعات المثيلة، كالوهابية والصوفية والأحباش وجماعات أخرى بمسميات مختلفة مثل حزب النور المصري، ولوجدناها جميعا تدعي أنها تنتمي الى التيار السلفي، الذي يعتبره الغرب والأنظمة الموالية له يمثل الإسلام المعتدل المقبول لديهم، والذي شعاره: دع الخلق للخالق، اي الاهتمام بالشعائرية والصلاح الفردي، وإهمال الصلاح المجتمعي، بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي لا يمكن تحقيقه إلا بأن يكون النظام السياسي إسلاميا.
هكذا جرى اختطاف السلفية الحقيقية التي تعني التمسك بأصول الدين، وتحويرها لصالح الدفاع عن الأنظمة التي أوكل لها المستعمر سجن الدين في المساجد، ومحاصرة الدعاة الى الحكم بمنهج الله.
فالسلفية الجهادية تدعو الى تحكيم شرع الله، والسلفية العلمية تدعو الى إسلامية الدولة، بل إن مؤسس السلفية (ابن تيمية) ارتكز أساسا على الجهاد، وحرّم عقد معاهدات التحالف مع الأعداء، وأول من رفض إطاعة ولي الأمر المسالم لمن احتل أرضا اسلامية، والمتخاذل عن الجـ.ـهاد.
لذلك فادعاء هذه الجماعات أنها سلفية، ما هو إلا لتمرير جوهر دعوتها المرتكز على العنوان المريب: طاعة ولي الأمر، وينكشف ارتباطهم بالأنظمة ورعاتها، حينما تراهم يتغاضون عن مخالفتها لأوامر كتاب الله الصريحة، بل يبررونها له بحجة أنه رآها في مصلحة الأمة، مع أن المبدأ الشرعي: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الشيخ الألباني كان ممن فطنوا الى خبث مقاصد جماعة التبليغ، وبيّن المآخذ عليهم، وأهمها نقصان علمهم، فهم يقرؤون من كتب معينه طيلة الوقت، ككتاب رياض الصالحين وحياة الصحابة، ويركزون على الرقائق دون الأحكام الفقهية أو العقيدة أو التوحيد.
مع كثرة هذه الجماعات المنضوية تحت ما يدعونه الإسلام المعتدل، لكن يبدو أن الاختراق الصـ.ـهيوني للأنظمة الحاكمة لديار الإسلام، بلغ من التمكن والتعمق لدرجة حرق المراحل لتوطيد العلمانية، ووصلوا سريعا الى مرحلة التخلص من كل إرث السلفية المعيق.
والحملة التي شنت ضد علماء الوهابية الذين لم يؤيدوا التحولات العلمانية، تبين أن كل جهود المنتمين للوهابية وأخواتها في تقديم الولاء للحاكم على الولاء لأحكام الشرع لم تشفع لهم.
فلو كان الدافع للملتحقين بهذه الجماعات نيل مرضاة الله، لما انزلقوا الى تقديم الفتاوي بتحريم الجـ.ـهاد، ولبقوا متمسكين بمنهج الله ورسوله، ولما قبلوا أيا من مخرجات التعديلات العلمانية.
فما هي مبررات فقهائهم لقبول إقامة معابد لعبدة الأصنام ومعابد المغضوب عليهم والمشركين على أرض الجزيرة!؟.
وأين أولئك المتشددين الذين طالبوا بطمس كل آثار الدعوة الإسلامية الأولى، مثل بيت خديجة ودار الأرقم وغيرها، بدعوى أنهم يحاربون البدع الشركية، لماذا لم نسمع لهم كلمة واحدة في شأن معبد بوذا؟.
وأين الذين كانوا يملؤون الفضائيات بفتاواهم التي تحرم الفنون وكل صنوف الموسيقى والغناء؟، لماذا انعقدت السنتهم ولم ينبسوا ببنت شفه وهم يرون مهرجانات العلا الصاخبة، ويشهدون المغيات العاريات في حفلات افتتاحها؟.
هل حجة تشجيع السياحة من المسوغات الشرعية!؟.
وأخيراً، السؤال الهام: كيف نميز بين السلفي الصادق في إيمانه، والمنافق المدعي السلفية؟.
الصادق هو من يناصر الدعاة الى إقامة الدولة الإسلامية، والمنافق هو من يناصر الحكام في قمعهم لأولئك الدعاة. مقالات ذات صلة الصمود الأسطوري والعودة للمنازل رغم الركام . . ! 2025/01/29
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه هذه الجماعة
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: الأزهر الشّريف مصدر رائد في صناعة المجدّدين والمصلحين
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الأزهر الشّريف كان – وما زال – مصدرًا رائدًا في صناعة المجدّدين والمصلحين في كلّ زمان ومكان، بما يحمله من مناهج علميّة رصينة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبما حباه الله من شيوخ أجلّاء أخلصوا النّيّة، وكرّسوا أنفسهم لخدمة دينهم وأمّتهم، فكانوا نعم القدوة، ونعم العطاء للإنسانيّة جمعاء، موضحًا أن صناعة المصلحين في الأزهر تقوم على ثلاثة محاور، تدريس المناهج العلميّة الرّصينة الّتي تقوم على إعمال النّظر، وإطالة الفكر، وحسن الفهم؛ حتّى يتخرّج الطّالب ممكّنًا في علوم الشّريعة الإسلاميّة، بمنهجيّة فريدة، وتعزيز التّكامل المعرفيّ بين العلوم والثّقافات والتّخصّصات؛ ليتخرّج الطّالب وهو على دراية تامّة بأصول العلوم الإسلاميّة والدّراسات الإنسانيّة، ممّا يمكّنه من التّعامل مع هذه العلوم برؤية وسطيّة معتدلة، واختيار النّابغين والمميّزين من أبناء الأزهر، وتقديم الدّعم اللّازم لهم، ورعايتهم رعايةً علميّةً ومجتمعيّةً خاصّةً؛ حتّى يحملوا راية الأزهر الإصلاحيّة والوسطيّة في الواقع والمستقبل.
جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر العلمي الأول «الأزهر وصناعة المصلحين» الذي تنظمه كلية العلوم الإسلامية للوافدين بجامعة الأزهر بالقاهرة
وأشار مفتي الجمهورية، إلى واحد من أبرز المصلحين الّذين صنعهم الأزهر الشّريف وربّاهم تربيةً إصلاحيّةً فريدةً، حتّى أصبح من أعلام التّجديد والفكر في العصر الحديث؛ وهو الأستاذ العلّامة، محمّد البهيّ، رحمه الله الذي يُعَد امتدادًا طبيعيًّا لمدرسة التجديد والإصلاح التي رفع رايتها الأستاذ الإمام محمد عبده – رحمه الله – مؤكدًا أن أبحاثه ودراساته قد تناولت ميادين العلم والمعرفة كافةً، بما يخدم الإسلام ويسهم في تقديم حلول لقضايا المجتمع، وأنه قد جعل من ذلك أساسًا ينطلق منه في مشروعه الإصلاحيّ المؤسّسيّ، بعد أن تقلّد منصب وزير الأوقاف وشؤون الأزهر سنة 1962م.
وشدّد المفتي على أن الأزهر الشريف قد أسهم بصورة جادّة وممتدّة في صناعة شخصيّة الدكتور محمد البهي، وفي تشكيل معالم مسيرته العلميّة والإصلاحيّة؛ فمنذ التحاقه بمعهد دسوق الدّينيّ سنة 1917م، ومرورًا بدراسته في معهد طنطا، وحصوله على الإجازة العالية من القاهرة، وصولًا إلى درجة الدكتوراه من جامعة "هامبورج" الألمانيّة سنة 1936م، في رسالته المعنونة: "الشيخ محمد عبده والتربية القوميّة في مصر"، تتجلّى معالم هذه الصناعة الأزهريّة الرّصينة، ويتّضح مقدار الإرث الإصلاحيّ الذي حمله وتفاعل معه فكرًا ومواقف.
وأضاف مفتي الجمهورية، أن المشروع الفكريّ والإصلاحي للدكتور محمد البهي – رحمه الله – قد تبلور على عدّة محاور مهمّة، أولها: مواجهة الفكر الماديّ، وتفكيك أسسه الفلسفيّة، وتفنيد مزاعمه، والردّ على ما أثاره أنصاره حول الإسلام والتاريخ الإسلاميّ، مع كشف زيف شعاراته التي روّج بها لمسمّيات خادعة مثل "العلميّة" و"التقدّميّة" و"الإنسانيّة"، وهي – في حقيقتها – جسور لتسريب الفكر اللادينيّ إلى عقول الشباب. وأشار فضيلته إلى أن كتابه "تهافت الفكر الماديّ التاريخيّ بين النظرية والتطبيق" يُعَدّ نموذجًا ناقدًا بارعًا في تفنيد دعاوى الماركسيّة، وبيان عجزها عن تحقيق ما تسمّيه "العدالة الاجتماعية"، أو الوصول إلى مجتمع بلا طبقيّة، وثاني هذه المحاور – كما ذكر فضيلته – هو مجابهة المذاهب الهدّامة التي سعت إلى خلخلة الثوابت وتشكيك المجتمع في عقيدته وقيمه؛ إذ بذل الدكتور البهي – رحمه الله – جهودًا واسعة في كشف أغراض العلمانية والماسونية والإلحاد، وفي تفنيد شبهات المستشرقين، فكان من الرّائدين في الرّد على دعاة التفكيك والارتياب، وكان كتابه: "الإسلام ومواجهة المذاهب الهدّامة" دليلًا ساطعًا على رصانة تفكيره وصلابة موقفه، أما المحور الثالث – حسب ما أوضحه فضيلة المفتي – فهو تقديم الإسلام كنظام إلهيّ متكامل قادر على معالجة القضايا المجتمعية المعاصرة، بعد تنقية المشهد الفكريّ من الشبهات والمفاهيم الدخيلة، وقد تناول الدكتور البهي ذلك في كتبه الثلاثة: "الإسلام في حلّ مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة"، و"الإسلام كنظام للحياة"، و"الإسلام والاقتصاد"، واضعًا أسس الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، برؤية ناضجة تجمع بين الثوابت الشرعيّة والحاجات الإنسانيّة المتجددة.
وبيّن المفتي أن إسهامات الدكتور محمد البهي لم تتوقّف عند الحدود الأكاديميّة أو المناصب الرسميّة، بل كان – في حقيقة الأمر – رجلًا ذا رؤية إصلاحية شاملة، استطاع أن يجدّد في مفاهيم الفكر الإسلاميّ، ويرسّخ معاني التوازن بين الأصالة والمعاصرة، مؤكدًا على ضرورة التوفيق بين ثوابت الشريعة ومعطيات العصر، بلا إفراط ولا تفريط. وقد تناول – رحمه الله – في كتاباته قضايا الجيل وإشكاليّات العقل المسلم، وسعى إلى تأسيس وعي حضاريّ راسخ يمكّن الأمّة من النهوض في ظلّ قيمها وهويتها.
كما أوضح المفتي إلى أن لهذا الدور الإصلاحيّ الذي اضطلع به الدكتور محمد البهي – رحمه الله – أثرًا عميقًا في بناء الفكر الإسلاميّ المعاصر، وفي مواجهة التحديات التي فرضها الواقع المجتمعيّ والسياسيّ في ذلك الحين، وهو ما يظهر جليًّا في كتابه الرصين: "الفكر الإسلاميّ الحديث وصلته بالاستعمار الغربيّ"، وفي جهوده المتواصلة لمواجهة المدّ اللادينيّ والماركسيّ، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تُثار من حين إلى آخر حول الإسلام وثوابته، حيث كان لفكره الأزهريّ المعتدل أثر كبير في تقديم الإسلام للناس كما هو؛ نقيًّا، صافيًا، بعيدًا عن تحريف الغالين، أو تأويل المبطلين.
ونبه مفتي الجمهورية إلى ضرورة الاستثمار في صناعة المصلحين، وإعدادهم إعدادًا واعيًا يجمع بين العلم والعمل، ويؤهّلهم لحمل راية الإصلاح الدينيّ والمجتمعيّ في الواقع والمستقبل، في إطار من التوازن بين ثوابت الدين ومعطيات الزمان، داعيًا إلى تعزيز أواصر التكامل والتعاون بين المؤسّسات الدينية والمدنية، لتحقيق الآمال والتطلّعات المرجوّة.
وفي ختام كلمته، توجّه مفتي الجمهورية بالدعاء بالرحمة والمغفرة للأستاذ الدكتور/ محمود توفيق – رحمه الله – مشيدًا بدوره الكبير في دعم قضايا الإصلاح، ومؤكدًا أنه كان أحد الأسباب الرئيسة في انعقاد هذا اللقاء العلمي المهم، بما عُرف عنه من جهد صادق وإخلاص في خدمة العلم والدعوة، مشددًا على أن قضايا الإصلاح في الأزهر الشريف لم تكن يومًا شأنًا عابرًا ولن تكون، وأن مسيرة التجديد الأزهري ممتدة في الزمان والمكان، تستمد قوتها من تراث راسخ، وواقع متغير يتطلب وعيًا ومسؤولية، مبينًا موقف الأزهر الشريف من القضية الفلسطينية – لا سيّما مأساة غزة – وأنها خير شاهد على استمرار هذا النهج، من خلال البيانات الرسمية، والمؤتمرات الداعمة، والجهود التي يبذلها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في مختلف المحافل، تأكيدًا على ثبات الموقف وعمق الرسالة.
هذا وقد شارك في هذا المؤتمر بكلمات علمية رصينة كل من فضيلة أ.د أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وفضيلة أ.د سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر، وفضيلة أ.د محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، وفضيلة أ.د محمد عبدالدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وسعادة أ.د نهلة الصعيدي عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين، رئيس المؤتمر، كما شهد المؤتمر حضور السادة نواب رئيس الجامعة، وعمداء الكليات، ولفيف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وقيادات الأزهر الشريف.