لجريدة عمان:
2025-07-01@16:06:18 GMT

التجديد الدائم للتوبة

تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT

التجديد الدائم للتوبة

وأنت في هذه الحياة تتقاذفك الأهواء والفتن والمحن، وتمر بظروف وأحوال لا يعلمها إلا الله، وقد تخبو شعلة الإيمان في قلبك، وتستحكم قبضتها عليك النفس الأمارة بالسوء، ومن خلفها الشيطان، فيزينان لك الفتن، فتقع في وحل المعصية، إلا أن باب الله الكريم مفتوح لعودتك، وكلما أسرعت بالعودة كما كان السبيل إلى النجاة يسير ومتاح، وقد قال الله تعالى في سورة النور: «‏‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» فالنداء عام لجميع المؤمنين، للمسارعة للتوبة طلبا للفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.

وإذا أمعنا النظر في التوبة وكيف أنها أول خطوة في العودة إلى الله والإنابة إليه، وهي منعطف التحول من المعصية إلى طريق الطاعة والالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، لوجدنا أنها ناضحة بدلالات كثيرة وعميقة، فهي إلى كونها ممارسة ذاتية تنبع من القلب، وتوجه خاص وذاتي لله عز وجل، في تجربة شعورية تتسم بالإخلاص لله تبارك وتعالى، وهي استعطاف لرحماته وكرمه ولطفه وغفرانه، ليعيننا أن نكون في صفة بشرية تنحو نحو الكمال، فالكمال النسبي للإنسان والحياة المثالية له هي أن يعيشها كما أراد الله له أن يحياها، فالمولى عز وجل يقول: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».

كما أن شعور الندم الذي يتزامن مع لحظة الانكسار لله تبارك وتعالى تجعل من هذه الحالة نوعا من الالتزام الذاتي أمام النفس ووعدا ضمنيا بعدم الرجوع إلى هذه المعصية، والإقلاع عنها وفرار إلى الله منها، والتجاء إليه، مما يكوّن حساسية عالية تجاه الذنوب والمعاصي، ويجعل المؤمن دائم المراقبة لله تبارك وتعالى، وهو الشعور الذي يجب أن يكون عند المؤمن، فقلبه معلق بين الرجاء والخوف من الله عز وجل.

وعلى الإنسان أن يكون دائم التجديد للتوبة إلى الله عز وجل، وأن يجعل هذا شأنه اليومي، من خلال محاسبة النفس، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية» وقد استقى الفاروق رضوان الله عليه هذه المعاني من روح الشريعة وأوامر القرآن الكريم، فالله تعالى يقول في سورة البقرة: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، فالإنسان أعلم بنفسه، وهو حجيجها أمام الله يوم القيامة، فالكيّس العاقل الفطن، من سعى لاكتساب الأجر وقام بتعمير آخرته، وعمل لما بعد هذه الدنيا.

وأبرز أداة لتجديد التوبة، وجعلها فاعلة في حياة المؤمن بدون عناء، هي الاستغفار، هذه الأداة التي تحيي القلب، وتجعله نابضا بذكر الله، وتغسل منه الأوساخ والأدران، وتنقيه وتصقل مرآته، لكي يسهل عليه استقبال النور الإلهي، وقد ضرب الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مثلا للذي يذكر الله ويستغفر ومن لا يذكر الله فقال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» فالغافل يعيش في الظلمات، يتخبطه الشيطان ويزين له المهالك، وتسوقه النفس على هواها، ويعيش في كآبة حالكة، وفي نكد دائم، بينما الذي يذكر الله يجد الله معه ينير طريقه، ويخرجه من الظلمات إلى النور، وبل ويجعل الملائكة تدعو له، وهذا مصداق لقول ربنا عز وجل حينما أمر المؤمنين بالذكر الكثير فقال: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» فثمرة الذكر الكثير أن الله يصلي على المؤمنين، وصلاته عليهم هو إسباغ رحمته عليهم ومدهم بفيوض العطاء، وحفهم بأصناف الخير، وأما صلاة الملائكة عليهم فهو أن يقيض الله ملائكته المكرمين ويجعل شغلهم أن يدعوا ويستغفروا لهؤلاء الذاكرين، فيخرجهم الله من الظلمات إلى النور.

وقد بشرنا الله بأن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض، وهذا شرف عظيم، وكرم بالغ من الله عز وجل، بأن يسخر ملائكته، هذه الكائنات النورانية، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، أن يكون عملهم الاستغفار لمن في الأرض فقال الله عز وجل في سورة الشورى: « تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».

ونحن على مشارف شهر الخير والرحمات والبركات، شهر رمضان المبارك، فما أحرانا أن نجدد التوبة إلى الله عز وجل، ونهيئ أنفسنا إلى استقبال الشهر الكريم وقد عدنا إلى الله، وعوّدنا أنفسنا على لزوم الطاعة وهجران المعصية، والالتفات إلى ما يصلح جوهر الإنسان، وليبدأ بذكر الله ويكسب الأجر والثواب فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: « أَيَعْجِزُ أحدُكم ، أن يكسِبَ كُلَّ يومٍ ألفَ حسَنَةٍ ؟ يُسَبِّحُ اللهَ مائَةَ تسبيحَةٍ ؛ فَيَكْتُبُ اللهُ لَهُ بَها ألفَ حسَنَةٍ، ويَحُطُّ عنه بِها ألْفَ خَطِيئَةٍ» وهذا أقل ما يمكن أن يقوم به المؤمن في يومه، فهذا التسبيح لا يأخذ من وقته أكثر من خمس دقائق، ويتحصل على هذا الأجر العظيم، فكيف بمن يجعل لسانه رطبا بذكر الله، فسينال أجرا عظيما يجده في صحيفة أعماله يوم القيامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله عز وجل لله عز وجل إلى الله

إقرأ أيضاً:

حبيبة قديح من أوائل الثانوية: علم النفس شغفي.. والتفوق هدفي الدائم

دينا جوني (دبي) 
لم تكن الطالبة حبيبة ياسر قديح، من مدرسة الشروق الخاصة في المسار العام، تتوقع أن يتجاوز طموحها حدود التفوق إلى تصدّر قائمة أوائل الثانوية العامة على مستوى الدولة في التعليم الخاص. تقول: «تواصلت معي وزارة التربية والتعليم لإبلاغي بالنتيجة... كنت أطمح للتفوق، لكن لم أتخيل أن أحصل على معدل بهذا الارتفاع أو أن أكون من الأوائل». حبيبة، المعروفة بين زميلاتها بحبها للقراءة والتحليل، تميل لدراسة علم النفس في إحدى الجامعات داخل الدولة، لكنها لم تحسم أمرها بعد.
وتوضح: «أرغب أن أتخصص في مجال أحبه وأتفوّق فيه، سواء كان علم النفس أو خياراً آخر قريباً من اهتماماتي». وترى حبيبة أن ما حققته جاء نتيجة سعي متواصل وجهد منتظم طوال العام الدراسي، مؤكدة أن دعم الأسرة والمعلمات كان له أثر كبير في تحقيق هذا النجاح.
 

أخبار ذات صلة بلدية دبي تُوقف مكتبَين هندسيين لمخالفتهما ضوابط ولوائح مزاولة المهنة الطقس المتوقع في الإمارات غداً

مقالات مشابهة

  • ماذا يقول المسلم في أذكار المساء؟.. 13 كلمة لقضاء الديون ومنع الفقر
  • هل الصدقة تكفي للتوبة وتكفير الذنوب.. أمين الفتوى يجيب
  • «أبوظبي للتقاعد»: لا استرداد للمبالغ المدفوعة لضم مدد الخدمة
  • برلماني للحكومة: كرسي الوزارة زي كرسي الحلاق.. هييجي يوم يقول لك نعيمًا
  • سفير السودان بيوغندا وبوروندي يلتقي بالوكيل الدائم لوزارة الخارجية البورندية
  • مافيا المعادن، الأخوين نور الدائم ومجدي طه
  • بعد هجوم ترامب.. سيناتور جمهوري ينسحب من "التجديد النصفي"
  • حبيبة قديح من أوائل الثانوية: علم النفس شغفي.. والتفوق هدفي الدائم
  • 3762 جهة عمل جديدة في «المعاشات» خلال مايو
  • أبو نمو يقول إن الحركات المسلحة لا تدخل ضمن النسبة المخصصة 25٪ من السلطة