عبد الباري عطوان
تراجُع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مُخطّطاته لإرسال قوّات أمريكيّة تتولّى السّيطرة على قطاع غزة لفترةٍ طويلةٍ للإشراف على عمليّة إعادة الإعمار وتحويل القطاع إلى “ريفيرا” الشّرق الاوسط، وجاءَ هذا التراجعُ السّريع، وبعد أقل من 24 ساعة صادِمًا، ومُخيّبًا لآمالنا، لأنّ هذا الوجود العسكري الأمريكي الاحتلالي في القطاع كانَ سيُحقّق آمال الكثير من الفِلسطينيين، ونحنُ من بينهم، في مُواجهة أمريكا العدوّ الأكبر للأُمّتين العربيّة والإسلاميّة بشكلٍ مُباشر، وليس ذنَبها الإسرائيلي اللّقيط فقط، وتلقينها درسًا عسكريًّا ربّما لا يقلّ قساوةً عن “طُوفان الأقصى”، الذي زعزع المشروع الصّهيوني العُنصري من جُذوره في فِلسطين بدءًا من القطاع وانتقالًا إلى الضفّة.


ad
الرئيس ترامب الذي فاجأ العالم بغبائه، وعُنصريّته، بطرحه مشروع تهجير جميع أبناء قطاع غزة إلى مِصر والأردن ودولة ثالثة لم يُسمّها لأنّ القطاع لم يعد قابلًا لعيش مُواطنيه، تراجع بسُرعةٍ مُهينةٍ تُؤكّد هذا الغباء عندما قال مساء أمس إنّه “لن تكون هُناك حاجة لوجود جُنود أمريكيين لتنفيذ اقتراحه بالإفراغ والتّهجير وإنّ الولايات المتحدة لن تتولّى السّيطرة على القطاع وامتلاكه”، وحاول وزير خارجيّته المُهاجر الكوبي ماركو روبيو “ترقيع” هذه الزلّة الفاجرة بالقول “إنّ أيّ تهجير لسكّان القطاع سيكون مُؤقّتًا”، بعد حالة الرّفض الغاضب عالميًّا لهذا المشروع الذي يُجسّد التّطهير العِرقي في أبشع صُوره، ومِنْ مَنْ.. من رئيس الدّولة التي تدّعي زعامة العالم الحُر، والمُدافعة الرئيسيّة عن قيم العدالة وحُقوق الإنسان.
***
إذا كان هُناك شعب في حاجةٍ ماسّةٍ إلى التّهجير فهو “الشّعب الإسرائيلي” العُنصري الذي يُقيم دولته على أراضي الغير المُغتَصبة وبقوّة الدّعم العسكري الأمريكي، والأوروبي، لسببٍ بسيط، لأنّ العُمر الافتراضي لدولته هذه أوشك على الانتهاء، وبات هؤلاء المُستوطنون “البيض” الجُدُد يُواجهون حُروبًا من الجهات الثّلاث المُحيطة بهم، شمالًا من لبنان، وجنوبًا من القطاع، وجنوبًا ووسطًا من أُسود الضفّة الغربيّة، ومن الأردن والعِراق، وقريبًا جدًّا من سورية التي نتنبّأ، واسمعوا جيّدًا، بأنّها ستتحوّل إلى قاعدةٍ كُبرى رئيسيّة للمُقاومة ومُواجهة الاحتِلالين الأمريكي والإسرائيلي، وكُل من جاءَ على ظُهور دبّاباتهما.
“إسرائيل” لم تعد دولة آمنة، ومُستوطنوها يفتقدون الأمن، وباتوا يقضون ساعات طويلة أُسبوعيًّا في الملاجئ بفضل الصّواريخ اليمنيّة والفِلسطينيّة وقريبًا عودة اللبنانيّة، وباتت أعداد الفارّين منها إلى البُلدان الأوروبيّة التي هربوا من عُنصريّتها وبطشها إلى الأراضي الفِلسطينيّة بمُساعدةِ وتشجيعِ الانتداب البريطاني، في تزايد، أمّا الباقي، وخاصًّةً اليهود الشّرقيين الأغلبيّة منهم باتوا بحاجةٍ إلى الحماية، ولكن ليس في فلسطين المحتلّة، وإنما في الولايات المتحدة الأمريكيّة نفسها، الأُم الحنون “المُؤقّتة” لهم، ولعلّ ترامب يُخصّص لهم ولاية في الوسط الأمريكي شبه الخالي من الكثافة السكّانيّة، ويستطيعون تحويل دولتهم الجديدة إلى “جنّة” لامتلاكهم تريليونات الدّولارات وقُدرتهم الفائقة على حلبها من الخزانة الأمريكيّة وأموال دافِع الضّرائب الأمريكي.
نسأل الرئيس ترامب سُؤالًا قد يبدو ساذجًا، ونأمل أن ينقله إليه مُترجمو هذا المقال وغيره، مُوَسَّعًا أو مُختصرًا، وهو: هل أجْلَت الولايات المتحدة ورئيسها ملايين المُواطنين الأوروبيين الذين دمّر النازيّون الألمان مدنهم في الحرب العالميّة الثانية إلى دول أُخرى ليبدأوا فيها حياة آمنة، بشكل مؤقت أو دائم، ريثما يتم إعادة إعمارها مثلما يُخطّط لقطاع غزة في الوقتِ الرّاهن؟ وهل عرض عليهم الهجرة إلى بلاده الولايات المتحدة التي كان عدد سكّانها يقل بمِقدار النّصف تقريبًا عن تِعدادها حاليًّا، وكانت في حاجةٍ ماسّةٍ إلى مُهاجرين؟
ترامب يُريد تحقيق الطّموح الإسرائيلي العُنصري الإرهابي في تفريغ القطاع والضفّة بعد إعطاء الضّوء الأخضر لتدميرهما بالكامل وتهجير سكّانهما إلى الأردن ومِصر بقوّة فُتات المُساعدات الماليّة التي تمنحها لهما أمريكا سنويًّا، وإعطاء المُواطنين في غزة والضفة تذكرة سفر إلى مدن الخيام الجديدة باتّجاهٍ واحد، ودون عودةٍ إلى الأبد، في تكرارٍ جديد لنكبة عام 1948، وكأنّ الظّروف لم تتغيّر والسّذاجة العربيّة ما زالت مُستمرّة.
***
ختامًا نقول للرئيس ترامب أنّك لا تعرف الشعب الفِلسطيني، الذي بات القُدوة لأشقّائه العرب والمُسلمين في النّضال والجهاد والكرامة وعزّة النفس، هذا الشّعب الذي قاتل ويُقاتل حرب الإبادة الإسرائيليّة لأكثر من عامٍ ونِصف العام، صامدًا صُمود الأبطال، وقدّم أكثر من 60 ألف شهيد ومفقود 112 ألف جريح حتّى الآن، ولم ولن يُغادر تُراب أرضه مُطلقًا، ويُقيم خِيامه على رُكامِ بُيوته المُدمّرة، ويرفع فوقها علم فِلسطين، ويُغنّي ويطرب على أهازيج النّصر.
نتمنّى أنْ يتراجع ترامب عن تراجعه السّريع، ويعود إلى خطّته الأُولى بإرسال قوّاته إلى قطاع غزة، وحينها سيعرف من هو الشعب الفِلسطيني الذي يُريد تهجيره، ونُقسِم بالله أنه سيترحّم على أيّام جُنوده وهزائمهم في العِراق وأفغانستان، وربّما فيتنام أيضًا، والأيّام بيننا يا خواجة ترامب.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة قطاع غزة ع نصری ة التی

إقرأ أيضاً:

21 شهيدا في غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر اليوم

أفادت مصادر بمستشفيات غزة باستشهاد 21 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ فجر اليوم الأربعاء، بينهم 6 من منتظري المساعدات.

ففي حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، ذكرت قناة الأقصى الفضائية أن طيران الاحتلال أغار على خيام النازحين في محطة الشوا، مما أدى لسقوط عدد من الشهداء والمصابين.

وأكد مصدر في المستشفى المعمداني باستشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على شارع المنصورة بحي الشجاعية.

واستهدفت غارة إسرائيلية منزلا في منطقة المفتي شمالي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، مما خلف عددا من المصابين، وفق مصدر في الإسعاف والطوارئ للجزيرة.

وفي الوسط أيضا، استشهد 5 فلسطينيين -بينهم أطفال- وأصيب آخرون جراء قصف طيران الاحتلال منزلا في محيط مسجد السلام بدير البلح وسط القطاع.

الأمم المتحدة تقول إن الناس في غزة يقتلون وهم يسعون للحصول على مساعدات (الأناضول) ضحايا المساعدات

وأفادت وسائل إعلام فلسطينية باستشهاد 5 مواطنين وإصابة آخرين جراء إطلاق الاحتلال النار تجاه منتظري المساعدات على شارع صلاح الدين جنوب منطقة وادي غزة وسط القطاع.

وكانت وسائل إعلام محلية أكدت أن جيش الاحتلال أعدم عشرات الشبان من منتظري المساعدات في محور نتساريم وسط قطاع غزة، وألقى جثامينهم في بئر ومنع انتشالها.

من جهتها، قالت الأمم المتحدة إن الناس في غزة يقتلون وهم يسعون للحصول على مساعدات.

وجاء ذلك في لقاء ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة مع الجزيرة، إذ قال إن "الوقت ينفد بينما نواجه نقصا كبيرا في المواد الأساسية للحياة في قطاع غزة".

وأضاف أنه ليس هناك من يمارس ما يكفي من الضغط "لنؤدي عملنا في قطاع غزة كما يجب".

وأشار إلى أنه رغم كل الصعوبات، فإن منظمته تحاول الوصول إلى كل العائلات والناس الذين هم في حاجة للمساعدات.

إعلان

وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني وصف -أمس الثلاثاء- نظام توزيع المساعدات الحالي في قطاع غزة بأنه "مشين".

وقال لازاريني -في مؤتمر صحفي بجنيف- إن "ما تسمى آلية المساعدات، التي أُنشئت أخيرا، مشينة ومهينة ومذلة بحق الناس اليائسين. هي عبارة عن فخ قاتل يحصد الأرواح بأعداد أعلى بكثير مما ينقذ".

وأضاف أن "مؤسسة غزة الإنسانية" باتت تقترن لدى سكان غزة بالإهانة، مطالبا بالسماح للمجتمع الإنساني، بما في ذلك الأونروا، بالقيام بمهمته وتقديم المساعدات باحترام وكرامة.

وكانت منظمات حقوقية طالبت الاثنين الماضي "مؤسسة غزة الإنسانية" بوقف عملياتها، محذرة من خطر التواطؤ في جرائم حرب.

في الأثناء، تتفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة والحصار المفروض على القطاع.

ويشتكي النازحون من مأساة النزوح المتكرر تحت وطأة القصف وصعوبة التنقل وانعدام الطعام والماء، وصعوبات تلقي العلاج في هذه الظروف القاسية.

مقالات مشابهة

  • شهيدان وعدد من المصابين بنيران الاحتلال شمالي رفح الفلسطينية
  • وفاة رضيعين جوعا جراء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة
  • استشهاد 18 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي سوقًا وسط قطاع غزة
  • ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 56,156 شهيدًا
  • واشنطن بوست: لماذا كان ترامب واثقا من أن إيران تطوّر قنبلة نووية؟
  • روته يشيد بـ"دادي" ترامب الذي أوقف حرب إسرائيل وإيران
  • أغلبية ساحقة تنقذ ترامب من العزل بسبب إيران.. ما الذي حدث في الكونغرس؟
  • غزة .. عشرات الشهداء والجرحى في مختلف مناطق القطاع
  • 21 شهيدا في غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر اليوم
  • لماذا سخر ترامب من إيران ثم شكرها؟