أعلنت القمة العالمية للحكومات عن إطلاق الإصدار الثاني من مؤشر الإمكانات الإنتاجية “PPI”، الذي جرى تطويره بالتعاون مع “ستراتيجي& الشرق الأوسط”، التابعة لشبكة “بي دبليو سي – PwC ”.
ويعتمد الإصدار الجديد على النسخة السابقة التي أُطلقت العام الماضي، مع توسيع نطاق التحليل ليشمل 60 دولة بدلاً من 25، مقدماً رؤية أشمل حول العوامل المؤثرة في الإنتاجية في عالم اليوم، ومسلطاً الضوء على محركات النمو والتنافسية في المشهد الاقتصادي المتغير.


ويقدم مؤشر الإمكانات الإنتاجية في نسخته الجديدة إطاراً مبتكراً لإعادة تعريف آليات قياس الإنتاجية، حيث يدمج أبعاداً أساسية تتماشى مع التحولات العالمية المعاصرة، مثل الاستدامة البيئية، والرفاهية، والابتكار، والجودة المؤسسية.
كما يكشف التقرير عن الإمكانات غير المستغلة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، موضحاً أن تحسين أضعف العوامل المؤثرة في الإنتاجية يمكن أن يرفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة من 3.5% إلى 6.0%، مما يضيف 2.8 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة على مدى العقد المقبل.
وعلى نطاق عالمي، خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أنه إذا ما تمكنت جميع الدول المشمولة في المؤشر من تحسين أضعف محددات الإنتاجية لديها لتضاهي أفضل الاقتصادات أداءً، فقد يسهم ذلك في رفد الاقتصاد العالمي بنحو 87 تريليون دولار أمريكي.
وعلى الصعيد الإقليمي، سجلت المملكة العربية السعودية أعلى معدل بين دول مجلس التعاون الخليجي في مؤشر الإنتاجية المُمَكنّة، بإنتاجية بلغت 69.3 دولار أمريكي لكل ساعة عمل، تليها الكويت بـ 60.8، ثم قطر بـ 57.2، والبحرين بـ 56.9، بينما سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة معدل 48.7 دولار أمريكي لكل ساعة عمل.
واللافت أن البحرين وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جاءت ضمن أعلى 10 دول عالمياً في فئة “رأس المال المادي”، مضيفة 22-24 دولاراً أمريكياً لكل ساعة عمل إلى إمكاناتها الإنتاجية.
ويشير رأس المال المادي إلى متانة البنية التحتية، وجودة الحالة التشغيلية للمعدات، وكفاءة تطبيق التقنيات الحديثة، والتي تسهم مجتمعة في تحفيز الإنتاجية ودفع عجلة النمو الاقتصادي.

ويؤكد هذا النجاح كيف يمكن للسياسات المستهدفة والاستثمارات في التصنيع، والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية الرقمية أن تحقق نمواً متسارعاً عبر مختلف القطاعات الاقتصادية.
ولطالما كانت الإنتاجية المحرك الأساسي في تعزيز القدرة التنافسية العالمية، وتحسين جودة الحياة، ودعم الرخاء الاقتصادي طويل الأمد ، ومع ذلك، فإن المقاييس التقليدية لقياس الإنتاجية غالباً ما تعاني من قصورٍ في استيعاب تعقيدات القرن الحادي والعشرين، مثل التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، والتحولات الاجتماعية، والشيخوخة السكانية.

كما تعتمد هذه الأدوات التقليدية على تحليل الأداء السابق بدلاً من تحديد الفرص المستقبلية، مما يُحدّ من فعاليتها في رسم ملامح اقتصاد أكثر استدامة وديناميكية.
وفي المقابل ، يأتي مؤشر الإمكانات الإنتاجية ليُعيد تعريف كيفية قياس الإنتاجية بطرق أكثر شمولاً ودقة، فهو لا يقتصر على المقاييس التقليدية مثل رأس المال البشري ، ورأس المال المادي، والابتكار ، بل يوسّع نطاقه ليشمل رأس المال المجتمعي ، ورأس مال الموارد الطبيعية ، والجودة المؤسسية ، مما يُزود قادة وصنّاع السياسات بمنظور جديد للتعامل مع تحديات العصر الحديث.
من جانبها أكدت ديمة السايس، الشريكة في “ستراتيجي & الشرق الأوسط” ومديرة مركز الفكر، الأثر التحولي للنتائج التي توصلت إليها الدراسة، مشيرةً إلى أن المقاييس غير التقليدية للإنتاجية تُشكل عاملاً محورياً في إعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي.
وأضافت يُظهر تحليلنا أن الثقة الاجتماعية، والجودة المؤسسية، والمؤشرات البيئية ليست مجرد عوامل داعمة، بل تُسهم بفعالية في دفع عجلة النمو الاقتصادي أو إعاقته، ومن ثم فإن فهم هذه الآليات يمكّن صنّاع القرار من تطوير حلول فعالة وموجّهة نحو إحداث تغيير ملموس.
ويتميز مؤشر الإمكانات الإنتاجية بكونه أداة متطورة تعتمد على ثلاث مزايا رئيسية، تعزز قدرة الدول على فهم إمكاناتها وتحقيق قفزات نوعية في الإنتاجية، وهي تحديد نقاط القوة والضعف، بما يُمكن الدول من التعرف بسهولة على المجالات التي تتفوق فيها وتلك التي تتطلب تحسينات إستراتيجية، والتركيز على المحركات الرئيسية للنمو، من خلال تسليط الضوء على العوامل الأكثر تأثيراً في تحسين الإنتاجية والنمو، استناداً إلى مقارنات مع أكثر الدول كفاءةً في الأداء، إضافة إلى مسارات قابلة للتنفيذ، إذ يوفر المؤشر لصناع القرار خارطة طريق استرشادية لسد الفجوات، وتحقيق قفزات نوعية، بما يضعهم على مسار الاقتصادات الأكثر إنتاجية عالمياً.
ويعتمد المؤشر على نموذج متطور مدعوم بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، حيث يجمع بين تحليلات متقدمة وأحدث الأبحاث الأكاديمية حول الإنتاجية. وقد تم اختباره بدقة من قبل خبراء اقتصاديين عالميين لضمان مصداقيته وملاءمته للواقع الاقتصادي المتغير.
وفي هذا السياق، قال شادي مجاعص، الشريك في “ستراتيجي& الشرق الأوسط”، إن مؤشر الإمكانات الإنتاجية لصنّاع القرار يوفر رؤى معمّقة وأداة عملية تساعدهم في تحديد الأولويات الإستراتيجية وتوجيه جهودهم نحو المجالات الأكثر قدرة على تعزيز الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، مما يمكّنهم من اتخاذ قرارات أكثر كفاءة وفعالية في تطوير الاقتصادات المستقبلية”.
ويكشف التقرير عن فرص واتجاهات محورية تسهم في رسم مستقبل الإنتاجية العالمية، وتشمل النهج الشامل للنمو لما بعد الناتج المحلي الإجمالي، إذ يتماشى مؤشر الإنتاجية المُمَكنّة مع مفهوم ما بعد الناتج المحلي الإجمالي “Beyond GDP”، مبرزاً نقاط التقاطع بين النمو والابتكار وتقليل الانبعاثات الكربونية والتماسك الاجتماعي، مما يجعل المؤشر أداةً قيّمةً لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة “SDGs” وأجندة 2030.
ومن الفرص والاتجاهات المحورية، دور الحوكمة الفعالة في دفع الإنتاجية، حيث تُسهم المؤسسات القوية في دعم ريادة الأعمال وتعزيز منظومات الابتكار، وضمان كفاءة توظيف رأس المال البشري والمادي والفكري، مما ينعكس إيجابياً على كفاءة الإنتاجية والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، غالباً ما تتغافل المقاييس التقليدية للإنتاجية عن تأثير الجودة المؤسسية، مما يبرز أهمية هذه الأدلة الجديدة في تمكين صنّاع السياسات من فهم العوامل الحقيقية لتحسين الإنتاجية.
كما تشمل الفرص والاتجاهات المحورية: التركيز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فعلى الرغم من أن رأس المال البشري والمادي يشكلان دعامة أساسية للإنتاجية في جميع الدول، فإن البحث العلمي وبراءات الاختراع هما العاملان الفاصلان بين الاقتصادات التقليدية والاقتصادات الرابحة في سباق الإنتاجية، وأنه مع استمرار هذا الاتجاه خلال السنوات القادمة، يُتوقع أن يزداد التحول العالمي نحو نمو اقتصادي قائم على المعرفة، مدفوعاً بتقدم التكنولوجيا والابتكار العلمي.
ويتميز الإصدار الجديد من مؤشر الإمكانات الإنتاجية بأداة محاكاة تفاعلية عبر الإنترنت لسياسات تحسين الإنتاجية، تُتيح للمستخدمين مقارنة وتحليل أداء 60 دولة باستخدام 19 مقياساً مختلفاً. وتوفر هذه الأداة رؤى عملية معمّقة للإجابة على السؤال الجوهري: “إلى أي مدى يمكن أن تزدهر إنتاجية الدول إذا ما نجحت في تسخير مواردها وقدراتها بأعلى كفاءة ممكنة؟”.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

المنتدى الاقتصادي العالمي يطلق تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين.. تفاصيل

أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي صباح اليوم الإصدار التاسع عشر من تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2025، والذي يصدر سنويا منذ عام 2006.

 ويوفر التقرير أداة لتقصي فجوة النوع في عدد من المجالات الاقتصادية، والسياسية، والصحية، والتعليمية من خلال مؤشر مركب لفجوة النوع على مستوى العالم.

كيف أثرت تحويلات المصريين بالخارج على الاقتصاد المصري؟.. برلماني يجيبغرفة القاهرة تُنظم مُلتقى اقتصادي مصري روسي لبحث زيادة التبادل التجاري والاستثماري المشترك

 ويأتي إطلاق هذا التقرير في مصر بالتعاون مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهو الشريك البحثي الوحيد للمنتدى في مصر.

يشمل التقرير هذا العام 148 دولة، حيث يستهدف تقييم التقدم الذي أحرزته هذه الدول في سد الفجوة بين الجنسين من خلال مقياس سنوي ثابت يُعرف بالمؤشر العالمي للتكافؤ بين الجنسين، والذي يقوم بقياس الوضع الحالي وتطور التكافؤ بين الرجال والنساء عبر البلدان والأقاليم المختلفة من خلال أربعة مؤشرات فرعية لأربعة أبعاد رئيسية هي: المشاركة الاقتصادية والفرص، التحصيل التعليمي، الصحة والبقاء على قيد الحياة، والتمكين السياسي.

ويتم حساب مستوى التقدم المحرز نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين من خلال منح درجة التكافؤ (gender parity score) لكل مؤشر فرعي والتي تمثل النسبة بين قيمة كل مؤشر للمرأة إلى قيمة المؤشر للرجل، بحيث يرمز الواحد الصحيح إلى التكافؤ الكامل، وتُقاس الفجوة بين الجنسين بالمسافة أو مدى القرب أو البعد عن التكافؤ الكامل.

وبينت نتائج التقرير، أن الفجوة العالمية بين الجنسين في عام 2025 لجميع الاقتصادات الـ 148 المتضمنة في هذا الإصدار تبلغ 68.8%، بتحسن طفيف مقارنة بإصدار العام الماضى والبالغ 68.4%، وأظهر التقرير أنه خلال العشرين عاما الماضية، تحسنت درجة التكافؤ بين الجنسين في 99% من الاقتصادات التي شملها. 

وبرغم التحسن الذي شهدته السنوات السابقة إلا أنه ظل ثابتا خلال الخمس سنوات الأخيرة بنسب تغير لا تذكر.

بالنسبة للبلدان الـ 148 التي يشملها المؤشر لهذا العام، فقد تم سد الفجوة بين الجنسين في مجال الصحة والبقاء على قيد الحياة بنسبة 96.2٪ بتحسن طفيف قدره (0.2%) عن العام الماضي؛ وفجوة التحصيل التعليمي بنسبة 95.1% بتحسن طفيف عن العام الماضي الذي سجلت فيه (94.9%)؛ وفجوة المشاركة الاقتصادية والفرص عند 61% بتحسن قدره 0.5% عن عام 2024 (60.5%)، وفجوة التمكين السياسي بنسبة  22.9% بتحسن طفيف عن العام الماضي (22.5%). وبالمعدل الحالي للتقدم خلال الفترة 2006-2025، سيستغرق الأمر 123 عاما لسد الفجوة بين الجنسين في الأبعاد الأربعة.

بينما لم يحقق أي بلد بعد التكافؤ الكامل بين الجنسين، استطاعت دول أوروبا أن تغلق الفجوة بين الجنسين بنسبة 75.1%، في حين لا تزال هذه النسبة عند 62.2% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تضم مصر، ولكن برغم ذلك حققت المنطقة تحسنا كبيرا منذ عام 2006 بلغ 3.9% مقارنة بالمناطق الأخرى.

وعلى جانب تطور الفجوة بين الجنسين في مصر، حققت مصر درجة تكافؤ بين الجنسين بنسبة 62.5% وبذلك احتلت المرتبة 139 بين 148 دولة شملها التقرير لهذا العام، والمرتبة التاسعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بتحسن طفيف قدره 0.4 نقطة مئوية عن المستوى الذي حققته في عام 2024  والبالغ 62.9%.

ويرجع هذا التراجع الطفيف إلى تراجع مصر في مؤشر التمكين السياسي للمرأة بسبب انخفاض نسبة النساء في المناصب داخل مجلس الوزراء .

وظلت درجة مصر في التمكين الاقتصادي للمرأة ثابتة، وإن تحسن ترتيبها في مؤشر المشاركة في سوق العمل، إلا أن هذا التحسن قابله تراجع في تقديرات الدخل المكتسب للإناث، وفي نســبة النســاء فــي وظائــف الإدارة العليــا.

طباعة شارك المنتدى الاقتصادي العالمي المركز المصري للدراسات الاقتصادية اخبار مصر مال واعمال الفجوة الاقتصادية الفجوة بين الجنسين

مقالات مشابهة

  • قمة مجموعة السبع في كندا... رهان على الدبلوماسية والحوار لمواجهة الانقسامات والأزمات
  • مع تواصل التوترات في الشرق الأوسط… استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية
  • “بوليتيكو”: استهداف إيران يجرّ الولايات المتحدة إلى نزاع في الشرق الأوسط
  • بعد العدوان الإسرائيلي على إيران.. “الاتحاد الأوروبي” يدعو إلى ضبط النفس وتفادي المزيد من التصعيد
  • الأسهم الأوروبية تسجل انخفاضا على خلفية تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط
  • متخصص في شؤون الشرق الأوسط: المملكة باتت تمثل محورًا رئيسًا في إعادة تشكيل كرة القدم العالمية
  • المنتدى الاقتصادي العالمي يطلق تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين.. تفاصيل
  • بيان عربي مشترك يطالب بحماية أطفال غزة ويبرز أهمية القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في قطر
  • الذهب يرتفع بفعل توترات الشرق الأوسط وآمال خفض الفائدة الأمريكية
  • أسعار الذهب ترتفع وسط تصاعد التوتر في الشرق الأوسط