هذا الموقف الفريد برز في عالم تموج فيه التناقضات، وتتصارع فيه المبادئ والمصالح، حيث كتب اليمنيون صفحات من العزة والصمود، مستلهمين نهجا قرأنيا لا يلين، في ظل قيادة لا تخشى في الله لومة لائم، وشعبا أثبت أنه عصي على الانكسار مهما اشتدت التحديات، راسما معادلة جديدة في مواجهة قوى الهيمنة والاستكبار.

 

ففي وقت أصبحت السياسة فيه مرادفا للمصالح الضيقة والخضوع للقوى الكبرى، جسدت القيادة اليمنية بحكمتها ورؤيتها السديدة حالة نادرة من التميز والاستقلالية، هذه القيادة لم تأت من فراغ، بل نمت وترعرعت على المبادئ القرآنية التي جعلت من التقوى والإيمان والبصيرة ركائز لا تهتز.

 

لم يعد القرار السيادي لليمن رهينة الإملاءات الخارجية، ترسم له المسارات من خلف الحدود، وتصنع له الخيارات وفق مصالح القوى الكبرى، فمع بزوغ  فجر 21 سبتمبر 2014، انكسرت قيود الوصاية، وفتح عهدا جديدا تصاغ فيه القرارات بإرادة وطنية خالصة، ومنذ ذلك اليوم، لم يعد اليمن رقما هامشيا في معادلات الهيمنة، بل أصبح قوة مستقلة يرسم مستقبله بيديه، ويرفض أن يكون أداة في لعبة المستعمرين الجدد.

 

مثل الالتزام بالنهج القرآني مسارا للموقف الحق دون تردد، وعدم الرضوخ للضغوط مهما بلغت شدتها، وهو ما أثبتته القيادة اليمنية في تعاملها مع الأعداء والمتأمرين، لم تقبل المساومة، ولم تتراجع عن ثوابتها رغم سنوات من الحصار والتضييق والمؤامرات، بل على العكس، ازدادت صلابة وإصرارا على تحقيق النصر، وهو ما جعلها محط احترام الأحرار في العالم، وخصما شرسا لقوى الظلم والاستبداد.

 

إذا كانت القيادة تمثل الرأس، فإن الجسد اليمني يتمثل في شعبه الصامد، الذي لم يعرف الوهن رغم ما تعرض له من حصار وتجويع واستهداف ممنهج، لقد ظن الأعداء أن اليمن سيستسلم بعد سنوات من القصف والتجويع، لكنهم تفاجأوا بشعب يزداد قوة وإيمانا بعد كل ضربة يتلقاها.

 

هذا الصمود ليس مجرد شعار، بل واقع يتجلى في كل زاوية من زوايا الحياة. فلا العدوان أوقف عجلة الحياة، ولا الحصار جعل اليمنيين يتخلون عن قضيتهم، بل دفعهم ليبتكروا حلولا ذاتية جعلتهم أكثر استقلالا واعتمادا على النفس.

 

ما أعظم النعمة التي نحن فيها، قيادة قرآنية لا تخشى إلا الله، وشعب ثابت لا تهزه التحديات، ورغم ما يملكه الاعداء من قوة عسكرية ومالية، لم يتمكن من كسر إرادة هذا الشعب، بل على العكس، أصبح هو من يعاني القلق والخوف من القادم،  فاليمني اليوم لا ينتظر منقذا يأتيه من الخارج، ولا يقبل أن يعيش على الهامش، بل أصبح هو من يصنع الأحداث ويغير المعادلات.

 

إن امتلاك القرار الوطني والاستقلال الحقيقي لا يترجم إلا عندما تمتلك القوة التي تحمي هذا القرار، واليمن اليوم لم يعد ذلك البلد الذي يراهن الأعداء على ضعفه، بل أصبح دولة تمتلك قدرات عسكرية متقدمة جعلت قوى الاستكبار تعيد حساباتها ألف مرة قبل التفكير في أي عدوان جديد.

 

لم يكن أحد يتخيل قبل سنوات أن يصبح اليمن قادرا على توجيه الضربات الدقيقة في عمق أراضي المعتدين، ولكن هذا ما حدث فعلا، الصواريخ الباليستية والمسيرات المتطورة لم تكن مجرد أدوات حرب، بل رسائل سياسية وعسكرية تقول إن زمن الهيمنة بلا ثمن قد انتهى.

 

إن هذه الأسلحة التي يطورها اليمنيون بأيديهم ليست مجرد رد فعل على الاعداء، بل هي تعبير عن مرحلة جديدة دخلها اليمن، مرحلة يكون فيها الضعفاء هم من يمسكون بزمام المبادرة، ويعيدون رسم خريطة القوة في المنطقة، واليوم، بينما ترتجف عروش الطغاة خوفا من القادم، يستعد اليمنيون لجولة جديدة من فرض القوة والمعادلات لانتزاع حقوقهم.

 

إن ما يحدث في اليمن اليوم، هو مخاض تاريخي لميلاد قوة إقليمية جديدة، قوة لم تأت من فراغ، بل بفضل تضحيات شعب لم يقبل أن يكون تابعا، وقيادة لم تخضع إلا لله. ففي حين يغرق الآخرون في الهوان، يكتب اليمن تاريخه الجديد، لا بالحبر هذه المرة، بل بالنار والصواريخ، لتكون رسالته واضحة: الحرية لا توهب، بل تنتزع انتزاعا.

 

لم يعرف اليمن طريق الهزيمة رغم طوفان الأعداء، ولم تلو العواصف ذراعه، بل كان هو العاصفة التي عصفت بمشاريع الاستعباد، لم يسقط في مستنقع الخضوع، بل أدار الدفة، وأربك الحسابات، وأثبت أن الكرامة ليست شعارا يرفع، بل ثمن يدفع، في قاموسه: التضحيات ليست خيارا، بل قدر يصنع الأمم العظيمة، انه اليمن الذي سيظل استثناء فريدا، حيث تتوحد القيادة مع الشعب في مشروع واحد عنوانه الاستقلال والسيادة والعزة.

 

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة

كشف الدكتور خالد حنفي أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال افتتاح أعمال المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر، الذي عقد بعنوان: "نحو تعاون أوثق – الانشاءات والطاقة"، في أثينا – اليونان، بمشاركة وفود من 17 دولة عربية تمثل رؤساء شركات ورجال اعمال ومسؤولين، بالإضافة إلى حضور 180 رجل أعمال يوناني يمثلون رؤساء شركات ومسؤولين، إلى جانب حضور عدد من السفراء العرب المعتمدين في اليونان، بالإضافة إلى رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عن إطلاق اتحاد الغرف العربية أربعة مبادرات للتعاون بين العالم العربي واليونان "المبادرة الأولى تقوم على بناء جسور بين العالم العربي واليونان من أجل التعاون في مجال إعادة الإعمار، حيث هناك مبالغ مرصودة تقدّر بنحو 450 إلى 500 مليار دولار للدول العربية التي تحتاج إلى إعادة إعمار".


وتابع: "أما المبادرة الثانية فتقوم على إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، من خلال التشبيك بين الشركات الموجودة في العالم العربي واليونان، وذلك عبر التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص من كلا الجانبين ولا يسما بين اتحاد الغرف العربية والغرفة العربية اليونانية".


وتقوم المبادرة الثالثة وفق أمين عام اتحاد الغرف العربية على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في الطاقة والمياه، حيث أنّ الدراسات تشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساهم في خفض نسبة الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 في المئة، وفي حال نجحنا في إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب فإننا سنتمكّن من تحقيق النجاح المطلوب في ملف إعادة الإعمار.


أما المبادرة الرابعة والأخيرة المقترحة من جانب اتحاد الغرف العربية، بحسب الدكتور خالد حنفي، فتقوم على تحالف لوجستي وإنشاء موانئ محورية تقوم على مبدأ التعاون لا التنافس وذلك ضمن منظومة متناغمة تكون اليونان محطة محورية فيها بالشراكة مع الموانئ المحورية المتواجدة في العالم العربي، ومنها قناة السويس التي تقوم من خلال رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع بجهود جبارة وقد تجلى ذلك في الفترة الأخيرة من خلال الأزمة التي شهدها البحر الأحمر، مما ساهم في القاء ربط مصر والعالم العربي بجميع دول العالم.
 

رجال الأعمال تطالب بحوافز لتوسيع استخدامات الذكاء الاصطناعي في الزراعةمصرف المركزي القطري يخفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة في 2025

وتابع: "إننا في ظل ما يواجهه العالم من تحديات اقتصادية ومناخية متزايدة، نحتاج إلى شراكة مبنية على الابتكار والمسؤولية المشتركة، تضع الإنسان والبيئة في صميم المعادلة الاقتصادية، وتُحوّل التحديات إلى فرص نمو مشتركة".


وخلال كلمة لأمين عام الاتحاد، بصفته منسّقا ومديرا لجلسة بعنوان: "الطاقة والبناء في عصر الذكاء الاصطناعي"، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر"، شدد على "أننا نحن نجتمع اليوم في لحظة مفصلية، حيث تتلاقى ثلاث قوى تشكل مستقبل الاقتصاد: الطاقة والبناء والتحوّل الرقمي من خلال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تشهد الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط نموًا بنسبة كبيرة، حيث تأتي المنطقة في طليعة الاستفادة من هذه التقنيات، خصوصا وأنّ التبني الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي مع تعزيز المرونة المناخية قد يضيف ما يصل إلى232 مليار دولار إلى الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2035.

وهناك شركات كبرى في قطاع الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط بدأت فعليًا في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية، وذلك في ظل القلق المتزايد من الاستهلاك المتنامي للطاقة نتيجة للنمو السريع في مراكز البيانات، وهو ما يُلقي بظلاله على الطلب الكهربي مستقبلا".


وأضاف: "أما في قطاع البناء، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تشكيل تصميم المباني، التكلفة، الصيانة، وحتى استهلاك الطاقة. كما أن التحول الرقمي في البناء من خلال الذكاء الاصطناعي يفتح فرصًا للشراكة بين القطاعين العربي واليوناني، سواء في البنية التحتية أو في بناء المدن الذكية ومستدامة".

ودعا إلى أهمية الاستفادة من خبرات اليونان، وكذلك من قدرات الدول العربية، لبناء نموذج تعاون مستقبلي يُسهم في التنمية الخضراء والرقمنة. 

ومن هذا المنطلق على القطاعين العام والخاص في اليونان والعالم العربي، التفكير في إطلاق مبادرات ملموسة ومشاريع تجريبية في مجالات الطاقة والبناء الذكية، بما يرفع من مستوى العلاقة القائمة بين الجانبين العربي واليوناني من إطارها التقليدي القائم على التبادل التجاري، إلى الشراكة الاستراتيجية بما يساهم في تحقيق التطلعات المشتركة.

طباعة شارك المنتدى الاقتصادي الذكاء الاصطناعي التحوّل الرقمي البنية التحتية

مقالات مشابهة

  • 73 عملًا مقاومًا في الضفة والقدس خلال أسبوع
  • مسؤول حكومي: إعلان دولة جديدة في جنوب اليمن غير قابل للتنفيذ
  • برلماني: دولة التلاوة مشروع يعيد لمصر ريادتها في فن الترتيل ويؤسس لنهضة قرآنية جديدة
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • ميسي يكتب صفحة جديدة في MLS.. أول لاعب يتوج بالأفضل لعامين متتاليين
  • ميسي يكتب صفحة جديدة في التاريخ.. الأرجنتيني يحصد جائزة أفضل لاعب بالدوري الأمريكي للمرة الثانية تواليًا
  • معلومات جديدة… هذا ما كشف عن العظام التي عثر عليها في محيط بركة دير سريان
  • أبناء الحوك بالحديدة يعلنون النفير العام والجهوزية لمواجهة الأعداء
  • عمر المغربل: الدوري السعودي أصبح محطًا لأنظار جميع أنحاء العالم
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى