مفاتيح التعايش بين الأديان
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
جابر حسين العُماني **
تتنوع الأديان في العالم، إلّا أنها غالبًا ما تتشارك في القيم الإنسانية الأساسية، وهو أمر بالغ الأهمية، لذا يتعين على الإنسان احترام بني جنسه، وبدون تفعيل ثقافة الاحترام لا يستطيع الإنسان العيش بسلام ووئام، وذلك يتطلب الكثير من الجهود التي تجعل من الشعوب وأديانها أدوات فعالة للسلام العالمي بدلًا من أن تكون أدوات لإثارة النعرات الطائفية المقيتة التي لا تعود على الإنسان والمجتمع إلّا بالوَيْلات والمصائب والأحزان.
ومن أجل تعزيز السلام بين الأديان والشعوب، لا بُد من التركيز على أهمية التفاهم العالمي واحترام ثقافة الآخر، وذلك لا يكون إلّا بتطبيق مفاتيح التعايش السلمي بين الجميع وهي كالآتي:
المفتاح الأول: الحوار المتآلف والمتجانس بين الأديان والشعوب، قال تعالى: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل: 125)، وينبغي أن يكون الحوار بين الأديان والشعوب مبنيا على جرعات كافية من الصدق والاحترام والوفاء والاخلاص المتبادل، والعمل على توضيح القيم المشتركة، والتخلص من المفاهيم الخاطئة التي تسيئ إلى الانسان ومعتقداته وقيمه ومبادئه المشتركة. المفتاح الثاني: نشر ثقافة التسامح بين الأديان وتعليمها للأجيال المتعاقبة، وذلك من خلال اعداد المناهج التربوية والتعليمية وتدريسها للنشء، وتعريفهم أن التسامح هو فضيلة أخلاقية نبيلة وهو ومن القيم الفضلى التي يجب التمسك بها، لذا يجب اجتناب التعصب الديني وإثارة كل ما يعكر القيم الانسانية المشتركة. المفتاح الثالث: العمل المشترك على القضايا التي تجمع ولا تُفرِّق مثل اعداد الأجيال على أهمية التعاون الدائم من أجل حماية الإنسان من الفقر والبطالة، وتعزيز وترسيخ القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية، والحث على نشر الخير بين الناس مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم وأطيافهم وألوانهم. المفتاح الرابع: تنظيم الدورات التدريبية، واللقاءات التعريفية التي من خلالها يستطيع الجميع كسب الخبرات الحياتية من أجل حياة أفضل وأجمل بين الجميع. المفتاح الخامس: اجتناب الخلافات والتركيز على القيم الانسانية المشتركة مثل الإحسان والعدل والرحمة والحث على تفعيلها في المجتمع. المفتاح السادس: اصدار البيانات والخطابات التي تحُث الناس على نبذ العنف والاستبداد والظلم، والتركيز على بث رسائل السلام والوحدة والمحبة والمودة والألفة بين الشعوب، والتصدي للخطابات المغرضة التي تحرض على العنف والفرقة والكراهية بين الناس باسم الدين ومحاسبة كل من يقوم بذلك. المفتاح السابع: استغلال الاعلام النزيه بمختلف لغاته المحلية والعالمية وتسخيره من أجل نشر ثقافة التعايش والتفاهم بين الجميع، وذلك من خلال التركيز على اعداد البرامج المختلفة مثل اللقاءات والحوارات الهادفة والهادئة والمتزنة، ومراقبة المثيرين للفتن ومعاقبة كل من يسيء للأديان المختلفة في العالم. المفتاح الثامن: الاستعانة بخبراء علم النفس وعلم الاجتماع وذلك للحد من ظاهرة التعصب بين الأديان، ويتم ذلك من خلال التعرف على الأسباب النفسية والاجتماعية التي جعلت من البعض يتبنى المواقف الحياتية المتعصبة والسعي الجاد لوضع الحلول العلاجية لتلك المشاكل. المفتاح التاسع: إجراء البحوث والدراسات العلمية المتخصصة حول أهمية الحوار بين الأديان، وتبيان أثر ذلك إيجابا على المجتمع وأفراده، ونشر تلك البحوث والدراسات على نطاق واسع لتعزيز روح السلام والتعايش السلمي المجتمعي بين الجميع. المفتاح العاشر: السعي في بناء القدوة الحسنة وذلك بأن يكون قادة المجتمع من المفكرين المتدينين الاجتماعيين قدوة صالحة للجميع في كل الجوانب الدينية والأخلاقية والقيمية والتي من أهمها الانفتاح على الجميع.إنَّ اتحاد الأديان أمر مطلوب بين الشعوب المختلفة بألوانها وأعراقها وجنسياتها، وهو لا يعني اذابة الخصوصيات الدينية لكل دين، وإنما يعني التركيز الدائم على توفير الأرضية المشتركة والمتعاونة بين الجميع، على أساس مبدأ المحبة والمودة والتفاهم، ليعيش الجميع بسلام ووئام واحترام بعيدا عن التفرقة والشقاق الذي لا جدوى منه ولا فائدة.
وأخيرًا.. يقول الله عز وجل: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود: 118)، وهنا نفهم أن الاختلاف سنة كونية في الحياة، ولكن تبقى الوحدة بين الشعوب والأديان هي السبيل الوحيد للرحمة والبركة والخير، وهي سر قوة الأمة، بينما الفرقة لا تؤدي إلا لمزيد من الضعف واليأس والحرمان بين الشعوب، بينما الوحدة عنصر أساسي يجب السعي إليه، وهي واجب ديني وأخلاقي يجب الالتزام به. بهدف صناعة المجتمعات الواعية المتحدة والمتعايشة بسلام بين أفرادها.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعزيز السينما العربية للإنتاجات المشتركة بمهرجان الدوحة السينمائي
أكد خبراء خلال جلسة نقاشية في مهرجان الدوحة السينمائي 2025 على وجوب ابتكار السينما العربية لنموذج خاص بها، يستند إلى الأصالة الثقافية المتجذرة في مجتمعاتنا ويخاطب الجمهور في منطقتنا ويعتمد على الإنتاجات المشتركة، من أجل تحفيز نمو هذه الصناعة.
وسلّط المتحدثون الضوء على دور المؤسسات ومنها مؤسسة الدوحة للأفلام ولجنة الأفلام في المدينة الإعلامية قطر واستديوهات كتارا، مشددين على أهمية بناء منظومة مستدامة تمنح المواهب مسارات واضحة لصناعة الأفلام، وجسر الهوة بين توقعات الجمهور والروايات التي تصدر من المنطقة.
ضمّت الجلسة كلاً من عبدالسلام الحاج (الهيئة الملكية الأردنية للأفلام)، عادل كسيكسي (الجزيرة الوثائقية)، درة بوشوشة (سود إكريتور)، جاد أبي خليل (أفلامنا/بيروت دي سي)، لمياء شرايبي (مؤسسة تميز السينمائية)، محمد الغضبان (مؤسسة بغداد للأفلام)، ورايان أشور (مؤسسة البحر الأحمر السينمائية).
وأوضحت درّة بوشوشة بأنّ المنصات الجديدة غيّرت قواعد اللعبة، مضيفة "أنّ المواهب هي من تصنع الفارق الحقيقي: شغفهم، عملهم الجاد، التزامهم. علينا ضمان انتقال الشراكات من مجرد الكلام إلى التنفيذ لتصل الأفلام الجيدة فعلاً إلى الجمهور".
من جهته قال عادل كسيكسي أنّ الشراكات وبناء بنية تحتية قوية هما العنصران المؤثران في هذا المجال. وأضاف: "نحتاج إلى توحيد الجهود وبنية تحتية تزيل العقبات قبل أن يبدأ المخرجون عملهم. ومع المزيد من الرعاة ومسارات إنتاج مشترك أكثر ذكاءً، يمكننا إيصال أقوى قصص الجنوب إلى الجمهور العربي والعالمي".
بدوره أشار رايان أشور إلى أهمية بناء منظومة من ورش العمل والبرامج التي تلبي احتياجات المنطقة. وقال: "هذا يمكّن صنّاع الأفلام من التقدم لما بعد الأساسيات. الإنتاجات المشتركة ليست طريقاً مختصراً، إنها السبيل لصناعة سينما أصيلة تخصّنا جميعاً".
في تعليقه حول التحدي الرئيسي الذي تواجهه السينما الإقليمية بعد عقدين، قال جاد أبي خليل: "ما يزال التوزيع هو عنق الزجاجة. المهرجانات تمنح الأفلام ظهوراً ثم تختفي. نحن نبني برامج تُبقي الأفلام العربية متداولة ونُدرّب جيلاً جديداً من المنتجين، لأن الاستدامة تبدأ من إنتاجات قوية."