موقع 24:
2025-08-12@01:32:02 GMT

مئة يوم على سقوط الأسد: مستقبل سوريا أشد غموضاً

تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT

مئة يوم على سقوط الأسد: مستقبل سوريا أشد غموضاً

بين تاريخ 8 ديسمبر (كانون الأول) وتاريخ 18 مارس (آذار)، مئة يوم انقضت على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. بعد مئة يوم، الفرج الذي انتظره السوريون لم يأتِ، والبشائر التي لاحت في الأفق في الأيام الأولى بدأت تبهت، والمتشائمون اليوم أكثر عدداً من المتفائلين.

المتفائلون ليس لديهم ما يدعم تفاؤلهم سوى الأمل والرغبة في رؤية سوريا أفضل، أما المتشائمون فيستندون إلى مجموعة من الحقائق والشواهد على أرض الواقع.


وبصفتي واحدا من المتفائلين، أقر وأعترف، بعد مئة يوم من التفاؤل وتمنية النفس، أن ليس لدي ما يدعم تفاؤلي سوى قناعتي بأن السوريين عانوا ما يكفي من الاضطهاد.
كنت أتمنى لو استطعت أن أقف في ساحة المرجة وسط دمشق، أو ساحة الشيخ ضاهر وسط مدينة اللاذقية، مرددا صرخة المواطن التونسي أحمد الحفناوي، صارخا بأعلى صوتي “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية.” صرخة أطلقها خلال أحداث الثورة التونسية التي اندلعت في ديسمبر 2010، وبلغت ذروتها في 14 يناير 2011. لتصبح رمزا للثورة التونسية و”الربيع العربي.”

اللحظة التاريخية التي انتظرها 22 مليون سوري، باستثناء “فلول النظام”، لم تأتِ بعد مئة يوم من الانتظار. كل يوم يمضي يحمل معه مبررات جديدة وخوفا من ألا تطرح اللحظة التاريخية أكلها، بل أن تتجلى عن نبتة عقيمة.
لقد أجهضت أحلامي مرتين؛ مرة برحيل صديقي الكاتب والمخرج المسرحي التونسي حكيم مرزوقي، الذي أمضى جل حياته في سوريا، وخبرها كما لم يخبرها أحد من قبل، اضطر إلى مغادرتها برفقة زوجته السورية وطفليه بعد أحداث عام 2011، كنت آمل يوما أن أعود بصحبته إلى سوريا لنسير على دروب سرنا عليها معا في أحاديثنا اليومية وعلى الورق، لكن الموت خطف حكيم.
سقوط الأسد أحيا الحلم من جديد، والتطورات اللاحقة أجهضته مرة أخرى. هناك اليوم مخاوف حقيقية من احتمال تكرار السيناريوهات التي حدثت في العراق وليبيا، خاصة مع وجود عوامل مشابهة، مثل الانقسامات الطائفية، التدخلات الخارجية، والصراع على السلطة.
سرعان ما استفاق السوريون من نشوة الفرح على قسوة الواقع وبرودته، لتنتصب التحديات في وجوههم من جديد. سوريا التي عُرفت سابقا بالتجارة والزراعة والصناعة أصبحت خاوية على عروشها. لا طاقة، ولا زراعة، ولا صناعة.. لا كهرباء، ولا ماء. المنتج الوحيد الآن هو صناعة الكبتاغون.
منذ يومين فقط، ورغم الجهود المبذولة للسيطرة على تهريب المخدرات، أوقفت السلطات العراقية ما يقارب طنا ونصف الطن من مادة الكبتاغون كانت مهربة من الأراضي السورية باتجاه الأراضي السعودية.
الاحتياطات النفطية، على محدوديتها، تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي للبلاد. والعقوبات الاقتصادية المفروضة حالت دون استعادة العلاقات التجارية وجذب الاستثمارات، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة أضعف القدرة الشرائية للمواطنين وقلل من استقرار السوق.

كل هذا كان بالإمكان تجاوزه. والدليل عند الجارة لبنان، التي شاركت سوريا كل مآسيها. ما إن بانت ملامح سقوط حزب الله وتم تشكيل حكومة جديدة، حتى سارعت الجهات العربية والدولية، بما فيها صندوق النقد، لعرض المساعدات. السبب ببساطة شديدة هو أن الحكومة اللبنانية الجديدة مدنية تمثل كل الطوائف والأقليات.
نظريا، هذا ما وعد به الرئيس السوري في الحكومة الانتقالية، أحمد الشرع، وهي وعود استبشر بها السوريون. لكن، على أرض الواقع، جرت الأمور بشكل مغاير تمامًا.
بدلا من العدالة الانتقالية التي شُكلت من أجلها هيئة وطنية لمعالجة الانتهاكات وضمان المحاسبة، اندلعت في مدن الساحل وحمص أعمال انتقامية قامت بها فصائل مسلحة، من ضمنها عناصر أجنبية، ضد أبناء الطائفة العلوية. أدت هذه الأعمال إلى مقتل المئات ونزوح الآلاف إلى لبنان، والاحتماء بالقاعدة العسكرية الروسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية.
تعالت إثر هذه الأحداث الأصوات المطالبة بتقسيم سوريا. وأمكن تجاوزها بالإعلان عن توقيع اتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). اعتُبر هذا الاتفاق خطوة تاريخية نحو توحيد الجهود وإعادة بناء الدولة السورية.
من أبرز بنود الاتفاق دمج المؤسسات المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، وضمان حقوق المجتمع الكردي كمكوّن أصيل في الدولة السورية، مع ضمان حقوقه الدستورية والمواطنة، ورفض التقسيم وخطاب الكراهية. وتعهدت قسد بدعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات الأمنية، بما في ذلك فلول النظام السابق.
ساهم التوقيع على الاتفاق في رفع الروح المعنوية للشارع السوري، بعد الانتكاسة التي تعرض لها نتيجة لأحداث الساحل المأساوية، وبعد ثلاثة أيام (13 مارس 2025) تم الاتفاق على إعلان دستوري مؤقت جرى التأكيد فيه على الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وضمان حرية الرأي والتعبير وحقوق المرأة والمساواة بين المواطنين، والاتفاق على مرحلة انتقالية حُددت مدتها بخمس سنوات، يتم خلالها إعداد دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
◄ اللحظة التاريخية التي انتظرها 22 مليون سوري، باستثناء "فلول النظام"، لم تأتِ بعد مئة يوم من الانتظار. كل يوم يمضي يحمل معه مبررات جديدة وخوفا من ألا تطرح اللحظة التاريخية أكلها
ونص الإعلان الدستوري أيضا على إعادة تنظيم القضاء مع إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة رموز النظام السابق والمتورطين في الإرهاب. والاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي في سوريا.
هذا في الجانب الإيجابي من الإعلان الدستوري، في الجانب السلبي أقر الإعلان الدستوري أن الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، وأن اسم الدولة هو الجمهورية العربية السورية، مجددا بذلك مخاوف الأقليات.
الجميع في سوريا كان ينتظر بعد عقود من الاستبداد القومي والاضطهاد العرقي أن لا يتضمن اسم سوريا التي تحوي قوميات متعددة كلمة “عربية” والاكتفاء بكلمة واحدة هي “سوريا”.
وجاءت الإشارة إلى أن “الفقه هو مصدر التشريع”، لتفتح الباب للمزيد من الهواجس والمخاوف، خاصة أن الناس لم ينسوا بعد أصول أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، والخشية من أن يعودوا بالبلاد إلى نظام أصولي متشدد.
يحاول البعض، وأنا من بينهم، تجاهل هاتين النقطتين مقنعا نفسه بأنها مرحلة انتقالية. ويرى آخرون أن التساهل في هاتين النقطتين الآن سيفتح الباب أمام التشدد العنصري والأصولي. وهي مخاوف يشاركهم فيها المجتمع الدولي.
ما يعقد العلاقات بين أطياف المجتمع السوري، وبين سوريا والمجتمع الدولي، عبارتان: الأولى هي “الفقه الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع”، والثانية اسم الدولة “الجمهورية العربية السورية”.
ماذا لو غضّ الإعلان الدستوري الطرف عن مصدر التشريع وتركه مفتوحا على تجارب الإنسانية جمعاء، وماذا لو اكتفى بكلمة واحدة هي “سوريا” اسما للبلاد.. ألن يكون هذا شيئا رائعا.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سوريا الحرب في سوريا اللحظة التاریخیة الإعلان الدستوری الدولة السوریة بعد مئة یوم فی سوریا

إقرأ أيضاً:

انفجار صور.. الشرارة التي قد تشعل بركان لبنان.. .!!

حادث دموي يفتح أخطر ملف في البلاد.. وسؤال واحد يفرض نفسه: تفكيك السلاح أم الانزلاق إلى جحيم الحرب الأهلية؟

الانفجار الذي هزّ الجنوب

في بلد يختزن الأزمات كما تختزن الأرض حمم بركان خامد، جاء انفجار مخزن سلاح قرب مدينة صور في الجنوب اللبناني ليهزّ المشهد برمته. لم يكن الأمر مجرد حادث عرضي، بل جاء كجرس إنذار مدوٍّ في لحظة سياسية وأمنية شديدة الهشاشة. التقارير الأولية أشارت إلى أنّ المخزن يتبع لحزب الله، وأنّ الانفجار وقع أثناء محاولة تفكيك أو نقل محتوياته، ما أسفر عن سقوط ضحايا بينهم ستة من عناصر الجيش اللبناني، إلى جانب إصابات بين مدنيين.

-- معضلة السلاح خارج الدولة

هذا الحادث لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للصراع الداخلي والخارجي الذي يعيشه لبنان، فالبلد الغارق في أزمات اقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة، يواجه منذ سنوات معضلة سلاح الفصائل، وفي مقدمتها سلاح حزب الله، الذي يُعَدّ بالنسبة لخصومه سلاحًا خارج الشرعية، وبالنسبة لمؤيديه "ضمانة ردع" أمام إسرائيل. انفجار صور جاء في وقت تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية على الحزب، مع تصاعد العمليات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وارتفاع نبرة المطالبة بتطبيق القرار 1701 بحذافيره، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة. خلفية تاريخية: الجنوب وسلاح الظل

منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، ظل الجنوب اللبناني منطقة حساسة عسكريًا وأمنيًا، وبعد انسحاب إسرائيل عام 2000، تعزز نفوذ حزب الله في تلك المنطقة، ليس فقط كقوة مقاومة، بل كسلطة فعلية تمتلك شبكة مخازن وأنفاق ومنصات صاروخية موزعة بين القرى والبلدات. وقد شهدت السنوات الماضية عدة حوادث مشابهة لانفجار صور، أبرزها انفجار مخزن في بلدة خربة سلم عام 2009، وحوادث متفرقة في أعوام لاحقة، كانت غالبًا تُبرَّر بأنها عرضية أو بسبب خلل فني. هذه المخازن كانت دائمًا موضع جدل داخلي ودولي، إذ يرى خصوم الحزب أنها تُعرّض المدنيين لخطر دائم وتضع الجنوب في قلب المواجهة مع إسرائيل، فيما يعتبرها الحزب جزءًا من معادلة الردع التي منعت تل أبيب من شن حرب جديدة شاملة منذ 2006. ومع كل حادث، يتجدد السؤال الكبير: هل يمكن للبنان أن يحسم معضلة السلاح خارج الدولة من دون أن ينفجر داخليًا؟

-- سيناريوهات ما بعد الانفجار

المشهد الآن مفتوح على احتمالات خطيرة: تصعيد داخلي قد يُستغل فيه الحادث سياسيًا من قبل قوى لبنانية معارضة للحزب لفتح ملف سلاحه في الشارع والبرلمان، ما قد يجر البلاد إلى مواجهة سياسية وربما أمنية، أو تسخين جبهة الجنوب إذا تسارعت ردود فعل الحزب على الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ما يزيد احتمالية انزلاق لبنان إلى حرب شاملة مع إسرائيل، خاصة إذا استمرت عمليات استهداف المخازن والبنية التحتية العسكرية، أو حرب أهلية مقنّعة في ظل الانقسام الطائفي والسياسي الحاد، حيث أي شرارة قد تشعل اشتباكات متنقلة بين مناطق محسوبة على أطراف متنازعة، في تكرار شبيه بمشاهد 1975 لكن بأدوات وأجندات جديدة.الدور الفرنسي والحسابات الدولية

منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تحاول فرنسا لعب دور الوسيط بين القوى اللبنانية المتصارعة، واضعة ملف السلاح على طاولة النقاش وإن بشكل غير مباشر، تجنبًا لنسف أي تفاهمات. باريس، المدعومة أوروبيًا، تطرح مبادرات لحصر السلاح بيد الدولة مقابل دعم اقتصادي وسياسي للبنان، لكن هذه الجهود تصطدم برفض قاطع من الحزب وحلفائه، وبواقع إقليمي يجعل أي تفكيك للسلاح جزءًا من معادلة أكبر تشمل إيران وسوريا. إلى جانب فرنسا، تتحرك الولايات المتحدة وبعض دول الخليج بضغط سياسي واقتصادي متدرج، بينما تتعامل إسرائيل مع الملف بأسلوب الضربات الموضعية لفرض أمر واقع أمني في الجنوب.

-- لبنان على فوهة البركان

لبنان اليوم يقف على فوهة بركان، حيث تتقاطع نيران الخارج مع حسابات الداخل، وتتحرك الملفات الملغّمة من السلاح إلى الاقتصاد بلا أي غطاء وطني جامع. انفجار صور ليس مجرد حادث، بل قد يكون بداية فصل أكثر سخونة في تاريخ بلد اعتاد أن يعيش بين حافة الحرب وهاوية الانهيار، ويبقى السؤال: هل تنجح الجهود الدولية في تفكيك السلاح وضبطه تحت سلطة الدولة، أم أن لبنان يسير بخطى سريعة نحو جحيم حرب أهلية جديدة؟ إنّ رائحة البارود التي ملأت سماء صور قد تكون مقدمة لعاصفة لا تبقي ولا تذر، وحين يشتعل البركان، لن يملك أحد ترف السيطرة على مساره أو حجم دمارِه.. .، !!

-- محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، ، !!

مقالات مشابهة