إفطار رمضاني عربي في غرينلاند .. هل يوجد مسلمون هناك؟
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
نوك- عند توجه الجزيرة نت، إلى جزيرة غرينلاند خلال شهر رمضان، بدأت تبحث عن الجالية المسلمة المقيمة هناك، لمعرفة كيف يقضون شهر الصيام، حيث أشارت المعلومات الشحيحة إلى وجود مسلم واحد فقط في هذه الجزيرة القطبية الشمالية، لكن الأمر لم يكن مقنعا، ويدفع إلى الاستفسار من السكان المحليين.
المصادفة الأولى، كانت فور النزول من الطائرة عند بوابة مراقبة جوازات السفر، حيث كان الشرطي الذي يتحقق من الهويات، من أصول فلسطينية ويعيش في الدانمارك، لكنه لم يقدم مساعدة بمعلومات واضحة.
ومن قبيل الصدفة مرة أخرى، التقت الجزيرة نت، بالشاب الدانماركي الفلسطيني راكان منصور ووالده، في مظاهرة نظمها سكان نوك أمام القنصلية الأميركية، احتجاجا على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضم الجزيرة وشرائها، وبحفاوة عربية خالصة، دعوا الجزيرة نت إلى تناول وجبة الإفطار.
تنوعت وجبة الإفطار بين الخبز الساخن وشوربة العدس الفلسطينية إلى طبق الأرز والدجاج الشهي، وتخللها دردشات وقصص تنقلت من مدينة طنجة في المغرب إلى القدس بفلسطين، دون الحاجة إلى جوازات سفر أو معاهدات سياسية.
يقول راكان، إن هذا ثاني رمضان يقضيه في غرينلاند، "وفي العام الماضي كانت مدة الصيام 16 ساعة تقريبا، ولا تغيب الشمس سوى نصف ساعة أو ساعة واحدة في بعض الأيام".
يتحدث الشاب الذي يبلغ من العمر 24 عاما للجزيرة نت، عن حياته في الجزيرة ويقول "الحياة مختلفة هنا، فعلى الرغم من أن الجزيرة كبيرة جغرافيا إلا أن عدد سكانها قليل جدا"، ويضيف "في البداية، كان يحاول بعضهم مضايقتي لأنني أجنبي ويصرخون: الله أكبر. لكن احترامي لهم جعلهم يحترمونني أيضا".
إعلانوتابع "وُلدت أنا ووالدي في الدانمارك لكنني من أصول أردنية فلسطينية من مدينة الناصرة، زرت فلسطين مرة واحدة في عام 2015 رفقة عمي لزيارة بيتي وأهلي".
جسر تواصل
وعلى عكس الدول الأوروبية، لا تسمع لغات أخرى عند التجول في شوارع العاصمة نوك سوى اللغة الغرينلاندية، وهي إحدى اللغات الرسمية في الجزيرة، واللغة الدانماركية والإنجليزية.
وعند سؤال راكان عن الوضع بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أوضح أن "القمع الذي يعيشه الغرينلانديون في الجزيرة يشبه إلى حد كبير ما يحدث في فلسطين، وفي العاصمة نوك، يمكن مشاهدة العلم الفلسطيني مرسوما أو عبارة "فلسطين حرة" مكتوبة على الجدران في بعض المناطق، ومعرفة أنهم يتفهمون معاناة الفلسطينيين تجعل الحياة هنا أفضل".
وعن لقاءاته بأصدقائه الغرينلانديين، أشار راكان إلى أنه يحدثهم عن الإسلام والعرب، لأنهم غير منفتحين كثيرا على التعرف على ثقافة الآخر، وهو ما ساعد في خلق جسر تواصل واحترام متبادل.
ولكن من الأمور التي صدمت الشاب العشريني عند مجيئه إلى غرينلاند، هي نسبة الانتحار العالية في الجزيرة القطبية الشمالية، موضحا ذلك: "أقدم 5 من أصدقائي على الانتحار، وهم شبان من سني أو أصغر مني، ومع مرور الوقت، أصبح الأمر وكأنه عادي لأن هذه طبيعة الحياة والمجتمع هنا".
في العادة، يأتي العرب لزيارة غرينلاند للعمل لبضع سنوات فقط دون الاستقرار فيها طويلا، على عكس عمر حبيشي الذي يعيش في الجزيرة منذ 15 عاما.
تعرفت الجزيرة نت، على عمر من خلال صفحة على موقع "فيسبوك" تضم جنسيات مختلفة مقيمة في عاصمة غرينلاند، وأكد حبيشي، وهو من أصول مصرية ويعمل في شركة طيران غرينلاند، للجزيرة نت، أن عدد المسلمين قد لا يتجاوز 10 أفراد، وتختلف جنسياتهم، فهم من المغرب وتونس وتركيا.
إعلانأما عن أجواء رمضان، فقال الشاب المصري، إنه يصوم نحو 16 ساعة هذا العام، وهي مدة قصيرة بالمقارنة مع فترة الصيف إذ تتراوح ساعات الصيام بين 20 و22 ساعة، على حد تعبيره.
وأضاف "تأقلمت مع أسلوب الحياة والبرد هنا، حتى أنني لم أعد أتحمل زيارة مصر في عطلة الصيف بسبب درجات الحرارة المرتفعة، وأفضل السفر عندما يكون الجو أكثر اعتدالا".
ويعتبر حبيشي، أن الحياة في غرينلاند أسهل من الدانمارك ودول أوروبية أخرى لعدة أسباب، منها تعامل الغرينلانديين الجيد مع الأجانب وقلة العنصرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان فی غرینلاند الجزیرة نت فی الجزیرة
إقرأ أيضاً:
قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات
صراحة نيوز- الاستاذ الدكتور فواز محمد العبد الحق الزبون _ رئيس الجامعة الهاشمية سابقاً.
يقدّم الدكتور صبري ربيحات في كتابه «وكأنني لازلت هناك» عملاً سرديًا يتجاوز حدود السيرة الذاتية إلى فضاء أرحب يدمج بين الذاكرة الفردية والتاريخ الاجتماعي. فالكتاب يشكّل شهادة حيّة على مسار إنساني حافل بالتجارب، يبدأ من الطفيلة وينفتح على فضاءات العمل الأكاديمي والإداري والثقافي والسياسي في الأردن. ومنذ الصفحات الأولى، يلمس القارئ صدق الكاتب، وحرصه على تسجيل التفاصيل بعمق إنساني يذكّر بأن السيرة ليست مجرد أحداث، بل هي رؤية إلى الحياة وإلى أثر المكان في تشكيل الإنسان.
يعود ربيحات إلى الطفيلة باعتبارها نقطة بدء تكوّنت فيها شخصيته وتبلورت قيمه الأولى. فهو ابن البيئة التي صاغت أبناءها على الصلابة والاعتداد بالنفس واحترام العمل. ولا يظهر المكان في الكتاب مجرد مساحة جغرافية، بل كذاكرة راسخة ومصدر للمعنى. إذ يُبرز المؤلف تأثير الطفولة المبكرة، والمدرسة، والعلاقات الاجتماعية، في بناء الإنسان، مستعيدًا مشاهد الحياة اليومية التي شكّلت خلفيته الثقافية والأخلاقية. ويتعامل مع تلك التفاصيل بحنان معرفي يجعل القارئ يشعر أنه أمام وثيقة صادقة تُدوّن تحولات المجتمع الأردني عبر صورة الفرد.
وإلى جانب البعد الاجتماعي، يكشف الكتاب عن مسيرة مهنية متشعبة تجمع بين الأكاديمية والعمل العام. فقد تنقّل الدكتور ربيحات بين مواقع متعددة، بدءًا من خدمته في الأمن العام، وصولًا إلى تولّيه حقائب وزارية مثل وزارة الثقافة ووزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية. ويعرض هذه التجربة بروح المسؤول الذي يرى في العمل العام التزامًا تجاه المجتمع، وليس موقعًا بروتوكوليًا. ومن خلال سرد هذه المحطات، تُقدَّم للقارئ صورة لرجل يؤمن بأن خدمة الدولة مهمة تتطلب المعرفة والانتماء معًا.
ويتميّز الكتاب بلغته الرشيقة التي توازن بين بساطة التعبير وعمق الفكرة. فهو يكتب بلا مبالغة، وبلا مسافة بين الذاكرة والقارئ، مما يمنح السرد صدقه ودفئه. كما تتضح في أسلوبه خبرة الأكاديمي وقدرته على قراءة الأحداث وربطها بسياقاتها الثقافية والاجتماعية، وهو ما يضفي على السيرة قيمة معرفية مضاعفة. وفي الوقت نفسه، تحضر الإنسانية بوضوح في طريقته في استحضار العلاقات والتجارب، وفي قربه من الناس وتجاربهم اليومية.
وبالنظر إلى موضوعه وأسلوبه وأبعاده الفكرية والتربوية، يُعدّ الكتاب مادة ذات قيمة للتدريس في المدارس والجامعات، خصوصًا في مساقات التربية الوطنية، والدراسات الاجتماعية، وأدب السيرة الذاتية. فهو نموذج لكتابة تجمع بين التجربة الشخصية والتاريخ الوطني، وتساعد القارئ ،وخاصة الطالب ،على فهم كيفية تداخل السيرة الفردية مع تحولات المجتمع والدولة.
ملامح شخصية الدكتور صبري ربيحات كما تعكسها السيرة
تكشف صفحات الكتاب عن مجموعة من السمات التي تكوّن صورة واضحة لشخصية المؤلف، من أبرزها:
1. الانتماء للبيئة الأصلية
يظهر ربيحات ابنًا وفيًا للطفيلة، ممتنًا لتجربته الأولى، ومحمّلًا بقيم الجهد والنزاهة والاقتراب من الناس.
2. الصدق والشفافية
يكتب تجربته كما عاشها، دون تجميل أو مواربة، الأمر الذي يمنح السرد واقعيته ومصداقيته.
3. الرؤية الوطنية
لا ينظر إلى الأحداث من زاوية فردية فحسب، بل يربطها بالسياق الأردني العام، ويقدّم شهادة ناضجة على تاريخ اجتماعي وسياسي متحوّل.
4. العقل الأكاديمي
تظهر خبرته البحثية في قدرته على التحليل، وفي سلاسة الجمع بين التجربة الذاتية والمعطيات الموضوعية.
5. خبرة العمل العام
تمتزج في شخصيته ثقافة المثقف مع مسؤولية رجل الدولة، مما يجعل سيرته نموذجًا لفهم دور النخب في خدمة المجتمع.
6. البعد الإنساني
في كل التفاصيل، يحضر الإنسان القريب من الناس، والحريص على قراءة التجربة من منظور إنساني قبل أي شيء آخر.
خلاصة القول، يمثّل كتاب «وكأنني لازلت هناك» إضافة نوعية إلى أدب السيرة الذاتية في الأردن، لما يحمله من قيمة توثيقية وإنسانية، ولقدرته على الجمع بين سرد التجربة الفردية ورصد تحولات المجتمع. وهو عمل يستحق القراءة والتأمل، ويناسب أن يكون مرجعًا تربويًا يوظَّف في العملية التعليمية، لما يقدّمه من مضامين ثقافية ووطنية وأخلاقية راسخة. ويظلّ الكتاب شهادة صادقة لرجل حمل قيم بيئته معه أينما ذهب، وظلّ قريبًا من الناس ومن الحقيقة ومن فكرة الخدمة العامة.