التطبيع مع العجز: حين تصبح المجازر أرقاما وتموت الإنسانية على الشاشة
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
في خضم المجازر اليومية التي يتعرض لها أهل غزة، يمرّ مشهد الدم والدمار كأنه خبر طقس عابر، لا يثير الغضب ولا يستفز الضمير. لقد دخلنا، شئنا أم أبينا، مرحلة خطيرة من التطبيع مع العجز، حيث لم تعد مشاهد الأطفال تحت الركام تهز القلوب، ولا صرخات الأمهات الثكالى تكفي لقطع بث البرامج الترفيهية أو تغيير سياسات الدول.
أصبحت الشهادة رقما، والجريمة نسبة مئوية، وصوت الانفجار مجرد مؤثر صوتي في نشرة الأخبار. على الشاشات، تظهر أرقام الشهداء بجانب أسعار العملات والبورصة، وكأن الفقدان الجماعي لحياة البشر أصبح جزءا من دورة اقتصادية باردة.
المرحلة الثانية من العدوان على غزة تجاوزت كل الخطوط، الإبادة لم تعد مجرد مجازٍ لغوي، بل حقيقة تُبثّ مباشرة على الهواء. المدارس لم تعد ملاجئ، والمستشفيات أصبحت أهدافا عسكرية. الأطفال، وهم الضحايا الأبرياء، يُدفنون جماعيا، ولا يجد الإعلام الغربي من كلمات يصف بها المشهد سوى "نزاع"، وكأن الحرب تدور بين جيشين متكافئين، لا بين محتلٍّ وشعبٍ أعزل.
ما يريده العالم المتواطئ، الغربي منه والعربي، هو أن نعتاد، أن نكفّ عن الصراخ، أن نتأقلم، أن نصل إلى اللحظة التي لا نحرك فيها ساكنا أمام جريمة جماعية متلفزة. وهذا هو أخطر أشكال التطبيع: القبول الصامت بالوحشية، والتحول إلى شهود زور، أو إلى ضحايا خدرٍ إنساني
التطبيع الأخطر: قبول الجريمة كواقع
ما يريده العالم المتواطئ، الغربي منه والعربي، هو أن نعتاد، أن نكفّ عن الصراخ، أن نتأقلم، أن نصل إلى اللحظة التي لا نحرك فيها ساكنا أمام جريمة جماعية متلفزة. وهذا هو أخطر أشكال التطبيع: القبول الصامت بالوحشية، والتحول إلى شهود زور، أو إلى ضحايا خدرٍ إنساني.
خطر هذا القبول أكبر من مجرد صمت، فهو تمهيد لطغيان جديد، فحين تُقتل غزة في العلن، ولا يتحرك العالم، يصبح قتل الحقيقة، والحرية، والكرامة مجرد مسألة وقت.
ما هو دور الشعوب؟
قد تكون الأنظمة شريكة، صامتة أو متواطئة، لكن الشعوب تملك ما لا تملكه السياسات: الضمير والقدرة على الضغط. الصمت الشعبي يمنح الضوء الأخضر لاستمرار المجازر، أما الوعي، والاحتجاج، والمقاطعة، وتوثيق الجرائم، فهي أشكال مقاومة لا تقل أهمية عن أي سلاح.
على الشعوب العربية أن ترفض الاستسلام لهذا الواقع المصنوع إعلاميا، وأن تواصل الضغط، وتنظّم المسيرات، وتدعم كل صوت حرّ يكسر الحصار الإعلامي المضروب حول غزة. وعلى الشعوب الحرة في العالم أن تسأل حكوماتها: إلى متى تتواطأون مع الإبادة؟ أين إنسانيتكم التي ترفعون شعارها حين يكون الجاني غيركم؟
لا يجب أن نعتاد
لا يجب أن نعتاد، فكل مرة نُسكت فيها الألم، نمهد لمجزرة جديدة، وكل مرة نعتبر فيها قتل ألف شخص "أقل من الأسبوع الماضي"، فإننا نشارك، بشكلٍ غير مباشر، في الجريمة.
غزة لا تطلب الشفقة، بل تطلب العدالة، والتضامن، والإرادة التي لا تنكسر.
وغزة، رغم الدمار، لا تزال تقاوم، أما نحن، فعلينا أن نقاوم التطبيع مع العجز، كي لا نُدفن معنويا قبل أن يُدفن الضحايا جسديا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة صمت غزة تضامن انساني ابادة صمت قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الموت خبزنا اليومي.. السينما الفلسطينية شاهدة على المجازر المتكررة
لطالما ارتُكبت المجازر أمام عدسات الكاميرات لتُنسى سريعًا مع تقلب الأخبار، لكن صانعي السينما اختاروا أن يقفوا بأعمالهم لا كأدوات توثيق فحسب، بل كشهود أخلاقيين وفنيين على مأساة متواصلة. وفي قلب هذه الصورة، تقف فلسطين بجراحها المفتوحة، حاضرة في أفلام وثائقية ودرامية تجسد الألم كجزء يومي من الحياة الفلسطينية.
من غزة المحاصرة إلى القرى المدمرة منذ النكبة، مرورًا بمجازر "الرصاص المصبوب" ومسيرات العودة، لا تكتفي الكاميرا برصد القتل، بل تلتقط إحساس الفقدان، وتحفر في ذاكرة جمعية تُروى من الداخل بعيون الناجين، لا بخطاب المؤسسات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد مستوطنlist 2 of 2انطلاقة قوية لفيلم الرعب "ويبنز" في أميركا بإيرادات بلغت 42.5 مليون دولارend of listيستعرض هذا التقرير مجموعة من الأفلام الفلسطينية التي لا تكتفي بالبكاء على الضحايا، بل تضعهم في قلب السرد كأصحاب رواية لا شهودا صامتين، أعمال لا تستجدي التعاطف، بل تدين الصمت وتفضح التجاهل وتصر على أن الحقيقة تملك وجها وصوتا وذاكرة.
الجنازات بوصفها روتينا يومياالفيلم الوثائقي "غزة" إخراج غاري كين وأندرو ماكونيل، عرض العمل للمرة الأولى في مهرجان صندانس السينمائي الدولي، وهو نتاج تعاون بين صانعين أيرلنديين وفلسطينيين، إذ مَثّل أيرلندا رسميا في سباق الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 2020.
يشير العمل بالبنان إلى تفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار حيث يعيش أهل غزة بين الأمل والموت بأسلوب بصري يعتمد على اللقطات الهادئة من مسافة بعيدة، لتسليط الضوء على الرتابة المرعبة للمأساة، مؤكدا أن المجزرة الحقيقية ليست فقط في لحظة القتل، بل في الحياة المعلقة والكرامة المنتهكة.
وهو ما يقدم من خلال تصوير إنساني يبرز التناقض الصارخ بين من يسعون للعيش وأولئك الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة دون تجميل أو مبالغة أو لغة احتجاجية مشحونة. يجري ذلك عبر استعراض بورتريهات إنسانية لأشخاص عاديين تتشابك حكاياتهم بشكل عاطفي متقاطع، يكشف لنا غزة كجغرافيا يومية مفعمة بالأسى في حين يتخلل السرد لقطات أرشيفية لحروب سابقة تؤكد تكرار الكارثة عبر الزمن.
غزة تقاتل من أجل الحرية"غزة تقاتل من أجل الحرية" (Gaza Fights for Freedom) فيلم وثائقي آخر يؤكد أن المجازر ليست استثناء. صدر العمل في 2019، وتعاونت خلاله الصحافية الأميركية آبي مارتن مع فريق فلسطيني لتقديمه رغم منعها من دخول القطاع، حيث أصبحت الكاميرا أداة مواجهة لا تقل جرأة عن أصوات المتظاهرين.
إعلانيركز العمل على مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في مارس/آذار 2018، حين خرج آلاف الفلسطينيين بشكل سلمي إلى حدود غزة مطالبين بكسر الحصار وحق العودة، قبل أن يرصد مواجهة قوات الاحتلال تلك المسيرات بالقنص المباشر واستهداف فئات محمية بموجب القانون الدولي، مما أسفر عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
كذلك يعرض الفيلم شهادات الناجين وأهالي الضحايا، ويلتقط لحظات مرعبة وحصرية من أرض الميدان، بما في ذلك صور حقيقية لعمليات قنص عن بعد، واستهداف مباشر للمدنيين غير المسلحين تم تصويرها من زوايا قريبة.
ورغم أن المخرجة ناشطة أميركية، فإن العمل يظهر الفلسطينيين بوصفهم أصحاب حق ورواية، وليسوا مجرد ضحايا، متخليا عن نمط الراوي الغربي الذي عادة ما يغفل السياق أو يجرم الضحية.
دموع غزة والواقعية الصارخةالعمل الوثائقي الأخير ضمن القائمة هو الفيلم النرويجي الفلسطيني "دموع غزة" (Tears of Gaza)، وهو شهادة صادمة ومباشرة على المجزرة الواسعة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة خلال حرب 2008-2009 المعروفة باسم "عملية الرصاص المصبوب".
تم تصوير الفيلم بكاميرات محلية ولقطات واقعية أعيد تركيبها بالاستخدام الذكي للمونتاج والموسيقى وضمها إلى شهادات مؤثرة لثلاث نساء ناجيات، مما جعل الفيلم يبدو كعمل فني رفيع، لا مجرد مادة أرشيفية.
اختار صانعو الفيلم تقديم لقطات ميدانية صادمة، وألقوا الضوء على أحداث مأساوية من بينها استخدام القنابل المحرمة دوليا ومجزرة حي الزيتون، وقصف المدارس التابعة للأونروا.
لكن ما جعل العمل مختلفا هو عدم تضمنه أي تعليقات صوتية سياسية، تاركا المساحة الكاملة للمتفرج ليكوّن حكمه الإنساني بنفسه، في إطار من الواقعية الصارخة التي جعلت العمل أقرب إلى شهادة بصرية ضد الحرب.
بالانتقال للأفلام الدرامية، نأتي على ذكر فيلم "الجنة الآن" (Paradise Now) للكاتب والمخرج هاني أبو أسعد، وهو العمل الذي لاقى استحسانا عالميا حتى إنه ترشح للأوسكار وفاز بجائزة غولدن غلوب وجائزة النقاد في مهرجان برلين.
وبالمقارنة مع الأعمال السابقة بالقائمة، قد لا يكون الفيلم يعرض موتا جماعيا أمام الكاميرا، إلا أن المجزرة حاضرة في الحوار والمكان وكحالة اجتماعية مزمنة تدفع الشباب نحو قرارات مأساوية.
يقدم فيلم "الجنة الآن" معالجة معقدة للصراع النفسي الذي يعيشه الفلسطيني تحت الاحتلال، حيث تتقاطع السياسة مع الوجود الشخصي، إذ يستعرض رحلة شابين نحو قرار شائك ومصيري يتعلق بالقيام بإحدى العمليات الفدائية، متتبعا حالة الشك التي تنتابهما والتأمل في معاني مثل الحياة والموت والأمل واليأس، الأمر الذي يطرحه المخرج بوصفه فعلا أخلاقيا أكثر من كونه سياسيا.
فرحة بين الحلم والنكبةفيلم "فرحة"، وهو دراما تاريخية تستند إلى قصة حقيقية جرت خلال نكبة 1984، تروي الحكاية فتاة فلسطينية مراهقة تطمح إلى إكمال تعليمها وسط عالم على وشك أن يمحى بالكامل، لكن حياتها تتحول إلى كابوس بين عشية وضحاها حين تشهد مجزرة وحشية إثر اقتحام القوات الصهيونية القرية الفلسطينية التي تسكنها.
اعتمدت المخرجة دارين سلام في فيلم "فرحة" على سرد شخصي لمراهقة تواجه عنف النكبة من زاوية معزولة وصامتة عبر استخدام الضوء الشاحب والفراغ الصوتي والكادرات الضيقة لنقل شعور بالحصار النفسي والذعر، مما يجعل التجربة أكثر قربا من مأساة فردية ذات صدى جمعي، ورغم أن صوت الضحية يكاد يكون مكتوما، فإن الكاميرا تمنحه حضورا هادرا.
إعلانيذكر أن الفيلم تعرض إلى هجوم واسع من الإعلام الإسرائيلي حين عرض على منصة نتفليكس، قبل أن تعقب المخرجة مؤكدة أن الفيلم مبني على شهادة حقيقية وأنه ليس أكثر فظاعة من المجازر التي أرختها الوقائع، مثل دير ياسين وصفورية والطنطورة.
تجمع الأفلام السابقة بين الوثيقة والشهادة، وبين الجماليات السينمائية والصرخة الإنسانية، معيدة تعريف معنى أن تكون الضحية لكنك في الوقت نفسه مرئيا ومسموعا وممثلا بكامل إنسانيتك.