هآرتس: لبنان يواجه خياراً صعباً بين الحرب والتطبيع مع إسرائيل
تاريخ النشر: 4th, April 2025 GMT
رأت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أنه في الوقت الذي يشهد لبنان دماراً، فإنه يخشى أن يتعرض لحرب إسرائيلية شاملة، حتى يصل البلدان إلى اتفاق لتطبيع العلاقات.
وقالت هآرتس تحت عنوان "لبنان مدمر، ويخشى أن تقصفه إسرائيل حتى يتم التوصل إلى اتفاق تطبيع"، أن القيادة اللبنانية الجديدة، التي يتعين عليها الآن التعامل مع عواقب الحرب، ودراسة سبل إعادة إعمار البلاد، وجمع القروض والمنح، لإصلاح الدمار الذي يقدر بأكثر من 13 مليار دولار، ونشر الجيش في جميع أنحاء جنوب لبنان، وإغلاق المعابر الحدودية غير الشرعية بين لبنان وسوريا، أصبحت محاصرة بين الضغوط الداخلية وتهديد تجدد الحرب.
#لبنان.. أول تعليق رسمي على "هجوم الفجر" الإسرائيليhttps://t.co/NahFreeigJ pic.twitter.com/gVIt1jarEZ
— 24.ae (@20fourMedia) April 4, 2025 نوايا خفيةوأشارت هآرتس، في التحليل الذي أعده المُحلل الإسرائيلي، تسيفي بارئيل، إلى البيان الذي صدر عن مكتب الرئيس اللبناني جوزيف عون بأن "استمرار العدوان الإسرائيلي يتطلب منا بذل جهد إضافي للحوار مع أصدقاء لبنان حول العالم، وحشدهم لدعم حقنا في السيادة الكاملة على أرضنا، إن الهجوم على الضاحية الجنوبية هو إشارة فاشلة لنوايا خفية ضد لبنان"، كما نقلت تأكيدات رئيس الوزراء نواف سلام أن هذا الهجوم "يشكل انتهاكا واضحا لترتيبات وقف الأعمال العدائية".
الاتفاق لا يزال بعيداًويضاف إلى ذلك "تهديد سياسي" آخر يحتل مكانة مركزية في الخطاب السياسي في لبنان، حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بعد اجتماعه مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو، إن إسرائيل مهتمة بالتطبيع مع لبنان، لكن "قد يكون من المبكر جداً، من وجهة النظر اللبنانية، القيام بذلك الآن".
وقال ساعر إن "البلدين باشرا بالفعل مناقشة عدة قضايا مثل ترسيم الحدود البرية، وإطلاق سراح اللبنانيين الذين تم أسرهم في الحرب، لكن في الوقت الحالي لا يتعلق الأمر بالمفاوضات حول التطبيع، وآمل أن يكون ذلك في المستقبل".
وعلقت الصحيفة قائلة إن النقاش حول التطبيع لا يزال بعيداً عن التحقيق، بل إن المفاوضات بشأن ترسيم الحدود متوقفة أيضاً، كما هو الحال مع التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى أن لبنان غير مطمئن إلى لهجة ساعر المستقبلية، التي تعتبر أن الحديث عن التطبيع ينتمي إلى مستقبل ما، ويعتقد المعلقون اللبنانيون أن إسرائيل تنوي قصف لبنان حتى تطبع علاقاتها معه.
فجوة عميقة بين الموقف الفرنسي والأمريكي
وكان من المتوقع أن تصل مبعوثة الرئيس ترامب، مورغان أورتاغوس، إلى لبنان لاستخدام ثقلها الكامل لدفع قضيتين رئيسيتين، نزع سلاح حزب الله في جميع أنحاء لبنان، وإنشاء لجان دبلوماسية لإدارة المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البرية، ورغم أن ساعر لم يقدم الكثير من التفاصيل حول محتوى محادثاته مع بارو، إلا أن لبنان يدرك جيداً الفجوة العميقة بين الموقفين الفرنسي والأمريكي في القضيتين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تطالب لبنان بتحديد جدول زمني قصير لنزع سلاح حزب الله، فيما ترى فرنسا، التي تدعم موقف الرئيس اللبناني، أن نزع السلاح يجب أن يتم عبر الحوار والتوافق الداخلي، من أجل منع الصراع بين الجيش اللبناني وحزب الله، والذي قد يؤدي في رأيها إلى حرب أهلية.
ووفقاً لـ"هآرتس"، فقد لا تكتفي أورتاغوس، في ظل نفاد صبر إدارة ترامب المعتاد، بالمطالبة بجدول زمني سريع، بل قد تهدد أيضاً بأن لبنان لن يتمكن من تلقي أي مساعدات والبدء في إعادة بناء البلاد إذا لم ينزع سلاح التنظيم، أما بالنسبة للجان التفاوضية لترسيم الحدود، فهنا أيضاً فجوة بين الموقف الأمريكي والتوجه اللبناني والفرنسي، الذي يرفض مصطلح "اللجان الدبلوماسية"، الذي يمكن تفسيره كآلية لإجراء مفاوضات سياسية شاملة مع إسرائيل، ويصر في الوقت الراهن على أن تتألف اللجان من عسكريين وعناصر مهنية، كما كان الحال في المفاوضات السابقة، وأن تدور المحادثات حول القضايا التقنية فقط ولن تتوسع إلى المفاوضات السياسية.
تعاون ضروريلكن الحكومة اللبنانية، وكذلك حزب الله، يدركان أن فرنسا وحدها لن تتمكن من إملاء سياستها دون التعاون مع الولايات المتحدة، أي من دون الضغط الأمريكي على إسرائيل، وهذا ليس وارداً حالياً، لأن لبنان يحتاج، من أجل الحصول على المساعدة الأولية لإعادة الإعمار والتنمية، إلى قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما مؤسستان تقعان تحت نفوذ أمريكي كبير.
لبنان يدعو أوروبا للضغط على إسرائيل للانسحاب من أراضيهhttps://t.co/p9BxoRRD9W
— 24.ae (@20fourMedia) April 3, 2025 صعوبة تقييم الأضراروأشارت الصحيفة إلى أن البنك الدولي أوضح بالفعل أنه يواجه صعوبة في إجراء "تقييم لحجم الأضرار"، والذي من شأنه أن يشكل الأساس لتقدير المساعدة التي يحتاجها لبنان، طالما أن وقف إطلاق النار غير كامل ونهائي.
وتابعت: "يحمل صندوق النقد الدولي حقيبة ثقيلة من الإصلاحات التي يتعين على الحكومة اللبنانية تنفيذها، مثل تغيير هيكل النظام المصرفي، وإنشاء آليات للإشراف على التحويلات المالية ومنع الفساد، والتشريعات الواسعة التي من شأنها منع غسل الأموال، وإرساء الشفافية، والحد من تمويل الجماعات المسلحة"، موضحة أنه تم توقيع اتفاق بشأن كل هذه الأمور بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في عام 2022، ولكن حتى الآن لم يتم تطبيق سوى تصحيحات قليلة جداً.
وأضافت الصحيفة أنه لا يزال من المبكر جداً تقييم مدى قدرة الحكومة اللبنانية، التي بدأت للتو مهماتها السياسية، على التعامل مع المطالب والشروط التي تضعها الولايات المتحدة أمامها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حرب ترامب التجارية وقف الأب عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل لبنان حزب الله إسرائيل وحزب الله فرنسا الولايات المتحدة الحکومة اللبنانیة
إقرأ أيضاً:
توفيق الحكيم والتطبيع: لماذا تحوّل كل هذا إلى عداء؟
في السابع من مايو 1979 – وبعد أشهر قليلة من توقيع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل - نشرت الصحف المصرية برقية أرسلها إلى السادات الأديبُ المصري الكبير توفيق الحكيم، يقول فيها: «تحية لموقفكم الراسخ أمام الأقزام، لقد أفزعهم صلح الفئتين المتحضرتين، بعد اطمئنانهم إلى ضعف مصر لتذل تحت أقدامهم. مالهم وجهلهم؟ سر المقاطعة والتخريب خوفهم من قوة مصر بعد الصلح لأنهم يريدونها منهكة القوى بالحروب لتستنجد بهم وتتملقهم فيحتقرونها، فإلى الأمام نحو الكرامة والحضارة، وخطوة من المتحضرين نقابلها بخطوتين، فلن ترجع مصر مع المتخلفين إلى الوراء، فالتقدم دائمًا والمجد لمصر المتحضرة». والحق أن حكاية الحكيم مع تأييد كامب ديفيد بشكل خاص، ومع التطبيع بشكل عام، ذات فصول متشعبة وتستحق أن تُروى، ليس فقط لأنه كان «رأس حربة التطبيع»، على حد تعبير الباحث مهند حامد رشدي في دراسته «موقف الليبرالية العربية من القضية الفلسطينية: مصر نموذجًا»، ولكن أيضًا لأن الأديب المصري الكبير كانت له رؤية فلسفية خاصة للصراع العربي الإسرائيلي، يصعب اختزالها في التُهمة الجاهزة التي تُلصق عادة بالمطبّعين من الأدباء الكبار، ألا وهي الطمع في جائزة نوبل، خاصة إذا علمنا أنه كان مرشحًا لها بالفعل.
قبل كامب ديفيد بأكثر من ثلاثين عاما، وتحديدًا عام 1945، أي قبل تأسيس دولة الكيان الصهيوني بسنوات قليلة، زار توفيق الحكيم تل أبيب بدعوة من الفرقة المسرحية «هابيما» (التي تعني بالعبرية «المسرح» أو «الخشبة»)، وهناك التقى مستشارها الأدبي ماكس برود، الكاتب التشيكي اليهودي، وصديق كافكا الذي لم يمتثل لوصيته بحرق أعماله. وفي تلك الزيارة عرضت عليه الفرقة تقديم مسرحيته «سليمان الحكيم» على المسرح. ولكي نعرف أهمية هذه الزيارة في تشكيل وعي الحكيم بأهمية السلام بين العرب واليهود علينا أن نعود إلى أوراقه ورسائله الخاصة المكتوبة بالفرنسية التي نشرتْ ترجمتها العربية صحيفة «الأهرام» في 26 أبريل 2014، وكانت الفنانة والمخرجة المصرية هالة القوصي التي تجيد الفرنسية قد عثرت على هذه الأوراق والرسائل بالصدفة لدى بائع أغراض قديمة يسميها المصريون «روبابيكيا» عام 2013، وترجمتْها بنفسها. في واحدة من هذه الرسائل - التي كُتِبتْ جميعها في النصف الثاني من السبعينيات كما يبدو من بعض الأحداث المذكورة فيها - يسرد توفيق الحكيم لصديقه الأديب الفرنسي جان دورميسون حكاية طلب «هابيما» لمسرحيته، ويحرص على توضيح أن هذه المسرحية التي طلبتْها فرقة يهودية، مبنية على الإنجيل والقرآن، ثم يعلق: «إلى هذا الحد كان التعاون الثقافي والفني ممارسًا في تلك الفترة. لماذا إذن تحول كل هذا إلى عداء؟ هذه حكاية طويلة. ولكل طرف حجته، لكن في رأيي ليس هناك إلا جذر واحد لشجرة الشقاء هذه: الخوف. الخوف لدى إسرائيل أن تجد نفسها ملقاة في البحر على يد جيرانها العديدين. وخوف لدى جيرانها من أن يجدوا أنفسهم مهددين بالعسكرة الإسرائيلية. هل يمكن أن نقنع هؤلاء وهؤلاء أن خوفهم مبالغ فيه ولا أساس حقيقيًّا له؟». ويضيف: «إلقاء إسرائيل في البحر ما هي إلا فكرة مجنونة وغير مرغوبة حتى لدى الجيران الأكثر تطرفا. لا يوجد إنسان واحد في العالم أكمل لا يتمنى أن يشهد عودة اليهودي المشتت، كما لا يريد أحد أن يشهد تشتت الفلسطيني».
سؤال «لماذا تحوّل كل هذا إلى عداء؟» يتكرر في الحكاية التي يسردها الحكيم لدورميسون عن مترجم كتابه «يوميات نائب في الأرياف» إلى الإنجليزية أبا إيبان، الذي سيصبح بعد ذلك وزيرًا لخارجية إسرائيل. يقول الحكيم: «تبدأ الحكاية في ١٩٤٣ عندما كان الأستاذ أ. إيبان في الجيش البريطاني. وقد أعلمني هذا المستعرب النابغة في خطاب بأسلوب عربي رصين أنه كان بصدد ترجمة كتابي «يوميات نائب في الأرياف» إلى الإنجليزية. وقد نشر الكتاب في لندن سنة 1947، وكان خطوة البداية في تعاون ثقافي مثمر تحول في ١٩٦٧ إلى عداء مؤذ». ثم يتحسّر الحكيم: «في اللحظة الحالية وقد نفدت الطبعة الإنجليزية، تتوقف إعادة النشر لأن الأديبين المتعاونين أصبحا عدوين. إلى متى هذا العداء؟ أتمنى أن ينتهي سريعا حتى نستأنف تعايشنا السلمي كما في العهود السابقة».
لعل هذا «التعايش السلمي» الذي يحلم به الحكيم (هل أقول يتوهمه؟) هو ما حدا به لوصف معارضي التطبيع بــ«الأقزام»، ولا أدري هل قصد بهذا الوصف العربَ الذين قرروا مقاطعة مصر بعد المعاهدة؟ أم زملاءه من الكتّاب المصريين الذي ردّوا على مقالٍ له نشره في صحيفة «الأهرام» قبل هذه البرقية بنحو عام، وتحديدًا في الثالث من مارس 1978- أي قبل توقيع المعاهدة بأشهر قليلة – حمل عنوان «مصر والحياد» أكد فيه أنه «لن تعرف مصر لها راحة، ولن يتم لها استقرار، ولن يشبع فيها جائع إلا عن طريق واحد«هو الحياد».
أحد الكتّاب الكثر الذين ردوا على الحكيم معارِضين هذه الفكرة كان الأديب يوسف إدريس في مقال له بعنوان «إلى الكبير الحكيم» (نشر في «الأهرام» في 22 أبريل 1978) واصفًا دعوة حياد مصر بأنها دعوة خطيرة جدًّا تهدد مستقبل مصر كله؛ بل وغمز من قناة «الكبير الحكيم» ملمّحًا أن هذه الدعوة ليست إلا «بالونة اختبار» لشيء غامض! ولعله يلمح إلى تهمة مغازلة الحكيم لجائزة نوبل، وهي التهمة التي أطلقها إدريس تصريحًا لا تلميحًا على نجيب محفوظ بُعيد فوزه بها عام 1988، أي أنه نالها بسبب موقفه المؤيد للسلام المصري الإسرائيلي، لا لكفاءته الأدبية، وفي مقال سابق في هذه النافذة كتبتُ عن تفنيد محفوظ لتُهمة نيله الجائزة بسبب موقفه المؤيد لمعاهدة كامب ديفيد بالقول: إنه لو كان الأمر كذلك فإن أدونيس أو توفيق الحكيم يستحقانها أكثر منه، «فهما مؤيدان للسلام مع إسرائيل أكثر من تأييدي أنا له عشرات المرات» كما ورد في كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش.
غير أن الذي أنصف محفوظ والحكيم – ومعهما حسين فوزي – من وجهة نظري هو الناقد غالي شكري. يكتب شكري في كتابه «نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل»: ((لم تكن إسرائيل، حتى عام ١٩٤٧م قد وُلِدت رسميًّا، ولم يكن ميسورًا للوعي القومي العربي أن يسود أو يحفز العقلَ القطري على التفكير في «وطن عربي» أو «أمة عربية» حتى تنبثق رؤية جديدة. وهي الرؤية التي وُلدت تدريجيًّا عند الضباط الأحرار حتى عام ١٩٥٦م حين اكتملت. وحينئذٍ لم يعُد العدوان على مصر لأنها مصر فقط، وإنما لكونها اكتشفت وعمَّقت اكتشاف هويتها العربية، فأصبحت فلسطين جزءًا من وطن أكبر يضمنا وقومية واحدة تجمعنا. هنا كان الانفصال التاريخي بين جيلين. ولكن «الصفقة» كبَتت هذا الفصام زمنًا طويلًا، لم يتغير فيه جوهر نجيب محفوظ وتكوين توفيق الحكيم وفكر حسين فوزي. وحين أقبلت شعارات السادات كانت في الحقيقة شعاراتِهم فأيدوها لأنهم صادقون مع أنفسهم غايةَ الصدق». ويخلص شكري إلى أنه بهذا المنطق المصري، وافق هؤلاء على مبادرات السادات من كامب ديفيد إلى التطبيع. أي أنهم كانوا منسجمين مع قناعاتهم ورؤاهم السياسية.