بغداد اليوم -  بغداد

في خضمّ موجات الأسواق التي لا ترحم، وبين تعقيدات الإقليم وتقلبات واشنطن، بدا العراق مرة أخرى مكشوفًا وعاريًا أمام ضربة جديدة في خاصرته الأضعف: النفط. 

في تغريدة لافتة لرئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية ماجد شنكالي، دوّى التحذير من خسائر جسيمة قد تُمنى بها البلاد إثر هبوط أسعار النفط الخام بنحو 13% خلال 48 ساعة فقط، أي بما يعادل عشرة دولارات للبرميل، في وقت لا تزال فيه موازنة العراق تعتمد على هذا الذهب الأسود بنسبة تتجاوز التسعين في المئة، دون أن تُبدي الدولة أي علامات تحوّل جادّ نحو بدائل اقتصادية حقيقية.

 


التحذير لم يكن تقنيًا أو اقتصاديًا فحسب، بل حمل نفَسًا سياسيًا واضحًا حين أشار شنكالي إلى أن كثيرًا من قوانين التعرفة الكمركية التي فرضها ترامب، أو تلك التي يُعدّها بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، تنطوي على مخاطر حقيقية على الدول التي لا تمتلك قدرة تفاوضية أو اقتصادية كافية، لكن بعض الأصوات في الداخل، كما وصفهم، يتعجلون في إطلاق الأحكام دون وعي بالسياقات الإقليمية والدولية التي تحكم حركة السياسة والنفط والتجارة.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يُستدعى فيها شبح انهيار السوق ليذكّر العراقيين بأن اقتصادهم معلّق بخيط واحد، هشّ، قابل للاهتزاز عند أول عاصفة. فمنذ سنوات، وبالرغم من التصريحات المتكررة حول "تنويع مصادر الدخل"، لم يتمكن العراق من بناء قاعدة إنتاجية محلية، بل ظل عالقًا في دوامة الاستيراد والإنفاق الحكومي المرتفع، دون إصلاح بنيوي حقيقي. كل خطة إصلاح تنطلق بأمل، وتخبو سريعًا عند أول تحدٍّ سياسي أو مصالح فئوية. والنتيجة أن الدولة التي يُفترض أن تكون راعية للنمو والتنمية، تحوّلت إلى كيان ريعيّ يتغذى على الإيرادات النفطية، ويفشل كل مرة في استثمارها لبناء قاعدة اقتصادية صلبة.

في خلفية المشهد، يلوح شبح القوانين الأمريكية التي تحاول إعادة تشكيل قواعد التجارة الدولية عبر فرض رسوم جمركية جديدة على بضائع الدول ذات الاقتصادات الهشة، وهو ما يُعرف اختصارًا بـ"مشروع ترامب الكمركي". وإذا ما طُبّق هذا المشروع بالشكل الذي يُناقش حاليًا داخل الكونغرس، فإن كلف الاستيراد في العراق ستتصاعد بشكل كبير، خصوصًا وأن أكثر من 80% من الحاجات الغذائية والصناعية والطبية في البلاد تأتي من الخارج. ومن دون قدرة حقيقية على ضبط المنافذ الحدودية أو فرض التعرفة الموحدة، فإن السوق العراقية ستتحول إلى ساحة مفتوحة لا تعرف السيادة الجمركية ولا العدالة في التنافس.

الخطورة في هذا السياق لا تكمُن فقط في أثر تلك القوانين، بل في غياب الوعي السياسي العميق في الداخل، كما أشار شنكالي، حيث يخرج البعض من المراقبين والمعلقين لينتقدوا أو يُهاجموا دون امتلاك أدوات الفهم أو الاطلاع على الخريطة المعقدة للعلاقات الدولية. وهنا لا يصبح الجهل مشكلة فردية، بل يتحول إلى أزمة قرار تُصاغ في البرلمان أو الإعلام بناءً على شعارات لا على قراءات واقعية. وكلما زاد هذا النوع من الانفصال بين ما يُقال وما يجري، كلما تعمّق الجرح في جسد الاقتصاد العراقي المنهك أصلًا.

من وجهة أخرى، فإن هذا التحذير البرلماني يفتح الباب أمام تساؤل أكبر: كيف يمكن لدولة تمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم أن تعيش تحت رحمة تقلبات البرميل؟ ولماذا لم تتمكن الطبقة السياسية، خلال أكثر من عقدين، من خلق بيئة اقتصادية قادرة على التحمّل والصمود؟ ربما لأن الدولة، منذ تأسيسها بعد 2003، تأسست بوصفها نظام محاصصة لا مشروع وطن، فتم تقاسم الإيرادات لا تطويرها، وأُنفقت الأموال على الوظائف الشكلية لا على الإنتاج، وتمت حماية الاستيراد بدلًا من تحفيز الصناعة المحلية.

اليوم، يعود النفط ليؤكد أن الريع لا يُبنى عليه وطن، وأن كل انخفاض في السوق العالمي هو صفعة على وجه الدولة التي لم تتعلّم من دروسها السابقة. وإذا ما ترافق هذا الهبوط مع قوانين كمركية أمريكية قاسية، فإن الموازنة العراقية لن تترنّح فقط، بل قد تسقط تمامًا في فراغ التمويل والعجز، لا سيما وأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يلوّحان بشروط قاسية لأي دعم مستقبلي.

إن تحذير شنكالي، وإن بدا اقتصاديًا في ظاهره، يحمل في عمقه نداءً سياسيًا وأمنيًا، لأن هشاشة الاقتصاد لا تُهدد الرواتب والخدمات فحسب، بل تُضعف قدرة الدولة على الحفاظ على السلم الأهلي، وتُغذي شبكات الفساد التي تجد في كل أزمة منفذًا جديدًا للنهب. وفي ظل صمت حكومي لافت حيال الانهيار الأخير في أسعار النفط، يبقى السؤال معلقًا في فضاء الأزمة: من يصحو أولًا؟ الدولة أم الكارثة؟ وهل يكفي تحذير برلماني واحد لإيقاظ حكومة بأكملها من سبات الغفلة؟


المصدر: بغداد اليوم + وكالات 

المصدر: وكالة بغداد اليوم

إقرأ أيضاً:

لعنة جوتمان.. سيناريو بنفيكا الكارثي يلاحق بيراميدز بخسارة الثلاثية

سقط فريق بيراميدز في سلسلة من الخسائر والهزائم المتتالية على مستوى بطولة الدوري ليفقد الصدراة لصالح النادي الأهلي.

وبعد أن كان بيراميدز قريبا من تحقيق ثلاثية تاريخية في موسم أسطوري بالنسبة للسماوي، وجد بيراميدز نفسه في المركز الثاني بجدول ترتيب بطولة الدوري المصري حيث منى بهزيمتين متتاليتين أمام فاركو بنتيجة 3-2 وأمام البنك الأهلي بنتيجة 4-2.

هل يلعبها ؟ .. زيزو يتدرب منفردا استعدادا لمباراة بيراميدزطارق السيد: بيراميدز لن يتوج بالدوري.. وهناك أمر غريب يحدثالأهلي على القمة.. جدول ترتيب الدوري المصري بعد هزيمة بيراميدزنهائي دوري أبطال أفريقيا.. موعد مباراة بيراميدز وصن داونزلعنة جوتمان تقترب من السماوي

وما ينذر بإقتراب خسارة لقب بطولة الدوري المصري يعيد للأذهان سيناريو كارثي حدث في موسم 2013 لـ بنفيكا البرتغالي.

اللعنة بدأت بمقولة لجوتمان المدير الفني: “من الأن ولمدة مائة عام لن يصبح بنفيكا بطلا لـ أوروبا”.

قنبلة رماها مدير فني مميز في أوروبا وقتها، البداية كانت عام 1959 حينما تولى جوتمان تدريب الفريق واستغنى مبكرا عن 20 لاعبا في الفريق وصعد عدد من لاعبي فريق الشباب ليحقق بعدها بطولة الدوري مرتين متتاليتين عام 1960-1961 ودوري أبطال أوروبا مرتين 1961-1962.

إنجاز تاريخي مهدر

جوتمان مع بنفيكا نجح في إقصاء ريال مدريد محتكر البطولة وقتها لمدة خمس سنوات وفاز عليه في نهائي 62 بثلاث أهداف.

وحدثت المشكلة حينما طلب جوتمان مكافأة على إنجازاته التاريخيه مع بنفيكا لكن الإدارة رفضت ليلعن النادي بمقولته التاريخية ويرحل عن الفريق.

وحقق بنفيكا الوصافة الأوروبية في دوري الأبطال 5 مرات و3 مرات في الدوري الأوروبي.

خسارة الثلاثية في 15 يوم

وظهرت لعنة جوتمان بشكل واضح في موسم 2012-2013 حينما فشل بنفيكا في تحقيق لقب بطولة الدوري الأوروبي وهزم أمام تشيلسي في المباراة النهائية.

3 نهائيات في شهر واحد

بنفيكا خسر لقب بطولة الدوري في الأمتار الأخيرة من بطولة الدوري بتعادل أمام إستوريل برايا ثم خسارة من المنافس المباشر بورتو البرتغالي يوم 11-5

كما خسر لقب بطولة الدوري الأوروبي يوم 15 مايو وبعدها خسر لقب كأس البرتغال يوم 26- مايو أمام فيتوريا غيماريش، لتستمر لعنة جوتمان ترسيخها في أذهان عشاق بنفيكا بعدم تحقيق اللقب الأوروبي بجانب الألقاب المحلية.

ويعد هذا السيناريو المرعب لفريق بيراميدز الذي يقترب من خسارة الدوري في الأمتار الأخيرة وقبل أيام معدودة من نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام صن دوانز ونهائي كأس مصر أمام الزمالك.

طباعة شارك بيراميدز فريق بيراميدز بنفيكا الدوري المصري كأس مصر دوري أبطال أوروبا دوري أبطال أفريقيا

مقالات مشابهة

  • لعنة جوتمان.. سيناريو بنفيكا الكارثي يلاحق بيراميدز بخسارة الثلاثية
  • تعزيز استراتيجة طريق التنمية وتخفيف القيود الجمركية.. القمة العربية تفتح آفاقاً اقتصادية لبغداد
  • العراق وخيارات البقاء أو الانسحاب من تحالف أوبك بلس ؟
  • بين النفط والعجز: العراق يغامر بسحب ثرواته الضريبية
  • برلمانية: الاستثمار الذكي في السلامة العامة يُحقق عوائد اقتصادية طويلة الأجل
  • روسيا تعمل مع العراق وإيران لإنشاء ممر بري للطاقة يمتد الى سوريا
  • عاجل .. الجيش السوداني يسقط مسيّرة هاجمت مطار كسلا
  • السفير الروسي:أكثر من (20) مليار دولار قيمة الاستثمارات الروسية النفطية في العراق
  • النفط يستقر وسط حالة ضبابية اقتصادية مريبة
  • هل ينشئ العراق مصفاة نفط في طرابلس اللبنانية؟.. وما جدواها؟