اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
أيها السادة في كل مكان، أيها العالم الحر وبني الإنسان، يا أصحاب الضمائر الحية والنفوس الأبية، ويا #دعاة_الحرية و #حقوق_الإنسان، أيها المنادون بالكرامة و #العدل و #المساواة، أيها المتحضرون المتمدنون، الحداثيون العصريون، يا من تدعون أنكم بشراً وترفضون بينكم شرعة الغاب وحياة الضواري والوحوش البرية، يا أصحاب القلوب الرحيمة والأحاسيس المرهفة، أيها الرقيقون العاطفيون، البكاؤون اللطيفون، ألا ترون ما يجري حولكم وما يدور في محيطكم، ألكم آذانٌ تسمعون بها، وعيونٌ ترون بها، وقلوب تعون بها، أم على قلوبٍ أقفالها، وقد طمست عيونكم وختم على قلوبكم وصمت آذانكم، فلم تعودوا ترون وتسمعون، وتشعرون وتعقلون.
إن غزة تدمر وأهلها يقتلون، وشعبها يباد، والحياة فيها تعدم، والأمل فيها يموت، ولا شيء فيها أصبح صالحاً للحياة أو ينفع للبقاء، إنهم يقتلون من قتلوا، وينبشون قبور من دفنوا، ويعيدون زهق الأرواح التي خنقوا والنفوس التي أفنوا، ويفجرون الأرض تحت أقدامهم، ويشعلون النار فيهم ومن حولهم، يقصفونهم بأعتى الصواريخ وأكثرها فتكاً فتتطاير في السماء أجسادهم وتتفرق على الأرض أشلاؤهم، ويدفنون أحياءهم تحت الأرض، ويهيلون عليهم الرمال بجرافاتهم ويحكمون عليهم بالموت خنقاً، والعالم يرى ويسمع، لكنه يصمت ويسكت، ولا يحرك ساكناً ولا يستنكر سياسةً أو يشجب عملاً.
مقالات ذات صلة نور على نور 2025/04/06الأنفاس في غزة باتت معدودة ومحدودة، وهي تخنق وتزهق، ويقتل من بقي فيها يقف على قدميه ويتنفس، وباتت أعداد أهلها تقل وأسماؤهم من سجلاتها المدنية تشطب، إنهم لا يريدون لنا الحياة، ولا يتمنون لنا البقاء، وهم عملاً بتوراتهم يعملون السيف فينا ويثخنون فينا ويقتلوننا، ويحرقون أرضنا ويقتلون أطفالنا، ولا يستثنون من آلة القتل حيواناتنا، ويعدون بحثاً عن أحياء بيننا أو ممن نجا من قصفهم فيغيرون عليهم من جديد، أملاً في قتل من بقي، والإجهاز على من أصيب من قبل وجرح.
أيها الناس …. عرباً ومسلمين، مسيحيين وبوذيين، مؤمنين ووثنيين، ألا من ناصرٍ ينصرنا، ألا من حرٍ يكرُ معنا، ألا من غيورٍ يغضب لنا، ألا من أصواتٍ ترتفع لأجلنا، وتصرخ في وجه إسرائيل وأمريكا معنا، ألا ترون أن إسرائيل تجرم وتبالغ في إجرامها، وتنهك كل القوانين وتخرق كل الأعراف ولا تخاف من بطش أو ردعٍ، فالولايات المتحدة الأمريكية، راعية الظلم والإرهاب في العالم، تقف معها وتؤيدها، وتنصرها وتناصرها، وتمدها بالسلاح والعتاد، وتدافع عنها بالقوة وتقاتل معها بالحديد والنار.
أيها العرب أين عروبتكم وأين نخوتكم، أين قيمكم وأين هي أصالتكم، أينكم من ضادٍ مع فلسطين تجمعكم، ولسانٍ يوحدكم، وأينكم من أرضٍ بهم تقلكم وسماءٍ تظلكم، ألا تغضبون لما يتعرض له أهلكم في قطاع غزة خاصةً وفي فلسطين عامةً، ألا ترفعون الصوت عالياً ليحترمكم العالم ويحسب حسابكم، ألا ترون أنكم تفقدون احترامكم وتخسرون مكانتكم، ولا يبقى من يقدركم ويحفظ مقامكم، فإن من يهون يسهل الهوان عليه، ومن يعز نفسه ويكرم أهله يصعب على غيره أن يذله وعلى عدوٍ أن يهينه.
أيها المسلمون أين هي عقيدتكم مما يجري لنا ويلحق بنا، ألا تقرأون كتاب ربكم وتعقلون قرآنكم الذي يقول بأنكم رحماء بينكم، وأشداء على عدوكم، أما سمعتم قول رسولكم الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنه إذا أصيب منكم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فأين أنتم أيها المسلمون مما نتعرض له في غزة وفلسطين من مذابح ومجازر وحروب إبادة، ألا تعلمون أن التاريخ لن يرحمكم ولن ينساكم، وأنه سيكون سبةً في جبينكم وعاراً يلاحقكم ويلوث صفائحكم، وأن اللعنة التي لاحقت ملوك الطوائف ستلاحقهم، وما أصابهم سيصيبكم.
أيها العالم المشغول بحروب التجارة وقوانين الاقتصاد ورسوم ترامب الجمركية، ألا ترون الدماء التي تسفك، والأرواح البريئة التي تزهق، والأطفال الذين يقتلون، والنساء التي تحرق، والأجساد التي تتطاير، ألا تسمعون عن الحصار المفروض على ملايين الفلسطينيين في قطاع غزة، وعن جوعهم وعطشهم، وفقرهم وعوزهم، ومرضهم وشكواهم، ومعاناتهم وألمهم، ألا تسمعون بغزة وما يجري بها ولها، وما أصاب أهلها ولحق بسكانها، ألا ترون مشاهد الأرض المحروقة، والبيوت المدمرة، والشوارع المحروثة، والكلاب الضالة التي تنهش أجساد الشهداء، وتخرج من جوف الأرض بقايا أجسامهم.
أيها البشر إن كنتم بشراً ألا تثورون للعدل، ألا تنتفضون للقيم الإنسانية والمعاني السماوية، فهذه إسرائيل تقتل بصمتكم، وتقتلنا بعجزكم، وتبيدنا بأسلحتكم، وتتبجح بتأييدكم، وهي ماضية في جرائمها، ومستمرة في عدوانها، ولا تخشى من عقاب، ولا تقلق من سؤال، فهل تتركونها تمضي في جريمتها التي لا مثيل لها في التاريخ، ولا ما يشبهها في البلاد، ألا تنتصرون لضعفنا، وتهبون لنجدتنا، وتعترضون على قتلنا، وتقفون في وجه عدونا، وتصدون آلته العسكرية، الأمريكية والأوروبية، وتمنعونه من قتل الأبرياء وإبادة الشعب، وترفضون سياساته وأمريكا الداعية إلى طردهم وإخراجهم من أرضهم، وحرمانهم من حقوقهم في وطنهم وبلادهم.
بيروت في 6/4/2025
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: حقوق الإنسان العدل المساواة ألا من
إقرأ أيضاً:
عن العنف الذي لا يبرر
يونيو 11, 2025آخر تحديث: يونيو 11, 2025
وفاء نصر شهاب الدين
كاتبة من مصر
في صغري، أرسلتني أمي إلى بيت جدتي في زيارة كانت تبدو عادية تمامًا، لولا أنها خبأت لي مشهدًا من تلك المشاهد التي تترك ندبة في الذاكرة لا تُشفى بسهولة.
كان هناك كلبٌ أبيض، جميل، شعره كيرلي ناعم كقطن السحاب. بدا لي وقتها وكأنه مخلوق من القصص، من أولئك الذين يرافقون الأطفال في الحكايات القديمة ويحرسونهم من الأشباح. كنت أراه لطيفًا، بريئًا… حتى اللحظة التي ركض فيها خلفي وعقرني.
تغيّر كل شيء بعدها، كبر داخلي خوفٌ لم أفلح في التخلُّص منه تمامًا. كلما اقترب مني كلب في الشارع، تتراجع خطواتي، يتسارع نبضي، وتنهض الطفلة التي بداخلي مذعورة.
لكن، ورغم هذه الذكرى التي جرحت ثقتي، لم أكره الكلاب أبدًا. لم أفهم يومًا كيف يمكن لإنسان أن يؤذي حيوانًا لا حول له ولا قوة، أن يضربه، أن يسحله، أن يسمّمه، أو أن ينظر إليه وكأنه عدو لا بد من القضاء عليه.
الشارع في السنوات الأخيرة صار قاسيًا، ليس فقط على البشر، بل على الكائنات التي لا تملك صوتًا يدافع عنها.
كم من مرة رأيت كلبًا يُركل بلا سبب، أو تُلقى عليه الحجارة وكأن قلوب الناس قد تحجّرت!
كم من مرة سمعت عن حملات قتل جماعي للكلاب الضالة، وكأن الوفاء الذي عُرفت به هذه المخلوقات لم يعد يعني شيئًا في عالمنا.
أين ذهب الحنان؟
أين اختفى التراحم الذي أوصت به الأديان قبل القوانين؟
كيف تحوّلنا إلى بشر يخافون من الطيبة، ويشهرون العداء ضد الكائنات التي لا تطلب إلا الأمان وبعض الطعام؟
الكلب الذي عضّني وأنا طفلة… ربما خاف. ربما رأى فيّ تهديدًا لا أفهمه. ربما أراد أن يلعب ولم يُحسن التعبير.
لكنه، رغم كل شيء، لم يكن شريرًا.
الشر، في حقيقته، ليس في الحيوان، بل في القسوة التي نغلّف بها قلوبنا، وفي الجهل الذي يدفعنا إلى إيذاء كل ما هو أضعف منّا.
ليت الشوارع تتسع قليلًا للرحمة.
ليت البشر يعيدون النظر في علاقتهم بالحيوانات، ليس فقط من منطلق الشفقة، بل من باب المسؤولية الأخلاقية والإنسانية.
فنحن لا نُقاس فقط بما نفعله تجاه من نحب، بل بما نفعله تجاه من لا يستطيع أن يردّ الأذى عن نفسه. نحن نعيش في مجتمع يتحدث كثيرًا عن الأخلاق، عن التدين، عن الفضيلة… لكننا ننسى أن الرحمة ليست شعارًا يُرفع، بل سلوك يومي يُمارس، خاصة تجاه من لا يملك صوتًا يُدافع به عن نفسه.
أحيانًا أسير في الشارع فألمح كلبًا يجلس على الرصيف، عينه قلقة، ذيله بين قدميه، ووجهه ممتلئ بأسئلة لا تُقال:
“هل سأُطرَد؟ هل سأُضرَب؟ هل هذا المارّ طيب أم غاضب؟” كلب لا يريد شيئًا سوى الأمان، وربما قطعة خبز، وربتة على الرأس… أو على الأقل، أن يُترك وشأنه دون أذى. لماذا لا نترك الكلاب وشأنها؟
لماذا لا نعترف بأن هذه المخلوقات، وإن كانت لا تتكلم، إلا أن قلوبها تفهم، وذاكرتها تحتفظ، ووفاءها يتجاوز في كثير من الأحيان وفاء البشر؟ الكلب لا يخون، لا يبيع، لا يؤذي بلا سبب. الكلب لا يكذب.
وما يوجع أكثر من العنف، هو اللامبالاة…أن يُضرَب الكلب في منتصف الشارع، ولا يتوقف أحد. أن يُسمَّم، ويُترك يتلوى في صمت، كأن موته لا يعني شيئًا. أن تتحوّل الكائنات الأليفة إلى أهداف متحرّكة لغضبٍ مكبوت، وعداء غير مبرر، لا تبرّره شريعة، ولا تقبله نفسٌ سوية.
ربما لا أزال أخاف الكلاب قليلًا، لكنني أحبها رغم ذلك، وأدافع عنها ما استطعت. لأنني أؤمن أن الكائن الذي أحبك بصدق حتى بعد أن آذيته، لا يستحق سوى الحماية.
لأن الطفلة التي بداخلي، التي ركضت مذعورة من كلبٍ أبيض، عادت بعد سنوات طويلة، ومدّت يدها لحيوان خائف في الشارع… وربّتت على رأسه. ربما شُفيت بعض الشيء. وربما حان الوقت لنُشفي نحن جميعًا من هذه القسوة التي تسكننا. أقول دائمًا إن ما يفعله الإنسان في الخفاء، مع كائنٍ ضعيف، هو مرآته الحقيقية.
لا يُعرّفنا موقف أمام جمهور، ولا كلمة في ندوة، بل تلك اللحظة التي نمرّ فيها بجانب حيوان جائع أو مذعور… كيف نتصرف حينها؟ تلك هي الحقيقة. الكلب لا يملك لغة ليدافع بها عن نفسه، لكنه يملك قلبًا يفهم ويشعر.
وما أبشع أن نُقابل الوفاء بالخيانة، والوداعة بالقسوة، وأن نغضّ الطرف عن مشاهد الألم لمجرد أنها لا تخصّنا مباشرة
كل كلب مشرّد في شوارعنا هو اختبار صامت لإنسانيتنا. وكل حجر يُرمى، أو قدم تُركل، أو نظرة اشمئزاز تُلقى على كائنٍ أعزل… هي جرح فينا قبل أن تكون جرحًا فيه.
دعونا نتذكر أننا لا نعيش وحدنا، وأن الأرض ليست لنا فقط وأن الرقة ليست ضعفًا، بل رفعة وأن من يُؤذي كائنًا لا يتكلم، سيصعب عليه أن يُحب كائنًا يتكلم. ربما لو أحببنا الكلاب قليلًا، أو على الأقل احترمنا وجودها، لعادت الشوارع أقل عنفًا، وأكثر احتمالًا…وربما لو تذكّر كل واحد فينا كلبًا قديمًا، في طفولته أو في ذاكرته، لكان في قلبه شيء من الحنان لا يُفسَّر.
الكلب الذي عضّني وأنا صغيرة، علّمني شيئًا لا تنقله الكتب: أننا قد نخاف ممّن نحب، لكننا لا نكرههم…وأن الحب الحقيقي لا يزول، حتى إن ترك ندبة.