سودانايل:
2025-05-21@12:29:46 GMT

الهوية السودانية بين الغابة والصحراء (2/2)

تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT

ali.hag.mohamed@gmail.com

بعد دخول الإسلام إلى مصر فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تحالفت و إتحدت مملكة المقرة (السودانية) المسيحية مع البيزنطيين ضد المسلمين فى عداء سافر و شكلت خطرآ داهمآ و مهددأ مباشرآ للولاية الوليدة. و حينها طلب الخليفة من عمرو بن العاص وإلى مصر القضاء على تلك المملكة و وقف خطرها الماثل قبل أن يستفحل .


فى بداية عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه تولى عبد الله بن أبى السرح ولاية مصر و جعل من أولوياته التوجه جنوبا لقلع شوكة الدولة النوبية و حاصر عاصمتها دنقلا حتى إستسلمت. و وقع مع ملكها قليدروس إتفاقية ( البقط ) الشهيرة و التى ضمنت أمنآ و أمانآ للمملكة عام 28 هجرية -652 ميلادية. و أسست لهدنة بين الطرفين، وكوفيت مصر شر هجمات مملكة النوبة و الدولة البيزنطية و سمحت للعرب التوغل جنوبا إلى أعماق السودان حاملين معهم تباشير الدين الجديد و قيمه السمحة في المساواة و العدالة و التكافل و الإخاء. و دخل الناس فيه أفرادا و جماعات و في خلال فترة وجيزة غطى مناطق واسعة من أرض السودان المتعارف عليه الآن.
و تعتبر إتفاقية (البقط ) من أطول المعاهدات فى التاريخ حيث إستمرت حوالى 700 عاما.

بعد ظهور الإسلام في جزيرة العرب فتحت مسالك و طرق هجرة أخرى نحو السودان، من الشرق عبر البحر الأحمر و من الغرب من بلاد شنقيط و المغرب العربي عمومآ و من الغرب الإفريقي أيضا، حيث إعتنقت ممالك إفريقية في مالى و النيجر و نيجيريا الإسلام، و أصبح السودان المعبر الوحيد لتلك الممالك و الواصل إلى الأراضي المقدسة. و كانت الرحلة إلى بيت الله الحرام تستغرق في ذاك الزمان أكثر من عام.
وكان عدد من الحجيج يطيب لهم المقام في أرض السودان الواسعة المعطاءة فيستقرون فيها و يتزوجون من القبائل المحلية، شأنهم في ذلك شأن العرب القادمين من الجزيرة العربية و المغرب العربي.
و هكذا تشكلت خارطة إجتماعية و ثقافية تحمل طياتها موروثات و عادات وتقاليد و قيم محلية و دخيلة، تعانقت و تمازجت و تصاحبت فى مسيرة من الإلفة و التوافق و الإنسجام عبر مئات السنين.
داخل هذا النسيج الإجتماعي البديع ظلت بعض القبائل تحمل جينات الدم العربي الخالص و أخرى الزنجي و لكن الغالب هو هجين بين هذه و تلك. و لا أحد يستطيع ان يجزم بالدليل القاطع النسب الأكيدة عدآ، و كل ما يكتب أو يقال عن ذلك يبقى حتى هذه اللحظة مجرد تخمينات و توقعات يطبعها الغرض و تدفعها العاطفة و يدمغها الخيال أحيانا و لا تستند على أرضية علمية أو دراسات إحصائية من لدن جهة متخصصة.

كانت معظم هذا القبائل القديمة و المتخلقة من التصاهر الجديد تعيش جميعها حياة بدائية في تجمعات سكنية شبه منعزلة عن بعضها البعض لوعورة الطرق و إنعدام سبل الإتصال و المواصلات ،
و كانت غارقة في أمية تكاد تكون عامة إلا من قلة تلقوا تعليم دينى بسيط فى خلاوى القرآن الكريم المنتشرة في بعض المناطق.

كان هذا هو واقع الحال حتى قدوم الإستعمار البريطاني في عام 1899 و الذى لم يقدم إضافة ذات بال، غير تعليم بسيط فى المرحلة الابتدائية و المتوسطة لأبناء المركز للمساعدة في أداء مهام محددة في السلك الوظيفى المدني فى تجاهل متعمد لأبناء الريف و الأطراف.
بعد إستقلال السودان فى عام 1956 لم تستغل الأحزاب الوطنية هذا الثراء و التنوع الثقافي كما يجب لكي تجعل منه قوة محركة لمستقبل البلاد و تقوده إلى آفاق سامية في الخلق و الإبداع و التنمية البشرية وتطوير الذات و إبتكار نمط جديد في العملية الإقتصادية و الإنمائية، كما فعلت كثير من الأمم ذات الظروف المشابهة في الشكل و المضمون و البيئة.
كانت جميعها فاقدة لأى مشروع نهضوي يقدم النموذج و الحل لقضايا البلاد الشائكة و معضلات ما بعد تحقيق الإستقلال و التى بدأت تلوح في الأفق و كان نذيرها تمرد جنود إحدى قواعد جنوب السودان العسكرية في عام 1955.
سارت على نفس نهج المستعمر فى التركيز على التعليم و الخدمات فى الحضر على حساب الريف و أغفلت تنمية الأطراف و خلقت تمايزآ بينآ لا تخطئه العين بين المركز و الأطراف .
و أصبح جنوب السودان على وجه الخصوص يعيش في عصر القرون الوسطى و مواطنيه في الدرجة الثانية من جهة إدارة شؤون البلاد و تقاسم السلطة و الثروة.
و علت صيحات التحذير و الإنذار من هنا وهناك لشر قادم لا محالة و كانت آذان الحكام صماء
لا تسمع و عقولهم مشوشة و غارقة في الصراعات السياسية الضيقة .
الأمر الذي خلق الأرضية الموضوعية و المسببة لمواطني جنوب السودان في المطالبة بأخذ حقوقهم السياسية المشروعة فى المشاركة المتساوية في وطن هم جزء أصيل منه.
و تبعهم في مرحلة لاحقة مواطني دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق.

كل الأنظمة التي مرت على حكم السودان بعد الإستقلال كانت تتعامل مع قضية السلطة و الثروة بسطحية و إستخفاف تهاون مذهل، و بلا وعى عميق لبعض المسالك الخطرة، كمحاولة نظام الفريق عبود فرض العروبة والإسلام فى جنوب السودان بالقوة، وكنقض المشير جعفر نميرى لإتفاقية الحكم الذاتى لجنوب السودان عام 1983.
و لكن الأسوأ على الإطلاق كان نظام الإنقاذ بقيادة الترابى _البشير و الذى جاء بمشروع تدميري لكل السودان قضى على كل الموروث الشعبي و الإجتماعى الخير و هتك النسيج الاجتماعي بأفعال و سلوك غريبين و أقوال و مقولات لا تتسق و المزاج العام السودانى و أنشأ وزارة لهذا الغرض و جعل على رأسها الرجل الثانى فى النظام الظلامي وهو على عثمان محمد طه.
عبر هذا المشروع الخرب و المخرب و المسمى ب ( المشروع الحضاري ) شنت حرب دينية جهادية على جنوب السودان أدت فى النهاية إلى فصله تماما عن الوطن الأم .
و بثت روح الكراهية و الحقد و الفتن بين قبائل السودان المختلفة و خاصة ذات الأصول الزنجية و العربية و طفت على السطح النعرات العنصرية بصورة غير مسبوقة. و أصبحت القبلية والجهوية هى العنوان و مرادفة لإسم السوداني .
و تراجع البعض إلى القبيلة ليحتمي بها و حتى على سبيل رفع الشأن و منهم من نسب أصله إلى العباس بن عبد المطلب و منهم من نسبه إلى جعفر بن أبى طالب و منهم من أدعى الشرف و توجه بنسبه إلى الرسول صل الله عليه وسلم.
و بعضهم أوصل نسبه إلى قبائل لم نسمع بها إلا فى الجاهلية. و فى المقابل أدعت أصوات أخرى أن بلالآ مؤذن الرسول صل الله عليه وسلم كان سودانيآ و أن عنتر بن شداد أيضا كان سودانيآ من خلال وصفه لأمه شعرآ بأنها كانت ذات سيقان نحيفة و أرداف ضامرة و هو وصف يجرى على السودانية و لايشبه الحبشية.
وأن هجرة الصحابة كانت لأرض السودان نتيجة لوصف الصحابة للأرض التى هاجروا إليها لما لها من إنبساط وسعة و أن جعفر بن أبى طالب سبح النهر و شارك النجاشي في الحرب و كل هذا يقرب الوصف إلى أرض السودان الحالية و يبعده عن أثيوبيا الحالية لما لها من هضاب عالية و مجرى نهر يصعب عبوره بالسباحة و يقال أن المنطقة الغالبة هي مملكة سوبا جنوب الخرطوم.
علما بأن السودان و الحبشة كانتا في ذاك الزمان أرضآ واحدة.
وفى هذا الجو المشبع بروح الجهوية و المشحون بروح القبلية نجد من يدعي أن فرعون موسى كان سودانيآ و أن سيدنا موسى إلتقى الرجل الصالح ( الخضر ) عند ملتقى النيلين فى الخرطوم.
و كتبت بعض الصحف السودانية أن بنيامين نتنياهو هو سوداني و مولود في نوري شمال السودان و يتحدث العربية لغة قبيلة الشايقية المميزة.

عرج مشروع جبهة الترابى - البشير إلى مدارات أخرى فى دارفور و خرج من عباءته القيادي داوو بولاد و تمرد فى بداية التسعينات مطالبآ بحقوق دار فور فى الثروة و السلطة و تبعه القيادى الآخر في الجبهة الإسلامية دكتور خليل إبراهيم على نفس النهج و الطريق و الذى نظر له فيما سمى ب ( الكتاب الأسود ) عام 1999 و الذى أثار ضجة لا زالت تتفاعل حتى الآن ،لأنه طرح المسكوت عنه بأسلوب غلب عليه الغطاء العنصرى . و يقال ان الترابى كان يقف خلف ذاك الكتاب. و من رحم نظام الإنقاذ خرجت حركة العدل والمساواة و التى أصبحت جزءآ من المعادلة السياسية الحالية.

الإحساس بالظلم و الغبن و القهر و الإستبداد و التهميش جعل النخبة المتعلمة تطرق باب السياسة و الشأن العام فى محاولة لرد الظلم و المظالم و أخذ حقوقهم عنوة و إقتدارآ.

و ثم كان البحث عن تعريف يجد مخرجآ و توصيفآ للحالة السودانية و يبث روحا جديدة للهوية السودانية، فكانت مساهمات بعض الكتاب و المفكرين السودانيين مميزة كأبى القاسم حاج حمد و حيدر إبراهيم ثم الزعيم الراحل جون قرنق و الذين توصلوا إلى تعريف الحالة ب (السودانوية). أى المواطنة السودانية.
و قد ضمنت بطريقة غير مباشرة فى مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995 و الذى ضم كل الأحزاب السياسية آنذاك بما فيها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق و التى كانت بصماتها واضحة في المقررات.
و أضحى مصطلح المواطنة السودانية أمرآ متفقآ عليه الآن، من مكونات العمل السياسي على مختلف مشاربها.

إن المواقف السلبية و الردة و التراجع و الإنقلاب على الإنتماء القومي العربي المتعارف عليه طوال الحقب السالفة و الذي طفى على السطح فى السنوات الأخيرة لدى بعض السودانيين و خاصة المثقفين منهم و أصبح صوتآ مسموعآ لا يمكن تجاهله ، هو نتاج لعوامل عديدة، بعضها داخلى، كسيطرة النخب المحسوبة على العنصر العربي على مجاميع السلطة و الثروة فى البلاد ويضاف إليها الحروب التي شنتها الدولة المركزية على أساس ديني و عنصري و قبلي و ما خلفته من قتل و تهجير و تشريد و معاناة إنسانية.
و هذه كلها أمور يمكن أن تعالج في ظل سلطة شعبية ديمقراطية ذات مشروع و رؤية يشترك فيها كل مكونات المجتمع المدنية والسياسية و بصفة خاصة مواطني المناطق المتضررة من الحروب و التهميش.
و كما توجد عوامل أخرى تتعلق بالعرب أنفسهم تتلخص في حالة حالة التمزق و الخلافات العربية العربية و الفجور فى الخصومة و تقديم مئات المليارات من الدولارات لأعداء الأمة من أجل كسب الود و دعم عروشهم المهتزة بينما دول عديدة في الأمة فى فقر مدقع و لا تحظى بإلتفاتة منهم . و بعضهم تآمروا على ثورات الربيع العربي و قضوا عليها و حولوا دولها إلى ساحات حرب تصفى فيها و عليها المشاريع الدولية و لا يزال التآمر يسير على قدم و ساق.
مما جعل أمة العرب خارج المعادلة الدولية و يضاف إلى ذلك الهرولة العلنية و الخفية نحو العدو الصهيوني مما خلق حالة من الإحباط و الهوان و الإنكسار للنفس العربية الأبية.
وثم يأتي الدور السلبي و الضعيف للجامعة العربية ، المتمثل في عجزها في التفاعل المطلوب مع قضايا الأمة و لا يرى لها فعلا، غير صوت مبحوح يعبر عن الإدانة و الإستنكار و الشجب و القلق لا أكثر.
توجد مطالبة من بعض الناشطين السودانيين بانسحاب السودان من الجامعة العربية.
و حالة العرب و جامعتهم هى حالة عرضية طارئة و مرتبطة بالواقع المزري و قاصر على هذه المرحلة و التى فيها الشعوب غائبة و مغيبة و طبيعة الأشياء تقول ان الشعوب ستنهض طال الزمن أو قصر و ستعود إلى جوهرها و ملامحها و تملك زمام نفسها، هذا هو الدرس المستفادمن تجربة الشعوب في الأزمان السالفة و المعاصرة.

أما نظرة العرب النمطية للسودان و السودانيين و التفاعل السلبي مع قضاياه السياسية و الإنمائية ليست ذات قيمة، و( ما حك جلدك مثل ظفرك). و السودان قادر على أن يقف على قدميه كما ورد آنفآ، مستغلآ موقعه الجغرافي و ثقله السكاني و موارده الاقتصادية الهائلة و المتنوعة و مصادر المياه الجوفية و الجارية.

الحالة السودانية لا تختلف كثيرآ عما يجري فى فى معظم الدول العربية الأخرى، كمصر و العراق و الجزائر والمغرب و تونس و لبنان وسوريا و موريتانيا، فشعوب هذه الدول خليط و هجين من قبائل عربية و غير عربية من روم و فراعنة و أقباط و يونان و فينيقيين و أتراك و زنوج و شركس و أمازيغ.
و بمثل ما فعل الإستعمار البريطاني في السودان، قام رديفه الفرنسي بنفس الدور فى طمس الهوية الإسلامية و العربية فى المشرق والمغرب العربيين، و التخلص من اللغة العربية و الدعوة لتفتيت الأمة و إخراجها عن دورها في الدفع الإيجابي الكوني والتى وجدت صدى لها في بعض النفوس الطامحة في علاقة وهمية مع الغرب كمحاولة الشاعر سعيدعقل في كتابة اللبنانية بالحروف اللاتينية.
و بذل المستشرقون جهودا جبارة في ( فرسنة )
الجزائر والمغرب و تونس و تطورت و برزت بوضوح فيما بات يعرف ب ( مسألتي البربر و الأكراد ).

السؤال الملح :
هل الجنوح إلى مخارج وطنية و قطرية ضيقة
يمكن أن يقود إلى الإنفصال عن الإنتماء القومي العربي ؟
الإجابة كلا ثم كلا.
فالإنتماء القومي ليس بالعرق ولا باللون، و إنما هو إنتماء ثقافي في المقامين الأول و الأخير.
وهو حركة تملك الروح و الجسد تتنفس برئة و تحس بأعصاب و تنبض بالنشاط و الحيوية حينآ و تخبو أحيانآ، نتيجة لعوامل داخلها و أخرى محيطة بها، و فى كل الحالات حاملة لعناصرها و مكوناتها المادية و المعنوية و العلمية و الثقافية و الأدبية و الدينية و الإنسانية و الإجتماعية، تلقى بها بذور خير و نماء أينما حطت رحالها ظهر على البسيطة .
و كم من العلماء والدعاة و الأدباء و الشعراء و المفكرين من أصول غير عربية كانوا نتاج هذا الزرع المبارك، و أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر سيبويه، إبن سينا، إبن جنى، إبن الرشد، الفارابي، الزمخشري، أبا بكر الرازي ، الحسن إبن الهيثم، الإمام البخاري، الإمام مسلم، الغزالي، الخوارزمي، إبن بطولة، الجاحظ، الكندي، أبا العلا المعرى، جابر بن حيان، إبن المقفع، إبن الرومي ، صلاح الدين الأيوبي، طارق بن زياد و أمير الشعراء أحمد شوقي.

و أختم بأن الهوية السودانية و بخصوصيتها التى لا جدال حولها ولا خلاف عليها، هى ذات جذور ثقافية وفكرية عربية تقودها بالضرورة إلى الإنتماء القومي العربي و لا يمكن أن تنفصل عنه، و هذا هو قدرها المشرف و المشرق لأمة صاحبة رسالة عالمية واعدة.
وكل أسباب الفرقة و التوجس سطحية و فوقية لكن في العمق يوجد ما يجمع بيننا كأمة واحدةو هو الثابت و الدائم.

و سيذهب الزبد جفاءا و يبقى ما ينفع الناس.

د.على إبراهيم

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

وزيرة البيئة: تحفيز الاستثمارات الخضراء بتعاون القطاعين العام والخاص.. المعرض العربي للاستدامة فرصة لإتاحة الشراكات المختلفة في المنطقة العربية

وزيرة البيئة:

المعرض فرصة لتبادل الممارسات الصحيحة المستدامة وإتاحة الشراكات المختلفة من المنطقة العربية

الجلسات النقاشية تعكس إدراكا عميقًا لتحديات وفرص التنمية المستدامة

استعراض آليات تحفيز الاستثمارات الخضراء بتعاون القطاعين العام والخاص

خلق مناخ داعم لتوفير تمويل المناخ والتنمية، وتأهيل البنوك الوطنية


أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة على أهمية فعاليات المعرض العربي للاستدامة، والذي يأتي كبادرة هامة فى وقت حيوي يعاني فيه العالم زخم من نزاعات، وحروب، وتأثيرات خارجية، يمكن أن تنسينا قضية الاستدامة وكيفية ترشيد الموارد الطبيعية، مؤكدة على أن هذا المعرض ليس مجرد كونه منصة رقمية أو استراتيجية، بل يعد فرصة لتبادل الممارسات الصحيحة المستدامة وإتاحة الشراكات المختلفة من قلب المنطقة العربية وباسم المجتمع المدني، كما يعطى رسالة قوية موجهه أن الطموح العربى من أجل الحفاظ على هذه الحياة مازال موجود، ويعمل من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

جاء ذلك خلال مشاركة الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، كمتحدث رئيسي في الجلسة الافتتاحية، لفعاليات المعرض العربي للاستدامة في دورته الأولى، والذي يقام خلال الفترة من 18 إلى 20 مايو الجاري، وذلك تحت رعاية ومشاركة جامعة الدول العربية، وبتنظيم من تحالف شركاء جامعة الدول العربية للاستدامة، وبمشاركة واسعة من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، في خطوة تهدف إلى دعم التكامل الإقليمي في مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك بحضور الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، وندى العجيزي، مدير إدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي - جامعة الدول العربية، والمهندس مصطفى عثمان المنسق العام - تحالف شركاء جامعة الدول العربية للاستدامة.

وأعربت وزيرة البيئة عن سعادتها بالمشاركة في افتتاح المعرض العربي للاستدامة، ومحاور الجلسات النقاشية لهذا المعرض والتنوع فيها، والتي تعكس إدراكا عميقا وشاملاً لتحديات وفرص التنمية المستدامة، لافتة إلى أنه لا يمكن النظر إلى الشق البيئي فى قضية الاستدامة دون الأجزاء الاجتماعية والاقتصادية، كما لا يمكن ونحن نعيش فى عالم متغير يركز على التكنولوجيا والرقمنة، البعد عن المجتمعات المحلية الهشة التي ستتأثر بتغير المناخ، مشددة أيضًا على أنه لا يمكن تجاهل قضايا مثل الأمن الغذائي، والأمن المائي، باعتبارهم من التحديات الرئيسية الموجودة فى مجتمعاتنا العربية، ومؤكدة على الدور الهام للشركاء والممولين، وأهمية أن يكون الطموح العربي قوي وقابل للتطبيق وذلك بالعزيمة، والإرادة السياسية، والتمويل، وأجيال شابة يتم البناء عليهم.

كما شاركت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، فى الجلسة النقاشية حول "الشراكة الفعالة من أجل مستقبل مستدام" والتى تناولت أهمية الشركات الوطنية والعربية والدولية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما سلطت الضوء على دور المنتدى كإطار تنسيقي عربي موحد، واستعراض أفضل الممارسات في بناء الشراكات الاستراتيجية التي تدعم جهود تحقيق أجندة 2030، حيث تهدف الجلسة إلى توحيد الجهود والموارد ضمن شراكات فعالة لتحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030، وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لتحقيق الاستدامة، وأدار هذه الجلسة السيدة ندى العجيزي، مدير إدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي - جامعة الدول العربية، وبمشاركة الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، وممثلى مصرف أبو ظبي الإسلامي - مصر، التجاري وفا بنك إيجيبت، وشركة Jordan Gaz.

وأشارت وزيرة البيئة إلى أنه فيما يخص سبل تحفيز الاستثمارات الخضراء بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، إلى عدد من المحاور الرئيسية، في مقدمتها بناء الثقة بين الشركاء ودمج البعد البيئي بلغة تناسب مختلف أصحاب المصلحة وتظهر فوائد تحقيق البعد البيئي لهم، ولعل لغة الاقتصاد هي الأنسب في تحقيق ذلك، بالإضافة إلى تعزيز ايجاد تمويل يضم أكثر من مجال في نفس الوقت، مثل حزمة مشروعات نوفي التي تضم الطاقة والغذاء والمياه معا لتربط بين مجالات تهم معيشة المواطن بشكل مباشر.

وأضافت د. ياسمين فؤاد أن تحفيز شراكة الاستثمارات بين القطاعين الخاص والعام، يتطلب سهولة ووضوح الاجراءات المعتادة، وهذا ما عملت عليه الحكومة المصرية في الفترة الماضية، ومنها تسريع إجراءات إصدار الموافقات البيئية، وأيضا ضرورة تغيير فكرة التعامل مع ملف البيئة بالنظر له كملف محفز للاستثمار ، حيث قدمت تجربة الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة حول العالم وخاصة في الدول العربية نموذجا واضحا لامكانية تحويل ملف بيئي في المقام الأول يقوم على تقليل الانبعاثات إلى قطاع اقتصادي يقوم على اكتاف القطاع الخاص، وذلك من خلال إضافة البعد الاقتصادي والقيمة المضافة، مشيرة إلى أن تحقيق شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص يتطلب أن تقدم الدولة مجموعة من الحوافز، لذا قدمت الحكومة المصرية مجموعة من الحوافز الاستثمارية في ٤ مجالات ضمن قانون الاستثمار الجديد بما يحفز عملية الانتقال الأخضر، وهي الطاقة الجديدة والمتجددة والهيدروجين الأخضر وإدارة المخلفات وبدائل الأكياس البلاستيكية احادية الاستخدام.

واستعرضت وزيرة البيئة، الجهود المبذولة في ملف الطاقة الجديدة والمتجددة، والسعي للتوسع في إشراك القطاع الخاص، مشيرة إلى أنه تم إصدار أول تعريفة في عام 2015، وتعديلها لاحقًا لتسهيل الاستثمار، ومع ارتفاع تكلفة تكنولوجيا التحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، عملت وزارة البيئة خلال عام 2015 على التغلب على هذا التحدي من خلال الاستفادة من تمويل المناخ، حيث تم الحصول على 470 مليون دولار، بالإضافة إلى مشروعات أخرى مثل صندوق التكيف، وصندوق المناخ الأخضر، وصندوق البيئة العالمي.

ولتنظيم هذا الجهد، سعت الوزارة إلى وضع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ وتحديد أولوياتنا حتى عام 2050، وكذلك إعداد الخطة الوطنية لعام 2030، بالإضافة إلى تحديد أول حزمة من المشروعات، مضيفة أنه لتحقيق ذلك، كان لا بد من العمل على التكيف والتغيير في قطاعات الطاقة والمياه والزراعة، سواء على المستوى الحكومي أو من خلال القطاع الخاص، وذلك لضمان الحصول على المنح والقروض، كما أنشأت الوزارة وحدة الاستثمار البيئي والمناخي، والتي تهدف إلى تحديد مصادر التمويل المختلفة واحتياجات أصحاب المصلحة داخل جمهورية مصر العربية، مشيرة إلى منصة المناخ التى أطلقتها الوزارة والتي وفرت 62 فرصة استثمار تشمل مشروعات صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وكيفية مساهمة البنوك الوطنية في دعمها.

وأوضحت وزيرة البيئة أن الوزارة تسير في طريق خلق مناخ داعم لتوفير تمويل المناخ والتنمية، وهو ما استلزم تأهيل المصارف والبنوك الوطنية، حيث تم في عام 2019 تنفيذ أول مشروع لتمويل المناخ، وكانت فكرته ترتكز على تقديم الدعم الفني من خلال البنك المركزي المصري للبنوك الوطنية، بهدف التفرقة بين التنمية المستدامة وتمويل المناخ.

جدير بالذكر أن فعاليات المعرض العربي للاستدامة يُعقد خلال الفترة من 18 إلى 20 مايو 2025، والذي ينظمه تحالف شركاء جامعة الدول العربية للاستدامة، وبرعاية جامعة الدول العربية،وحيث يُمثل هذا المعرض ملتقى إقليميًا رفيع المستوى يجمع نخبة من ممثلي الحكومات، والمؤسسات الأكاديمية، والمنظمات الدولية، والشركات الرائدة، لتبادل الخبرات واستعراض أفضل الممارسات في مجالات الاقتصاد الأخضر، والتقنيات النظيفة، والحوكمة البيئية، والتنمية الشاملة.

طباعة شارك تحفيز الاستثمارات الخضراء الجلسات النقاشية وزيرة البيئة

مقالات مشابهة

  • خريطة حديثة توضح مواقع سيطرة الحكومة السودانية
  • الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل إدريس رئيساً لوزراء السودان 
  • الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس وزراء جمهورية السودان
  • الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل الطيب إدريس رئيساً لمجلس وزراء جمهورية السودان
  • المجلس الأعلى للحج والعمرة يكمل إجراءات صحية لحجاج السودان من جمهورية مصر العربية
  • من اليمن إلى السودان.. كيف تغذي الإمارات نار تفتيت العالم العربي؟
  • قمة بغداد العربية والحاجة للمّ الشمل العربي !
  • وزيرة البيئة: تحفيز الاستثمارات الخضراء بتعاون القطاعين العام والخاص.. المعرض العربي للاستدامة فرصة لإتاحة الشراكات المختلفة في المنطقة العربية
  • الإمارات تؤكد رفضها القاطع لادعاءات سلطة بورتسودان حول دورها في الأزمة السودانية
  • كلمة دولة الإمارات في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الدورة العادية (34) في بغداد