ما الذي تستفيده إيران من معاهدة الشراكة مع روسيا؟
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
طهران- بعد أن استبق الرئيسان الإيراني مسعود بزشكيان والروسي فلاديمير بوتين، تنصيب نظيرهما الأميركي دونالد ترامب بـ3 أيام فقط، لتوقيع معاهدة الشراكة الشاملة بين بلديهما، دخل هذا الاتفاق الإستراتيجي، الثلاثاء الماضي، حيز التنفيذ في موسكو إثر مصادقة مجلس الدوما عليه.
وطالب رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أمس الأربعاء، الحكومة بتسريع إرسال مشروع قانون المعاهدة لمراجعته.
يأتي ذلك بالتزامن مع اتفاق طهران وواشنطن علی خوضهما مفاضات في العاصمة العمانية مسقط، السبت المقبل، بشأن برنامج إيران النووي، مما أثار تساؤلات عن طبيعة الاتفاق الإستراتيجي بين إيران وروسيا، وما يقدمه للجمهورية الإسلامية التي تتعرض باستمرار لتهديدات عسكرية من الولايات المتحدة وإسرائيل بضرب منشآتها النووية.
هواجس سياسيةوتتألف اتفاقية الشراكة الشاملة من مقدمة و47 مادة، تغطي مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية والثقافية، والتعاون في مجالات البيئة والزراعة والطاقة والنقل ومكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا، لتشكل أساسا للعلاقات الثنائية بين البلدين خلال العقدين المقبلين.
ويربط أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، علي بيكدلي، بين توقيت توقيع الجانبين الإيراني والروسي على المعاهدة ودخولها حيز التنفيذ، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، موضحا أن طهران وموسكو كانتا وما زالتا تتعرضان لتهديدات وتحديات من قبل الولايات المتحدة رغم نداءاتها للتوصل إلى اتفاق مع كل منهما.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، يضيف بيكدلي أن المعاهدة تنص بالفعل على تشاور الجانبين الإيراني والروسي بشأن القضايا الدولية، لا سيما تنسيق المواقف في منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فضلا عن تعاونهما المشترك في السياسة الخارجية بما في ذلك مواجهة التهديدات الغربية وعلى رأسها الضغوط على طهران بشأن ملفها النووي.
وتابع أن روسيا سبق أن أبرمت معاهدات مشابهة مع عدد من الدول الأعضاء في منظمتي شنغهاي للتعاون وبريكس ودول آسيا الوسطى، مستدركا أن ما ينقص هذه المعاهدة هو عدم بلوغها مرحلة التحالف الإستراتيجي بين طهران وموسكو، على غرار المعاهدة التي وقعتها روسيا العام الماضي مع كوريا الشمالية.
ووفقا له، يؤكد طرفا هذه المعاهدة عدم الدفاع عن الآخر في حال تعرضه لعدوان أجنبي، بل يكتفيان بعدم مساعدة المعتدي إذا تعرضت موسكو أو طهران لهجوم معادٍ، معتبرا أن الصداقة بين موسكو وتل أبيب تحدٍ كبير أمام مصالح بلاده السياسية والأمنية وما تعوّل عليه جراء هذه الاتفاقية.
تعاون أمنيوكان السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي قد اعتبر أن التوقيع على اتفاقية الشراكة الشاملة بين طهران وموسكو "حدث تاريخي" لتأطير العلاقات الثنائية بين البلدين على مدى العقدين المقبلين، مؤكدا -في تصريحات صحفية أدلى بها لوسائل الإعلام الناطقة بالفارسية- أن الوثيقة تهدف إلى مواجهة العقوبات الأميركية.
من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون العسكرية، مهدي بختياري، أن المعاهدة تأخذ على سواء مصالح الجانبين وقوانينهما بعين الاعتبار، موضحا أن الدستور الإيراني يعارض الانخراط في الصراعات العسكرية لمصلحة الدول الأخرى.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح بختياري أن طهران وموسكو تحتاجان إلی قدرات الطرف الآخر في العديد من القطاعات، منها العسكرية والأمنية والتسليحات والتكنولوجيا، مضيفا أن المعاهدة تؤطر تعاون الجانبين في هذه المجالات بما فيها التعاون الاستخباري ومحاربة الإرهاب وإجراء مناورات بحرية مشتركة بحضور الحليف الصيني.
إعلانورأى أن المعاهدة توفر فرصة للجانبين الإيراني والروسي للاستفادة من قدرات الطرف الآخر لتصنيع قطع الغيار والأجهزة والتسليحات ومنها المسيّرات والمضادات الجوية ومنظومات الرادار، مؤكدا أن البنود المتعلقة بالتعاون العسكري تنص على ضرورة عدم تأثرهما بالضغوط الخارجية.
واستدرك بختياري أن بلاده تضررت جراء تأخير الجانب الروسي تسليمها منظومة "إس-300" بفعل الضغوط الخارجية خلال السنوات الماضية، موضحا أن الطرفين اتفقا على عدم تأثر بنود المعاهدة بضغوط الأطراف الأخرى.
تعاون اقتصاديأما الباحث الاقتصادي، سهراب رستمي كيا، فيرى في العقوبات الأميركية على إيران وروسيا هاجسا مشتركا لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما من أجل الالتفاف على الضغوط الاقتصادية والمالية، موضحا أن الحظر الغربي عرقل بالفعل مبادلات كل من طهران وموسكو مع زبائنهما، وأن معاهدة الشراكة تأتي لتأطير هذا التعاون بمواجهة الحرب الاقتصادية الغربية علی البلدين.
وفي تصريحه للجزيرة نت، يشير رستمي كيا إلى الخطوات التي اتخذتها إيران وروسيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية لإبطال مفعول العقوبات الأميركية الخانقة على المبادلات المالية، منها حرمانهما من استخدام نظام الدفع العالمي "سويفت"، مضيفا أن البنود الاقتصادية الواردة في المعاهدة تؤطر المبادلات المالية عبر البديل الروسي المعروف بنظام الرسائل المالية "إس بي إف إس"، والدفع بالعملات الوطنية، إلى جانب ربط أنظمة الاتصال لبنوكهما.
وبرأيه، فإن الاتفاق الإستراتيجي سيعود بالنفع على بلاده عبر استيرادها الغاز الروسي وتعزيز الصادرات إلى موسكو واستقطاب استثمارات منها، لتكميل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب والذي يربط مياه بحر قزوين بميناء تشابهار جنوب شرقي إيران، بما يعزز التجارة بين الصين والهند وإيران وروسيا.
وتابع الباحث الاقتصادي أن معاهدة الشراكة تشجع على تعزيز التعاون لسد عجز طهران من الطاقة والاستثمار الروسي في تطور حقول النفط والغاز وإكمال مشاريع الطاقة النووية، مؤكدا أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح موسكو وتأمل طهران في تعزيز صادراتها إلى الجارة الشمالية بما يتناسب والمعاهدة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات معاهدة الشراکة إیران وروسیا طهران وموسکو موضحا أن
إقرأ أيضاً:
محادثات إيران مع الترويكا الأوروبية.. مناورة دبلوماسية أم محاولة جادة لتفادي المواجهة؟
تشهد الساحة الدولية توترات متصاعدة على خلفية الملف النووي الإيراني، وسط عودة طهران إلى طاولة المحادثات مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) في إسطنبول، وهذا اللقاء أثار تساؤلات ملحّة حول أهداف إيران الحقيقية، فهل دخلت طهران هذه المحادثات بنية صادقة للتفاوض، أم أنها تسعى مجددا لكسب الوقت وتفادي الضغوط الدولية ربما تعيد ترتيب أوراقها الاستراتيجية؟ وبين تهديدات بإعادة تفعيل العقوبات، وتلميحات إلى احتمالات التصعيد، تبدو المشهدية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
و دخلت إيران مرحلة جديدة من المراقبة السياسية المكثفة بعد المحادثات الأخيرة مع الترويكا الأوروبية، وبينما يحاول الأوروبيون استكشاف فرص جديدة لإحياء الاتفاق النووي، تدور الشكوك حول ما إذا كانت طهران تتعامل مع هذه المحادثات كفرصة حقيقية للحل، أم كمحطة مؤقتة في سياق استراتيجية أوسع تهدف إلى كسب المزيد من الوقت.
وتنظر طهران من جانبها إلى الأوروبيين كواجهة لمطالب أمريكية وإسرائيلية، وترى أن هذه المحادثات ليست سوى امتداد لمفاوضات غير مباشرة مع واشنطن، تفتقر إلى استقلالية القرار الأوروبي.
بحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز، أبدت الدول الأوروبية استعدادا لمنح إيران "تمديدا محدودا" للمهلة الزمنية قبل تفعيل "آلية الزناد"، والتي من شأنها إعادة العقوبات الدولية، وذلك بشرط أن توافق طهران على معايير معينة تتعلق بتخصيب اليورانيوم وشفافية المنشآت النووية.
ومع أن نائب وزير الخارجية الإيراني، كاظم غريب أبادي، أكد أن بلاده أوضحت مواقفها المبدئية، إلا أنه لم يقدّم أي تنازلات ملموسة، مما يثير الشكوك حول جدية التزام إيران ببنود التعاون المطلوبة.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: دعوات للشفافية وتفاؤل حذر
من جانبه، دعا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إيران إلى التحلي بـ"الشفافية الكاملة"، معبرا في الوقت نفسه عن تفاؤله بإمكانية عودة المفتشين الدوليين إلى المواقع النووية الإيرانية في وقت لاحق من هذا العام، مشددا على ضرورة استعادة العلاقات الطبيعية مع طهران وفقاً لأحكام معاهدة حظر
وجهة النظر الإيرانية: تفاوض دون تراجع
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي الإيراني مصدق بور إن إيران لا تعتبر ما جرى في إسطنبول "مفاوضات حقيقية"، بل مجرد محاولة لجسّ النبض واستكشاف المواقف الغربية، واعتبر أن الشروط الأوروبية المطروحة في جوهرها "نسخة مكررة" من المطالب الأمريكية والإسرائيلية، وأن طهران تتعامل مع الأوروبيين كغطاء سياسي للمطالب الغربية.
وأكد بور- خلال تصريحات له، أن إيران لم تبادر بهذه المحادثات، بل جاءت استجابة لطلب مباشر من دول الترويكا الأوروبية، بعد تنسيقها مع وزير الخارجية الأمريكي، ما يثبت من وجهة نظره– أن الأوروبيين يسعون لإحياء الاتفاق النووي من بوابة سياسية بديلة عن التصعيد العسكري الأخير.
اتفاق نووي جديد.. أم تمديد تكتيكي؟
وتابع بور: "فإن طهران لا ترغب في العودة إلى اتفاق 2015 بصيغته القديمة، خوفاً من استمرار تهديد "آلية الزناد" في كل مرة تقرر فيها الأطراف الغربية التصعيد ووفق رؤيته، فإن إيران تسعى إلى "اتفاق جديد كلياً" يستند إلى أسس سياسية وأمنية محدثة، يضمن لها الاعتراف بحقوقها السيادية ويوسّع هامشها في تخصيب اليورانيوم والتعاون النووي، في المقابل، ترى إسرائيل أن هذه المحادثات ليست سوى "ذريعة مؤقتة"، تستخدمها طهران لتخفيف الضغوط واستعادة أنفاسها قبل جولة تصعيد جديدة، بينما تحاول واشنطن اختبار مدى تأثر البرنامج النووي الإيراني بالضربات الأخيرة".
وسط هذه الأجواء المشحونة، تحاول طهران تحقيق توازن حساس بين الحفاظ على خطوطها الحمراء في التخصيب النووي، والرد على أي تهديد أمني محتمل، من جهة، وبين إظهار حسن النية أمام المجتمع الدولي، من جهة أخرى، لتجنب تحميلها مسؤولية أي تصعيد.
ويؤكد بور أن إيران لا تثق بالولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين، مشيرا إلى أن بلاده تعرّضت لضربات عسكرية حتى في أوج فترات التفاوض، وهو ما يعمق فجوة الثقة بشكل يصعب تجاوزه.
ويضيف: "إيران لن تفرّط في أوراقها التفاوضية، ولن تكشف كل منشآتها دون مقابل حقيقي. الغموض النووي أحد أدواتها الأساسية في معادلة القوة".
السيناريوهات المحتملة للفترة القادمة
والجدير بالذكر، أن هل ستفضي محادثات إسطنبول إلى إعادة إحياء المسار الدبلوماسي؟ أم أنها مجرد استراحة تكتيكية قبل اندلاع جولة جديدة من المواجهة؟
وإذا اندلعت مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، فإن "كل التوازنات ستتغير"، خاصة إذا تمكنت طهران من توجيه "ضربات نوعية" ترفع من رصيدها الإقليمي والدولي، سواء سياسيا أو عسكريا،.
فإيران، بحسب النهج الذي تتبناه حالياً، ترى أن الثقة لا تبنى بالدبلوماسية المجردة، بل بالقوة، وأن أي اتفاق لا يرتكز إلى أوراق ضغط واقعية، ليس سوى وهم سياسي سرعان ما ينهار عند أول صاروخ يطلق في سماء التصعيد.