هناء ثروت تكتب: قيامة المسيح انتصار على الموت ووصية لحياة ممتلئة بالرسالة
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في صباحٍ مشرق يغيّر التاريخ، تدحرج الحجر عن القبر، وانكسر الصمت الثقيل الذي خيّم على القلوب منذ لحظة الصلب…
قام المسيح!
لم تكن مجرد قيامة جسدية، بل قيامة للرجاء، قيامة للحياة، وانتصار أبدي على قوى الظلام والموت واليأس.
الموت الذي أرهب البشر منذ الخليقة، هُزم في فجر القيامة.
ذاك القبر الذي وُضع فيه يسوع، لم يكن نهاية القصة، بل بداية جديدة كتبها الله بيده، وفتح بها بابًا جديدًا للبشرية كلّها.
القيامة هي قلب الإيمان المسيحي، هي الإعلان الأعظم عن محبة الله الذي لم يتركنا في ضعفنا، بل دخل بنفسه إلى الألم والموت ليحوّلهما إلى مجد.
يسوع لم يخرج من القبر فقط، بل خرج ومعه رسالة حيّة، أمانة سلّمها لتلاميذه، ولنا.
وصية القيامة: اذهبوا وكرزوا
بعد قيامته، لم يصعد يسوع فورًا إلى السماء، بل ظهر لتلاميذه، لتلك القلوب المكسورة التي هربت، أنكرته، خافت، وتشتتت.
لكنه لم يوبّخهم، بل جاء حاملًا السلام:
"سلام لكم… كما أرسلني الآب، أُرسلكم أنا أيضًا" (يوحنا 20:21)
وصيّته لم تكن مجرد كلمات وداع، بل كانت دعوة واضحة:
"اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها."
هذه ليست وصية لتلاميذ زمان فقط، بل دعوة مستمرة لكل من يؤمن بقيامته.
يسوع القائم من الموت، جعل من كل مؤمن شاهدًا حيًا للقيامة.
هو لم يقم فقط ليُظهر قوته، بل ليقيمنا معه، لنحيا له، وننقل رسالته للآخرين، بالكلمة، بالفعل، وبالحب.
رسالة سامية… ومسيرة لا تتوقف
التلاميذ، الذين كانوا خائفين ومنغلقين على أنفسهم، تحوّلوا بعد القيامة إلى رجال ونساء شجعان، يعلنون الحق، ويعيشون المحبة، ويضحّون بكل شيء من أجل أن يصل صوت المسيح إلى أقصى الأرض.
هذه القوة لم تأتِ منهم، بل من الروح القدس الذي وعدهم به الرب، وسكب عليهم يوم الخمسين.
ومنذ تلك اللحظة، انطلقت الكنيسة لتكون نورًا في العالم، ومجتمعًا يحمل رسالة الفداء، ويعيش القيامة في كل تفاصيل الحياة.
نظرة يسوع الأخيرة: حب لا ينكسر ووصية بالاستمرار
في وسط الألم والدماء، ومن على خشبة الصليب، لم ينسَ يسوع أمه… ولم ينسَ تلاميذه.
نظراته لم تكن نظرة وداع، بل نظرة حبّ ورسالة.
اتجهت عيناه نحو مريم، أمه التي شاركته الطريق منذ لحظة البشارة، ونحو يوحنا، التلميذ الذي ظل واقفًا عند الصليب حتى النهاية.
وفي تلك اللحظة، نطق بكلمات قصيرة… لكنها أعمق من أي خطبة:
"يا امرأة، هوذا ابنك… يا يوحنا، هوذا أمك."
ببساطة، سلّم مريم للتلميذ، وسلّم التلميذ لمريم… لكنه كان يسلّم الكنيسة كلّها لمحبته.
كانت تلك النظرة تقول:
"أنا راحل بالجسد، لكنكم ستكملون… لن تتركوا وحدكم، فالمحبة التي بينكم ستكون امتداد حضوري فيكم."
كانت نظرة وداع، لكنها أيضًا نظرة تأسيس.
تأسيس لجماعة محبة، لخدمة تستمر، لعائلة جديدة لا تربطها الدماء، بل يربطها الإيمان والرسالة.
وفي تلك النظرة، قال يسوع بدون كلمات:
"تذكروا دائمًا… أنتم في قلبي، والرسالة في أيديكم."
والآن… ماذا عنا؟
القيامة ليست فقط ذكرى نحتفل بها، بل هي حقيقة نعيشها كل يوم.
كل مرة نقوم من يأسنا، من سقوطنا، من ضعفنا، نحن نعلن قيامة المسيح فينا.
وصيّته ما زالت حيّة:
"اذهبوا"…
اذهبوا إلى بيوتكم، إلى شغلكم، إلى أصحابكم…
كونوا نور، كونوا ملح، كونوا شهود على محبة الله المنتصرة.
المسيح قام… فهل نحن أيضًا نقوم معه كل يوم؟
هل نعيش القيامة كقوة تغيّر، تبني، وتُشفي؟
هل نكمل رسالته كما أوصانا، بكل أمانة وشجاعة؟
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحجر القبر الصلب قام المسيح الموت
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
في زمنٍ أصبحت فيه الشهرة تُقاس بعدد المشاهدات، وتصنعها الخوارزميات لا الجدارة، لم يعد مستغربًا أن نرى بثًا مباشرًا يتجاوز دخله مئات الآلاف من الجنيهات خلال دقائق، دون أن يحمل أي مضمون حقيقي أو قيمة معرفية.
تنتشر مشاهد لفتيات وشباب يحتفلون بما يُسمى "النجاح الرقمي"، وهم يتلقون سيلًا من الهدايا الافتراضية: ورود، نجمات، وأيقونات رقمية تبلغ قيمة بعضها عشرات الآلاف من العملات داخل التطبيق. عند هذا الحد، تبدأ الأسئلة:
من أين تأتي هذه الأموال؟ ولماذا تُمنح بهذا السخاء لمحتوى سطحي؟
خلف الستار: صناعة الترند
ما يبدو للمتابعين كنجاح عفوي، تقف خلفه منظومة منظمة تديرها ما يُعرف بـ"الوكالات الرقمية"، وهي جهات تمثل بعض صانعي المحتوى وتتحكم في ظهورهم، ومسارهم، وحجم أرباحهم.
تقوم هذه الوكالات باختيار أشخاص بعينهم ممن يمكن دفعهم إلى مقدمة المشهد، بغض النظر عن نوعية المحتوى الذي يقدمونه، وتعقد معهم اتفاقات يُقتطَع بموجبها جزء كبير من العوائد، مقابل الترويج والدعم المستمر.
غير أن الخطر الحقيقي لا يكمُن فقط في الترويج للسطحية، بل في توظيف هذه المنصات كوسيلة حديثة لعمليات غسيل الأموال، وهي ظاهرة باتت تثير قلق المهتمين بالشأن الاقتصادي والأمني.
كيف تتم العملية؟
يبدأ السيناريو من طرفٍ يمتلك أموالًا نقدية يصعب إدخالها إلى النظام المصرفي نتيجة غياب مصدر قانوني واضح. يبحث هذا الطرف عن قناة تُخرج أمواله في صورة شرعية، فيلجأ إلى بعض الوكالات الرقمية التي تتولى تحويل هذه المبالغ إلى "دعم" ظاهر على المنصة.
يُقدَّم الدعم لصناع محتوى مختارين مسبقًا على هيئة هدايا رقمية، تُحتسب كأرباح رسمية تصل إلى حساباتهم المصرفية. ثم تُعاد غالبية هذه الأموال إلى المصدر الأصلي، بعد اقتطاع نسبة بسيطة منها كأرباح شكلية لصانع المحتوى، بينما تدخل الأموال إلى النظام المالي وقد تم "غسلها" رقميًا.
الخوارزميات وتفكيك الوعي الجمعي
لا يمكن فصل ما يحدث على منصات التواصل عن السياق الأوسع الذي يُعيد تشكيل وعي الشعوب وفق مخططات دقيقة وممنهجة. فالخوارزميات التي ترفع بعض الشخصيات السطحية إلى صدارة المشهد، لا تفعل ذلك اعتباطًا، بل تعمل وفق معايير تستهدف إعادة توجيه الذوق العام، وتشويه منظومة القيم، وإضعاف البناء الثقافي للأمة.
هذه الاستراتيجية تتقاطع — بشكل أو بآخر — مع ما ورد في ما يُعرف بـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، تلك الوثائق المثيرة للجدل التي، وإن اختلف البعض حول مصدرها، فإنها تُظهر بوضوح نوايا استهداف الشعوب من خلال إغراقها في اللهو، وتشتيت وعيها، وتفريغ مفاهيم القدوة والمعرفة والعمل من معناها الحقيقي.
إن صناعة نجوم من فراغ، والترويج لمحتوى فارغ من المعنى، وتمرير الأموال عبر قنوات تبدو ترفيهية، ليست مجرد عوارض رقمية، بل جزء من منظومة أوسع تسعى — ربما بوعي أو دون وعي — إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ثقافيًا واجتماعيًا، بما يخدم مصالح القوى التي ترى في وعي الشعوب خطرًا على مشاريعها التوسعية.
أثر اجتماعي مدمِّر
تكمن الخطورة في الأثر الاجتماعي والنفسي الذي تخلّفه هذه المشاهد.
فالشباب الذين يجتهدون في دراستهم أو يعملون بكدّ لا يمكنهم إلا أن يشعروا بالخذلان حين يرون من يُحَقق مكاسب طائلة دون جهد معرفي أو إبداع حقيقي.
ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدِّق أن "الظهور السهل" طريق للنجاح، وأن الجهد لم يعد شرطًا لنيل التقدير.
الثمن الحقيقي
المال الذي يُكتسب عبر طرق غير مشروعة، ولو بدا لامعًا في ظاهره، فإنه يحمل في طياته ثمنًا باهظًا:
ثمنًا أخلاقيًا، وربما قانونيًا، ناهيك عن التآكل الداخلي الذي يصيب صاحبه.
فمن يُستخدم أداةً في منظومة كهذه سرعان ما يُستغنى عنه، وقد يدفع وحده ثمن التورط.
بوصلة الوعي
في عالم يزداد ضجيجه يوماً بعد يوم، ينبغي علينا أن نُعيد الاعتبار للمعنى، لا للرقم.
أن نُعلّم أبناءنا أن الرزق لا يُقاس بالسرعة، بل بالنزاهة،
وأن المال حين يُكتسب من باطل، فلا بركة فيه ولا استقرار.
الطريقان لا ثالث لهما:
طريق الحلال، وإن طال، يمنح صاحبه الطمأنينة وكرامة النفس.
وطريق الحرام، وإن سهل، يُفضي إلى التيه والندم.
فلنختر الطريق الذي يُشبهنا، لا ذاك الذي يُغري بريقه ويُخفي خيبته.