أنس القاضي
في اليمن، تحترق أوراق الإمبراطورية، وتُكتَبُ فصولٌ جديدةٌ من التاريخ التحرّري العالمي.
جاء خطابُ الرئيس مهدي المشَّاط، في اجتماع مجلس الدفاع الوطني، كإعلان سياسي صريح عن فشل العدوان الأمريكي من الناحية الاستراتيجية، وكشهادة على تحوّل اليمن من موقع الهامش في النظام الدولي إلى جبهة مقاومة متقدمة في وجه المشروع الإمبريالي الأمريكي ـ الصهيوني.
بلُغةٍ تتسمُ بالثقة والسيادة، أسقط المشاط الرواية الأمريكية عن امتلاك أدوات الردع الساحقة، كاشفًا أن اليمن -بموارده المحدودة وإرادته الشعبيّة- تمكّن من إخراج حاملة الطائرات “ترومان” من الخدمة، وتجاوز المنظومة الكهرومغناطيسية التي كانت واشنطن تلوّح بها في وجه روسيا والصين. هذا الانتصار لا يُقرأ عسكريًّا فحسب، بل سياسيًّا أَيْـضًا؛ باعتبَاره تحطيمًا لهالة الغطرسة الإمبريالية التي لطالما استخدمت القوة كأدَاة للهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها.
وضع الرئيس المشاط الموقف اليمني من دعم غزة في إطاره الأخلاقي والأممي؛ باعتبَاره موقفًا مناهضًا للإبادة والاستعمار والصهيونية، مشدّدًا على أن العدوان الأمريكي جاء عقابًا لهذا الموقف التحرّري. بهذا الربط، أعاد الاعتبار لفكرة أن فلسطين لم تكن يومًا قضية شعبٍ واحد، بل عنوانًا جامعًا لحركات التحرّر العالمي، وأن مناصرتها فعلٌ ثوري بامتيَاز في وجه أدوات الإمبريالية.
أما القدرة اليمنية على الحصول على معلومات استخباراتية مسبقة عن العدوان، وتحقيق اختراق تقني لمنظومات عسكرية أمريكية يُروَّج لها على أنها عصيّة على الكسر؛ فهي تعكس تفوق الإرادَة الثورية للشعوب حينما تُسخَّر؛ مِن أجلِ قضايا عادلة.
وتجسّدُ في الوقت ذاته إمْكَانيات الدول المستقلة سياسيًّا، حتى إن كانت محاصَرة اقتصاديًّا، في كسر احتكار المعرفة والقوة العسكرية.
حمّل المشاط واشنطن مسؤوليةً مباشرةً عن دعم المشروع الصهيوني، وفضح ازدواجية خطابها الحقوقي. كما أعلن بوضوح عن التوجّـه نحو استهداف الشركات الرأسمالية المتورطة في سفك الدماء، خَاصَّة شركات السلاح والنفط، في خطوة تشبه أدوات الرد الشعبي على أدوات الإمبريالية.
وأرسل خطابًا ضمنيًّا إلى قوى البريكس، ولا سيما روسيا والصين، مفاده أن الولايات المتحدة تحترق سياسيًّا وعسكريًّا في اليمن، وأن أوراقها الكبرى ـ من الردع العسكري إلى الهيبة الإعلامية ـ باتت مكشوفة. وهي فرصة تاريخية، كما ألمح، لإعادة رسم توازنات النظام العالمي المتعدد الأقطاب.
وفي الداخل، قدّم الرئيس خطابًا تطمينيًّا، مؤكّـدًا أن هناك انسجامًا كاملًا بين الشعب، القيادة، والقوات المسلحة، وأن النصر بات قريبًا.
اللافت في الخطاب كان الإشادة بالمواقف الوطنية الرافضة للمال السياسي الخليجي، في إشارة إلى أن الكرامة الوطنية تتفوق على الإغراءات، وأن الصراع الراهن هو بين “الثروة المشتراة” و”السيادة المستحقة”.
ولم يغفل الخطاب عن توجيه تحذير واضح للقوى المحلية الموالية للعدوان، مشدّدًا على أن هذه المرحلة لا تحتمل المناورات السياسية الداخلية التي تصب في خدمة المشروع الصهيوني، وأن القوات المسلحة مستعدة لإحباط أي تحَرّك موازٍ يخدم الأعداء من الداخل.
خلاصة القول، لم يكن خطاب الرئيس المشاط مُجَـرّدَ تقييمٍ لحالة ميدانية، بل كان إعادةَ تعريف لجوهر المعركة: ليست مُجَـرّد حرب حدودية أَو رد فعل سياسي، بل مواجهة أممية بين مشروع هيمنة تمثّله الرأسمالية المتوحشة وأدواتها العسكرية والاقتصادية، ومشروع مقاومة يسعى إلى استعادة السيادة الوطنية، والكرامة الشعبيّة، وتحرير إرادَة الشعوب من قبضة الاستغلال والإذلال.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
بزشكيان: الاتفاق مع أمريكا ممكن بشرط تخليها عن الغطرسة
قال الرئيس الإيران مسعود بزشكيان، إن التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة، أمر ممكن، لكنه مرهون بشرط أساسي، وهو التخلي عن الغطرسة ونهج الفرض.
وأكد، خلال لقائه برئيس وزراء ووزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على هامش اجتماع منتدى حوار طهران 2025 أن إيران لن ترضخ لـ"القوة تحت أي ظرف من الظروف".
وعن الاتفاقات الإيرانية القطرية، اعتبر بزشكيان أنه "لا شك أن تنفيذ المشاريع المشتركة وتعزيز التعاون الثنائي سيحدثان تحولا إيجابيا في وجه المنطقة".
من جانبه، رأى آل ثاني أن التجربة أثبتت أن الضغط والإكراه لم يحققا شيئا في مواجهة إيران، وأن الحوار والتفاهم هما السبيل المجدي، معربا عن أمله أن تحقق إيران، في العام المقبل، نجاحا وازدهارا متزايدين على الساحة السياسية.
وقال إنه في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة والعالم، فإن المطلوب هو تعزيز التفاهم واستمرار التعاون الوثيق بين دول الجوار.
وكان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إنّ بلاده لم تتلقَّ أي مقترح مكتوب من الولايات المتحدة الأميركية، وذلك على عكس ما أفادته عدد من التقارير الأجنبية، مبرزا في الوقت نفسه أنّ: "طهران لن تتخلى عن حقِّها في التخصيب".
وتابع عراقجي، عبر تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "إكس" أنّ: "الرسائل التي نتلقاها نحن والعالم مربكة ومتناقضة، غير أنّ موقف إيران يظل ثابتاً وواضحا"، مؤكدا: "احترموا حقوقنا وارفعوا العقوبات، في هذه الحالة سيكون هناك اتفاق".
"لن يكون هناك أي سيناريو يمكن أن تتخلى فيه إيران عن حقها في التخصيب من أجل الأغراض السلمية، وهو ما تم تحقيقه بصعوبة" أضاف وزير الخارجية الإيراني، لافتا أنه: "هو الحق الذي تتمتع به أيضا جميع الدول الأعضاء الأخرى في معاهدة حظر الانتشار النووي".
وأورد وزير الخارجية الإيراني، أنّ: "الأمة الإيرانية العظيمة أثبتت قوتها وصمودها في وجه من حاولوا فرض هيمنتهم. نحن نرحب دائماً بالحوار المبني على الاحترام المتبادل ونرفض أي شكل من أشكال التنمر".
إلى ذلك، شدّد عراقجي على أنّ: "تخصيب اليورانيوم خط أحمر ولا يمكن قبول التوقف عنه"، مشيرا إلى أن "أطراف التفاوض تعلم جيداً أننا لن نتنازل عن الإنجازات التي حققناها بتكاليف باهظة".
تجدر الإشارة إلى أن موقع "أكسيوس" الأمريكي، كان قد نقل عن مسؤول أميركي ومصدرين آخرين قولهم إنّ: "إدارة ترامب قدمت لإيران مقترحا لاتفاق نووي خلال الجولة الرابعة من المفاوضات".