موقع النيلين:
2025-06-21@13:17:59 GMT

خرائب متحف السودان القومي: للجنون طرائق

تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT

ملخص
*خراب متحف السودان القومي جنون إذا شئت. وللجنون طرائقه، كما قال شكسبير، التي نحاول رفع الغطاء عنها

* إذا كانت شكوى الدعم السريع أن متحف السودان القومي “نوبي وثني” فلماذا لم يمتنع عن هدم معبد أقيم لوجه هويته العربية الإسلامية بخاصة، وهو متحف بيت الخليفة عبدالله، خليفة مهدي السودان، الذي جردوه من كل مقتنياته حتى “سبحة الأمير عثمان دقنة وسيف الأمير أبو قرجة”.

ظهر دعامي بعد احتلال “الدعم” لمتحف السودان القومي في يونيو عام 2023 على فيديو يستعرض تماثيله الأثرية “الوثنية” من عهود ما قبل الميلاد، ويقول “هذه التماثيل لا تمثلني. أنا لا أنتمي إليها. ما يمثلني ليس هنا”.

اشتهر الفيديو كفكاهة لأن الدعامي أخذ يشير إلى المومياوات في سباتها الأزلي، قائلاً “هؤلاء ضحايا الفلول. يقتلون خصومهم ويخفونهم هنا”. ومهما كان الرأي في عبارته، فالدعامي أثار هنا مسألة الهوية السودانية إزاء تنوع ثقافات السودان. وسنأخذ في الحديث عن مسألته لاحقاً.
عرض أحدهم فيديو طاف فيه عرصات متحف السودان القومي بعد استرداد القوات المسلحة لمبناه في الأسابيع الماضية. وبإيجاز لم يبقَ من محتوياته البالغة 100 ألف قطعة سوى بعض تماثيل صخرية ليست مما خف حمله. وتحطمت “الغرفة الحصينة” كما يسمونها، ونهبت الآثار الذهبية المودعة فيها بالكامل. وسهل للنهابة شغلهم أن كانت معظم مقتنيات المتحف مخزنة في صناديق انتظاراً لعمليات إنشاءات وصيانة مجدولة للمبنى، فأخرجوا المومياوات العائدة لـ2500 قبل الميلاد من توابيت حفظها ورموا بها على قارعة الصالة، وقال الصوت في الفيديو “هشموا مقتنيات لم يروا نفعاً منها وحرقوا أخرى”.

ورصد فريق آثاري فرنسي عبر الأقمار الاصطناعية عملية إفراغ المتحف من مقتنياته، إذ حُملت من المتحف إلى ثلاث شاحنات سارت إلى جهات خارج البلاد ذكروا منها جنوب السودان بالاسم، وانزعج الناس لأنه سرعان ما بدأ تسويق بعض الآثار الثقافية منسوبة إلى السودان على مواقع مثل “أي بي” ولم يثبت بالفحص أنها كذلك. ومن رأي الخبراء أن نهابي الآثار وزبائنهم لن يدخلوا بها السوق عاجلاً. وانتدبت جماعة من الآثاريين الأوروبيين نفسها للتربص بما يعرض من آثار للسودان في السوق، كما رتبت منظمتان أخريان لحفظ الآثار السودانية إلكترونياً.

ومما يطمئن أن الآثار التاريخية محمية بــ”اتفاقية اليونيسكو (1970) لمنع الاتجار غير المشروع في المقتنيات والآثار”، فملحق “القائمة الحمراء” الصادر عن المجلس الدولي للمتاحف قضى بصون الممتلكات الثقافية المعرضة للخطر، علاوة على وضع المنهوب منها على قاعدة بيانات الإنتربول للأعمال الفنية، بل مما يريح الخاطر أن المجلس التنفيذي لـ”يونيسكو” وعد قبل يومين بتقديم دعم متكامل للسودان في مجالات الثقافة والإعلام. كما قرر التعاون مع الإنتربول من أجل استعادة الآثار السودانية المنهوبة. وللعالم سوابق موفقة في مثل تلك القضايا، إذ منع قرار مجلس الأمن 2099 (2000) الاتجار في آثار العراق وسوريا، وتجاوبت معه دول كثيرة أعادت ما وقع بيدها.

وصف أحدهم خراب متحف السودان القومي بأنه “ضرب للذاكرة الجماعية السودانية”. وصدق. إلا أن جماعية هذه الذاكرة موضوع خلافي وهو خلاف ضرج السياسة السودانية لعقود. فتخريب المتحف ونهبه بلا رحمة جنون مما قال فيه شكسبير إن له طرائقه مع ذلك. فعبارة الدعامي عن غياب هويته العربية المسلمة في عروض المتحف هي هذه الطرائق من وراء جنون هدم معبد المتحف. وقال آخر منهم من “اللايفاتية”، أي من يطلون بالقول على الناس، هو عيسى ود أبوك يسخر ممن استنكر عليهم في “الدعم السريع” تدمير المتحف. فقال إن “تلك آثار من قدماء النوبة على النيل ولا تمت لهم بصلة لأنهم عرب ولهم إرث عائد لـ’ جنيد‘الذي تنتهي إليه أنساب شعب البقارة بكردفان ودارفور وتشاد”، وهم من وصفوا بأنهم حواضن “الدعم السريع”. وزاد أنهم سيصنعون لـ”جنيد” تمثالاً يطل من فوق دوار “القندول” بالسوق العربي في الخرطوم. أما تمثال “ترهاقا” النوبي، في قوله، فأخذوه نحو تشاد إلى الأبد.

ويستغرب المرء لماذا لم يمتنع الهادم للمعبد النوبي عن هدم معبد أقيم لوجه هويته العربية الإسلامية بخاصة، وهو متحف بيت الخليفة عبدالله، خليفة مهدي السودان على دولته (1885-1898). وهو من صميم شعب التعايشة البقارة إذ أفرغته “الدعم السريع” أيضاً من كل مقتنياته، حتى “سبحة الأمير عثمان دقنة وسيف الأمير أبو قرجة (من أمراء المهدية)” وفق الصوت في الفيديو الذي عرض لدمار المتحف. وقال الصوت إنه “متحف أقامه الإنجليز، لا غيرهم، عام 1928، وهم من قتلوا الخليفة وأهلكوا دولته في عاصمته أم درمان نفسها”.
من أين لـ”الدعم السريع” طرائق الجنون تلك التي هدموا بها معابد وبيعاً؟ من أوحى لهم بها؟
وندلف هنا إلى سيرة خطاب الهوية الذي انعقد لا لعقود طويلة فحسب، بل تحت ظلال السيوف أيضاً. ودار حول أن المركز في الخرطوم، وفي تجليه الأسمى في دولة الإنقاذ (1989-2019)، فرض منذ عام 1956 هويته الثقافية الإسلامية العربية على الأمة مما عطل كل هوية أخرى غيرها. فأثيرت مسألة تمييز اللغة العربية في الدولة والتعليم والإعلام على ثراء السودان في اللغات التي ربت على المئة لغة. ويعاب على المركز أنه اختار من بين “العلاقات الأزلية” للسودان تلك التي له مع مصر من دون مع تشاد مثلاً. كما أنه بادر إلى عضوية الجامعة العربية مبادرة لم يرعَ فيها التكوين العرقي السوداني. وصارت القضية الفلسطينية التي التزمتها حكومة الخرطوم قضية عربية خالصة لا ناقة للسودانيين فيها ولا بعير. وفي مضمار التعليم يشتكي بعضهم من كتاب المطالعة الوحيد في المرحلة الابتدائية الذي يقوم بدور البطولة فيه “الجمل” الشمالي، أداء وصورة ومجازاً، في حين أن الجمل حيوان غريب جداً على بعض أقاليم السودان التي يستذكر تلاميذها هذا الكتاب. بل بلغ التظلم درجات قصوى في مثل استنكار أن تستأسد النخلة في شوارع الخرطوم العاصمة بينما شجر السودان كثير.

ولا غرو أن احتقن الهامش بغبن كثير كان من وراء الحرب المتطاولة التي خيمت على سماء السودان منذ استقلاله. وأوحت هذه المظلومية من سوء إدارة التنوع الثقافي للباحث عشاري محمد محمود أن يعرف هذا التنوع على غير ما اعتدنا. فبدلاً من إحصاء مفرداته طرباً قال إن التنوع الثقافي هو غبن، أي وعي بالوفرة المهدرة، وهو نوع الوعي الخليق، متى أحسن المرء تزكيته، بأن ترشد به السياسة نحو مقاصدها. لكن لابس هذا الغبن استثمار نيء له من قبل الجماعات الليبرويسارية العربية المسلمة في المركز نفسه، مما شكت منه الباحثة عبير محمد خير في رسالتها للدكتوراه المعنونة “تسييس الإثنيات وأثره على الأمن القومي” (1989-2020).
بالطبع لا مناص من السياسة في إدارة مظلومية الهامش، لكن ثمة فرقاً بين هذا التسييس وبين الاستثمار في غبن التنوع لأغراض معارضة موقوتة. فعزت عبير محمد محقة هذا التسييس إلى افتقاد النخب كثيراً من الأسس والأطر المؤسسية التي كان يجب أن توظف في حل إشكالات التنوع. فدخلوا على هذا الغبن للجماعات المغلوبة بطريقين عقيمين. فجاؤوا له أولاً بطريق معارضة النظم الديكتاتورية المطولة التي لم تُصعب عليهم العمل في ميادينهم التقليدية في النقابات والاتحادات فحسب، بل أدخلت حكومة الإنقاذ منها في روعهم تحسن الشغل في هذه الميادين بأحسن منهم لأن من ورائها حركة “الإخوان المسلمين” الضليعة في العمل الجماهيري. ووقعت هذه القوى الليبرويسارية على مظلومية الهامش بعد أن تجردت من حقول نشاطها السياسي المركزية مكرهة وطائعة ومختارة معاً. فلم تتحالف مع الغبن كوعي، بل كمظلمة لترويع النظام الحكم وإفحامه.

أما الباب الآخر الذي دخلت به هذه القوى على غبن الهامش فبنظرية العرق النقدية التي تركز على هوية الجماعات الأقلية فيها والمتظلمة من نير الجماعة الغالبية أو المتسلطة، أي من باب الهوية. وعلى رغم نفع النظرية لهذه الجماعات المغلوبة مما جرى وصفه بـ”الآخر”، أي آخر الجماعات الغالبة، فإنها كرست لهذا الآخر على حساب التاريخ المشترك والرغبة في العيش معاً كأمة. ولأن الليبرويساريين تنكبوا طريق هذه الرؤية الجامعة فقد أسرفوا في “استثمار “سياسات الهوية وغبنها لغاياتهم، وغاب عنهم الحس بما يواثق بين السودانيين كمواطنين وما يربطهم كأمة. وهي شكوى فيلسوف أميركي في نعيه الليبرالية الأميركية. فالنظرية العرقية النقدية وغيرها منعت الليبراليين، في قوله، من تنشئة رؤية طموحة لأميركا ومستقبلها تلهم سائر المواطنين. وعليه خسر الليبراليون رهان الأمة لأنهم “تراجعوا إلى كهوف كانوا حفروها لأنفسهم في ما كان جبلاً عظيماً”، أي في أمة كبيرة.

والشيء بالشيء يذكر، فخطة الليبرويسارييين التي ركزت على سياسات الهوية هي عودة بسيطة لسياسات الإدارة الاستعمارية المعروفة بـ”المناطق المقفولة” حيال التنوع في السودان أرادوا أو لم يريدوا. فحال الإنجليز دون اختلاط جنوب السودان وجبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق (والأخيرتان مما يعرف حالياً بـ”الجنوب الجديد”) بالشمال الموصوف بالعربي المسلم. واتجه الاستعمار من أجل ذلك إلى بناء وحدات قبلية أو عرقية مغلقة في تلك المناطق قائمة في بنيتها على العوائد المحلية والعقائد والأعراف التقليدية المحلاة بالتبشير المسيحي. وكانت من وراء تلك “الكرنتينات” الخشية أن تصاب تلك المناطق في خلطتها بالثقافة العربية الإسلامية بنوع سفاحي من الاستعراب كما حدث تاريخياً لشمال السودان. وبعض شكوى هذه الهوامش من مظلوميتها التاريخية عائد، لو تحرينا الدفة، لسياسة المناطق المقفولة. فقال الأكاديمي كمال عثمان صالح إنه قد ضاعت الفرص على أبناء جبال النوبة في الترقي بصفوف القوات المسلحة السودانية لأن الإنجليز، لما خشوا أن يستعرب النوبة جراء خدمتهم في الجيش، فصلوهم عنه. وانتهى كمال إلى لوم الإنجليز لحجب أبناء جبال النوبة عن التنافس على النطاق القومي “لأنهم أولوا حربهم ضد التعريب فائق عنايتهم، في حين لم يولوا رقي النوبة عشر معشار تلك العناية”.

متحف السودان هو الجبل العظيم الذي جاءته الدعامة بغبن الكهف الذي لم يرقَ إلى وعي بالجبل يأذن لهم بتعليق لوحتهم الثقافية ضمن أخريات. ولم يُعقد اتفاق بين المركز والهامش في السودان لم يغِب فيه الجبل عن حسابات الكهوف. فاتفاق “سلام جوبا” (2020) بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور المسلحة وحلفائها حال استثنائية في التشبث بالكهف من دون الوطن حتى طالبت هذه الحركات فيه بأن يكون لها ممثلون في إدارة الخرطوم لأنهم شركاء فيها ما دام أنها عاصمتهم. وتلك وصاية جردت المدينة من إدارة نفسها بنهج الديمقراطية نفسه الذي أرادته الحركات لكهوفها. ولعل أبلغ تجليات الكهف من دون الجبل هي دولة كاودا في جبال النوبة التي استعصم فيها عبدالعزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية – شمال منذ عام 2011. فإما قبل الجبل بالعلمانية، في عزيمته، وإما غادره لا يلوي على شيء.
خراب متحف السودان القومي جنون إذا شئت. وللجنون طرائقه كما قال شكسبير والتي حاولنا رفع الغطاء عنها هنا.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: متحف السودان القومی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

المتحف الوطني يحتضن معرض الأسلوب الروسي الفني الجديد

((عمان)): افتتح المتحف الوطني معرضًا بعنوان "الأسلوب الروسي الفني الجديد" الذي يستضيفه بالتعاون مع متحف الإرميتاج الحكومي، تحت رعاية معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، في إطار "المواسم الثقافية الروسية"، ويستمر حتى الثاني من نوفمبر العام الجاري.

ويُسلّط المعرض الضوء على الحياة الثقافية للإمبراطورية الروسية خلال العقود الممتدة من ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى العقد الثاني من القرن العشرين الميلاديين، فقد شهد "الأسلوب الروسي"، الذي ظهر قبل ذلك بعدة عقود، موجة جديدة من الشعبية والاهتمام.

تجلّت سمات هذا الأسلوب المتجدد في عمارة مدن مثل سانت بطرسبورغ وموسكو، في مدن الأقاليم وبلدانها الإقليمية، إلى جانب الأعمال الفنية والتشكيلية، والنحت، والحرف اليدوية التي ازدهرت في عهد الإمبراطورين الأخرين، ألكسندر الثالث ونيكولاي الثاني.

وأفاد سعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني، في كلمة ألقاها خلال حفل الافتتاح، أن تدشين هذا المعرض يأتي ضمن سلسلة الفعاليات الثقافية للمواسم الثقافية الروسية في سياق من التفاعلات المستمرة مع المؤسسات الثقافية والمتحفية في روسيا الاتحادية لتعزيز أصر التعاون الثقافي والمتحفي، كان أحدثُها تدشين الموقع الإلكتروني للمتحف الوطني باللغة الروسية.

مضيفا بأن العمل جارٍ على عدد من المشاريع والفعاليات المشتركة مع وزارة الثقافة الروسية لاستضافة المواسم الموسيقية في بيت الجريزة في أكتوبر من العام الجاري، والتعاون مع متحف تريتيكوف الحكومي لتنظيم معرض رواد الفن التشكيلي العُماني، في إطار الدبلوماسية الثقافية، وسيكون هناك تعاون مع متاحف كرملين موسكو لإقامة معرض روسيا القيصرية والشرق، فضلا عن تدشين ركن الإصدارات العُمانية في كل من: جامعة الشيشان الحكومية ومكتبة روسيا الوطنية في إطار الاحتفاء بمناسبة (40) عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان وروسيا الاتحادية".

من جانبه قال سعادة أوليغ فلاديميروفيتش ليفين، سفير روسيا الاتحادية المعتمد لدى سلطنة عُمان في كلمته إن المعرض يُسلط الضوء على حقبة من الثقافة الروسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين المعروفة باسم ذروة "النمط الروسي"، التي تعكس تنوع تقاليد الإمبراطورية الروسية، والمتجسدة في الفن والعمارة والحياة اليومية.‬ ‬‬ وأضاف أن هذا المعرض يمثل خطوة مهمة في تعزيز الحوار الثقافي بين روسيا الاتحادية وسلطنة عُمان فهو يُظهر كيف يمكن للفن والتقاليد أن يكونا جسراً بين الشعوب في سبيل الحفاظ على التراث الثقافي العالمي.

وتم خلال الحفل عرض كلمة البروفيسور الدكتور ميخائيل بيتروفسكي، مدير متحف الإرميتاج الحكومي، وعضو مجلس أمناء المتحف الوطني، وعبر عن سروره بافتتاح معرض "الأسلوب الروسي الفني الجديد" الذي يقدم حكاية لتطور الثقافة الروسية من ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى العقد الثاني من القرن العشرين الميلاديين، قدم فيها نماذج رائعة من الفنون التطبيقية والأزياء التنكرية التاريخية التي استخدمت في الحفلات التنكرية في البلاط الروسي، كما أشار إلى افتتاح المعرض الثاني ضمن مبادرة ركن متحف الإرميتاج الحكومي بعنوان "هدايا أمراء بخارى وخانات آسيا الوسطى للبلاط القيصري الروسي"، وفي انتظار افتتاح المعرض الجديد في "قاعة عُمان" بمتحف الإرميتاج الحكومي.

وتتضمن المعروضات قطعًا قُدّمت كهدايا إلى أباطرة من فئات اجتماعية مختلفة داخل الإمبراطورية، مثل الصحون التذكارية، وأوعية الملح، والمراوح اليدوية، وقد عكست هذه القطع، كما لو كانت مرآة، لمفهوم وحدة القيصر والكنيسة والشعب، وهي الثلاثية الأيديولوجية الرسمية التي أرست دعائمها الدولة الروسية منذ الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي.

ومن بين هذه المعروضات، صحن تقديم فضي قُدّم للإمبراطور ألكسندر الثالث والإمبراطورة ماريا فيودوروفنا من رجال النفط في شبه جزيرة أبشرون خلال زيارتهما لمنطقة القوقاز عام(1888م)، وقد صُنع على الطراز الروسي في مصنع المجوهرات الشهير "إيفان خليبنيكوف". كما يضم المعرض مملحة فضية بغطاء قُدّمت إلى الإمبراطور نيكولاي الثاني أثناء عودته من رحلته الشرقية بين عامي (1890-1891م)، وصُنعت في مصنع "بافل أوفشينّيكوف" الشهير بموسكو، وقُدّمها له حرفيو منطقة جنوب الأورال.

وتشمل المعروضات أيضًا مروحة من دانتيل فولوغدا مغزولة على البكرات، تحمل الحرف "M" منقوشًا على بطانة من الساتان الأصفر، موضوعة داخل علبة خشبية، وتعود ملكيتها للإمبراطورة ماريا فيودوروفنا، ومؤرخة بعام (1883م). كما تُعرض لوحة لامرأة شابة ترتدي زيًا روسيا تقليديًا يظهر فيه غطاء الرأس المعروف باسم "الكوكوشنيك"، بريشة الفنانة صوفيا يونكر-كرامسكايا، تعود إلى مطلع القرن العشرين الميلادي.

ومن بين أبرز المعروضات أزياء تنكرية كانت تُرتدى في حفلات تنكرية مستوحاة من الأسلوب الروسي، لاقت رواجًا واسعًا في تلك الفترة. صمّم هذه الأزياء نُخبة من الخياطين في مشاغل العواصم خصيصًا لأفراد الأسرة الإمبراطورية وأوساط النبلاء. وقد أُقيمت مثل هذه الاحتفالات في منازل متواضعة للمواطنين العاديين، كما في قصور مترفة للنبلاء الروس، وفي قاعات استأجرتها المؤسسات الخيرية لليلة واحدة، وفي مقار ملكية فخمة تابعة للدوقات الكبار أو القيصر نفسه. وخلال هذه الحفلات التنكرية، التي كانت الأزياء عنصرها المحوري، تجلّت عظمة البلاط الإمبراطوري الروسي في أبهى صورها.

ويتضمن هذا المعرض عددًا من أزياء أفراد أسرة "يوسوبوف" النبيلة، الذين اشتهروا بتنظيم الحفلات التنكرية والكرنفالات التاريخية في مدينة سانت بطرسبورغ، وكانوا من أبرز رموز هذا التقليد. ومن بين أبرز المحطات التاريخية، الحفل التنكري الباذخ لعام (1903م) الذي أُقيم في قصر الشتاء، ويُعد أشهر حفلة تنكرية ملكية بأسلوب روسي لما أحدثه من صدى واسع بين الجمهور، مجسدًا هيبة وعظمة سلالة "رومانوف". وتُعد الأزياء الفاخرة التي ارتدتها الدوقة الكبرى "كسينيا ألكساندروفنا"، شقيقة "نيكولاي الثاني"، مثالاً بليغًا على الأسلوب الروسي المتجدد في أزياء أوائل القرن العشرين الميلادي من حيث التصميم والتفصيل واختيار الخامات ومستوى الحرفية.

الجدير بالذكر أن المتحف الوطني افتتح في مطلع شهر فبراير من هذا العام المعرض الثاني ضمن مبادرة ركن متحف الإرميتاج الحكومي بعنوان "هدايا أمراء بخارى وخانات آسيا الوسطى للبلاط القيصري الروسي"، وذلك بوصفه أولى فعاليات "المواسم الثقافية الروسية" في سلطنة عُمان. ويركز المعرض على الروابط العميقة والممتدة بين روسيا وشعوب الشرق، مع تسليط الضوء على الهدايا الفريدة التي قدمها حكام الشرق للبلاط القيصري الروسي.

وبلغ عدد زوار المعرض الثاني ضمن مبادرة "قاعة عُمان" الذي افتتحه المتحف الوطني في متحف الإرميتاج الحكومي بعنوان "الإمبراطورية العُمانية بين آسيا وأفريقيا" 414 ألفًا و481 زائرًا خلال الفترة من ديسمبر 2023م إلى يناير 2025م، ما يعكس اهتمام الزوار بمكنونات التراث الثقافي لعُمان.

مقالات مشابهة

  • مودرن إسطنبول.. أول متحف للفن الحديث والمعاصر في تركيا
  • المتحف الوطني يحتضن معرض الأسلوب الروسي الفني الجديد
  • على هامش معرض «أرت بازل» بسويسرا.. المياسة بنت حمد: قطر تمتلك بنية تحتية ثقافية قوية
  • داكار-جيبوتي.. بعثة فرنسية سرقت كنوز أفريقيا الفنية
  • متحف زايد يطلق صندوقاً لتمويل الأبحاث للعلماء والباحثين
  • افتتاح معرض الأسلوب الروسي الفني الجديد بالمتحف الوطني
  • «تصميم باب الوهم».. متحف شرم الشيخ يطلق ورشة للأطفال حول العمارة المصرية القديمة|صور
  • «الأمة القومي» يجدد رفضه لقيام أي حكومة بدون شرعية توافقية
  • الحكومة: التعامل بشدة مع إي طرف يرفع الاسعار نتيجة الصراع الإيرانى الإسرائيلى
  • متاحف قطر تعلن افتتاح معرض "عجائب السجاد الإمبراطوري" في هونغ كونغ