مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (10)
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
10- الاستقلال الاقتصادي والأمن القومي
في رحلة مصر نحو مصاف العشرة الكبار اقتصاديا، تبرز قضية محورية: هل يمكن لدولة أن تصبح قوة اقتصادية عالمية وهي تعتمد اعتمادا مفرطا على الآخرين في احتياجاتها الأساسية؟ وحالة اعتماد مصر على الاستيراد لا تحتاج لبيان خاصة في المقومات الاستراتيجية لها.
الإجابة واضحة في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، عندما حوّل مصر من دولة تواجه المجاعة إلى مركز إقليمي للأمن الغذائي، معتمدا على التخطيط الذكي والاستغلال الأمثل للموارد المحلية.
وحين أمر الله المؤمنين بقوله "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" (الأنفال: 60)، لم يكن الأمر مقتصرا على القوة العسكرية فحسب، بل شمل كل أنواع القوة، وفي مقدمتها القوة الاقتصادية. فكيف تُعِد أمة نفسها وهي تعتمد على عدوها المحتمل في غذائها ودوائها وتكنولوجيتها؟
هذا الأمر الرباني يضع أمامنا حقيقة استراتيجية: الاستقلال الاقتصادي ليس مجرد هدف تنموي، بل ضرورة شرعية لحماية الأمن القومي وتحقيق القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية دون ضغوط خارجية.
مخاطر التبعية الاقتصادية على الأمن القومي
قبل الحديث عن سُبل تحقيق الاستقلال، لا بد من فهم المخاطر الجسيمة التي تواجه أي دولة تفتقد للاستقلالية الاقتصادية، فالتاريخ المعاصر والإسلامي مليء بالدروس المؤلمة في هذا المجال.
التبعية الغذائية تحول الطعام إلى سلاح سياسي قاتل، وهذا ما حذّر منه القرآن ضمنيا في قصة يوسف عليه السلام، عندما جاءت الشعوب من كل مكان تطلب الطعام من مصر، فالذي يملك الطعام يملك القرار السياسي. روسيا استخدمت صادرات القمح كورقة ضغط على دول عديدة، والولايات المتحدة هددت دولا بحصار غذائي لتغيير سياساتها. والتاريخ الإسلامي شهد حصار المشركين للمسلمين في شِعب أبي طالب، حيث استُخدم منع الطعام كوسيلة ضغط لإجبار النبي على التنازل عن دعوته.
التبعية التكنولوجية تفتح أبواب التجسس والسيطرة الرقمية، شركات التكنولوجيا الكبرى تجمع بيانات مليارات المستخدمين وتراقب اتصالاتهم، والدول التي تعتمد كليا على التكنولوجيا الأجنبية تجد نفسها مكشوفة أمنيا. وهذا يذكرنا بحذر الصحابة من الجواسيس، وكيف كان النبي ﷺ يحرص على حماية أسرار المسلمين من الأعداء.
التبعية في الطاقة تضع مصير الدولة في يد الآخرين، وهو ما يخالف مبدأ "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" (المنافقون: 8). أوروبا تعلمت هذا الدرس بمرارة عندما قطعت روسيا إمدادات الغاز، والتاريخ الإسلامي يحدثنا عن اهتمام المسلمين بتأمين مصادر المياه والوقود، فكانوا يحفرون الآبار ويؤمنون طرق الإمداد حتى لا يقعوا تحت رحمة الأعداء.
التبعية المالية عبر القروض الربوية تسلب الدولة حريتها، وهذا بالضبط ما حذّر منه الإسلام في تحريم الربا، "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" (البقرة: 275). فالربا لا تدمر الأفراد فحسب، بل تدمر استقلالية الدول أيضا. صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يفرضان شروطا قاسية على الدول المدينة تشبه ما كان يفعله المرابون مع المدينين في الجاهلية.
الحصار الاقتصادي الشامل كسلاح لإجبار الشعوب على التنازل، وقد جرّبه المسلمون في صدر الإسلام. حصار قريش للمسلمين في شِعب أبي طالب استمر ثلاث سنوات، وكان الهدف إجبار بني هاشم على تسليم النبي ﷺ أو التخلي عن حمايته. لكن صمود المسلمين وتماسكهم الاقتصادي والاجتماعي أفشل هذا الحصار، مما يؤكد أهمية الاستعداد المسبق والاكتفاء الذاتي.
والأخطر من ذلك كله أن هذه التبعيات مترابطة ومتداخلة، فالضعف في قطاع يؤدي للضعف في القطاعات الأخرى، مما يخلق حلقة مفرغة تزيد من التبعية. وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" (النساء: 141). فالسبيل الاقتصادي من أخطر أنواع السيطرة التي يجب على المؤمنين تجنبها وإغلاق أبوابها.
مبادئ السيادة الاقتصادية في الإسلام
الإسلام لم يترك قضية الاستقلال الاقتصادي للاجتهادات الفردية أو الصدف التاريخية، بل وضع مبادئ واضحة تبدأ من علاقة الإنسان بالأرض التي يعيش عليها. "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض" (فاطر: 39). هذه الآية تحمل أكثر من مجرد تشريف، إنها تكليف بمسؤولية عظيمة. فالله جعل في أرض مصر النيل والغاز الطبيعي والموقع الاستراتيجي وملايين الأيدي العاملة. والاستخلاف يعني أن كل موارد الأرض أمانة في أعناقنا، وأن إهمال تنميتها واستغلالها الأمثل تفريط في هذه الأمانة أمام الله.
وهذا المفهوم ليس نظريا فحسب، فعندما فتح المسلمون مصر، لم يكتفوا بجمع الجزية، بل عملوا على تطوير نظام الري وتحسين الزراعة وتنمية التجارة، لأنهم فهموا أن الاستخلاف يعني التطوير والتحسين المستمر.
ويأتي مبدأ "اليد العليا خير من اليد السفلى" (البخاري ومسلم)، ليمثل فلسفة شاملة تحكم علاقة المسلم والأمة المسلمة بالآخرين. اليد العليا هي القادرة على العطاء والمساعدة، والأمة القادرة على إطعام غيرها وتقديم المساعدة أقوى وأكرم من الأمة التي تحتاج باستمرار لمن يطعمها ويساعدها. وهذا لا يعني الانعزال أو رفض التعاون الدولي، بل يعني أن نكون في موقع الند للند عند التفاوض، لا في موقع الضعيف الذي يقبل الشروط مهما كانت مجحفة.
والتاريخ الإسلامي مليء بالأمثلة على هذا المبدأ، فالدولة الأموية والعباسية كانتا قوتين اقتصاديتين عالميتين، ولم تكونا تعتمدان على استيراد احتياجاتهما الأساسية، بل كانتا مصدرتين للعلم والسلع والخدمات للعالم كله.
فمبدأ التخطيط العلمي الجاد الذي يمثله الحديث الشريف "اعقلها وتوكل" (الترمذي) يلخص منهجية إسلامية متكاملة في التعامل مع التحديات. النبي لم يكتفِ بقول "توكل على الله"، بل أضاف "اعقلها". في الاقتصاد، هذا يعني أن التخطيط الاستراتيجي والدراسات الاقتصادية والإعداد للمستقبل ليس مجرد حكمة دنيوية، بل عبادة يؤجر عليها المسلم.
وقصة يوسف عليه السلام تجسد هذا المبدأ عمليا، فلم يكتفِ بتفسير الرؤيا، بل وضع خطة استراتيجية مفصلة لمواجهة سنوات القحط، تشمل الإنتاج والتخزين والتوزيع وإدارة الأزمات.
وهذا التخطيط والعمل يجب أن يحقق مصلحة الجميع، لا فئة محدودة من النخبة الاقتصادية أو السياسية، فالاستقلال الاقتصادي لن يتحقق إذا كانت ثماره محصورة في قلة قليلة بينما الأغلبية تعاني من الفقر والحاجة. الإسلام يؤكد أن منافع التنمية يجب أن تصل لكل طبقات المجتمع: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" (الحشر: 7). هذا المبدأ ليس مجرد عدالة اجتماعية مرغوبة، بل ضرورة اقتصادية ملحة، فالطبقة الوسطى القوية والواسعة هي أساس أي اقتصاد مزدهر ومستقل.
وكل هذا في النهاية يهدف لتحقيق هدف أساسي وضروري: حفظ النفس، التي هي إحدى الضروريات الخمس في الإسلام التي جاءت الشريعة كلها لحمايتها. والأمن الغذائي والدوائي والاقتصادي جزء أساسي لا يتجزأ من هذا الحفظ.
القطاعات الحيوية الأولى بالاستقلال
هذه المبادئ مجتمعة ترسم لنا خارطة طريق شرعية واضحة ومتكاملة، لكن تطبيقها على أرض الواقع يحتاج فهما عميقا للقطاعات الحيوية التي يجب التركيز عليها أولا، وترتيب الأولويات حسب درجة الأهمية والحساسية الاستراتيجية.
يأتي الأمن الغذائي في المقدمة، ليس فقط لأنه ضرورة بيولوجية، بل لأن الطعام سلاح استراتيجي قاتل. عندما ننظر إلى قصة يوسف عليه السلام، نجد أن كل الممالك المحيطة بمصر أصبحت تحت رحمة مصر اقتصاديا وسياسيا، ليس بسبب جيشها أو ذهبها، بل بسبب قمحها. "فجاءوا إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون" (يوسف: 58). فحتى إخوة يوسف، وهم أبناء أنبياء، اضطروا للمجيء إلى مصر طلبا للطعام.
والأمن الغذائي في الإسلام ليس مجرد توفير الكمية، بل توفير الطعام الطيب الحلال بأسعار معقولة للجميع. قال تعالى: "كلوا من طيبات ما رزقناكم" (البقرة: 57)، والطيب هنا يشمل الجودة والحلال والتوفر. مصر تملك من الأراضي الزراعية والمياه والمناخ والخبرة البشرية ما يكفي لتحقيق اكتفاء ذاتي في معظم المحاصيل الأساسية، لكن هذا يتطلب ثورة حقيقية في أساليب الزراعة والري والتسويق.
وبنفس المنطق، تأتي الطاقة كقطاع حيوي ثان، فالحضارة الحديثة تقوم على الطاقة، والدولة التي لا تتحكم في مصادر طاقتها لا تتحكم في مصيرها. مصر اليوم تملك اكتشافات غاز طبيعي ضخمة، وإمكانيات هائلة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وموقعا استراتيجيا يجعلها جسرا طبيعيا لنقل الطاقة بين قارات ثلاث. لكن الثروة الطبيعية وحدها لا تصنع استقلالا، بل الاستغلال الذكي لها.
أما القطاع الثالث فهو الأدوية والصناعات الطبية، وهذا قطاع يرتبط مباشرة بحفظ النفس كمقصد شرعي أساسي. جائحة كورونا كشفت بوضوح مدى خطورة الاعتماد على الخارج في الأدوية والمستلزمات الطبية، دول كبرى وغنية عجزت عن توفير كمامات لأطبائها أو أجهزة تنفس لمرضاها، لأنها اعتمدت على الاستيراد بدلا من التصنيع المحلي. "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (المائدة: 32)؛ هذه الآية تضع مسؤولية عظيمة على الدولة المسلمة في توفير كل ما يحفظ الأرواح.
وأخيرا يأتي قطاع التكنولوجيا والمعلومات، وهذا هو قطاع المستقبل بلا منازع. "وقل رب زدني علما"(طه: 114)؛ هذا الدعاء القرآني يجعل السعي للعلم والمعرفة عبادة. والعصر الحديث يشهد ثورة معلوماتية حقيقية، والدول التي لا تواكب هذه الثورة ستجد نفسها خارج التاريخ. الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء ليست مجرد تقنيات، بل أدوات قوة حقيقية تعيد تشكيل موازين القوى العالمية.
هذه القطاعات الأربعة مترابطة ومتكاملة، والنجاح في واحد منها يدعم النجاح في الآخرين.
استراتيجيات الاستقلال في التطبيق العملي
تحديد القطاعات الحيوية خطوة أولى مهمة، لكن الانتقال من التشخيص إلى العلاج يحتاج استراتيجيات عملية واضحة وقابلة للتطبيق. والإسلام لا يكتفي بوضع المبادئ النظرية، بل يقدم منهجية متكاملة للتطبيق العملي.
الاستراتيجية الأولى هي الإحلال التدريجي: وهذا المفهوم يجسد المنهج الإسلامي في التغيير الذي يراعي طبيعة البشر والواقع الاقتصادي. هذا التدرج الحكيم ينطبق على الاستقلال الاقتصادي، فلا يمكن لدولة تستورد معظم احتياجاتها من القمح أن تتوقف عن الاستيراد بين ليلة وضحاها، لأن هذا سيؤدي لمجاعة حقيقية. الإحلال التدريجي يعني وضع خطة زمنية واقعية لاستبدال الواردات بالإنتاج المحلي على مراحل، مما يضمن عدم حدوث صدمات اقتصادية.
الاستراتيجية الثانية هي الشراكات الاستراتيجية مع نقل التكنولوجيا: وهذا مفهوم يجسد التوازن الإسلامي بين الاستفادة من خبرات الآخرين والحفاظ على الاستقلالية. الإسلام لا يمنع التعلم من الآخرين، بل يشجع عليه: "اطلبوا العلم ولو في الصين" (أبو نعيم والبيهقي). لكن الفرق بين التعلم والتبعية واضح وجوهري؛ الشراكة الاستراتيجية الناجحة هي التي تضمن نقل حقيقي للتكنولوجيا والمعرفة، وليس مجرد تجميع قطع يتم استيرادها من الخارج.
الاستراتيجية الثالثة هي تطوير الصناعات المغذية والمساندة: فلا يمكن أن تنجح صناعة السيارات دون صناعة قوية للصلب والبلاستيك والإلكترونيات والمطاط. بناء سلاسل التوريد المحلية المتكاملة يعني أن كل خطوة في العملية الإنتاجية تتم داخل البلد، مما يقلل من التبعية للخارج، ويخلق فرص عمل متنوعة، ويضمن جودة المنتج النهائي.
الاستراتيجية الرابعة الخامسة ضرورة إشراك القطاع الخاص كشريك استراتيجي في عملية البناء، ليتحول مُتابع إلى قائد عبر ثلاث حلقات متداخلة: تمويلٌ ذكيٌ يُحرّك الابتكار، وابتكارٌ عمليٌ يُغذي التمكين، وتمكينٌ استراتيجيٌ يُعيد ضخّ العوائد في دورة التنمية.
الاستراتيجية الخامسة هي الاستفادة من إمكانات العالم العربي والإسلامي: "إنما المؤمنون إخوة" (الحجرات: 10)؛ هذه الآية لا تتحدث عن أخوة روحية فحسب، بل عن تعاون شامل يمتد للاقتصاد والتجارة. العالم العربي والإسلامي يضم 57 دولة وأكثر من مليار ونصف من السكان، وثروات طبيعية ضخمة. هذا السوق الهائل يمكن أن يوفر لمصر فرصا استثنائية، خاصة مع التشابه الثقافي والديني الذي يسهل التعامل التجاري.
تجارب إسلامية ملهمة
التاريخ الإسلامي يقدم أعظم نموذج للاستقلال الاقتصادي في تجربة المدينة المنورة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أول نموذج تاريخي للاكتفاء الذاتي الإسلامي.
عندما هاجر المسلمون إلى المدينة، كانوا فقراء معتمدين على مساعدة الأنصار. لكن النبي لم يكتفِ بهذا الوضع، بل عمل على بناء اقتصاد مستقل؛ أسس سوق المدينة كبديل عن أسواق قريش، وشجع الحرف والصناعات، وطور الزراعة، وأقام تحالفات تجارية مع القبائل المجاورة. الأهم من ذلك أن النبي وضع أسسا أخلاقية للتعامل التجاري لا تزال صالحة حتى اليوم: الصدق في البيع والشراء، والوفاء بالعقود، وتحريم الغش والاحتكار، والعدالة في الأسعار.
هذه القيم خلقت بيئة تجارية موثوقة جذبت التجار من كل المناطق المجاورة، وحولت المدينة في زمن قياسي من مجتمع زراعي بسيط إلى مركز تجاري مزدهر. والدرس العظيم أن النبي حقق الاكتفاء الذاتي دون انعزال عن العالم، فقد استمرت التجارة مع الشام واليمن والحبشة، لكن من موقع قوة وليس ضعف.
وفي العصر الحديث، تقدم ماليزيا أوضح نموذج لكيفية تحويل الهوية الإسلامية من عائق مزعوم إلى محرك حقيقي للنمو. في السبعينيات، كانت ماليزيا دولة زراعية فقيرة تعتمد على تصدير المطاط وزيت النخيل، اليوم، هي قوة صناعية وتكنولوجية تنتج السيارات والحاسوب والهواتف الذكية وتصدرها للعالم. السر لم يكن في التخلي عن الإسلام، بل في فهمه بطريقة عصرية تشجع على العلم والابتكار والتطوير.
الدكتور مهاتير محمد كان يردد دائما أن الإسلام يأمر بطلب العلم ويحث على الإتقان والإحسان في العمل، وهذه هي أسس التقدم التكنولوجي. النتيجة أن ماليزيا طورت صناعات متقدمة، ونجحت في تطوير قطاع مالي إسلامي متقدم، وحولت كوالالمبور إلى مركز عالمي للتمويل الإسلامي.
التحديات وكيفية تجاوزها
تحقيق الاستقلال الاقتصادي ليس طريقا مفروشا بالورود، بل مليء بالتحديات الحقيقية، لكن الإسلام يقدم منهجية متكاملة لمواجهة هذه التحديات.
التحدي الأول هو النقص في رؤوس الأموال اللازمة للاستثمارات الضخمة. لكن الإسلام يقدم نموذجا فريدا للتمويل من خلال نظام الزكاة والوقف والصكوك الإسلامية. الزكاة ليست مجرد صدقة، بل نظام اقتصادي متكامل لإعادة توزيع الثروة وتمويل التنمية. والتمويل الإسلامي القائم على المشاركة والمضاربة، حيث المخاطر والأرباح مشتركة، يوفر مصدرا رائعا للتمويل لكل أطرافه.
التحدي الثاني هو الفجوة التكنولوجية الكبيرة مع الدول المتقدمة. لكن الإسلام يحث على طلب العلم والاستفادة من خبرات الآخرين دون عقدة نقص. المطلوب هو تطوير استراتيجية ذكية لاستقطاب العلماء والخبراء، وإرسال البعثات العلمية للخارج، وإقامة شراكات بحثية مع الجامعات العالمية، لكن مع الحفاظ على الهدف الأساسي وهو بناء القدرات المحلية.
التحدي الثالث هو مقاومة المصالح المتجذرة التي تستفيد من الوضع الحالي. لكن الإسلام يضع مبدأ المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة، ويحرم الفساد والاحتكار. "لا ضرر ولا ضرار"(ابن ماجه والدارقطني)، هذا المبدأ يبرر اتخاذ إجراءات حاسمة ضد من يضر بالمصلحة العامة من أجل مصلحته الخاصة.
التحدي الرابع هو ضعف التنسيق بين الدول العربية والإسلامية. هذا يتطلب تعاونا حقيقيا يتجاوز الشعارات؛ المطلوب اليوم إحياء نموذج التكامل الاقتصادي من خلال تطوير استراتيجيات عملية للتكامل: صناديق استثمارية مشتركة، ومناطق تجارة حرة حقيقية، وتنسيق السياسات في القطاعات الحيوية.
وفي الختام، فإن مصر تقف على مفترق طرق تاريخي؛ إما أن تواصل طريق التبعية الاقتصادية التي تضعف قدرتها على اتخاذ القرارات السيادية، أو أن تختار طريق الاستقلال الذي يضعها في مصاف القوى الاقتصادية العالمية.
الموارد بكل مكوناتها متوفرة ما ينقص هو الإرادة السياسية التي تضع المصلحة طويلة المدى فوق المكاسب قصيرة الأمد، والثقة بأن القيم الإسلامية ليست عائقا أمام التقدم، بل هي محرك حقيقي له.
الطريق لن يكون سهلا، والتحديات حقيقية، لكن التاريخ يعلمنا أن الأمم التي تؤمن برسالتها وتتمسك بقيمها وتعمل بجد وإخلاص قادرة على تحقيق المعجزات. مصر فعلت هذا من قبل في عهد يوسف عليه السلام، وفي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وهي قادرة على فعله مرة أخرى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الاستقلال الاقتصادي مصر التكنولوجيا مصر اقتصاد تكنولوجيا امن استقلال قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة رياضة مقالات سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستقلال الاقتصادی یوسف علیه السلام لکن الإسلام هذا المبدأ لیس مجرد یعنی أن
إقرأ أيضاً:
الحزبية في الإسلام
#الحزبية في #الإسلام
مقال : 11 / 8/ 2025
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
بعض الساعين الى تفريغ الدين من مضامينه التفاعلية مع حياة الناس يردد مقولات مفضوحة المغزى، مثل “الدين طهرانية ونقاء يجب إبعاده عن السياسة لضمان عدم تلوثه”، أو “السياسة لا أخلاق فيها والدين أخلاق فلا ينسجمان”.
كل تلك الأقاويل كلام حق يراد به باطل بهدف إبعاد الدين عن الحكم، وإبقائه تراثا تاريخيا بائدا، أو مجرد طقوس تعبدية فردية لحالة فلسفية جمالية، وذلك لأجل استفراد الحاكم بالسلطة، واستغلاله لمزاياها بلا رقابة شرعية ولا شعبية.
فلماذا تكون السياسة أصلا ميدانا لممارسة الرذائل؟، ولماذا يفترض تقبل سياسيين بلا أخلاق؟، أليس المفترض أنهم من اختيار الشعب وأنهم خيارهم وصفوتهم!.
إنهم ما اصطبغوا بهذه الرذائل فعلا، فأصبعت السياسة نقيضا للأخلاق، إلا لأنهم كانوا نتاج خديعة إسمها الديمقراطية التي اعتقد الناس أنها تعني حكم الشعب لنفسه باختياره لممثليه، وقبول الأقلية لرأي الأغلبية، لكنها في الحقيقة تمثيلية سمجة وادعاء كاذب بالنزاهة والانصياع لرأي الشعب، بل هي في حقيقتها رأي أصحاب المال والنفوذ الذين يتحكمون في ضبط مخرجات هذه العملية بما يحفظ مصالحهم.
لقد بين الدين المباديء الأساسية لنظام الحكم من غير أن يحدد النظام السياسي، حيث ترك ذلك لمستجدات الزمان وخصوصية كل عصر، لكن ضمانة صلاح ذلك النظام تتأتى من التزامه بتلك الأسس التي تضمن تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد الرعية المسلم منهم وغير المسلم، وتحقيق الكفاية لاحتياجاتهم.
هذه هي المواصفات المطلوبة في حاكم الدولة الإسلامية، وبناء على تزكية لجنة الحكماء (أهل العقد والحل)، وليس بناء على برنامج انتخابي يعرض فيه منهجه الذي سيطبقه، فليس هنالك برامج فكرية سياسية متباينة تتنافس على نيل ثقة الناخبين، لأن المنهج موحد ومحدد ونصوصه هي الشرع الإسلامي، لذا فبرنامج المترشح ووعوده تقتصر على الآليات والوسائل، فليس هنالك تفاضل بين شخص وآخر مرشح لتولي الحكم إلا بمقدار مواصفاته الشخصية وقدراته الذاتية التي تفي بالمتطلبات الآنفة.
لقد قدم الإسلام النموذج القدوة في الحكم وهو الدولة الراشدية، والتي بناها المعلم الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنة لبنة لتكون لمن بعده وإلى يوم الدين المثال الذي يحتذى، وتسلمها من بعده أبوبكر ثم عمر ودامت هذه الحالة الأمثل في كل التاريخ البشري ثلاثة عشر عاماً، ثم حدثت الفتنة ونشبت الصراعات فانحرفت، لذا يبقى النموذج الأمثل محصورا بهذه الفترة الزمنية، وما بعد ذلك تفاوت اقترابها منه وتباين.
السؤال: يقول البعض بأن التحزب في الاسلام مرفوض، فهل ذلك صحيح؟
في الظروف القائمة لا توجد في ديار المسلمين دولة اسلامية، لأنه لا يمكن أن تسمح القوى النافذة بقيامها، لأن ذلك يعني نهضة الأمة، لذلك من السذاجة الإعتقاد بسهولة تحقق ذلك بالرغبة الشعبية فقط، لا بد من نضال سلمي لوصول نخبة مؤمنة بهذا المشروع الى الحكم وتغييره من العلمانية الى الاسلام، وذلك لا يتحقق بغير العمل التعبوي المنظم، المسمى بالإسلام الحركي، أي التحرك التنظيمي من قبل من يؤمنون بالله، وبضرورة تطبيق منهجه الذي أنزله، وذلك الهدف هو امتثال لرأي الأغلبية الشعبية الساحقة، بدليل أنها انتخبت هؤلاء بناء على برنامجهم المعلن بأن تلتزم السلطة الحاكمة بتطبيق منهج الله، وهو ما يسمى إقامة الدولة الإسلامية.
بعد قيام الدولة واختيار الحاكم من قبل أهل العقد والحل، يكون العمل السياسي المنظم (الأحزاب) محصورا بالتنافس لشغل المناصب الإدارية في الدولة، وليس لطرح برامج بديلة لمنهج الله.
قد يقول قائل: أليس في ذلك تعسف وقمع لحرية التفكير، وفرض منهج على الناس قد يرفضه بعضهم؟.
قطعا ليس الأمر كذلك، فالدولة الاسلامية تقام في ديار الأسلام، ولا تفرض على المجتمعات غير المؤمنة، وأما الأقليات الموجودة، فحقوقهم محفوظة كمواطنين، ومنها احترام معتقداتهم، بالمقابل فلا يحق لهم فرض قناعاتهم على الأغلبية، وهذا عرف في كل الأنظمة الديموقراطية، إذ يوضع الدستور وفق معتقد الأغلبية، ولا يحق تشكيل أحزاب ترفض الانصياع لأحكامه.
إذاً فالحرية الفكرية متاحة ضمن منهج الله، فالباب مفتوح لكل مجتهد، وحرية نشر فكره والدعوة له متاحة وبكل الوسائل.
من هنا فالعمل الحزبي أو تشكيل الفرق والجماعات مسموح بها ضمن الضوابط الشرعية والآخلاقية العامة