الاتحاد الأفريقي في جنوب السودان لإنقاذ السلام الهش
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
جوبا- اختتم وفد من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، أمس الثلاثاء، زيارة استمرت 3 أيام إلى العاصمة جوبا، أكد خلالها دعمه لمسار السلام الهش في جنوب السودان والتحضيرات الجارية للانتخابات المرتقبة.
وجاءت الزيارة، التي ترأسها السفير الجزائري محمد خالد بصفته رئيس المجلس لأغسطس/آب الجاري، وسط انتقادات من مراقبين اعتبروا أن المحادثات لم تتطرق بما يكفي إلى الأزمات السياسية المتفاقمة، بما في ذلك حالات الاعتقال ذات الدوافع السياسية.
وشدد الوفد الزائر من الاتحاد الأفريقي في بيان صحفي، على ضرورة التنفيذ الكامل للمهام المتبقية في اتفاق السلام المُنشَّط، ودعا إلى وقف إطلاق نار دائم، وحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني.
تأكيد الانتخاباتوأعرب المجلس عن دعمه الثابت لتنظيم الانتخابات في ديسمبر/كانون الثاني 2026، والتي ستشكل نهاية الفترة الانتقالية في جنوب السودان، داعيا لحوار سياسي شامل على مستوى رفيع بين القادة السياسيين للتوصل إلى حل ودي للوضع السياسي الراهن في البلاد.
واختتم البيان بالتأكيد على أن المهمة الميدانية لمجلس السلم والأمن تأتي تعبيرا عن تضامن الاتحاد الأفريقي مع شعب جنوب السودان، بهدف تشجيع الأطراف المعنية وقادة جنوب السودان على إنهاء الصراع وضمان إتمام الفترة الانتقالية بنجاح".
وأجرى المجلس سلسلة مشاورات واسعة شملت رؤساء مفوضية الانتخابات ولجنة المراجعة الدستورية، وممثلين عن المنظمات الدينية والمجتمع المدني ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، إلى جانب دول الترويكا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج)، والاتحاد الأوروبي، وبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان.
وشملت المحادثات أيضا مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، واللجنة المعاد تشكيلها للرصد والتقييم المشترك، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، فضلا عن وزراء في الحكومة وأعضاء بارزين من لجنة إدارة الفترة الانتقالية.
وأعرب المجلس خلال لقائه رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير ميارديت، عن قلقه إزاء بطء تنفيذ البنود الرئيسية في الاتفاق، وخاصة تنظيم الانتخابات لإنهاء الفترة الانتقالية، وأشاد بالالتزام الذي أبداه الموقّعون على عملية الانتقال.
إعلانوالتقى الوفد الزائر من الاتحاد الأفريقي أيضا بممثلي تنظيمات المجتمع المدني في جنوب السودان، الذين قدموا رؤيتهم ومقترحاتهم للخروج من الأزمة السياسية والأمنية والإنسانية في البلاد.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة "تمكين المجتمع من أجل التقدم" (سيبو)، إدموند ياكاني، في تصريح صحفي، إن الوفد استمع إلى مداخلات ممثلين عن الشباب والنساء ورجال الدين وأصحاب المصلحة، تضمنت مقترحات بعقد اجتماع شامل يضم جميع الأطراف الموقعة على اتفاق السلام المُنشَّط، والإفراج عن جميع المعتقلين، بمن فيهم النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية في المعارضة رياك مشار، لضمان مشاركتهم في هذا اللقاء.
وأشار ياكاني إلى أن تلك التنظيمات طرحت خلال الاجتماع جملة من التوصيات التي تهدف لتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار والعدائيات في جميع أنحاء البلاد لمعالجة الأزمة الإنسانية، والتأكيد على أهمية إجراء الانتخابات باعتبارها الحل الأمثل لإنهاء الأزمة السياسية، مع دعوة الاتحاد الأفريقي لدعم المفوضية القومية للانتخابات وبناء قدراتها الفنية لضمان تنظيم انتخابات حرة ونزيهة.
من جهتها أعربت الحركة الشعبية عن خيبة أملها من إلغاء وفد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي اجتماعا كان مقررا بين ممثليها والوفد في السادس من أغسطس/آب الجاري.
وأكد نائب رئيس الحركة أويت ناثانيال في رسالة إلى رئيس الوفد بالقول إن "إلغاء الاجتماع يمثل غيابا للإرادة السياسية"، مشيرا إلى أن النتائج المتوقعة من لقاء الوفد مع مؤسسة الرئاسة في جوبا لن تعكس موقف المعارضة، وأنها لا ينبغي أن تُشكل أساسا لأي قرار بشأن عملية السلام في البلاد.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أجو لول أن تنفيذ اتفاق السلام المنشط يواجه صعوبة، خاصة بعد محاولة انقلاب داخل الحركة الشعبية في المعارضة لتعيين قيادة جديدة بديلة لمشار، ما يعقد مهمة وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي في التفاوض مع الحكومة حول مسار جديد للاتفاق.
تهم قضائية
وأضاف لول في حديثه للجزيرة نت أن رياك مشار يواجه تهما أمنية وقانونية قد تعيق الإفراج عنه، وإذا لم تثبت هذه التهم، فقد تواجه الحكومة تداعيات من الاتحاد الأفريقي تصل إلى فرض عقوبات محتملة، بما في ذلك إسقاط العضوية، كما حدث مع السودان الشمالي سابقا.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي جورج وحيد الله أن جهود الاتحاد الأفريقي تواجه عقبات كبيرة بسبب مقاومة الحكومة ورفضها إطلاق سراح مشار، وهذا يعقد استقرار المشهد السياسي.
وقال وحيد الله في حديثه للجزيرة نت "أعتقد أن مقاومة الحكومة لجهود الاتحاد الأفريقي قد أعاقت المهمة، كما أن منع الوفد من لقاء رياك مشار سيزيد من تعقيدات المشهد السياسي، كما أن رفض المعارضة المضي في الترتيبات الأمنية قبل إطلاق سراحه يضع الاستقرار في موقف صعب".
وأضاف "تحتاج الحكومة للمرونة لإنقاذ الاتفاق، وعدم الاستجابة لمبادرات الاتحاد الأفريقي يشير إلى ضعف الإرادة السياسية، ويجب إعطاء أولوية لإرادة المواطنين في تحقيق السلام في جنوب السودان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات من الاتحاد الأفریقی الفترة الانتقالیة فی جنوب السودان السلم والأمن
إقرأ أيضاً:
اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا.. صفحة جديدة في تاريخ جنوب القوقاز
في 8 أغسطس/آب 2025، شهد البيت الأبيض توقيع اتفاق سلام "تاريخي" بين أذربيجان وأرمينيا، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وضع حدا لأطول نزاع عرفته منطقة القوقاز منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وحضر مراسم التوقيع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، في خطوة وصفت بأنها "تحول إستراتيجي" في المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
السياق التاريخييعود النزاع بين أذربيجان وأرمينيا إلى أوائل تسعينيات القرن الـ20، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز النزاع على إقليم ناغورني قره باغ ذي الأغلبية الأرمينية داخل الأراضي الأذرية، والذي دعمت أرمينيا انفصاله عن أذربيجان.
وفي عام 1992 اندلع أول نزاع مسلح واسع النطاق بين الطرفين، وانتهى عام 1994 باتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية، وبقي الإقليم والمناطق المحيطة به تحت سيطرة القوات الأرمينية، إلا أن التوتر ظل قائما رغم الهدنة، إذ استمرت مناوشات متفرقة على مدى عقدين.
وفي أبريل/نيسان 2016، شهدت المنطقة ما عُرف بـ"حرب الأيام الأربعة"، وهي مواجهة عسكرية عنيفة أسفرت عن مئات القتلى وأعادت النزاع إلى واجهة الاهتمام الدولي، قبل أن يشهد الصراع منعطفا خطيرا خريف عام 2020 عندما اندلعت حرب استمرت 44 يوما، وانتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، سمح لأذربيجان باستعادة مساحات واسعة من إقليم ناغورني قره باغ والمناطق المحيطة به، مع نشر قوات حفظ سلام روسية في المنطقة.
ورغم هذا الاتفاق استمرت الاشتباكات الحدودية بين عامي 2021 و2022 وسط تبادل الاتهامات بخرق الهدنة. وفي سبتمبر/أيلول 2023 نفذت أذربيجان عملية عسكرية خاطفة في ناغورني قره باغ دفعت جميع الأرمن المتبقين في الإقليم البالغ عددهم 100 ألف تقريبا إلى الفرار لأرمينيا، وأدت إلى استسلام القوات الأرمنية المحلية وانسحابها، ما أتاح لباكو فرض سيطرة كاملة على الإقليم.
وعمّق هذا التحول الميداني فجوة الخلافات السياسية بين البلدين وأبقى حالة العداء قائمة. وبعد ذلك تصاعدت الضغوط الأميركية والأوروبية لدفع الطرفين نحو حل نهائي للصراع بينهما.
إعلانوتُوجت تلك الجهود في الثامن من أغسطس/آب 2025 بتوقيع اتفاق سلام وصف بـ"التاريخي" في واشنطن برعاية أميركية، أنهي رسميا أكثر من 3 عقود من النزاع المسلح والعداء السياسي بين أذربيجان وأرمينيا.
وساطات سابقةمنذ اندلاع النزاع المسلح بين أرمينيا وأذربيجان مطلع تسعينيات القرن الـ20، شكلت الوساطات الدولية أداة رئيسية لمحاولة احتواء الصراع.
وساطة روسيةوكانت أولى هذه الجهود في عام 1994 بوساطة روسية، أسفرت عن توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في موسكو، نجح في إنهاء الحرب الأولى بين الطرفين، إلا أنه لم يضع أساسا لتسوية نهائية للصراع.
وظلت الوساطة الروسية حاضرة بقوة في الكثير من المحطات التفاوضية بين الطرفين، في إطار مجموعة مينسك التي تم تأسيسها لهذا الهدف.
دور مجموعة مينسكوبرز دور مجموعة مينسك (أسستها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1992) برئاسة ثلاثية تضم كلا من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا أواخر العقد الأخير من القرن العشرين.
تبنت المجموعة مبادرات عدة لتسوية النزاع، فقدمت من أجل ذلك في عام 1997 مقترحين متوازيين، تمثل الأول فيما سمي بـ"خطة الخطوات المتتابعة"، ودعت من خلاله إلى انسحاب تدريجي للقوات الأرمينية من المناطق المحيطة بالإقليم، مقابل خطوات لبناء الثقة وترك مسألة الوضع النهائي لمرحلة لاحقة.
أما المقترح الثاني فهو "الحزمة الكاملة" واقترحت بموجبه حلا شاملا يحدد الوضع السياسي للإقليم بالتوازي مع الانسحاب العسكري، إلا أن أيا من المقترحين لم يكن محل اتفاق بين الطرفين.
وفي الإطار نفسه جرت مفاوضات "كي ويست" في فلوريدا عام 2001 برعاية أميركية، وطُرح آنذاك مقترح جديد يقضي بتبادل أراض ومنح الإقليم المتنازع عليه وضعا خاصا داخل أذربيجان بضمانات دولية، إلا أن المفاوضات تعثرت متأثرة بضغوط داخلية تمثلت أساسا في الرفض الشعبي في كلا البلدين لأي تنازلات.
وفي 2007 عادت المجموعة وطرحت مبادرة أخرى عرفت بـ"مبادئ مدريد"، وأصبحت الإطار الأكثر تداولا في جهود الوساطة بين الطرفين، واقترحت المبادرة إعادة المناطق المحيطة بالإقليم إلى أذربيجان، وضمان ممر يربطها بأرمينيا، وتحديد الوضع النهائي عبر استفتاء أو آلية قانونية، إضافة إلى توفير ضمانات أمنية لعودة اللاجئين.
وجرى تحديث لهذه المبادئ عام 2009، أضيفت بموجبه ترتيبات أمنية ونشر قوات حفظ سلام، لكنها بقيت دون تنفيذ حتى انهارت المفاوضات إثر حرب 2020.
في أبريل/نيسان 2016، وبعد "حرب الأيام الأربعة"، تدخلت روسيا مجددا عبر محادثات في موسكو وفيينا، لكنها اكتفت بإعادة تثبيت وقف إطلاق النار من دون معالجة القضايا السياسية العالقة.
وبعد حرب 2020، قادت موسكو وساطة مباشرة أسفرت عن اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، تضمن انتشار قوات حفظ سلام روسية في الإقليم، إلا أن هذا الإجراء لم يمنع تجدد الاشتباكات لاحقا.
دور تركيوفي ظل تراجع دور مجموعة مينسك وفقدان الثقة في الوساطة الروسية، بدأت تركيا في لعب دور داعم لأذربيجان، في حين ظلت محاولات الاتحاد الأوروبي محدودة التأثير.
وبعد سيطرة أذربيجان الكاملة على ناغورني قره باغ في سبتمبر/أيلول 2023، دخل النزاع مرحلة جديدة جعلت التسوية الشاملة أكثر إلحاحا، إلا أن غياب إطار وساطة موحد يلقى قبول الطرفين معا أبقى الوضع معلقا.
إعلان وساطة أميركيةاستمر الوضع كذلك إلى أن فرضت الولايات المتحدة نفسها وسيطا رئيسيا لحل النزاع عام 2025، مستفيدة من ضعف حضور روسيا بسبب انشغالها بالحرب على أوكرانيا، ورغبة الطرفين في كسر الجمود الذي طبع الملف لسنوات.
تُوجت هذه الجهود بتوقيع اتفاق السلام في واشنطن يوم 8 أغسطس/آب 2025، والذي أنهى رسميا حالة الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 عقود.
أبرز بنود اتفاق السلاميتكون اتفاق السلام بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا من 8 بنود رئيسية، وفيما يلي أبرز مضامينه:
وقف شامل ودائم للأعمال العدائية، والتزام الطرفين بإنهاء كل أشكال القتال والامتناع عن أي أعمال عسكرية أو استفزازية عبر الحدود. إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وفتح السفارات والقنصليات، واستئناف العلاقات الرسمية بعد انقطاع دام عقودا. احترام الحدود والسيادة واعتراف متبادل بالحدود المعترف بها دوليا، وعدم المطالبة بأراض خارجها. فتح ممر زنغزور الذي سمي بـ "طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي" ، وهو ممر بري يربط أذربيجان بإقليم نخجوان الأذري عبر الأراضي الأرمينية، والاتفاق على خضوعه لإشراف أميركي مدة 99 عاما. الانسحاب من مجموعة مينسك وإنهاء دورها التفاوضي في النزاع. تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة في مجالات الدفاع والتدريب العسكري. إطلاق مشاريع اقتصادية وبنى تحتية مشتركة للنقل والطاقة والاتصالات تربط جنوب القوقاز بتركيا وآسيا الوسطى وأوروبا. تشكيل لجنة أميركية-أذرية-أرمينية مشتركة للإشراف على تنفيذ الاتفاق وتسوية أي خلافات قد تنشأ.