أوروبا ومخاطر الحرب المستعرة ضد المهاجرين
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
غداة انتخابه مستشارا لألمانيا، اعترف فريديريش ميرتس، في كلمته أمام البرلمان الألماني "البوندستاغ"، بأن بلاده لن يمكنها الصمود ليوم واحد في غياب المهاجرين الذين يعود لهم الفضل في تماسك المؤسسات الاقتصادية والصحية. لكنه تراجع خطوة إلى الوراء عقب مفاوضات تكوين الائتلاف الحكومي وتبنى مع حلفائه حزمة من القيود ضد المهاجرين وطالبي اللجوء.
وعلى مدى الأشهر الأولى لعام 2025 انتشرت حمى سياسات الترحيل، سواء في ألمانيا أو إيطاليا وفرنسا، وحتى دول العبور -التي تمثل الوجهة الأولى لحركة الهجرة في البحر المتوسط- لم تتخلف بدورها عن ركب الحملة المضادة للهجرة.
وفي شمال أفريقيا التي ينظَر لها كحدود متقدمة للاتحاد الأوروبي، تقوم السلطات الأمنية في ليبيا وتونس والجزائر بردّ المهاجرين على أعقابهم وسط البحر المتوسط حتى لا يصلوا إلى الحدود الأوروبية، وهو الطريق المصنف كأخطر مسار بحري على حياة المهاجرين.
وفي مشاهد يومية متكررة، يواصل خفر السواحل الليبي منع إبحار قوارب المهاجرين، وسط شكاوى حقوقية دولية من عمليات اختطاف منظمة لمهاجرين كرهائن.
وتشن تونس حملة أمنية لتفكيك خيام عشوائية تؤوي أكثر من 10 آلاف مهاجر في المناطق الريفية المحيطة بصفاقس على الساحل الشرقي، بينما رحّلت الجزائر في أبريل/نيسان وحده قرابة 5 آلاف مهاجر عبر الصحراء الى الحدود مع النيجر.
يشير آخر تحديث لبيانات منصة برنامج "مهاجرون مفقودون"، التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، إلى وفاة وفقدان 490 مهاجرا في البحر الأبيض المتوسط العام الجاري حتى يوم 26 أبريل/نيسان، من بينهم 307 ضحايا في وسط البحر المتوسط.
إعلانلا تتوقف المأساة عند موت ضحايا "الحدود القاتلة"، على حد وصف المنظمات المدافعة عن حرية التنقل في حوض المتوسط، بل تشمل أيضا من قضوا سنوات طويلة من حياتهم داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد حصلت الجزيرة نت على شهادات لمرحّلين من مركز "تراباني" جنوب إيطاليا توثق عمليات تعذيب ممنهجة، وجاء في شهادة المرحل التونسي وِسام، بعد إقامة استمرت لنحو 15 عاما، أن المرحلين المستعصين يخضعون إلى التخدير لتسهل السيطرة عليهم بجانب الضرب والرش بالمياه في مركز الترحيل، الذي شهد محاولات انتحار لموقوفين احتجاجا على قرارات الترحيل.
لا يخفي وسام -الذي ترك ابنة له في إيطاليا- صدمته مما شاهده من ممارسات في مركز "تراباني"، ومع ذلك، يعيش في تونس حالة إحباط شديدة حيث سيضطر للبدء من الصفر.
وعلى العكس من ذلك، اختار الشاب نبيل ترول، الذي التقته الجزيرة نت بضواحي العاصمة تونس، مسارا قضائيا لطلب العودة إلى ألمانيا بعد ترحيله رغم زواجه من ألمانية وإنجابه لطفلين.
ويشير العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخبير في قضايا الهجرة، رمضان بن عمر، للجزيرة نت إلى أن الاتحاد الأوروبي يتّبع سياسات تصدير الحدود وإعادة القبول كحل للتخلص من مهاجرين قضوا سنوات طويلة من حياتهم في فضاء "شنغن"، دون الاكتراث بالتداعيات غير الإنسانية.
ويضيف بن عمر أن المرحلين يفتقدون دائما إلى الدعم القانوني الكافي الذي يسمح لهم بالطعن في قرارات الترحيل.
ووفق بيانات نشرها البرلمان الألماني (بوندستاغ)، رحّلت ألمانيا منذ عام 2018 أكثر من 1780 مهاجرا تونسيا عبر 74 رحلة. وهذا العام تنطلق رحلة منتظمة كل شهر من المطارات الألمانية نحو تونس تقل ما بين 20 و30 مهاجرا، وينسحب الأمر نفسه على دول أخرى مثل العراق وأفغانستان.
وقد بلغ إجمالي من تم ترحيلهم من ألمانيا في عام 2024 أكثر من 20 ألفا، مقابل ما يفوق 21 ألفا تم ترحيلهم من فرنسا، ما يمثل زيادة بنسبة 27% عن العام الذي سبقه، وفقا لبوندستاغ.
إعلان كلفة الأبواب المغلقةتقع دول الاتحاد الأوروبي تحت ضغط معالجة مشكلة الشيخوخة الديمغرافية ونقص العمالة الهيكلية، لكن هذه الضغوط تصطدم بأولوية السيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية التي تسهر على تنفيذها الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) منذ عام 2004 تحت ضغط قطاعات من الرأي العام ومن اليمين المتطرف، الذي يعتبر الهجرة تهديدا لمجتمعه وما تبقى من إنجازات دولة الرفاهية.
لكن سياسة الأبواب المغلقة كانت لها كلفة مباشرة، ففي عام 2024 أحصى الاتحاد الأوروبي نقصا في العمالة في نحو 40 مهنة، مشيرا إلى نقصٍ كذلك يناهز الثلثين لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة.
مع ذلك، غض قادة دول التكتل الطرف عن تلك البيانات وفضّلوا ركوب الموجة وفرض المزيد من القيود على حركة الهجرة، في ذروة تفشي خطاب اليمين المتطرف الذي رافق الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
وترجع الخبيرة في قضايا الهجرة بمجلس العلاقات الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي، كيلي بيتيليو، أسباب هذه الموجة المتزامنة إلى خلفيات سياسية ترتبط أساسا بصعود اليمين المتطرف في أرجاء أوروبا.
وتوضح بيتيليو ذلك في حديثها للجزيرة نت قائلة إن "الحكومات تحاول مواجهة اهتمام الناخبين المتزايد بأجندات هذه الأحزاب، بإعلان مواقف أكثر صرامة تجاه أزمة الهجرة، وإظهار قدرتها على التشدد في التعامل مع هذا الملف بهدف طمأنة الناخبين".
وتتابع كيلي بيتيليو في تعليقها للجزيرة نت: "حاولتْ دول الاتحاد الأوروبي معالجة هذا الأمر من خلال قمع هؤلاء الأشخاص وإظهار قدرتها على ترتيب أمورها الداخلية. لكن من جهة أخرى، هذه السياسة -أي حملات الترحيل- لا يمكن اعتبارها إستراتيجية إزاء معالجة نقص العمالة الموجود بالفعل في العديد من الدول الأوروبية".
تحولات ديمغرافية في الأفقفي الأثناء، أقرت الحكومة اليمينية في إيطاليا -الدولة الأوروبية الأكثر عرضة لتدفقات الهجرة عبر البحر المتوسط- بحاجة البلاد إلى قرابة 833 ألف عامل بين عامي 2023 و2025، لسد النقص في 37 مهنة من بينها بشكل خاص قطاعات الصحة والتمريض والرعاية الصحية.
إعلانكما تشير تقديرات صادرة عن "المعهد الألماني للتنمية والاستدامة"، إلى حاجة إيطاليا لـ280 ألف عامل أجنبي سنويا حتى عام 2050 لتلبية النقص في العمالة في قطاعات الزراعة والسياحة بجانب الرعاية الصحية.
أما بالنسبة لألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، فالوضع أكثر تعقيدا، حيث ذكرت الوكالة الاتحادية للعمل، أن البلاد بحاجة لنحو 400 ألف مهاجر سنويا في ظل المخاطر المتزايدة للانكماش السكاني.
وتوقعت دائرة الإحصاء المركزية الألمانية تراجع عدد سكان ألمانيا إلى أقل من 70 مليون نسمة عام 2060 إذا ما استمر التراجع الحاد لأعداد المواليد مقابل الزيادة الملحوظة للوفيات.
ويترافق ذلك مع تقديرات بتراجع أعداد السكان من الفئة العمرية بين 20 و64 عاما، التي تمثل الفئة القادرة على العمل، من حوالي 50 مليون نسمة حاليا إلى ما بين 34 مليون نسمة و38 مليون نسمة.
ويعتقد مدير مكتب المنظمة الدولية للهجرة في نيويورك، بار ليليرت، في تعليقه على نتائج تقرير صندوق النقد الدولي لـ"آفاق الاقتصاد العالمي عام 2025" أنه يتعين على الحكومات الراغبة في وضع سياسات هجرة فعالة أن تراعي الروابط بين التنقل والتنمية، محذرا من التحولات الديموغرافية الجذرية المتوقعة في العقود المقبلة، والتي قال إنها ستتطلب إستراتيجيات استباقية لسوق العمل.
ووفق الخبير، ستستحوذ 26 دولة فقط معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، خلال العقود القادمة، على نحو 90% من النمو السكاني في العالم، بينما ستشهد 76 دولة، من بينها أغلب الدول الأوروبية، انخفاضا في عدد السكان.
الهجرة حل وليست مشكلةعلى عكس السياسات الأوروبية المضيّقة على حركة الهجرة، تعرّف منظمة الأمم المتحدة الهجرة كجزء من الحل عندما يتعلق الأمر بتعزيز نتائج التنمية المستدامة للجميع، وهي ترى ارتباطا وثيقا لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 بحركة الهجرة في العالم اعتمادا على عدة اعتبارات وحقائق موضوعية من بينها:
إعلان أن المهاجرين يتكيفون مع أسواق العمل المتغيرة وطرق العمل الجديدة. وينعكس ذلك إيجابيا على الاتجاهات الديموغرافية داخل المناطق وعبرها. أن مسارات الهجرة المنتظمة التي تتم إدارتها بشكل جيد من شأنها أن تزيد من التمويلات الموجهة للتنمية من خلال التحويلات المالية ورأس مال الشتات. أن إعادة التوطين ولم الشمل والنقل تؤدي إلى نتائج إيجابية للأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية.بحسب آخر تحديث لبيانات المنظمة الدولية للهجرة صدر في شهر مارس/آذار، يبلغ تعداد المهاجرين في العالم 304 ملايين يلعبون دورا محوريا في تعزيز اقتصادات دول المقصد. في المقابل، يكشف الوجه القاتم لحركة الهجرة عن وفاة وفقدان أثر 8.7 ملايين شخص عبر مسارات الهجرة الدولية بسبب ما يعرف بـ"الحدود القاتلة".
ويوضح تقرير صندوق النقد الدولي في فصله الثالث، حول الآثار العالمية لسياسات الهجرة واللاجئين، كيف يمكن للتنقلات السكانية، عند إدارتها بشكل جيد، أن تعزز الاقتصادات وتدعم المجتمعات المضيفة.
وأكدت سيفانكا دانابالا، مديرة مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نيويورك، هذا المنحى عند تقديمها نتائج التقرير في منتصف أبريل/نيسان. وترى دانابالا أنه مع وضع السياسات المناسبة، يمكن للاجئين، في الواقع، المساهمة في الاقتصاد عبر تعزيز سوق العمل وزيادة الإيرادات الضريبية وبالتالي دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير التقرير في استنتاجاته إلى أنه في حين قد تواجه دول المقصد ضغوطا قصيرة الأجل على الخدمات العامة، فإن المكاسب طويلة الأجل -التي تشمل توسيع سوق العمل وزيادة الإيرادات الضريبية- يمكن أن تفوق بكثير التكاليف الأولية إذا ما تمت إدارة السياسات بفعالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی البحر المتوسط ملیون نسمة
إقرأ أيضاً:
خفايا صفقات ترحيل المهاجرين من أميركا إلى دول أخرى
#سواليف
أعادت دعوى قضائية رفعها مهاجر فنزويلي ضد وزارة الأمن الداخلي الأميركية الخميس الماضي قضية #ترحيل #المهاجرين #غير_النظاميين إلى الواجهة، والتي أصبحت وسيلة أساسية ضمن إستراتيجية إدارة الرئيس دونالد #ترامب في دعم #خطة_الترحيل_الجماعي التي وعدت بها.
يرفر رينجل -الذي رُحّل مؤخرا من الأراضي الأميركية إلى السلفادور- حمّل إدارة ترامب المسؤولية عن انتهاكات زعم أنه تعرّض لها على يد الحراس في سجن سيكوت، قبل أن يعاد ترحيله لاحقا إلى بلاده، مما أثار من جديد التساؤلات بشأن الأبعاد القانونية والإنسانية المرتبطة بهذه الترحيلات.
الدعوى تزامنت مع إعلان دولة إسواتيني الواقعة في جنوب أفريقيا عن استقبال 5 مهاجرين ضمن اتفاقية مماثلة، ليرتفع بذلك عدد الدول التي دخلت في صفقات مع الإدارة الأميركية بشأن استقبال مرحّلين منذ بداية الولاية الثانية لترامب.
مقالات ذات صلةوأعطى هذا الأمر مؤشرا على انخراط متزايد من الدول الصغيرة والنامية في تلبية طلب واشنطن للمساعدة في ملف الهجرة غير النظامية مقابل حوافز مالية ودعم سياسي.
صفقة ثلاثية
وحتى الآن، نجحت الولايات المتحدة في إبرام 6 اتفاقيات مع “دول ثالثة”، أبرزها التفاهم الثلاثي الذي تم بموجبه ترحيل مهاجرين فنزويليين من الأراضي الأميركية مرورا بالسلفادور وصولا إلى فنزويلا.
وتعد هذه الصفقة نموذجا لتقاطع المصالح بين الدول المشاركة فيها، إذ تمكنت كراكاس من استعادة 252 من مواطنيها مقابل إطلاق سراح 10 مواطنين أميركيين كانوا محتجزين في فنزويلا.
أما الدولة الوسيطة السلفادور فقد حصلت على 6 ملايين دولار من واشنطن لتغطية نفقات احتجاز المرحّلين، إلى جانب دعم سياسي مباشر لحكومة الرئيس نجيب أبو كيلة.
وتعود خلفية الصفقة إلى زيارة رسمية قام بها رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة في أبريل/نيسان إلى البيت الأبيض عرض حينها على ترامب استضافة المرحّلين في منشأة سيكوت ذات الحراسة المشددة.
واقترح أبو كيلة إجراء عملية تبادل يتم من خلالها ترحيل المهاجرين مقابل إطلاق فنزويلا عددا مماثلا من المعتقلين السياسيين، وهو ما رفضته حكومة نيكولاس مادورو من حيث العدد، لكن الإدارة الأميركية رأت في المقترح فرصة لاستعادة مواطنيها ضمن تسوية أقل تعقيدا.
وجرى تصنيف أغلبية المرحّلين الفنزويليين على أنهم عناصر مشتبه بانتمائهم إلى تنظيمات إجرامية، وتم التعامل معهم بموجب قانون الأعداء الأجانب لعام 1798، والذي يمنح الرئيس الأميركي صلاحيات استثنائية لترحيل أو احتجاز مواطني دول تعتبر “معادية”، دون المرور بالإجراءات القضائية المعتادة.
وسبقت فنزويلا عدة دول في أميركا اللاتينية في التعاون مع واشنطن بشأن ملف المرحّلين، أبرزها المكسيك التي استضافت نحو 6 آلاف شخص من غير مواطنيها، في إطار شراكة أمنية لإدارة الحدود الجنوبية.
أما كوستاريكا فكان نصيبها قرابة 200 مهاجر مطلع عام 2025 تم احتجازهم مؤقتا قرب الحدود مع بنما التي بدورها استوعبت نحو 300 مهاجر من جنوب ووسط آسيا في مخيم سان فيسنتي، في وقت تتعرض فيه البلاد لضغوط سياسية متصاعدة على خلفية تهديدات ترامب بإعادة السيطرة على قناة بنما.
التوسع في أفريقيا
لم تقتصر سياسة الترحيل على دول الجوار أو أميركا اللاتينية، بل عبرت المحيط لتصل القارة الأفريقية، ففي يوليو/تموز الجاري أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية عن نقل 5 مهاجرين إلى مملكة إسواتيني في جنوب القارة.
المهاجرون الذين تعود أصولهم إلى فيتنام وجامايكا وكوبا واليمن ولاوس وصفتهم تريشيا ماكلولين مساعدة وزيرة الأمن الداخلي بأنهم “مجرمون مدانون وأفراد يتسمون بوحشية استثنائية، إلى حد رفضت معه بلدانهم الأصلية إعادتهم”.
ولم تشارك حكومة إسواتيني أي تفاصيل بشأن الظروف التي رافقت عملية الترحيل، بما في ذلك الكشف عن أماكن احتجازهم، لكن السلطات أكدت -وفق ما نقلته وكالة أسوشيتد برس- أنها تعمل على إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية بمساعدة وكالة تابعة للأمم المتحدة، دون أن تحدد أي جدول زمني.
وشهد البيت الأبيض في وقت سابق من يوليو/تموز الجاري اجتماعا جمع ترامب بـ5 من قادة دول غرب أفريقيا، وهم رؤساء ليبيريا والسنغال وموريتانيا وغينيا بيساو والغابون.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام أميركية، كان ملف الهجرة حاضرا بقوة في المحادثات، حيث لم يقتصر النقاش على مسألة إعادة المواطنين الأفارقة إلى أوطانهم، بل شمل أيضا مطالبات باستقبال مهاجرين من دول ثالثة.
ورغم أن بعض القادة المشاركين أقروا بأن ملف الترحيل إلى دولهم طُرح ضمن المحادثات فإنهم نفوا وجود طلبات مباشرة من الجانب الأميركي، وبيّن ذلك الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي بقوله “لم يفرضوا شيئا، لكنهم سألوا كيف يمكننا أن نساعد”.
مراقبون أشاروا إلى أن بعض الدول الأفريقية تنظر إلى هذا التعاون المحتمل بوصفه ورقة تفاوض يمكن استخدامها لمطالبة واشنطن بتخفيف القيود الجمركية التي فُرضت مؤخرا على صادراتها، ولرفع القيود على منح التأشيرات التي فرضتها واشنطن على بعض الدول في القارة.
ترحيل دون ضمانات
أبدت منظمات حقوقية بارزة -في مقدمتها “هيومن رايتس ووتش”- مخاوفها من أن تؤدي سياسة الترحيل إلى إرسال أفراد إلى بلدان ذات سجل موثق في انتهاكات حقوق الإنسان.
ووصفت هذه الإجراءات بأنها تمثل تطبيعا للترحيل القسري وتشكل خرقا لحقهم في الحماية الدولية.
وفي السياق ذاته، أعرب ناشطون في حقوق الإنسان عن قلق متزايد من الإجراءات السريعة التي تنفذ بها عمليات الترحيل، والتي تعطي المهاجرين مهلة زمنية بسيطة لا تتجاوز اليوم، وقد تصل أحيانا إلى 6 ساعات فقط، مما يعطل حق الطعن أو الاستئناف.
وكانت وكالة الهجرة والجمارك الأميركية أصدرت مذكرة تنفيذية في 9 يوليو/تموز الجاري تسمح بموجبها بترحيل الأفراد إلى دول ثالثة بإشعار لا يقل عن 6 ساعات، وأن تعطي لهم فرصة الاتصال بمحام، كما اشترطت المذكرة تقديم الدولة المستقبِلة ضمانات بعدم تعرّض المرحّلين للاضطهاد.
وترى الإدارة الأميركية أن هذه الإجراءات تدخل ضمن الصلاحيات المشروعة للدولة في ضبط حدودها، في حين أكد مسؤولون في البيت الأبيض أن التنسيق مع الحكومات الأجنبية يشكل ركيزة أساسية في الردع المسبق للهجرة غير النظامية.
من جهته، تقدم اتحاد الحريات المدنية الأميركي بدعوى قضائية تهدف إلى وقف هذه الترحيلات بشكل عاجل.
واعتبر الاتحاد أن الترحيلات إلى دول ثالثة تنتهك القانون الدولي، خاصة اتفاقية اللاجئين واتفاقية مناهضة التعذيب، لوجود خطر حقيقي يهدد بعض الأفراد إذا أعيدوا إلى بلدانهم الأصلية.
ودافع بعض الخبراء القانونيين عن سياسة الترحيل، معتبرين أنها لا تنفصل عن واقع معقد تواجهه الحكومة الأميركية منذ سنوات، حيث ترفض بعض الدول استقبال رعاياها، خصوصا المدانين بجرائم داخل الأراضي الأميركية.
صفقات قادمة
ضمن خططها في توسيع نطاق الترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين ليشمل مناطق جديدة توجهت أنظار واشنطن إلى بالاو الدولة صغيرة المساحة، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 18 ألف نسمة لتكون المحطة التالية بعد إسواتيني.
وتقدمت الإدارة الأميركية في نهاية الأسبوع الماضي بطلب رسمي إلى سلطات بالاو لاستقبال مهاجرين ضمن خطة ما زالت تفاصيلها قيد الدراسة.
ويرى محللون أن بالاو -التي ترتبط باتفاقيات شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة وتتلقى مساعدات تنموية كبيرة- قد تجد صعوبة في رفض هذا العرض، فالموارد الاقتصادية المحدودة للدولة تشكل عامل ضغط يدفعها إلى القبول، بترتيبات لا تعبّر بالضرورة عن رغبة صادقة في المساعدة.
وكشفت “أسوشيتد برس” عن أن الولايات المتحدة لا تزال تُجري ترتيبات مع رواندا بشأن اتفاق قيد الإعداد يتضمن تمويلا أميركيا لبرنامج يهدف إلى دمج المرحّلين في المجتمع المحلي من خلال توفير منح وتسهيلات في فرص العمل.
وتأمل الحكومة الأميركية في إبرام صفقة تمكنها من ترحيل أعداد أكبر من المهاجرين بعد موافقة رواندا على استلام مواطن عراقي مقابل دعم بلغت قيمته 100 ألف دولار.