سودانايل:
2025-06-25@11:29:20 GMT

كيف تكونت الطبقة العاملة السودانية؟

تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT

بقلم :تاج السر عثمان
١
نتابع بمناسبة أول مايو اليوم العالمي للعمال ونعيد نشر هذا المقال عن تكوين وجذور نشأة الطبقة العاملة والعمل المأجور.
ترجع جذور الطبقة العاملة السودانية إلى فترة الحكم التركي _ المصري ( ١٨٢١ - ١٨٨٥) عندما قامت ترسانة الخرطوم للنقل النهري ومصانع الذخيرة والنيلة والصابون وتطور العمل المأجور ، وظهرت فئات عاملة بأجر مثل : الكتبة والموظفين والقضاء والمعلمين ، وكذلك نتيجة لترك أعداد كبيرة من المزارعين سواقيهم واراضيهم الزراعية بسبب الضرائب الباهظة ، أي تحررت أعداد كبيرة منهم من الارتباط بالأرض ، ولكن نظام الرق ونظام السخرة الذي كان موجودا في بعض المؤسسات لم يساعد في إيجاد عمال أحرار في التنقل ، إذ أن من الشروط الأساسية لظهور ونشؤ الطبقة العاملة أن يكون لها حرية التنقل وحرية التعاقد ، أي حرية بيع قوة عملها .

ذلك أنه في نمط الإنتاج الرأسمالي كما يقول ماركس في مؤلفه " الرأسمال "أصبحت قوة العمل بضاعة ، وقيمة قوة العمل هذه شأن قيمة كل بضاعة أخرى تتحدد بكمية العمل الضروري اجتماعيا لإنتاجها ، إذن قيمة قوة العمل هي تكاليف إعادة تكوين قوة العمل هذه في إطار اجتماعي محدد ( المأكل ، الملبس ، المسكن ، . الخ ) .
(للمزيد من التفاصيل : راجع تاج السر عثمان الحاج.. خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية.. ١٩٠٠-١٩٥٦، الشركة العالمية ٢٠٠٧).
وبالتالي يمكن القول وبهذا المفهوم أن الشكل الحديث لتكوين ونشوء وتطور الطبقة العاملة لم يظهر إلا مع بداية القرن العشرين عندما تم إلغاء نظام الرق والسخرة في السودان .
٢
كان من ضمن أهداف الاحتلال الإنجليزي للسودان إلغاء تجارة الرقيق ، وجاء في صلب اتفاقية 1898 م إلغاء تجارة الرقيق ومنعها منعا باتا في السودان وإلغاء كل أشكال التعامل بالرقيق . جاء في المادة ( 11 ) من الاتفاقية ( ممنوع منعا مطلقا إدخال الرقيق إلى السودان أو تصديره منه ).
وفى بداية الحكم الاستعماري واجهت الإدارة البريطانية مشكلة الرقيق التي وصفها أحد السياسيين الإنجليز كما يلي : كان على الحكومة الخيار بين أمرين أحلاهما مر : فإما الاعتراف المؤقت بالرق السائد أو التحرير الفوري للرقيق ، الأمر الذي كان يؤدى إلى تقويض الاقتصاد في البلاد ، ذلك لأن التحرير الفوري كان يؤدي إلى هجر أكثر المزارع الكائنة على ضفاف النيل ، والى فقدان قطعان كثيرة من الماشية التي يملكها البدو والى موت آلاف من الأبرياء الذين أجبروا على العيش دون خطأ من جانبهم على العيش في ظلال نظام اجتماعي معاد للأفكار الغربية ، والتي قبلوها باعتبارها أمرا ضروريا لاغنى عنه لممارسة الحياة اليومية ، والتحرير الفوري للرقيق كان يعنى إطلاق سراح آلاف الرجال والنساء دون تحمل للمسئولية في مواجهتهم والذين كانوا يصبحون مصدرا للشغب والإخلال بالآداب ( محمد عمر بشير : مشكلة جنوب السودان ، 1983 م ، ص 59 . )
ولحل مشكلة الرقيق كانت السياسة الحكومية تقوم على المبادئ والإجراءات التالية :
_ العمل على تخديم الأفراد وتطوير نظام العمل بالأجر ( كبديل عن العمل عن طريق السخرة ) وذلك عن طريق تطوير الاقتصاد .
_ اتخاذ إجراءات مضادة ومعادية لتجارة الرقيق ، مماثلة لتلك السياسة التي اتبعت فى بلدان أخرى خضعت للسيادة الأوربية .
_ السماح لكل رقيق بترك سيده إذا قرر ذلك طائعا مختارا .
_ حرمان السيد من ممارسة حقوقه القانونية لاسترداد الرقيق الذي أثر الحرية . ( بشير المرجع السابق ص 59 _ 60 ، وللمزيد من التفاصيل راجع محمد إبراهيم نقد : علاقات الرق في المجتمع السوداني ، 1995 . ) وللقارئ الذي يرغب في المزيد من آليات التحول من نظام الرق إلى العمل المأجور يمكن أن يرجع إلي بحث د . أحمد العوض سكنجة
(Slaves Into Workers ,1898 -1956 , )
بهذا الشكل حاربت والغت الإدارة الاستعمارية نظام الرق المتخلف ، وكان ذلك خطوة للأمام وعممت نظام العمل بالأجر ، أي خلقت شكلا جديدا أرقى من الاستغلال وهو العمل بالأجر بدلا عن نظام السخرة ( الرق ) الذي كان يعمل فيه الرقيق طول الوقت لصالح سيده مقابل معيشته ومعيشة أولاده .
هذا فضلا عن أن الإدارة البريطانية كانت محتاجة لهذا الشكل ( نظام العمل بالأجر ) ، حيث كانت تحتاج لعمال متحررين من قيود العبودية لكي يعملوا في المشاريع الاقتصادية والعمرانية التي كانت تخطط لها في بداية دخولها للسودان مثل : مشروع الجزيرة ، السكك الحديدية ، والميناء . الخ . وان نظام العبودية كان نظاما متخلفا ولا يتناسب مع الشكل الجديد للاستغلال الرأسمالي الذي كانت الإدارة البريطانية تريد غرسه في السودان .
٣
على انه يجب القول أن تحرير الرقيق كان خطوة إنسانية تقدمية في سلم تطور الإنسان السوداني ، فالسودان عرف نظام الرق منذ أقدم مملكة سودانية ( مملكة كرمة عام 2000 ق . م ) ، واستمر هذا النظام في كل الممالك السودانية القديمة والوسيطة ، والتاريخ الحديث حتى نهاية القرن التاسع عشر . هذا إضافة إلى أن المشاريع الجديدة كانت محتاجة إلى عقلية جديدة تتعامل مع أدوات الإنتاج الحديثة التي أدخلها المستعمر ، والواقع أنها بدأت تدخل السودان منذ بداية الحكم التركي مثل : البواخر النهرية التي بدأت تحل محل المراكب ، والتلغراف الذي بدأ يحل محل الهجانة ، والأسلحة النارية التي حلت محل الأسلحة البيضاء وما احتاجته من مصانع للذخيرة والبارود ، كما دخل نظام التعليم الحديث الذي بدأ يحل محل الخلاوى الذي انتشر في فترة السلطنة الزرقاء .
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر اندفعت الثورة الصناعية في إنجلترا ومنها إلى بلدان العالم الرأسمالي الأخرى والمستعمرات . بإعادة احتلال السودان عام 1898 م ارتبط السودان مرة أخرى عن طريق إنجلترا بالنظام الرأسمالي العالمي ، وبدأ السودانيون يعرفون القاطرات ، والعربات والشاحنات ، كما بدأت تحل طلمبات الري محل السواقي ، وحلت الطواحين محل المرحاكة ( والفندك والهون ) ، كما حلت عصارات الزيوت الميكانيكية محل عصارات الجمال ، وبدأت التراكتورات تدخل في الأساليب الحديثة للإنتاج الزراعي .
كل هذه التطورات والآلات الحديثة التي بدأت تدخل السودان واتسعت منذ بداية القرن العشرين ، كانت محتاجة إلى قوى عاملة جديدة ، وكانت محتاجة إلى نوع جديد من التعليم للتعامل معها ، وبالتالي طور الاستعمار نظام التعليم ليتواءم مع احتياجاته الجديدة لتسيير مشاريعه الصناعية والخدمية ، ولسد النقص في الإداريين والكتبة لتسيير دولاب الدولة .
هكذا بدأت تظهر طبقة عاملة وفئات متعلمة تعليما حديثا ، وظهرت شركات ومشاريع زراعية وصناعية ، وبالتالي تطورت طبقة التجار الأجانب والمحليين واصحاب الملكيات الزراعية ، وهكذا ظهرت علائق انتاج جديدة ، وتوسع العمل المأ جور الذي حل محل نظام الرق .

alsirbabo@yahoo.co.uk  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الطبقة العاملة قوة العمل الذی کان

إقرأ أيضاً:

طبقة أثرياء المال العام في ليبيا تتغوّل!

لعله من أخطر مظاهر الفساد في الدول هو ظهور الطبقيّة في المجتمع، هذه الطبقيّة التي تنشأ عادة نتيجة لإختلال في الوضع الإقتصادي المجتمعي للدولة، ففي حين تنحسر الطبقة الوسطى التي هي ضامن التوازن الإقتصادي المجتمعي تتمدد الطبقة العليا وتكبرالفجوة بينها وبين الطبقتين الأخريين، ذلك هو الإنحراف الإقتصادي الذي يؤدي بالتالي الى تضخّم الطبقة الدنيا المسحوقة وهي طبقة عموم الشعب.

الملفت للنظر في ليبيا اليوم هو مدى التغوّل الذي تشهده الطبقة العليا، من الأغنياء “أثرياء المال العام” الذين تراكمت ثرواتهم بشكل سريع، نتيجة اختلاسات المال العام من خلال إدارة ممنهجة للفساد المالي، في مؤسسات القطاع العام التي اصبحت وبكل اسف مسرحاً للمفسدين وفي كل المستويات الإدارية، لقد اصبح الفساد الإداري والمالي في ليبيا بعد ان كان محتشما الى حد ما وتحت الطاولة قبل عام 2011م، اصبح اليوم جهارا نهارا وعلى المكشوف، يمارسه أغلب المسؤلين في القطاع العام كمنهاج عمل روتيني في مشهد تراجيدي نهبوي للمال العام لا مثيل له.

إن الفوضى التي عاشتها ليبيا والإنقسام منذ 2011م حتى الآن، ساهم مباشرة في استشراء الفساد الإداري والمالي، فقد تحكّمت في مفاصل الدولة الضائعة ميليشيات مسلّحة فرضت سيطرتها بقوة السلاح وتمكنت من الإستحواذ على تحاصص مؤسساتي بينها، بما يضمن لها الحصول على الأموال بطرق مشرعنة وغير مشرعنة ، الأمر الذي جعل من التكسّب النهبوي من المال العام برنامجا يوميا في التعاملات المالية والإدارية، في غياب تام للمؤسسات الرقابية التي للأسف تم تدجينها وتقاسم الكعكة معها في مشهد فساد لا نظير له.

إن الفساد المالي في ليبيا بلغ حداً لا يتصوره عقل، يكفي ان نعلم بأن تكاليف مشاريع الإنشاء او الصيانة يتم مضاعفة قيمها 4 او 5 مرات عن القيم الحقيقية، وأن تكاليف البنود التسييرية يتم التلاعب فيها بتضخيم القيم الفوترية بشكل كبير، وأن من بينها فواتير وهمية لا وجود لها اصلا، كل هذا ساهم في تراكم اموال طائلة في جيوب “طبقة اثرياء المال العام” والتي للأسف تحتوي من بين افرادها مجرمون وذووا سوابق وهواديق لا يفقهون في امر المال والاعمال شيئا، فهم يلجئون الى عملية غسيل للاموال غير مسبوقة انعكست في ارتفاع اسعار العقارات والاراضي والسيارات وأغلب السلع.

إن هذه الطبقة التي ولدت من رحم الفوضى مشوّهةً، ستكون لها تأثيراتها السلبيّة على كامل المجتمع الليبي من خلال زرع مفاهيم جديدة، تبيح سرقة المال العام، بل وتعلي من شأن اللصوص والمفسدين، وتعظّم شأنهم بما يوفّر لهم بيئة للتعالي والطغيان، فتصبح نظرتهم لعموم المجتمع مهينة، ما يدفعهم للتعامل مع المجتمع بنظرة دونيّة وتحقيريّة فيها من الإذلال والإهانة ما فيها ، إن ذلك يوطن ثقافة العبيد والسادة التي احذر منها المجتمع الليبي بقوة قبل فوات الأوان ، فكم هو مؤلم أن يصيّرنا المفسدون أثرياء المال العام عبيداً لهم بما اغتصبوه من ثروتنا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • الإمارت تتخذ خطوة من شأنها خنق الموانئ السودانية
  • «الوطني» يطالب بمراجعة نظام العلاوة الاجتماعية وربط قيمة القسط السكني بعدد أبناء الأسرة
  • جلسة مفتوحة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة السودانية والأستماع لإحاطة من ممثل الأمين العام
  • طبقة أثرياء المال العام في ليبيا تتغوّل!
  • كامل ادريس يقف على سير العمل بغرفة طوارئ امتحانات الشهادة السودانية
  • الضمان الاجتماعي.. هل يجوز رفض التمكين وما هي الفئات المستثناة؟
  • سفارة السودان بالرياض تعلن اكتمال الترتيبات لاقامة امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة للعام 2024
  • نحو 2500 طالب وطالبة يجسلون لامتحانات الشهادة الثانوية السودانية بمدينة جدة
  • نقابة UMT في المالية ترفض اختيارات المؤسسات المالية الدولية التي فاقمت الفوارق الاجتماعية
  • "شباب الشورى" تستعرض جهود تعزيز التعمين وتمكين العُمانيين في قطاعي الطاقة والمعادن