إبراهيم شقلاوي يكتب: المسيّرات تُقوّض فرص السلام
تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT
كل يوم يمر من حرب مليشيا الدعم السريع ضد الدولة السودانية، يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنهم غرباء عن معرفة طبيعة الشعب السوداني، حيث يظنون أن الهجمات الشرسة التي قادوها خلال الأيام الماضية على البنية التحتية والخدمية، بإمكانها أن تخلق واقعًا ضاغطًا على السودانيين، يجعلهم يمارسون تأثيرًا على الحكومة والجيش للذهاب إلى مفاوضات استجابة لهذا الابتزاز السياسي والعسكري المكشوف.
بينما ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة تمسّك الشعب بخياراته، رفضًا للخضوع والابتزاز. اليوم يقف السودان أمام مفترق طرق بين مشروع يسعى لترسيخ سيادة القانون والمؤسسات، وآخر يسعى لتفكيك هذه الأسس مدعومًا بأجندات خارجية. في هذا المقال نحاول مناقشة تداعيات هذه الحرب من منظور سياسي وأخلاقي، مع دعوة للمليشيا وداعميها للجلوس إلى طاولة التفاوض، بعد ما شهدته البلاد من أحداث مأساوية.
لقد تحوّلت الحرب بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع من نزاع سياسي إلى مواجهة وجودية حاسمة. لم تعد القضية نزاعًا على السلطة، كما يدّعي البعض، بل اختبارًا لمصير الدولة السودانية، بين مشروع سيادة يحتمي بالقانون والمؤسسات، ومشروع تفكيك تُغذّيه أجندات خارجية وتُسنده انتهاكات ممنهجة على الأرض.
الهجمات بالطائرات المسيّرة على مدينة بورتسودان، وتعطيل الكهرباء والمياه والاتصالات، تمثل حرب نفسية واقتصادية تهدف إلى كسر إرادة الشعب وإخضاع الدولة. وتؤكد البيانات الرسمية أن هذه المسيّرات أُطلقت من خارج الحدود، في دلالة واضحة على حجم التدخل الإقليمي ومحاولات فرض واقع سياسي جديد على السودان، لا يعكس مصالحه، بل يخدم أطرافًا خارجية ظلت تحاول السيطرة على البلاد .
عقب استهدافها البنية التحتية بمدينة بورتسودان عبر الطائرات المسيّرة، جاءت دعوة مليشيا الدعم السريع للحوار بشكل متناقض، مما عمّق القطيعة بينها وبين الشعب السوداني. الدعوة التي روّجت لها بعض المنصات الإعلامية، لم تلقَ ترحيبًا، خصوصًا مع استمرار استهداف المنشآت المدنية التي تخدم مصالح الشعب السوداني في المقام الأول.
وقد أُخذ على د. عبد الله حمدوك رئيس تنسيقية صمود ، حديثه عن الذهاب لتفاوض و عدم إدانته الصريحة للعدوان الذي شنّته المليشيا على المنشآت المدنية في بورتسودان ، رغم فداحة الهجوم وتداعياته على المواطنين والبنية التحتية. هذا الحديث اعتبره كثيرون موقفًا غير منسجم مع تطلعات الشعب السوداني، خاصة في ظل تضامن إقليمي ودولي واسع مع البلاد ، وهو ما جعل دعوته للحوار تبدو منبتّة عن الواقع ومجافية للعدالة.
لقد سقطت فرص السلام حين تحوّل التفاوض إلى أداة استسلام، وتحوّل الاستهداف بالمسيّرات إلى وسيلة ابتزاز وضغط، في ظل غياب بيئة سياسية مناسبة. فحين تُستخدم الأسلحة لفرض واقع دموي، تصبح الدعوة للتسوية مجرّد غطاء لإعادة إنتاج الفوضى. وما جرى من مذابح وجرائم كفيل بسحب أي شرعية تفاوضية من مليشيا الدعم السريع ، التي لم تترك جريمة إلا وارتكبتها، حيث ما زالت ذاكرة السودانيين يقِظة.
في أبريل ومايو 2023، ارتكبت المليشيا مجازر مرعبة في مدينة الجنينة بغرب دارفور، حصدت أرواح آلاف المدنيين في أيام قليلة، وتُركت الجثث في الشوارع وسط صمت دولي. ثم تكررت الجرائم ذاتها في ود النورة بولاية الجزيرة في ديسمبر 2023، وفي السريحة والهلالية في مطلع 2024، فضلًا عن جريمة سوق صابرين نتيجة قصفها العشوائي في فبراير 2025، راح ضحيته 61 شخصًا.
كذلك في الصالحة (3 مايو 2025م) 250 شخصًا، وآخرها جريمة مدينة النهود (مايو 2025) بشمال كردفان، التي قُتلت فيها 300 مواطن بدم بارد، وفقًا “لشبكة أطباء السودان”. وقد ارتُكبت الانتهاكات على أساس الهوية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أبشع صفحات الحروب. هذه الجرائم سياسة ممنهجة، هدفها تفريغ الأرض، وبث الرعب، وشلّ الإرادة الشعبية.
ورغم هذا الجحيم، أثبت الشعب السوداني أنه لا يُقايض الكرامة بالرفاهية. عاش كثيرون منهم بلا ماء، ولا كهرباء، ولا اتصالات، لكنهم لم يتراجعوا عن دعمهم للدولة. وكما قال الملك فيصل: “لقد كنا نعيش تحت الخيام ونستطيع أن نعود إليها، فلَئن نخسر المال خيرٌ من أن نخسر الشرف”. إنه موقف متجذّر في الوعي الجمعي السوداني، تمامًا كما عبّر مالك بن نبي: “من يفقد كرامته لا يملك إلا أن يعيش عبدًا، ولو بدا حرًّا”.
كما نراه من وجه الحقيقة، فإن الصراع في السودان لم يعد محصورًا بالجغرافيا، بل تجاوزها إلى الفضاء الإلكتروني، وأصبح يتطلب وعيًا استراتيجيًا، يبدأ بفهم طبيعة التهديد، ويمر بتحصين الجبهة الداخلية، وينتهي برفض أي تسوية تُفرض من الخارج تحت الضغط. إن خارطة الطريق لن تكون للتفاوض مع من استباحة المدن، بل مع من أدرك أهمية أن يحترم الدولة ومقدّراتها، ويضع السلاح انحيازًا لإرادة الشعب. هذه معركة الكرامة والسيادة، لا مجال فيها للتسويات الرمادية، ولا خيار أمام السودانيين سوى الانتصار.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 8 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشعب السودانی الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
تصعيد دامٍ في دارفور وكردفان: الجيش السوداني يكثّف غاراته الجوية والدعم السريع يردّ بمسيّرات
يُشار إلى أن الحرب المستمرة بين الطرفين منذ أكثر من عام تسببت في مقتل آلاف المدنيين وتشريد الملايين، في ظل عجز الجهود الدولية عن التوصل إلى تسوية. اعلان
شهد السودان يوم السبت تصعيدًا عسكريًا خطيرًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط غارات جوية وقصف بالطائرات المسيّرة أسفر عن عشرات القتلى والجرحى.
وشنت طائرات سلاح الجو السوداني غارات مكثفة على مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في مدينتي نيالا (عاصمة ولاية جنوب دارفور) والجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور)، ما أسفر عن تدمير مخازن أسلحة ومعدات عسكرية كانت المليشيا تنوي استخدامها في عملياتها العسكرية. وأكد شهود عيان في المدينتين وقوع انفجارات قوية خصوصًا قرب المطار وتصاعد أعمدة الدخان.
في المقابل، ردّت قوات حميدتي بتكثيف هجماتها باستخدام الطائرات بدون طيار، إذ استهدفت مسيّرة سجن مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، ما أسفر عن مقتل 19 سجينًا وإصابة 45 آخرين بجروح.
Relatedالسودان: قوات الدعم السريع تشن هجوماً بالمسيّرات على مطار بورتسودانمحكمة العدل الدولية تسقط دعوى السودان ضد الإمارات: ما الذي يعنيه القرار؟وتأتي هذه التطورات في وقت تزايد فيه اعتماد قوات الدعم السريع على الأسلحة بعيدة المدى والطائرات المسيّرة لضرب مواقع الجيش في مناطق بعيدة عن معاقلها، من الفاشر في دارفور إلى بورتسودان شرقًا.
يُذكر أن مدينة الأبيض تُعتبر مركزًا لوجستيًا استراتيجيًا، إذ تقع على مفترق طرق يربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق الإقليم.
وتواصلت المعارك غرب الأبيض أيضًا، حيث أعلنت قوات الدعم السريع مطلع مايو سيطرتها على مدينة النهود في غرب كردفان، ما عقّد محاولات الجيش إرسال الإمدادات إلى مدينة الفاشر، آخر معاقله في دارفور.
يُشار إلى أن الحرب المستمرة بين الطرفين منذ أكثر من عام تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين، في ظل عجز الجهود الدولية عن التوصل إلى تسوية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة