الحقيقة الأولى

لا مفرّ للمنبر من الصمت، ولا من الفارس من الرحيل؛ فكل صوت دعوي ينحسر حين يرحل صاحبه، ويبقى صدى علمه وأثره في النفوس.

الحقيقة الثانية

العلماء ميراث الأمة وبناة صروحها المعرفية؛ ولا يبقى العلم بقاءً حقيقياً إلا بقبض العلماء، فهم شجرة تنمو أجيالاً بعد رحيل أغصانها.

الحقيقة الثالثة

كل إنسان يُقاس بمنجزاته؛ فالمجد لا يُكتسب بالادعاء، وإنما بالعمل الصادق في الدعوة والتعليم والجهاد في سبيلٍ يسّر الله لفاعله الخير.

“وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون”

في يوم السبت 3 مايو 2025م، فقدت المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي داعيةً فذًّا ومعلّمًا نابهًا، انه الشيخ سعد البريك، صوت المنبر الشجي وقد رحل عن عمرٍ يناهز 63 عامًا.. ترك وراءه حزنًا عميقًا في قلوب محبيه وتل…

صوت النحل

كان رحمه كثير الترحال في الدعوة إلى الله ودعم قضايا المسلمين ومن القصص التي لا تُنسى يقول لي:

لما وصلت اول مره للصومال، نمت في فندق وقريب منه مسجد وقبل الفجر بحوالي ساعة صحيت على همهمات خفيفة كأنها أصوات النحل طلعت من الغرفة وسألت احد العاملين ماهذه الاصوات؟

قال: هذا صوت أطفال تحفيظ القرآن، يحضرون لساحة المسجد قبل الفجر بساعة تقريبا ويجلسون في الساحة يقرؤون ويحفظون القرآن الكريم

نزلت كي أراهم بعيني، لقيتهم مجموعة صغار جالسين على الحصير يرددون الآيات بخشوع تأثرت من عزيمتهم وبساطتهم، ورحت أحييهم بكلمة طيبة

ويقول لي: أجمل ما في الموضوع أنهم يبدأون يومهم بكتاب الله قبل لا يسمعوا الأذان نفسه، كأنهم النحل يجمعون رحيق الإيمان في سكون الصباح

أي أمة هذه وشبابها يصحون على كتاب الله؟

لحظة الخبر وصدى الذكريات

صدمني نبأ وفاة اخي وصديقي وشيخنا “أبا عبد الله” عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثناء رحلتي مع ابني محمد في القطار من فيينا إلى براغ..

حينها شككت في بداية في الخبر، ثم تأكدت بعد بحثٍ سريع في قوقل، بعدما انتشر خبر رحيله كما تنتشر النار في الهشيم..

توقفتُ صامتًا لأستحضر شريط ذكرياتي معه – علمه، جهده، حضوره الذي لا يُعوَّض – فمسكت قلمي مسرعًا، وأنا مدركٌ أن حقه علينا أعظم من أن تُسبره الكلمات.

كلمات وداع من محبيه

ضجّت مواقع التواصل بالحزن والدعاء، ونعاه محبوه بـ”المدرسة الدعوية المتنقلة”، مشيدين بوسطيته وجهوده في نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتكافل والدعوة الى الله

لهذا أعاد كثيرون نشر محاضراته ومقاطع من خطبه.

وكم كنت أتمنى أن يُطلق اسمه على مركز دعوي متكامل، إلى جانب تسمية شارع ايضا باسمه في مدينة الرياض، وفاءً لعطائه وتخليدًا لأثره الدعوي وجهوده في خدمة دينه ووطنه وأمته.

التعازي بالوالدين

وما اسرع الايام حين تعدها ما أسرع الأيام تجري بنا دون ان نشعر.. تبدو سرعه الأيام مخيفه..!

رُبَّ باكٍ عَلى مَيتٍ وَباكِيَةٍ

لَم يَلبَثا بَعدَ ذاكَ المَيتِ أَن بُكِيا

وَرُبَّ ناعٍ نَعى حيناً أَحِبَّتَهُ

ما زالَ يَنعى إِلى أَن قيلَ قَد نُعِيا

فلا انسى انني عزّيت ابا عبدالله بوفاة والده ووالدته قبل تسعة أشهر، وكان بينهما في الوفاة يومين تقريباً، ودُفنا في قبرين متجاورين.

ويبدو أن برّه وحبهما لم يسمح له بالبقاء بعيدًا عنهما طويلاً، فرغبت روحه باللحاق بهما

اللهم اجمعنا وإياهم وآبائنا وأمهاتنا والحبيب المصطفى ﷺ وجميع المسلمين في جنّات النعيم.

الوداع الأخير

اختتم حياته في ذاك المشهد المهيب حين صلى عليه الناس في جامع الراجحي يوم الأحد، ووري الثرى بمقبرة النسيم وسط حضورٍ كثيف من العلماء والمسؤولين والدعاة وسواد كبير من محبيه.

وكان دائمًا يردد قول الحبيب ﷺ: “خير الناس أنفعهم للناس”. ونحسبه كذلك، والله حسيبه.

الحَمدُ لِلَّهِ طوبى لِلسَعيدِ وَمَن

لَم يُسعِدِ اللَهُ بِالتَقوى فَقَد شَقِيا

كَم غافِلٍ عَن حِياضِ المَوتِ في لَعِبٍ

يُمسي وَيُصبِحُ رَكّاباً لِما هَوِيا

وَمُنقَضٍ ما تَراهُ العَينُ مُنقَطِعٌ

ما كُلُّ شَيءٍ يُرى إِلّا لِيَنقَضِيا

وحين يصمت المنبر … ويرحل الفارس، يظل أثره

صدقة جارية في قلوب من عرفه وعاش على بركته

رحم الله شيخنا سعد وأسكنه الفردوس الأعلى، وجعل علمه وعطاءه صدقةً جارية في ميزان حسناته.

أخبار السعوديةأخر أخبار السعوديةالشيخ سعد البريكبشر الصابريند.عبد الله القفاريقد يعجبك أيضاًNo stories found.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: أخبار السعودية أخر أخبار السعودية الشيخ سعد البريك

إقرأ أيضاً:

ثلاث أكاذيب في قلب جامعة هارفارد.. ما الحقيقة؟

يجذب تمثال جون هارفارد في قلب الجامعة الأميركية التي تحمل اسمه أعدادا كبيرة من السياح، ويحظى بمكانة رمزية خاصة لدى المنتسبين إلى ذلك الصرح الجامعي العريق. ورغم أن شعار الجامعة هو "الحقيقة"، فإن ذلك المعلم البارز في وسطها يلقب بـ"تمثال الأكاذيب الثلاث"، وذلك على خلفية معلومات غير دقيقة. فما قصة ذلك؟

يُعدّ تمثال جون هارفارد معلما بارزا في "ساحة هارفارد"، وهي المساحة الخضراء التاريخية والمركزية داخل حرم الجامعة في مدينة كامبردج بولاية ماساتشوستس، شمال شرق الولايات المتحدة.

ويحرص كثير من السياح الذين يزورون ذلك الفضاء التاريخي على التقاط صور إلى جانب تمثال جون هارفارد (1607-1638)، وهو رجل دين ارتبط اسمه بالجامعة التي تحمل اسمه وكان من أوائل المتبرعين لها.

ويعتقد السياح أن لمس القدم اليسرى للتمثال -وهي مصنوعة من البرونز لكن لونها أصبح يميل إلى اللون الذهبي اللامع- يجلب الحظ السعيد. كما أن طلاب الجامعة بدورهم يقدمون باستمرار على الحركة نفسها، وهم في طريقهم إلى الفصول الدراسية، آملين أن يُحالفهم الحظ في الاختبارات الأكاديمية.

لكن الإقبال الكثيف على ذلك التمثال، والسمعة الراسخة للجامعة التي تعتمد "الحقيقة" شعارا لها، يجعلان كثيرا من الزوار لا يعيرون كبير اهتمام للقب الذي يحمله، وهو "تمثال الأكاذيب الثلاث" وذلك بسبب أخطاء منقوشة عليه، وفق موقع إلكتروني تابع للجامعة الذي يسلط الأضواء على تلك "الأكاذيب" ويكشف حقيقتها.

مبنى جامعة هارفارد التاريخي في كامبردج بولاية ماساتشوستس الأميركية (شترستوك) رأس جون هارفارد؟

"الكذبة" الأولى التي يقف عندها الموقع الإلكتروني هي هوية جون هارفارد، وتحديدا عدم تطابق التمثال مع ملامح من يحمل اسمه. فعلى الرغم من أن اسم "جون هارفارد" مكتوب على قاعدة التمثال، فإنه ليس من المؤكد أنه يشبه في الواقع ملامح جون هارفارد، والسبب أنه لا توجد أي صور حية لجون هارفارد، ولا تروج في أدبيات الجامعة توصيفات لشخصه وشكله، وغير ذلك من المعلومات الخاصة.

إعلان

كما أن التمثال تم تصميمه عام 1884 أي بعد أكثر من قرنين على وفاة جون هارفارد. واستوحى مصمم التمثال النحات دانيال تشيستر فرينش رأس جون هارفارد من نموذج رأس شيرمان هوار (1860-1898) وهو سياسي وحقوقي بارز من ولاية ماساتشوستس.

جون هارفارد ليس "المؤسس"

يسود اعتقاد شبه راسخ لدى كثيرين أن جون هارفارد هو مؤسس الجامعة الأميركية العريقة التي تحمل اسمه. ومما يزيد في تثبيت ذلك الاعتقاد أن النقش على التمثال يشير إلى الرجل باعتباره "المؤسس". وهذا غير صحيح، وفق الموقع الإلكتروني للجامعة.

ويشير الموقع إلى أن هارفارد لم يكن حتى طالبًا في الكلية، لكنه كان أول المتبرعين لذلك الصرح الجامعي بنصف ممتلكاته وبمكتبته التي تضم أكثر من 400 كتاب.

تاريخ التأسيس

ويشير نقش التمثال إلى أن جامعة هارفارد أُسست عام 1638، وهذا ليس صحيحا. فالجامعة أُسست رسميا يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 1636، وكانت في البداية تسمى "الكلية الجديدة"، ولم تحمل اسمها الشهير "جامعة هارفارد" إلا عام 1639 بعد أن أصبح جون هارفارد أول المتبرعين لها.

مقالات مشابهة

  • وزير الداخليّة: كلّ ما يتمّ تداوله بعيد كل البعد عن الحقيقة
  • ثلاث أكاذيب في قلب جامعة هارفارد.. ما الحقيقة؟
  • ترميم الحقيقة في زمن «ما بعد الحقيقة»
  • منبر أبناء قبيلة البرتي يرحب بقرار مجلس الأمن والدفاع بشأن مقاطعة الإمارات دبلوماسياً
  • شاهد بالفيديو.. بعد أن قدمت له الدعوة لحضور حفلها الجماهيري.. الفنانة هدى عربي تتفاعل مع أغنيات الفنان علي الشيخ بالرقص أعلى المسرح
  • تدشين الهوية البصرية لمسابقة الشيخ حمود بن عبدالله بن خويطر المعمري للقرآن الكريم
  • «الفارس الشهم 3» توزّع حقائب مدرسية على الطلبة بغزة
  • «حين يصمت الكلام».. هانم الناجي عبد الفتاح تطلق فيلمًا قصيرًا جديدًا برؤية إنسانية جريئة
  • إغتيال الشيخ ابن خالي في النهود وجرح البلد النازف