جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-27@07:36:20 GMT

فرص عمل برؤية جديدة

تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT

فرص عمل برؤية جديدة

 

 

                  

خالد بن حمد الرواحي

في كل مرحلة مفصلية من تاريخ أي أمة، تظهر أسئلة مصيرية تفرضها التحديات، وتحركها طموحات الناس. وفي هذا السياق، لم يكن السؤال عن "فرص العمل" مجرد هاجس شبابي، بل تحوّل إلى أولوية وطنية مُلحّة، خصوصًا بعد أن تجاوز عدد الباحثين عن عمل -وفق ما أُعلن مؤخرًا- 100 ألف باحث عن عمل.

هذا الرقم لا يعبّر فقط عن تحدٍّ اقتصادي، بل يعكس حجم التطلعات المجتمعية لإحداث تغيير حقيقي في سياسات التشغيل. وهو ما يجعل رؤية 2040 أكثر من مجرد وثيقة طموحة؛ بل اختبارًا لقدرتها على التحوّل من الخطة إلى الأثر، ومن الورق إلى الواقع الذي يلمسه المواطن ويشعر به، خصوصًا أولئك الذين ينتظرون فرصة للاندماج في الحياة الاقتصادية بكرامة واستقرار.

وما يميز هذا التوجّه أنه لم يأتِ كردّ فعل ظرفي، بل كمشروع استراتيجي وطني شامل يعيد تشكيل سوق العمل من جذوره. سوق لا يُبنى على الأقدمية أو المجاملات، بل على الكفاءة، والاستحقاق، والإنتاجية، وبنية مؤسسية مرنة تضمن التمكين، لا التوظيف فقط.

لهذا، لم تكتفِ الرؤية بتشخيص المشكلات، بل بادرت بتقديم إجابات ملموسة. فجاءت مجموعة البرامج الاستراتيجية، البالغ عددها 19 برنامجًا، كخريطة طريق عملية لإصلاح سوق العمل، وتكييفه مع تطلعات الشباب، ومع المتغيرات الإقليمية والعالمية المتسارعة.

وكان لا بد أن تبدأ الخطوة من المستقبل نفسه؛ فكان تأسيس المركز الوطني للدراسات الاستشرافية بمثابة العين التي تراقب تحولات المهن والمهارات عالميًّا، وتقدم قراءات دقيقة تسترشد بها المؤسسات التعليمية وجهات التوظيف معًا، لضمان أن يكون إعداد الأفراد متوافقًا مع واقع السوق، لا مع توقعات عشوائية.

وانطلاقًا من الحاجة إلى توحيد المسارات وتحديث منظومة المؤهلات، تأسست وحدة المؤهلات الوطنية لتكون المرجعية في تصنيف المهارات، وربطها بمعايير المهن، وإعادة الاعتبار للجدارة، بدلًا من الاعتماد الأعمى على الشهادات.

ثم جاء إطار مهارات المستقبل ليأخذ زمام المبادرة في تحديث فلسفة التأهيل. فلم يعُد السؤال: "ما الذي درسته؟"، بل أصبح: "ما الذي يمكنك أن تقدمه؟". المهارات الرقمية، والتفكير النقدي، وريادة الأعمال، والأمن السيبراني، تحوّلت من كماليات إلى مكونات أساسية ضمن المناهج، والبرامج التدريبية، وخطط الإعداد الوظيفي.

ولكي تتحول الخطط إلى نتائج قابلة للقياس، كان لا بُد من أدوات دقيقة. وهنا جاءت قاعدة بيانات رأس المال البشري، لتمثل نقلة نوعية في فهم واقع التعليم، والتدريب، والتوظيف، وربطها بسوق العمل، من خلال منصة موحدة تدعم اتخاذ القرار، وتُغلق فجوات التقدير والانطباع.

لكن النية وحدها لا تكفي، ما لم ترتبط بخطوات تنفيذية تستجيب للواقع. ولهذا، شملت برامج الرؤية مجموعة من المبادرات المباشرة لتمكين الباحثين عن عمل، أبرزها برامج التدريب المقرون بالإحلال، التي تستهدف تجهيز الكوادر الوطنية لشغل وظائف تشغلها قوى عاملة وافدة، وفق متطلبات وظيفية دقيقة، وتدريب عملي فعّال.

وفي مواجهة التخصصات غير المطلوبة، وُضعت برامج لإعادة التأهيل، وإدخال الخريجين إلى مسارات جديدة تتقاطع مع مهاراتهم الأصلية. حتى الانضباط المهني لم يُغفل؛ إذ أُدرجت برامج تدريب عسكري وتأهيل شخصي، تعزز المسؤولية والالتزام، وتؤهل الشباب لحياة مهنية ناضجة.

ولأن العمل لم يعُد محصورًا في الوظائف التقليدية، كانت الرؤية أكثر واقعية حين فتحت الباب أمام العمل الحر والمبادرات الفردية، واعتبرته مسارًا اقتصاديًّا موازيًا للتوظيف المؤسسي. تم تخصيص برامج تمويل، وإرشاد، وتدريب، لتأهيل رواد الأعمال، وتشجيعهم على دخول السوق بثقة.

لكن النجاح في هذا المسار يتطلب أكثر من التدريب. لذلك، برزت الحاجة إلى دعم بيئة العمل الحر، من خلال خفض الضرائب والرسوم، وتبسيط الإجراءات، وتوفير حاضنات مرنة، تزيل العوائق من طريق المبادرين، وتمنحهم فرصة واقعية للنمو والاستمرار.

على الجانب الآخر، كان لا بد من تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي؛ فتم تأسيس صندوق الأمان الوظيفي، ليحمي من فقدوا وظائفهم بشكل مفاجئ، مع التأكيد على أهمية تسريع صرف الإعانات الشهرية للباحثين عن عمل، لتقليل الضغط النفسي والمعيشي خلال فترة الانتقال، وضمان عدم تحوّلها إلى مرحلة إحباط أو انسحاب.

ولضمان أن يكون السوق منصفًا وفعّالًا، بدأت مراجعة شاملة للتشريعات، شملت تطوير قانون العمل، وضبط سياسات التوظيف، وإنهاء الخدمة، وتنظيم العقود. كما تعالت الدعوات المجتمعية لضرورة رفع الحد الأدنى للأجور، بما يتناسب مع تكاليف المعيشة، ويجعل القطاع الخاص بيئة جاذبة، لا طاردة للكفاءات الوطنية.

ولم يغب جانب التحفيز عن المشهد؛ إذ أصبح الترقي قائمًا على الكفاءة، لا الأقدمية، وتُبنى الحوافز على الأداء، لا الولاء. كما جرى اعتماد أنماط عمل أكثر مرونة مثل: العمل عن بُعد، والجزئي، والمرن، مع دعم ثقافة التدوير والتبادل الوظيفي بين القطاعات، لإثراء المهارات والتجارب.

كل هذه التحولات ما كانت لتتحقق دون طرف أساسي في المعادلة: القطاع الخاص. فالرؤية لا تريده تابعًا، بل شريكًا فاعلًا. ولهذا، جاء تمكينه عبر تسهيلات ضريبية، وتشريعية، وتمويلية، ليتحوّل من مجرد "مستفيد" إلى "صانع للفرص".

وفي المقابل، تخاطب الرؤية الشباب بوضوح وصدق: الفرص لا تُنتظر، بل تُقتنص. والتمكين لا يُمنح، بل يُصنع بالتأهيل، والاجتهاد، واستثمار ما هو متاح من أدوات دعم وخيارات.

وهكذا، لم تعُد "الوظيفة" مجرد غاية؛ بل تحوّلت إلى بداية لمسار إنتاجي ناضج، ومسؤول، ومستدام.. وفي زمن يتغير فيه كل شيء، اختير أن يكون مستقبل الشباب قرارًا وطنيًّا... لا مجرد مصادفة.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"Startup Power".. تعلن انطلاق الموسم الرابع تحت رعاية منظمة العمل الدولية

شهد الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والمهندسة غادة لبيب نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والنائب أحمد أبو هشيمة، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ ومؤسس المسابقة، والمهندس خالد عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، وال باسل رحمي، الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وأشرف عبد الفتاح، الرئيس التنفيذي لشركة بلتون لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأريك أوشلين، مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وشخصيات عامة، فعاليات الحفل الختامي للموسم الثالث من مسابقة "Startup Power" لدعم المشروعات الناشئة، في احتفالية كبرى شارك فيها مئات الشباب أصحاب الأفكار الابتكارية من مختلف محافظات الجمهورية.
تكريم 50 فائزًا وجوائز تميز في قطاعات المستقبل
شهد الحفل تكريم 50 فائزًا من أصل 80 متسابقًا وصلوا إلى المرحلة النهائية، والذين قدموا مشروعات متميزة قابلة للتنفيذ في قطاعات متنوعة، كما تم منح جوائز تميز استثنائية لمشروعات تخصصت في مجالات التكنولوجيا الزراعية، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، وذلك تقديرًا لأهميتها في دعم الاقتصاد الوطني واستشراف مستقبل التنمية المستدامة.
ولم يغفل الحفل تكريم المحكمين والمدربين الذين ساهموا بخبراتهم في بناء قدرات المتسابقين على مدار أشهر من العمل، في مشهد يؤكد أن نجاح أي مبادرة جادة يبدأ من تكامل كل عناصر المنظومة.
وأشاد الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، بالمسابقة ودورها في دعم ريادة الأعمال في مصر، مثنيًا على دور مؤسسة أبو هشيمة الخير في دعم الشباب وتنمية قدراتهم، قائلًا: "الأهم من الجائزة هو التدريب وصناعة العقول المبشرة.. ونحن لسنا أقل من من الشباب الذين أسسوا تطبيقات غيّرت التاريخ."
وأضاف: "أحمد أبو هشيمة له باع طويل في هذا المجال، وهو رائد أعمال متميز ومعطاء، ولا يتوانى عن دعم المبادرات التي تصب في مصلحة الوطن."
أحمد أبو هشيمة: المستقبل يبدأ من هنا
وفي كلمته، قال النائب أحمد أبو هشيمة، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ ومؤسس المسابقة: "هذه المسابقة بدأت من خمس سنين، برؤية واضحة جدًا: تمكين شبابنا الطموح، تحويل أفكارهم المبدعة لمشروعات حقيقية، ومنح الاقتصاد الوطني روح جديدة.. روح فيها ابتكار، وحلم، وطموح".
وأشار "أبو هشيمة" إلى أن الموسم الثالث شهد توسعًا كبيرًا من حيث النطاق وعدد المشاركين وجودة المشروعات، حيث تم تغطية جميع محافظات الجمهورية الـ27، كما تم مضاعفة قيمة الجوائز، وفتح مجالات جديدة تواكب مستقبل الاقتصاد مثل الاقتصاد الأخضر، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الزراعية.
كما استعرض أبرز الأرقام التي حققتها المسابقة على مدار مواسمها الثلاثة:
•  13،258 شابًا تقدموا للمشاركة من مختلف أنحاء الجمهورية
•  تم تحويل أكثر من 14 ألف فكرة ريادية إلى 130 مشروعًا قائمًا
•  إجمالي الدعم المالي المقدم عبر 3 مواسم أكثر من 30 مليون جنيه
•  تم تقديم أكثر من 30،000 ساعة تدريب وإرشاد وتوجيه
• شارك في دعم المتسابقين 115 مدربًا و30 محكمًا
وأعلن " أبو هشيمة" أن الموسم الرابع من المسابقة سيكون برعاية منظمة العمل الدولية  (ILO)، واصفًا ذلك بأنه "خطوة كبيرة تؤكد الثقة الدولية في المسابقة، وتفتح أمام شبابنا أبوابًا جديدة نحو العالمية، والتطوير، والدعم الدولي الحقيقي."
باسل رحمي: المسابقة نموذج لما يجب أن تكون عليه ريادة الأعمال في مصر
من جانبه، قال الدكتور باسل رحمي، الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات، إن "Startup Power" أصبحت تمثل نموذجًا عمليًا ناجحًا لريادة الأعمال في مصر، وأضاف: "نحن في الجهاز نعتز بشراكتنا في هذه المبادرة التي أصبحت حاضنة حقيقية لأفكار الشباب، ونؤمن بأن الاستثمار في العقول الشابة هو الركيزة الأولى لبناء اقتصاد تنافسي شامل".
وتابع: "ما لمسناه من التزام وجدية في تنفيذ هذا البرنامج يجعلنا أكثر إصرارًا على توسيع التعاون وتوفير المزيد من أدوات التمويل والتدريب للمشروعات الواعدة التي تخرج من رحم هذه المسابقة".

أشرف عبد الفتاح: 50 مليون جنيه لتمويل المشروعات الفائزة
وفي هذا السياق، صرّح أشرف عبد الفتاح، الرئيس التنفيذي لشركة بلتون لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قائلًا: "نحن نؤمن بأن دعم ريادة الأعمال هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل الاقتصاد المصري، ولذلك حرصنا على أن نكون شريكًا فعّالًا في جميع مراحل مسابقة Startup Power، من مرحلة التقييم وحتى التمويل، سعداء بتمويل مجموعة من المشروعات الواعدة بقيمة تصل إلى 50 مليون جنيه، وملتزمون بمواصلة دعم رواد الأعمال وتمكينهم من تحقيق نمو حقيقي ومستدام".
شراكة دولية للموسم الرابع
وقد شهد الحفل توقيع بروتوكول تعاون جديد بين مؤسسة أبو هشيمة الخير، وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، لرعاية الموسم الرابع من المسابقة، في خطوة نوعية تؤكد على البعد الدولي للمبادرة، وتعزز حضورها كمنصة متكاملة للابتكار وريادة الأعمال في مصر، تمهيدًا لانطلاقها عربيًا وعالميًا.

مقالات مشابهة

  • «تطوير» تطلق المرحلة التدريبية من «مسار»
  • حمدان بن محمد: برؤية محمد بن راشد.. شبابنا هم رواد المستقبل ومصمموه بوعيهم وتفاؤلهم وانفتاحهم على العالم
  • تحذير من فجوة التوعية.. عبد الراضي: برامج مكافحة الإدمان بحاجة لتجديد جذري
  • «دبي للإعلام» يفتح باب التقديم لمنحة محمد بن راشد للطلبة
  • "Startup Power".. تعلن انطلاق الموسم الرابع تحت رعاية منظمة العمل الدولية
  • اعتماد برامج أكاديمية جديدة بجامعة السلطان قابوس
  • بروتوكول تعاون بين الكنيسة ووزارة الشباب والرياضة لدعم الصحة النفسية والمهارات الحياتية
  • « خليك إيجابي» تؤهل 50 شابًا وفتاة لقيادة العمل المجتمعي بالإسكندرية
  • بروتوكول تعاون بين الأزهر ووزارة الرياضة لدعم الأسرة وتمكين الشباب
  • رئيس جامعة مدينة السادات تشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بجامعة الفيوم